دليل المهام والمسؤوليّات في القرآن
تاريخ النشر: 04/02/15 | 10:121- مسؤوليّة المعرفة:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ) (البقرة/ 159).
التطبيق الحياتي: كلُّ معرفة يملكها الإنسان، يحمل مسؤوليّتها أمام الله بأن يُبيِّنها للناس إذا طلبوها منه، أو إذا أغفلوا عنها فلم يلتفتوا إليها، وقد يبادر هو لتقديمها لهم على طريقة الأنبياء الذين كانوا يجيبون الناس عن أسئلتهم، فإذا سكتوا بادروهم، ولولا نقل أمانة المعرفة لماتت الرسالات بموت أصحابها.
يقول رسول الله (ص): “إذا ظهرت البِدَعُ في أُمّتي فليُظْهِر العالمُ علمهُ وإلا فعليه لعنة الله”.
إنّ الطاقات مواهب الله التي يمنحها لتُسخّر في خدمة عباده لا لتُكنز كالذّهب والفضّة.
2- مسؤوليّة الوقت:
قال تعالى: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) (المؤمنون/ 112-113).
التطبيق الحياتي: الحياة فرصة لن تتكرّر، فمهما طالت فهي قصيرة، وليس الذي أصيب بمرض عضال فقال له الأطبّاءُ إنّه سيموت بعد أشهر أو أيّام معدودات، فحرص على أن يشحنها بما يستطيع من أعمال، هو وحده المهدّد بنهاية الموت، بل كلّنا على القائمة، والمتبقِّي في الكأس ثمالة، فكيف نستثمره؟
إنّها فرصتنا الوحيدة في الحصول على خير الآخرة والخلود فيها.
يقول أهل الدنيا: الوقت مال، والإسلام يقول: الوقت عمل، “الدنيا ساعة فاجعلها طاعة”. وإذا رمزنا للمال بالكسب، فالدنيا هي ميدان الكسب لحياة أفضل وأدْوَم.
ولا تُخطئ فتظنّ الطاعة عبادة شعائريّة فحسب، هل كلّ عملٍ فيه نفع الناس، ذلك أنّ “خير الناس مَن نفع النّاس”.
وقتك ليس كلّه ملكك.. لك اللّحظة التي أنتَ فيها، فما مضى فات، فلا يمكن استرجاعه، والمؤمّل (المستقبل) غيب، فلا تضمن أن تحياه.
هل هناك أوقات فراغ؟ هل هناك أوقات ضائعة؟
– في أجندة المجدِّين.. لا.
– فانظر كيف (تستثمر) الوقت لا أن (تستهلكه) أو (تجترّه).
3- مسؤوليّة الكلمة:
قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 18).
التطبيق الحياتي: مَن عدّ قوله خارج عمله فهو واهم.
هناك جاران أقرب من كلِّ جار يحصيان عليك (قولك) و(عملك)، فقولك من عملك، فما تتكلّم بشيء إلا كُتِبَ عليك، وما تفعل من شيء إلا دُوِّنَ في صحيفتك، وخادعٌ مَن يقول لك ليس على الكلام ضريبة.. إنّ ضريبته قاسية وشديدة، فقد تُلقي كلماتك بك في النار، وقد تؤدِّي بك إلى الجنّة.
وشتّان في الدنيا بين لسانين: لسان يبني وآخر يُهدِّم، لسان يُثري ولسان يُثرثر. لسان يجد خيراً فيقول، أو لا يجد فيصمت.
4- المسؤولية الذاتية:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة/ 105).
التطبيق الحياتي: لو كانت بيدك لؤلؤة، وقال الناس عنها إنها حصاة، هل يزهِّدك ذلك بقيمتها أو يُقلِّل من ثمنها في نظرك؟
إن كنتَ تعرف حقّاً نفاسة وقيمة ما بيدك، فلن يضرّك ذلك شيئاً، فإن لم تجد في هذا السوق تقويماً منصفاً، فلعلّك تجد سوقاً تعرف للؤلؤتك ثمنها وقيمتها.
إنّنا نحمل مسؤولية أنفسنا كاملة بما أوحاه الله لنا وما بلغنا عن رسول الله (ص)، ولمّا كان المؤشِّر بأيدينا، فكيف نضلّ الطريق أو ندخل المتاهة، أو كيف نسلك طريقاً يسلكه الناس ولا تؤشِّر البوصلة على اتجاهه الصحيح؟!
