رواية مديح لنساء العائلة في اليوم السّابع
تاريخ النشر: 31/01/15 | 10:15القدس: 29-1-2015 من جميل السلحوت-اقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية “مديح لنساء العائلة” للأديب الكبير محمود شقير، الصّادرة نهاية العام 2014 عن دار “الأهلية للنشر والتوزيع” في عمّان، وتقع في 200 صفحة من الحجم المتوسط. وتعتبر هذه الرّواية الجزء الثاني لرواية “فرس العائلة” التي صدرت في العام 2013.
بدأ النقاش ابراهيم جوهر:
رواية مديح لنساء العائلة هي الجزء الثاني المتمم لرواية فرس العائلة.
اتبع الكاتب محمود شقير أسلوبا مغايرا لأسلوبه في الجزء الأول. فهو يعتمد اعتمادا كليا على أن تقدم كل شخصية حياتها وسيرتها بلغتها مباشرة، وتتداخل الشخصيات وهي تروي بأسلوب التقطيع السينمائي (المونتاج) الفني، كما حضرت (الرسالة) أسلوبا مكان السرد.
هنا لا يجد القارئ راويا يروي، فالكل راو، وكأن الكاتب يتماشى مع التغير الذي حصل على العائلة الممتدة وسيرورة تاريخ التطور الحضاري – السياسي الذي بدأ فيه الفرد يأخذ دوره بعيدا عن عباءة العائلة الممتدة، التي تصادر خصوصيته ومكانته وحتى لغته وحضوره.
مما يلفت انتباه الدارس في هذا الجزء مديح لنساء العائلة:
– إيراد الكوميديا في حديث الشخصيات، وبعض المواقف مثل بداية التعرف على المذياع والتلفزيون بعده والكهرباء، ثم رسائل (عطوان) المحملة بألف حمل سلام، والحلم الليلي باللغة الفصيحة، ومحاولات الكتابة للتلفزيون والمسرح.
– ونقل ثقافة المرأة التقليدية التي هي جزء أصيل من ثقافة المجتمع، وتثبيت لهجة خاصة محملة بثقافة إيمانية اجتماعية هي ثقافة القرية بالتحديد. فمن الإيمان المطلق بالسّحر والجنّ والحسد إلى طريقة العلاج بالبخور من (الرّدن) والشبّة، والفتّاح والحجاب.
– وسيجد المهتم باللهجة ما يرضي طموحه حين يقف عند الألفاظ التالية، وغيرها: داشر – يتفعفل – الشر بعيد – يا حسرة راسي- وجوههم لا تضحك للرغيف السخن – فشرت عينها – اطلعي يا خايبة في طرد البوم.
وقد احتلت (الأنثى)مساحة واسعة من بيئة الرواية. فالمرأة حضرت بدور الزوجة والأم والجدة والطالبة والمديرة، كما حضرت جزءا من التشبيه؛ “الشبّة أنثى طيبة – الحرب أنثى شريرة – الحكاية أنثى مسالمة – النار أنثى لا أمان لها – المرآة أنثى لا تسلم من شرّ الجن – العتمة أنثى شريرة متفرّغة لاحتضان الجن”.
تضع الرواية قارئها على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب المبادرة للعمل الجديد المعتمد على عطاء كل فرد، ودوره بعيدا عن مصادرة دوره لصالح قائد العائلة والعشيرة. إنها دعوة للحياة والتطلع للمستقبل.
