الإحسان إلى الجوارح

تاريخ النشر: 03/02/15 | 11:41

1- الإحسان إلى (الجوارح)* في القرآن الكريم:
أ- الإحسان إلى (العين) بأن لا تمدّها إلى ما حرّم الله، ولا إلى ما وهب لغيرك لتحسده، وأن تتأمّل بها خلق الله وعظمته لتُنزِّهه وتُسبِّحه وتُطيعه وتعبده:
قال تعالى: (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ) (الحجر/ 88).
وقال سبحانه: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية/ 17-20).

ب- الإحسان إلى (الأذن) أو السّمع، بأن تصغي به لآيات الله، وللحكمة والموعظة الحسنة، وأن تسمع القول فتتّبع أحسنه، وأن لا تجعله أداة لالتقاط الغيبة والنميمة والشائعات، والبذاءات:
قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).

ت- الإحسان إلى (اللِّسان)، بأن يكون عفيفاً، لا يتلفّظ إلا بالكلمات الطيِّبة المُحنِّنة، وأن يكفّ عن الكذب والغيبة والتشطيط والتشهير والإفتراء، وأن يكون مفتاح خير لا مفتاح شرّ:
قال جلّ جلاله: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء/ 53).
وقال سبحانه: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ) (الشعراء/ 84).

ث- الإحسان إلى (اليد) بأن تكون أداة عطاء وبذل وتعاون ونفع وأمينة:
قال عزّ وجلّ: (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (يس/ 35).

د. الإحسان إلى (الرِّجل) بأن تسعى بها إلى ما ينفعك وينفع الناس ويرضي الله.
قال تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا) (الأعراف/ 195).

2- الإحسان إلى (الجوارح) في الأحاديث والروايات:
أ- الإحسان إلى (العين) أو البصر بإنفاذ البصيرة:
*- ربط (البصر) بـ(البصيرة):
قال رسول الله (ص): “ليس الأعمى مَن يعمى بصره، إنما الأعمى مَن تعمى بصيرته”.
وقال الإمام علي (ع): “نظر البصر لا يُجدي إذا عميت البصيرة”.
ويقول (ع): “فإنّما البصير: مَن سمعَ فتفكّر، ونظرَ فأبصر، وانتفعَ بالعِبَر، ثمّ سلك جّدداً واضحاً يتجنّبُ فيه الصرعة في المهاوي”.
وقال (ع): “قد بُصِّرتُم إن أبصرتم، وقد هُديتم إن اهتديتم”.
*- النظر إلى الخير والإقبال عليه والعمل به:
قال الإمام علي (ع): “ألا إنّ أبصر الإبصار ما نفذ في الخير طرفه”.
*- التأمّل في عيوبك ونقائصك والإنشغال بها عن عيوب وعورات الناس:
قال (ع): “أبصرُ الناس مَن أبصَرَ عيوبه وأقلعَ عن ذنوبه”.

ب- الإحسان إلى (الأذن) أي السمع بإرهافه لسماع الطيِّب الحسن من القول:
*- توجيهه لاستماع الذكرى (التذكير بالمصالح والأهداف والمصير):
قال علي (ع): “ألا إنّ أسمع الأسماع ما وعى التذكير وقبله”.

ت- الإحسان إلى (اللِّسان) أي المنطق بتوظيفه في جمال الإنسان وكماله:
*- أن توظِّفه في الأمور العشرة التالية:
قال الإمام علي (ع): “إنّ في الإنسان عشر خصال يُظهرها لسانُه: شاهد يُخبر عن الضمير، وحاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يردُّ به الجواب، وشافع يُدرك به الحاجة، وواصف يعرف به الأشياء، وأمير يأمر بالحَسن، وواعظ ينهى عن القبيح، ومُعَزٍّ تسكن به الأحزان، وحاضر تُجلى به الضّغائن، ومونق تلتذُّ به الأسماع”.

ث- الإحسان إلى (اليَد) بالعمل والكسب والإحتراف:
*- أن تكسب بها قوتك من حلال، وأن تعين بها غيرك، وأن تكتب بها ما ينفع، وأن تجعلها أداة للإصلاح:
قال رسول الله (ص): “ما أكل أحدٌ طعاماً قطّ خيراً من أن يأكلُ من عملِ يَدِه، وإنّ نبي الله داود كان يأكلُ من عملِ يَدِه”!

ج- الإحسان إلى (الرِّجل)، السعي بها إلى موطن الإصلاح والبر والإحسان والتعلّم والتعليم:
يقول الإمام علي (ع): “من كمال السعادة السعي في صلاح الجمهور”.