يقول رسول الله (ص) لأبي ذرّ: “يا أبا ذرّ! لو سلكَ الناسُ وادياً وسلك عليّ وادياً، فاسلك الوادي الذي سلكه عليّ”.
إذا كانَ المؤشِّر معك وسرتَ بحسب اتجاهه، فلا ينبغي أن يفتَّ في عضدكَ أو تستوحش السير في طريقٍ السالكون له قليلون؛ بل لا ينبغي أن يخامرك الشك في طريقك وأنتَ ترى الناس يتدفّقون بالاتجاه الخاطئ.
5- المسؤولية المشتركة:
قال تعالى في إحساس أبوينا آدم وحوّاء (ع) بالذّنب: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف/ 23).
التطبيق الحياتي: المسؤولية لا تعرف التمييز الجنسي، فكلّ! من الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، يتحمّلان المسؤولية طالما لكلٍّ منهما خياره في الطاعة أو المعصية: لأنّ الله خلق لكلٍّ منهما عقلاً يُدرك الحسن والقبيح، وإرادة يمكن أن تضعف فتستجيب للمعصية، ويمكن أن تتعالى فتكسب الموقف وتربح جائزة الفوز.
إنّنا زميلان في صفٍّ واحد، والمتفوِّق فينا هو أكثر جدّاً واجتهاداً، بقطع النظر عن هويّته الجنسية، فلا ذكوريّة في الإسلام، ولا انحيازيّة لصنف الرَّجال.
6- المسؤولية العامّة:
قال تعالى في عقر ناقة النبي صالح (ع): (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ) (الشعراء/ 157).
التطبيق الحياتي: إذا حاول أحد التلاميذ تكسير زجاج نوافذ المدرسة لأنّ المدرسة لم تعجبه، ووقف التلاميذ يتفرّجون عليه وهو يُحطِّم ويُهشِّم الزجاج من غير أن يعترضوه أو يمنعوه أو يحولوا بينه وبين جريمته، أكان مديرُ المدرسة يُعاقب الطالب المجرم ويترك الطلبة الساكتين دونما عقاب؟
في المدرسة الإسلامية، الجميع معاقبون؛ لأنّ الجميع مذنبون حتى ولو كان الفاعل واحداً.
يقول الإمام علي (ع) في سبب استخدام القرآن ضمير الجمع والقاتل واحد في قوله تعالى (فعقروها): “وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرِّضا، فقال سبحانه: (فَعَقَرُوها فأصْبَحُوا نادِمين)!“.
7- المسؤوليّة تِجاهَ الآخر:
قال تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات/ 24).
التطبيق الحياتي: يُصنِّف النبي (ص) إناطة المسؤوليّة بالجميع على النحو العمليّ التالي: “ألا كُلّكُم راعٍ وكُلّكُم مسؤولٌ عن رعيّته، فالأمير على الناسِ راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيّتهِ، والرجلُ راعٍ على أهل بيته وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأة راعية على بيتِ بَعْلها (زوجها) وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم”.ولنا أن نُصنِّف المسؤوليّة بحسب المواهب الإلهيّة بشكل عمليّ أيضاً، وكما يلي:
إذا كنتَ (عالماً)، فعبادتك الأولى (التعليم) وإرشاد الضالِّين.
وإذا كنتَ (غنيّاً)، فعبادتك الأولى (الإنفاق) ومساعدة المحتاجين.
وإذا كنتَ (قويّاً)، فعبادتك الأولى (الخدمة) ومعاونة الضّعفاء.
وإذا كنتِ (امرأةً)، فعبادتك الأولى (رعاية الزّوج والأولاد)… وهكذا.
يقول النبي (ص): “إنّ الله تعالى سائلٌ كلَّ راعٍ عمّا استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيّعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته”.
8- مسؤوليّة المواهب:
قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).
التطبيق الحياتي: يقول الإمام الصادق (ع): “يُسأل السّمعُ عمّا سمع، والبصر عمّا نظرَ إليه، والفؤاد عمّا عقد عليه”.
وذلك يوم يختمُ الله على أفواهنا فتُكلِّمه أسماعنا وأبصارنا وأيدينا وأرجلنا، وأصدق الشهادات هي (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) (يوسف/ 26).