وقال جميل السلحوت:
يجد القارئ لهذه الرّواية نفسه أمام سرد روائيّ مختلف عن مثيله الذي اعتدناه، واذا كان محمّد الأصغر “الكاتب في المحكمة الشّرعيّة”يأخذ دور السّارد الرّئيسيّ في الرّواية، إلّا أنّ البطولة فيها جماعيّة، وهذا ليس خروجا عن حياة العشائر لمن يعيش واقعها، أو يعلمه، وأديبنا شقير يعيش ويعلم هذا الواقع جيّدا. وبلغته السّلسة الدّافقة ركّز أديبنا على مرحلة معيّنة من حياة العشيرة التي اختار لها اسم “العبداللات”واختار لها مكانا وهميّا تسكنه هو “راس النّبع”، ليتابع تطوّر هذه العشيرة من بداياتها التي قرأناها في “فرس العائلة”، لذا فانّ زمان “مديح لنساء العائلة” يمتدّ من أواخر أربعينات القرن العشرين، وحتى الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 وخروج منظّمة التّحرير من بيروت، وإن تطرّق الى نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وهزيمة حرب حزيران 1967، فقد كان مروره عليهما عابرا لما يخدم موضوع الرّواية، الذي يدور فحواه حول عشيرة العبداللات التي تسكن جوار مدينة القدس. ومن هنا فقد جاءت الرّواية المختلفة شكلا ومضمونا، مليئة بالأحداث والحكايات والقصص الواقعيّة والمتخيّلة في حدود الواقع، ويخطئ من يعتقد أن الأديب شقير نحا منحى سيرة بني هلال التي جاء ذِكْرٌ عابر لشيء بسيط منها، تماما مثلما يخطئ من يعتقد الشيء نفسه لحكايات ألف ليلة وليلة لوجود بعض المشاهد الجنسيّة الحييّة. وقد يكون اسم الرّواية الشّاعريّ “مديح لنساء العائلة” خادع هو الآخر لمن ظنّوا أنّ الرّواية رواية نسويّة، بل هي رواية ذكوريّة بامتياز، وهذا هو واقع الحياة البدويّة بشكل خاصّ، بل والشّرقيّة بشكل عام، وحتّى السّراويل النّسويّة الدّاخلية القصيرة والطّويلة لها مساقها الزّمني والاجتماعيّ أيضا، فنساء البادية ورجالها ومنهم “العبداللات” لم يكونوا يعرفون الملابس الدّاخليّة بشكل عام إلّا بعد عشرينات القرن العشرين، والسّروال النّسويّ الطويل فرضه واقع المرأة في مناطق الاقطاع، عندما كانت النّساء والرّجال يعملون جماعات بالأجرة في الاقطاعيّات، فقد كانوا يرتدون الثّياب الطويلة، بل كانوا في مرحلة ما يستهزؤون بمن يرتدي السّروال، وهناك شواهد في الموروث الشّعبيّ على ذلك، وجاء السّروال القصير كتقليد لسكّان المدن.
وهذه الرّواية حملت لنا مشاهد وأحداثا واقعيّة كثيرة عن الايمان بالجنّ والعفاريت والحسد والخوف منها، العلاج عند المشعوذين وغيرها، الزّواج، تعدّد الزّوجات، زواج الخطيفة، زواج الأقارب، الهجرة الى الكويت والبرازيل، سطوة شيخ القبيلة في مرحلة ما، وانحسار هذه السّطوة لاحقا، ثرثرة النّساء، وكيف تلاشت بعض هذه المفاهيم والمعتقدات نتيجة للتعليم، وتطوّر الحياة، والثورة الاجتماعيّة التي صاحبت وصول الكهرباء إلى مناطق الرّيف، واستعمالهم للمذياع وللتلفزيون وللأدوات الكهربائية كالثّلاجة والغسّالة والفرن الكهربائي.
ولم يغفل الكاتب بعض الأحداث السّياسيّة، وإن لم يركّز عليها لأنّها ليست موضوع الرّواية، كمعاناة اللاجئين بعد النّكبة الأولى، والانتخابات البرلمانية عام 1956 والتي أوصلت الدّكتور يعقوب زيّادين ابن مدينة الكرك الأردنيّة إلى الفوز بمقعد في البرلمان عن دائرة القدس وبأعلى الأصوات، وكيف دخلت الأحزاب آنذاك- خصوصا بعد النّكبة- وهي: الحزب الشّيوعيّ، حزب البعث العربيّ وحركة القومييّن العرب إلى الرّيف. ولا أعرف كيف عادت بي الذّاكرة الى مذكّرات الدّكتور يعقوب زيّادين “البدايات” والتي نشرها في سبعينات القرن العشرين، وأعيد نشرها في فلسطين، فقد أبدى دهشته من وجود الأدوات الكهربائيّة بعد خروجه عام 1964 من السّجن الذي قضى فيه ثماني سنوات، وأعتقد أنّه كان للأديب شقير دور في مراجعة تلك المذكّرات، بل ساهم في صياغتها.