3- الإحسان إلى (الجوارح) في الأدب:
قال (المتنبِّي) في ضرورة الإستفادة من نعمة البصر للتمييز بين النافع والضار:
وما انتفاعُ أخ الدنيا بناظرهِ **** إذا استوت لديه الأنوارُ والظُّلَمُ
وفي المَثَل الإسكتلنديّ: “الأذن السليمة باستطاعتها الإمتناع عن سماعِ الكلام المريض”.
وفي المثل الروسي: “العين صغيرة لكنّها ترى بعيداً”.
ويقول الدّانماركيّون: “شهادةُ عينٍ أفضلُ من شهادة الأذنين”. وقال الشاعر في ضرورة تنزيه اللِّسان والسّمع:
نزِّه لسانكَ عن قولٍ تُعابُ بهِ **** وارغَبْ بسمعِكَ عن قيلٍ وعن قال
وقال (صفي الدين الحلِّي):
عوِّد لسانك قول الخير تنجو بهِ **** من زلّة اللّفظ لا من زلّة القَدَمِ
وقال (سقراط): “خلقَ اللهُ للإنسان لساناً واحداً وأذنين، لكي يسمع أكثر ممّا يتكلّم”!
وفي الحِكَم والأمثال: “يقول اللِّسانُ للجوارحِ كُلَّ صباحٍ وكل مساء: كيف أنتنَّ؟ فيقلنَ: بخير إن تركتنا”!!
وفي الإحسان كفُّ الجوارح عن الأذى، كما أنّ من الإحسان توظيفها في البر والخير والإحسان.
يقول (الإمام الشافعي):
إذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى **** ودينُكَ موقورٌ وعِرضُكَ صيِّنُ
لسانك لا تذكُر به عَوْرَةَ امرئٍ **** فكلّك عوراتٌ وللنّاس ألسنُ
وعينُك إن أبدَت إليكَ معايباً **** فصُنها وقُل: يا عينُ للناس أعينُ

4- برنامج الإحسان إلى (الجوارح):
خيرُ ما يُقدِّم لنا برنامجاً متكاملاً للإحسان إلى الجوارح، هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، الذي بيّن حقّ كل جارحةٍ من الجوارح في رسالته الشهيرة (رسالة الحقوق)، حيث يقول:
أ- حقّ البصر:
“وأمّا حقّ بصرك:
1- (فغضّهُ عمّا لا يحلّ لك): أي كفّه ومنعه من التطاول والتلصّص واستراق النظر إلى ما هو محرّم.
2- (أو ترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً (تزداد بها بصيرة)، أو تستفيد بها علماً، فإنّ البصر باب الإعتبار)”.

ب- حقّ السمع:
“وما حقّ السّمع:
فتنزيهه عن أن تجعلهُ طريقاً إلى قلبَك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيراً، أو تكسك خلقاً كريماً، فإنّه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير وشرّ”.

ت- حقّ اللِّسان:
“وأمّا حقّ اللِّسان:
1- (فإكرامه عن الخنا): أي تنزيهه عن الفحش والبذاءة في الكلام (من السّبّ والشتم والسخرية والكذب والنميمة والغيبة).
2- (وتعويده على الخير، وحمله على الأدب) أي تعويده على الصِّدق، وقول الحقّ، والموعظة الحسنة، والعفّة في استخدام الألفاظ.
3- (وإجماحه – أي إطلاقه – إلاّ لموضع الحاجة ولمنفعةٍ للدِّين والدّنيا): أي تسخيره في مواضع الرشد والنصح والتعليم والدعوة والإحسان.
4- (وإعفاؤه من الفضول الشّنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلّة عائدتها، ويعدّ شاهد العقل والدليل عليه): أي اجتناب الثرثرة واللّغو والكلام الفارغ، والحطب الذي يزيد نار جهنّم توقّداً.
5- (وتزيّن العاقل بعقله حسنُ سيرته في لسانه)”، فالمنطق أحد رسائل التعبير عن الذات والعقل والوجدان والثقافة، بل والسلوك أيضاً.

ث- حقّ اليد:
“وأمّا حقُّ يدكَ:
1- (فأن لا تبسطها إلى ما يحلّ لك، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ومن الناس اللائمة في العاجل).
وما لا يحل لك (السرقة) و(العنف) و(القتل) وكتابة التقارير المؤذية للإيقاع بالأبرياء والصالحين عند الحكّام والسلاطين.

2- (ولا تقبضها عمّا افترض الله عليها)”: من زكاةٍ وصدقاتٍ ومعوناتٍ وبرٍّ وإحسان. ولكن توقرها بقبضها عن كثير ممّا لا يحلّ لها، وبسطها إلى كثير ممّا ليس عليها، فإذا هي عقلت (كُفّت، مُنعت) شرفت في العاجل (الدّنيا).. ووجب لها حسنُ الثواب في الآجل (الآخرة).

ج- حقّ الرِّجل:
“وأمّا حقّ رجليكَ:
1- (فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحلّ لك): إلى الأماكن الموبوؤة أو المشبوهة أو التي ترتكب فيها المعاصي والمنكرات.
2- (ولا تجعلها مطيّك في الطريق المُستخفّ بأهلها فيها): أي طريق اللاهين والعابثين والمُضيِّعين أوقاتهم في السفاسف والتّرّهات.
3- (فإنّها حاملتك وسالكة بك مسك الدِّين والسّبق لك)”: فهي مطيّةٌ، أو وسيلةٌ لحملك ونقلك إلى مواطن الخير والعطاء والمنافسة في الخيرات، فلا تبخسها حقّها فتجعلها تمشي في دروب اللّهو والعبث والسّير مع المنحرفين.

04

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة