محمود الدسوقي والقصيدة التقليدية
تاريخ النشر: 06/10/12 | 11:04محمود الدسوقي من شعراء الرعيل الأول الذين ظهروا على ساحة الأدب بعد التشرد والرحيل الفلسطيني ، وأسهموا في تأسيس حركة ادبية مقاومة ورافضة للظلم والاضطهاد والقهر القومي . عرفته منصات يوم الارض ومهرجانات الأدب والشعر ، التي كانت تقام في الجليل والمثلث بهدف نشر الكلمة الوطنية الصادقة وبث الوعي الانساني والتحرري التقدمي .
والدسوقي من اوائل الشعراء العرب الفلسطينيين الذين اصدروا ديواناً شعرياً في خمسينات القرن المنصرم ، وأختار له عنوان ” السجن الاكبر” . وهو كغيره من شعراء الشعب والوطن زج به في السجن وفرضت عليه الاقامة الجبرية في محاولة لاسكات وقمع صوته وثنيه عن الكفاح والنضال، ولكنه بقي متمسكاً بمواقفه الوطنية والقومية وواصل درب العزة والكرامة الى جانب ابناء شعبه ومبدعيه ومثقفيه وطلائعه الثورية.
تأثر الدسوقي من الاحداث العربية ومشاكل الشعوب العربية وقضاياها السياسية والاجتماعية ، فغنى للثوار في الجزائر ـ بلد المليون شهيد ، وهتف لجميلة بوحيرد وجميلة بوباشا ورجاء ابي عماشة وناديا السلطي. وذكر الاديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني في دراسته عن ” الادب الفلسطيني المقاوم ” بانه حين نشر الامام احمد قصيدته عن الاشتراكية ، كتب الدسوقي قصيدة هاجم فيها الأنظمة العربية الرجعية المهترئة قائلاً :
وبثالث لبس العمامة صار في صنعاء شاعر
وطن يباع ويشترى وزعامة للغرب تاجر
وطن يباع ويشترى وزعامة تلهو وتقامر
هذا يمجد بنت محمد من جاء مكة بالبشائر
لو كان من نسل النبي لصرت بالاسلام كافر
والدسوقي صاحب عاطفة انسانية ونظرة تفاؤلية مليئة بالحب ، انه مرتبط وملتحم بالجماهير واّلامها وجراحها ومناسباتها الوطنية ، ولم يترك مناسبة وطنية وسياسية الا وقال فيها قصيدة معبرة عن الحدث . قصائده في الغالب حماسية وخطابية وهي تعبير عن الغضب الساطع ضد سياسة القهر والاقتلاع والترحيل ، وتجسيد لزفرات وأنات الالم القومي والشعور الوطني العميق والايمان بالعروبة. ويمكن القول ان مضمون قصيدته واحد وهو الثالوث المقدس ” الوطن والارض والانسان الفلسطيني” .
وفي قصائده المنشورة في الصحف والمجلات ، وفي دواوينه الشعرية الكثيرة يصور الدسوقي معاناة اللاجئ الفلسطيني في الخيام السود حيث الفقر والجوع والالم والاسى والحرمان ، ويصف شوقه وحنينه وحلمه في الصورة الى الوطن ومعانقة التراب الخصيب . ويتغنى بحيفا عروس البحر ويافا الغافية على الساحل الفلسطيني وبلد البرتقال الحزين ، التي تبكي الزمان الغابر ، والقدس الجريحة النازفة وزهرة المدائن ، التي تئن ألماً وحزناً بانتظار الفجر والشمس . كما وينشد للعمال والكادحين الذين يبنون المستقبل بمعاولهم ، ولشهداء مجزرة كفر قاسم ويوم الارض وهبة اكتوبر المجيدة والانتفاضة الفلسطينية من اجل الاستقلال والتحرر الوطني .
والواقع انه على الرغم من مرور اكثر من خمسة عقود على ولوجه محراب الشعر الا ان الدسوقي ظل صوتاً شعرياً تقليدياً ، محافظاً وأسيراً لقوالب الفنية المتجمدة ، فلم يتماش مع الحداثة وتطور القصيدة الفنية وجماليتها ولم يغيّر في شكل ومبنى ومضمون قصيدته وابتداع المعاني والصور الشعرية الجميلة والأصيلة المليئة بالخصب والغنية بالأيحاءات والدلالات العميقة والتداعيات الحرة والعمق اللغوي ، ولم يرتق بها الى الافضل ، فبقيت قصائده محافظة ومباشرة ، ملأى بالشعارات وطافحة بالزخرفة الكلامية والصياغات الأنشائية والاستعارات البلاغية . وشتان بين الشعر المباشر و” السهل الممتنع ” الذي يلامس الوجدان وشغاف القلب ويهز الكيان الأنساني.