ومن يعرف الواقع الذي عاشته عشيرة العبداللات المتخيّلة، وأديبنا واحد ممّن يعرفون ذلك، سيجد فيها شخصيّة الكاتب ممثّلة بمحمّد الأصغر، وإن أعطاه الكاتب وظيفة لم يعمل بها، وهي كاتب في المحكمة الشّرعية، ليبعد الأنظار عنه، لأنّه لم يكتب سيرة ذاتيّة، كما أنّه لا يحتاج إلى كثير من الذكاء ليرى شخصيّات والدي الكاتب وأعمامه وجدّه التي جاءت في الرّواية، ولا غرابة في ذلك، فأيّ كاتب يكتب شيئا من سيرته في أعماله، وإن لم يتعمّد ذلك.
وقال عبدالله دعيس:
“فهن في نهاية المطاف، نساء طيبات جديرات بالمدح لا بالذم، وما اشتغالهنّ باستغابة الناس سوى تعبير عن فراغهن وبؤس أحوالهن.” ص 160
هكذا يمدح الكاتب المبدع محمود شقير نساء العائلة على لسان أحد شخصيات الرواية، لكنه يسرد كثيرا من الصفات السلبية التي كانت تلتبس كثيرات منهن، والبؤس والشقاء الذي كان يلازم غالبيتهن، في ظل مجتمع لم يجعل للمرأة قيمة تُذكر، ولم يقّدر عملها وتضحياتها، وضنّ عليها حتى بالثناء والمديح.
يكشف الكاتب، في هذه الرواية، اللثام عن حياة النساء في الحقبة الزمنية الممتدة من أربعينات القرن العشرين حتى عام 1982، مبينا بؤس النساء، وحكاياتهن ومكائدهن أحيانا، والتخلف والجهل الذي كانت كثيرات منهن تعاني منه. لكن هذه السلبيات كلها، كانت من صنع أيدي الرجال الذين نصّبوا أنفسهم سادة لذلك المجتمع، وكان دور النساء فيه خدمتهم دون شكر أو تقدير. فعنوَنَ الكاتب لروايته “مديح لنساء العائلة” رغم أن أبطال الرواية في كثير من الأحيان رجال، يديرون دفة ذلك المجتمع الذكوري، وتدور النساء في فلكهم راضيات بقدرهن.
يخلق الكاتب حيزا مكانيا يسمّيه “راس النبع” ويدمجه في المكان والزمان الواقعيين، ليكون خياله ابداعا واقعيا يصف مرحلة من حياة الفلسطينيين في بادية القدس، فيتعمق في نفوس أصحابها، ويقودنا داخل نفسيات مختلفة، تحكي لنا حكاياتها ومشاعرها بنفسها، فيسبر أعماقها، ويُخرج مكنونات نفوسها، راسما لوحة داخلية لمشاعرهم وهمومهم، ولوحة خارجية لتفاعلات المجتمع في مرحلة كانت تتغير فيها الأمور بسرعة، وترسم ملامح مجتمع جديد يخرج من حياة البادية إلى الاستقرار. فصراع هذا المجتمع وتردده بين الأصالة والتجديد، تزامن مع الاضرابات التي كانت تعصف في نفوس أبنائه فتنعكس على سلوكهم ومحيطهم.
يتعرض الكاتب إلى كثير من المشكلات الاجتماعية، في تلك الحقبة الزمنية، عن طريق أحداث الرواية وشخصياتها، منها:
– تعدد الزوجات وعدم العدل بينهن، بل كان الزوج يهجر إحداهن لصالح الأخرى. فنرى منّان يفضل زوجته وضحا، أما فليحان فيعيش مع زوجته الثانية رسمية، ويتلاشى بالتدريج ذكر الزوجة الأولى شيخة في الرواية حتى تنسى، ولا نرى من يذكّره بحقوقها رغم أن النساء كنّ يتدخلن بأدق تفصيلات حياة الزوجين.
– تزويج القاصرات دون موافقتهن، حتى لو كان الرجل لا يليق بهن.
– لوم المرأة على عدم الانجاب، ودفع زوجها للزواج من أخرى.
– هجرة الرجل وتركه لزوجته خلفه دون الالتفات لحاجاتها الإنسانية.
– الجهل الذي كانت تحياه العديد من النساء، حيث تعيش في عالم يحكمه الخوف من المجهول، تتقي الجن والسحر وتلجأ إلى المشعوذين.
– تفضيل الذكور على الإناث.
