حول أزمة الثقافة وثقافة الأزمة 2 "نكبة ابن رشد"
تاريخ النشر: 05/10/12 | 8:16الفقيه والقاضي والفيلسوف العقلاني أبو الوليد محمد بن رشد القرطبي الأندلسي (520هـ -595 هـ/ 1126م- 1198م) من أشهر فلاسفة الاسلام، بل اكثرهم شهرة وتأثيرا في الغرب. لابن رشد مؤلفات عديدة تختص بالفلسفة والعقيدة الاسلامية، ملخصها أهمية العقل والفكر ودورهما الالزامي في فهم الدين والطبيعة، نذكر منها هنا كتابي “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال” وكتاب “البحث عن مناهج الادلة في عقائد الملة” يؤسس فيهما لدور العقل والبحث الفكري وضرورته في العقيدة الاسلامية.
عاش ابن رشد في فترة لاحقة لدور التأسيس في المشرق الاسلامي حيث تشكلت بشكل تام مناهج النقل والفقه متوجة بكتابات ومؤلفات الامام الغزالي. من هنا الاهمية القصوى لكتاب ابن رشد “تهافت التهافت” الذي رد فيه على ادعاءات الغزالي ضد الحكمة والاشتغال بالفلسفة وضرورة الاعتماد على الموروث الفقهي فقط (اغلاق باب الاجتهاد).
عندما قارب السبعين من حياته وبعد ان اتم مشروعاته العلمية المختصة بالفقه والطب والفلسفة، انبرى ابن رشد لكتاب “الجمهورية” لافلاطون فدرسه وكتب فيما يجب ان يكون عليه نظام الحكم العقلاني والمتنور. كتب ضد سلطة الفرد والحكم المطلق، وعلى ما يبدو كان هذه هو السبب في انقلاب الخليفة المنصور بن يعقوب الموحدي ضده. وقد اورد البعض ما جاء في كتاب الاتهام ضد ابن رشد وثلة من مؤيديه: “بأنهم ألفوا كتبا ما لها من خَلاق، بعيدة عن الشريعة بعد المشرقين، يوهمون بأن العقل ميزانها والحق برهانها ولكنهم شياطين أنس أخطر على الإسلام والمسلمين من أهل الكتاب وسيوف أهل الصليب دونهم مفلولة”.
ألا يشبه هذا الاتهام ما يتهم به مفكري هذا العصر من تكفير والحاد؟ كلما حاول احدهم ان يرشد الى طريق للخلاص من براثن النصوص وطرق الاستدلال الانسية، المصبوغة بالقداسة؟
انسلخ الفكر الاسلامي عن ابن رشد قبل 800 عام تقريبا الا ان فكره انتقل الى الغرب، فتأسست مدارس تعلمت فكره وتبنته وطورته. من اشهرها نذكر مدرستي باريس (فرنسا) وبادوفا (ايطاليا) ولعل دانتي اليجيري صاحب كتاب “الكوميديا الالهية” من أشهرهم. وبينما استوعب الغرب فكره وأعطى للعقل دوره في دراسة الماضي والحاضر، انكمش العالم العربي-الاسلامي يردد ما ورد في كتب القرن الرابع والخامس الهجريين، دون اجتهاد وتجديد، مئات السنين.
في القرنين التاسع عشر والعشرين قام العشرات من المفكرين والادباء ورجال الدين العرب-المسلمين بمحاولات لتجديد الرؤية الدينية، جمال الدين الافغاني، محمد عبده، أحمد امين، طه حسين، وغيرهم. الا ان تأثيرهم بقي محدودا حتى اليوم. ويعتبر المرحوم محمد عابد الجابري من اكثر الدارسين لفلسفة ابن رشد وتاريخه ولذا انصح بقراءة مؤلفاته بهذا الصدد، كما ان هناك كتب اضافية باللغة الانجليزية وغيرها تشرح تاريخ ابن رشد وتأثيره في الغرب.
هنا تكمن مشكلتنا اليوم وهي امتداد لما كان حينذاك، وهي كما اوضحنا غير متعلقة لا بالغرب، لا بالرأسمالية، ولا بالعولمة. انها مشكلتنا نحن، نحن بدأناها ويجب علينا نحن أن ننهيها.
تحية إعزاز وإكرام لتجديد المشوار
للدكتور حسام علي مصالحة المغوار
بإبداع صوغه للأزمان والأقطار
احني هامتي إجلالا لقلمه المدرار
فهنيئا لطيب الخُلق ودوام المسار
الذي يحفز بأرقى وأعمق الأفكار
جرفنا بشتى المواضيع والأطوار
لا يتوقف عن الأبحاث ليل نهار
اهنئك د. حسام من صميم قلبي وعقلي ، حقا مثل هذه المقالات الباحثة في قضايا الفكر والمنطق والعقلانية هو ما يحتاجه قارئنا والحراك الثقافي والفكري ، فمجتمعاتنا لا يمكن أن تنهض ما لم تتعلم من التراث العربي والإنساني المفكر بعمق ، المحاور بصدق ومنطق والمنقب بجرأة عن حقائق الحياة وتجلياتها في كل زمن ومكان .ابراهيم مالك