وعليه فكلّ موهبةٍ ربّانيّة: بدنيّة أو عقليّة يُراد لها أن تكون مسخّرة في الخير والإنتاج والإعمار، فإذا أحجمت أو كفّت أو بَخِلَتْ، جُوزِيَتْ في الدنيا بالتناقص والإنعدام، وفي الآخرة بالعقوبة على عدم التوظيف في النّفع العام.
9- مسؤوليّة الدعوة إلى الخير:
قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).
التطبيق الحياتي: لماذا (منكم) وليس (كلّكم)؛ لأنّ الدعوة إلى الخير تحتاج إلى الوعي والعلم والحركة والمسؤوليّة، فهذه مهمّة خاصّة، ولكنّها ليست مغلقة، فحيثما تتوافر خصال الخير والصلاح في أيِّ إنسانٍ مسلم عالِم بمهمّته مجيدٍ لإرادته أدواتها، محسنٌ لاستخدام آليّاتها، فهو من زمرة (منكم).
وقد تتطلّب التحدِّيات الثقافية والسياسية والدينية والإجتماعية أن تشمل الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر المسلمين كلّهم، فالإسلام دائماً ينتدب مَن بهم تُسدُّ الحاجة، وتُكفى المؤونة، ممّا يصطلح عليه فقهيّاً بـ(الواجب الكفائيّ)، في قِبال الواجب العينيّ الذي يتعيّن على كلّ فرد مسلم.
فملاحقة الإنحراف الديني والفساد الإجتماعي والسياسي ليس مهمّة رسميّة في الإسلام، بل هي مهمّة إجتماعيّة، وما دور الدولة الإسلامية إلا شدّ أزر وظهور الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، بما تضيفه بين أيديهم من أدوات الدعوة إلى سبيل الله: سبيل الخير والنّفع العام.
مسؤوليّة كبرى وجليلة ومباركة هي مسؤوليّة الدعوة إلى الله، وأهمّ أدواتها (الحكمة) و(الموعظة الحسنة).
10- لائحة بالمسؤوليّات الإجتماعية:
أ- أداء الأمانة والحكم بالعدل:
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء/ 58).
التطبيق الحياتي: يُعتبر (أداء الأمانة) و(الحكم بالعدل) من أهم عناصر السلامة العامّة للتوازن الإجتماعي، وأداء الأمانة مالاً كانت أو غير مال، سرّاً أو عملاً، عِرضاً أو نفساً، ممّا يطرح الثِّقة والأمن والطمأنينة في المجتمع، فلا تفريط ولا إنكار ولا خيانة، أي أنّك كما انت مسؤول عن حاجاتك الخاصّة، فإنّك تشعر بالمسؤوليّة تجاه حاجات الآخرين، ولذلك كانت رعاية الأمانة سمة إيمانيّة: (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المعارج/ 32)، “فلا إيمان لمَن لا أمانة له” كما يقول رسول الله (ص).
وقال الإمام الصادق (ع): “إنّ ضاربَ عليٍّ بالسّيفِ وقاتلهُ لو ائتمَنَني واستنصحني واستشارني، ثمّ قبلتُ ذلك منه، لأدّيتُ إليه الأمانة”.
وأمّا الحكم بالعدل، فهو غاية الرِّسالات كلّها، وهو لا يختصّ بالمنازعات القضائيّة، بل يتّسع ليشمل كل القضايا التي يختلف الناس فيها، في علاقة الحاكم بالمحكوم، والزوج بزوجته، والأب بأبنائه، والمعلِّم بتلاميذه، وصاحب العمل بعمّاله، فلا عاطفة تنحرف، ولا رغبة تجمع، ولا قُربى تُفسِد، ولا بُعْد يُغيِّر، ولا رشوة تقلب الموازين، بل هناك واقعٌ يُنظَر إليه من خلال معطياته.
ب- الإصلاح:
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10).
التطبيق الحياتي: المؤمنُ أخو المؤمن، والمسلمُ أخو المسلم، ورُبَّ أخٍ لكَ لم تَلِدْهُ أمّك، ولكي تبقى لحمة المجتمع قويّة متماسكة، أمرَ المولى عزّ وجلّ بالإصلاح بين الأخوة في الإسلام وفي الإيمان، أي أنّنا جميعاً معنيّون ومسؤولون عن استقامة الحياة الإجتماعية في خطِّ الصلاح والإصلاح والوحدة.