وليس أدلّ على التفريق في المعاملة بين الذكر والأنثى من موقف عائلة منّان، مختار عائلة العبد اللات الذي تزوج ستا من النساء، من فرار ابنته فلحة وزواجها ضد رغبة العائلة، حيث اعتُبِرت جالبة للعار للعشيرة، والموقف المختلف من أخيها فليحان، الذي حاول اغتصاب فتاة ترعى الأغنام، ثم عاشر فتاة أخرى وخطفها من خطيبها وتزوجها رغما عن أهلها، ثم اشتغل بتهريب الحشيش وبنى ثروة من ذلك، ولم تجلب تصرفاته تلك العار للعشيرة!
ويقدم الكاتب العديد من الشخصيات التي حاولت التمرد على تقاليد المجتمع، وحملت عصا التغيير، وكانت عنوانا لتلك الفترة التي بدأ فيها الانفلات من ربقة العادات المقيدة لحرية الشخص. فنجمة تخلع ثوبها وترتدي الفستان بعد مغادرتها لبلدتها، ورسمية ترافق زوجها فليحان إلى حفلات الطرب والغناء، وسناء تغادر بيتها لتعمل ثم ترتدي ملابس البحر الفاضحة ولا تخفي ذلك عن نساء العشيرة. ويتزوج محمد الأكبر من مريم التي تخالفه في الدين، أمّا محمد الأصغر وهو الشخصية الرئيسية في الرواية، فيتزوج امرأة تكبره سنا، ويرفض الزواج من أخرى رغم أنها لا تنجب، ثم يستقيل من وظيفته في المحكمة الشرعية ليعمل لدى فرقة مسرحية.
قد تكون بعض هذه التغيرات سلبية، لا تصب في طريق النهوض بالمجتمع وإخراجه من براثن الجهل والظلم، لكنها رافقت فترة لم يستطع كثير من الناس فيها تحديد أهدافهم، ولم يستطيعوا ترجمة أحلامهم إلى واقع. عبّر الكاتب عن هذا عن طريق شخصية محمد الأصغر الذي كان يحلم أن يحترف الكتابة والتمثيل، لكنه كان يفشل في كل محاولة.
وقد رافق هذا، الاختلاف الشديد في توجّهات الناس الذين تفتحوا على أفكار وليدة أو دخيلة. فنرى عائلة منّان تتشظّى وتتنازعها تيارات مختلفة: فأحد الأخوة يكون في الحزب الشيوعي، والآخر ينجذب إلى التشبث بأحكام الدّين بعيدا عن الجهل، والثالث تدافعه أمواج القومية العربية، ورابع يختار الهجرة والابتعاد عن الوطن، وخامس ينغمس في حياة اللهو والمجون، وآخر يغلّب مصلحته الشخصية على كل فكر أو مبدأ. أمّا الأب المتسلط، الذي كان يقود العشيرة دون منازع فيما مضى، فإنه ينحني للعاصفة، ويقف حياديا حيال أبنائه الذين اختلفت بهم الطرق، ويرضخ للأمر الواقع، ويساير أبناء عشيرته، في تحول واضح عن القيم البدوية وتنازل عنها.
لم يغفل الكاتب في خضمّ ابحاره في الأحداث الاجتماعية التغيرات السياسية التي كانت تحدث في تلك الحقبة، فذكر النكبة وتشريد الشعب الفلسطيني في المخيمات، ثم فترة الحكم الأردني وما صاحبها من قمع للحريات، وحرب 1967 والاحتلال الصهيوني لباقي فلسطين. ولم يفصل عائلة العبد اللات عن تلك الأحداث، فقد استشهد عدد من أبنائها، وقضى محمد الكبير سنوات طويلة داخل السجون، وتحول الولد الطائش أدهم، المنغمس في الشهوات، إلى ثائر يناهض العدو ويصبح أسيرا في سجونه، في لفتة جميلة إلى تشبث الفلسطيني بأرضه ودفاعه عنها مهما ابتعدت به الدروب عن جادّة الصواب.
لغة السرد في الرواية بسيطة ممتعة، تتراوح بين الفصحى والعامية؛ في المواضع التي تؤدي فيها العامية دورا في إبراز المعنى وتجلية الواقع. يتولى بطل الرواية محمد الأصغر رواية أحداثها. لكن الراوي يتغير باستمرار، وينتقل من شخص إلى آخر في التفاتات سريعة سلسة دون إحداث إرباك للقارئ، تماما مثلما تتغير المشاهد في فيلم سينمائي.
أعجبني تنوع اللغة بين الشخصيات المختلفة. فعندما يتكلم محمد الأصغر، الشخص المثقف، تكون لغته عالية، ولكن عندما ينتقل السرد إلى فليحان، راعي الأغنام الذي لم ينل قسطا كبيرا من التعليم، تتغير اللغة وتصبح أكثر بساطة، وعندما تروي وضحا الأحداث، تصبح اللغة بسيطة جدا وسطحية، فيشعر القارئ أنه يتقمّص تلك الشخصيات المختلفة. وأعجبني أيضا دمج رسائل عطوان من البرازيل ضمن أحداث الرواية، فينقلنا الكاتب إلى البرازيل دون أن نتخلى عن أماكننا في راس النبع والقدس، وهذا ابداع يحسب للكاتب. وكما أعجبني في الرسائل، كيف أن ذكر زوجة عطوان وولده منّان بدأ يقل في كل رسالة، حتى اختفى وكأنهما ليسا موجودين، في إشارة إلى نسيان عطوان لهما، وعدم انكار العائلة لذلك، بل وتقبلها لما يقوم به عطوان وزوجته البرازيلية رغم اختلافه جذريا مع العادات والتقاليد والقيم العربية.
الصورة على غلاف الرواية جميلة ومعبرة، خاصة إذا دققنا النظر في الطريقة التي تمسك بها النساء ثيابهن بأطراف أصابعهن، معتزات بزينة تفصح عن كمائن أنفسهن. لكن الصورة لنساء بثياب وزينة هندية، ولو كانت الصورة لنساء بلباس البادية الفلسطينية وزينتها لكانت أجمل وأكثر تعبيرا عن مضمون الرواية.
يعمد الكاتب إلى ذكر أسماء شخصياته باستخدام الاسم الأول دون كنية أو لقب، حتى شخصية منان الذي كان مختار العشيرة. وأتساءل هنا، هل هذا هو الحال في البادية أم أن الناس ينادون بكناهم؟ وهل قصد الكاتب هذا ليجرد الشخصيات من جميع الصفات الخارجية التي تحجبهم عنا؟
“مديح لنساء العائلة” عمل مميز جديد، لكاتبنا المبدع محمود شقير، وإضافة مهمّة إلى الرواية الفلسطينية، ولبنة جديدة في مسيرة العطاء الأدبي الفذّ التي بدأها الكاتب منذ عقود.
وقال رفعت زيتون:
هل كان أديبنا محمود شقير كعادته لطيفا وودودا ومتعاطفا مع النساء، عندما أطلق على روايته كلمة مديح رفقا بهن رغم أن روايته كان فيها المديح والذم على حد سواء؟
نعم لقد امتدح الكاتب صبرَهن وتحملَهن الحياة بصعوباتها، ولكنه لم يصورهن ملائكة تعيش
على هذه الأرض، فأشار إلى التخلف الذي تعاني منه بعض المجتمعات وبعض النساء، وعدم
قدرتهن على التأقلم مع مظاهر الحضارة، وعدم استجابتهن للتغير في أنماط الحياة المختلفة.
أشار كذلك كثيرا إلى اقتحام الخصوصيات عند الكثير من النساء، وعادة القيل والقال والتي
أصبحت صفة ملازمة للمرأة، يتوجب على المرأة ذاتِها أن تتخلص منها، وأن تمحوَها من
صفحاتِ حياتها.
كذلك طبع المكر والكيد لبنات جنسهنّ، ولا أظنّ أنّ هذه صفة يمكن لهنّ التخلصَ منها
فهذه الخاصية أحد أسلحتها الفتاكة، التي تلجأ إليها إذا فقدت الوسيلة، تستخدمها كرصاصة
أخيرة تطلقها فلا يكون بعدها إلا القبر.