إنّ لبنة البناء المتصدِّعة إذا تُرِكَت أو أهمِلَت فقد يأتي وقت يتصدّع البناء كلّه بسببها، ولذلك أعطى النبي (ص) الأهمية البالغة للإصلاح في قوله: “إصلاحُ ذات البَيْن (العلاقات البينيّة) أفضَلُ من عامّة الصلاة والصِّيام”.
ت- التّعاون:
قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2).
التطبيق الحياتي: التعاون أساس تحقيق البرّ والتقوى في حياة الناس؛ لأنّه يُمثِّل الخير في العقيدة والعمل. فليس كلُّ حاجة يقضيها الإنسانُ بنفسه أو يقدر على إنجازها لوحده، بل لابدّ من تضافر الجهود المختلفة لإنجاز الكثير منها، ولذلك نشأت الحاجة إلى تكوين الجمعيّات والمنظّمات الإجتماعية.
تأريخ الإنسانيّة يُثبت أنّها ما ارتقت فكريّاً، ولا تطوّرت عمليّاً، إلا بفضل الجهود المتنوِّعة التي تعاونت فيها البشرية في مختلف حقول العلوم والمعرفة، تعاونَ تبادلٍ وتفاعل، وتكامل، وتكافل.
مسؤولية التعاون تعني أن تعطي من فكرك، وقوّتك، وروحك للآخر مثلما يعطيك، لتجتمع الطاقات، وتتنامى المواقف، وتتضافر الجهود، وتعمر الحياة: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103).
ج- التبليغ:
قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة/ 122).
التطبيق الحياتي: (الاختصاص) في بناء المجتمع الإسلامي معتمد بشكل أساس، فلابدّ للأُمّة أن تتنوّع في سدِّ حاجاتنا الحياتيّة، ومنها المعرفة الدينيّة، فالتفقّه في الدِّين واجب كفائي على الأُمّة كلّها، أي أن تعدّ من أفرادها مجموعة تتكفّل بالحصول على المعرفة الدينيّة الشاملة التي تؤمِّن للمجتمع سلامة أحكامه ومفاهيمه ومواقفه الشرعيّة.
ح- الإحصان:
قال تعالى في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون/ 5-7).
التطبيق الحياتي: إشاعة العفّة والإحتشام في المجتمع المسلم مسؤوليّة مشتركة، مسؤوليّة الفتاة في الاستعفاف ومسؤوليّة الشاب في الاحتشام، أي الالتزام بحدود الله الشرعية في ضبط وتقنين العلاقة الجنسيّة بما يكفل إشباع هذه الحاجة عن طريق الحياة الأسريّة. ولذلك حصرت علاقة الجنسين في الإكتفاء الجسدي بالعلاقة الزوجية، وما عداها تفلّت واستهتار وفساد وإفساد، فيما تُمثِّله العلاقات غير الشرعيّة.
إحصان الفرج كفاية عن حماية المجتمع من التفسّخ الأخلاقي، ولذلك عدّ الله تعالى عدم مراعاة المسؤوليّة في هذا الجانب تجاوزاً لحدوده واعتداءً على حرماته.
خ- إيفاء الكيل والميزان:
قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن/ 9).
التطبيق الحياتي: الميزان رمز للتوازن الحياتي والدِّقّة والإستقامة في الفكر والحكم والتقويم، أي أنّه قاعدة لضبط حدود الأشياء؛ لئلّا نبخس الناس أشياءهم، فإذا اكتلنا عليهم نستوفي، وإذا كلنا لهم نُخسر ونُطفِّف.
والدِّين كعاصم لسلوك الإنسان، يريد لكل إنسان أن يأخذ حقّه كاملاً بلا تلاعب أو نقصان؛ لأنّه يطبع الحياة كلّها بطابع العدل، ونقطة الانطلاق تبدأ من الميزان الذي تُكالُ به الأشياء والمواد، وتمتدّ إلى الميزان العادل في القضاء، والعلاقة مع الآخر، وفي تقويم الأشياء المعنويّة أيضاً، فلا خضوع للهوى، أو الإنفعال، أو الإجحاف والتجنِّي.