كل ذلك كان في رواية محمود شقير، ولكنه آثر أن يذكر في العنوان كلمة المديح، وهذا أحسبه له لا عليه. هي رواية شعب وبلد خصص بها عائلة، ولكنها تنطبق على كل عائلة، وبالتالي على المجتمع عموما، وبالتالي فعند الحديث عن المجتمع، نتحدث بموضوعية وبدون تزييف للحقائق، وبكل التفاصيل حتى ما يتحرّج البعض منه. فكان الصراع والحب والجنس والتجارة والوطنية،
كان هناك كل التناقضات التي يمكن أن تكون مما جعل الرواية أقرب إلى الواقع.
في البداية وجدتني أسبح فوق بحر من الأسماء كلما توغلت أكثر زاد موجها، فعدت إلى البدايات لأعرف منْ إبن منْ، ومنْ زوج منْ، وأظنني عدت مرارا للتأكد من ذلك.
وحسبت أن الأمور ستتفلت مني كلما تعمّقت أكثر في الرواية، ولكن العكس ما كان، فقد استقرت تقريبا الأسماء على ما هي إلى حد ما.
أسلوب الأديب الكبير محمود شقير بات مألوفا للقرّاء، فهو يميل إلى بساطة اللغة والتركيب،
لا يغرق نصوصه بالصور الكثيفة، رغم حلاوة اللفظ الذي يؤكد عليه دائما.
في هذه الرواية سيطر الراوي على المايكروفون إن جاز التعبير على حساب الحوار، فكان السرد هو الظاهر.
الشخصيات كانت واضحة المعالم بالنسبة لي، حيث استطاع الكاتب أن يرسخ صورتها في
ذهني بيسر ودقة وإتقان.
بعض التفاصيل كررت أكثر من مرة، وربما كان بالإمكان اختصارها.
أتمنى لكاتبنا الكبير مزيدا من النجاح والتألق، ومزيدا من العطاء في عالم الكتابة والثقافة والجمال.
وقالت رائدة أبو صويّ:
متعة الترحال عبر التاريخ بين صفحات رواية أديبنا الكبير الراقي محمود شقير، جعلتني أشعر بالفخر والأعتزاز لأنني امرأة عربية، الحياة في مضارب البدو والعادات والتقاليد ونظرة بطل الرواية محمد بن منان العبداللات للمرأة، وتصوير مشاعره الملتهبه نحو نساء القبيلة، كنت أشاهد المسلسلات البدوية، ولكن مشاهدة المسلسلات لا تمنح المساحة الواسعة جدا التي منحها اياها الأديب محمود شقير في روايته، عشت اسبوع أتصفح الرواية، وأعيد النظر بين السطور، وفي كل مرة كنت أجد نوعا من الانجذاب الى شخص من الأشخاص في الرواية. الرواية عالم مختلف، عالم كان الستار منسدلا على خصوصياته، في رواية مديح لنساء العائلة كشف المستور بصورة ممتعة، ولا تخدش الحياء.المعتقدات والعادات والتقاليد والواسطات والثروة غير الشرعية، والبذخ في المناسبات، وعلاقة الضراير ببعضهن البعض، والخيال الفني في كثير من المواقف أعطاني رغبة في رسم صور في مخيلتي لأبطال الرواية. هذه الرواية تصلح أن تكون مسلسلا تلفزيونيا من 60 حلقة، لتمتعها بأحداث ومواقف عديدة. أحداث تطرح لأول مرة في المسلسلات البدوية التي كنا نشاهدها، لم يكن التركيز فيها الا على البطل والبطلة وعين الماء، في رواية الكاتب الكبير محمود شقير شاهدنا الملابس بأدق التفاصيل، حتى أن الكاتب تعرض للباس للداخلي لنساء العائلة، وهذا لم يجرؤ أحد في اللسابق إلى التطرق لتلك الخفايا، وعندما وصف بحر يافا وقال في ص 29 كنا نذهب للشاطيء، ألعب بالرمل وأنا أتنفس هواء البحر المضمخ بروائح شتى، كانت تدهشني زرقة المياه وتموجاتها التي تخف حينا، وتهيج حينا آخر وكنت أضرب الأمواج التي تتراخى ثم تنطفيء عند الشاطيء.
كم هي رائعه هذه الصور.أريحا كانت حاضرة في الرواية ورائحة البرتقال، عمل ابداعي مدهش يستحق كل الأحترام والتقدير.
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، نزهة أبو غوش، رفيقة عثمان، سوسن عابدين الحشيم، راتب حمد، نعيم الأشهب وكاميليا عراف بدر.