إكرام الضيف سمة من سمات المؤمنين
تاريخ النشر: 05/02/15 | 12:41إكرام الضيف خلق من الأخلاق الحميدة التى توارثها العرب واشتهروا بها وضرب المثل بكثير منهم فى هذا المجال فى الجاهلية كحاتم الطائى وهرم بن سنان وكعب بن مامة “العقد الفريد ج 1 ص 76” وفى الإسلام أيضا، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر.
وقد أكد هذا المعنى الأصيل، وجعله سمة بارزة من سمات المؤمنين فقال فيما رواه البخارى ومسلم “من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه ” والعلاقة بين الإيمان وإكرام الضيف تظهر فى الإحساس بأن الضيف عبد من عباد الله لا يجوز أن يحرم من خير هو من فضل الله سبحانه، وأنه فى الوقت نفسه أخ فى الدين والإنسانية، والإخوة يجب عليهم أن يتحابوا ويتعاونوا، والزمان قُلَّب قد يوضع الإنسان يوما من الأيام فى موضع هذا الضيف فيحتاج إلى من يقريه ويقدم له ما ينبغى أن يقدم، وبخاصة إذا كان من بلد بعيد وانقطع به السبيل،
والحديث المتفق عليه يقول “لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
لقد نظم الرسول صلى الله عليه وسلم واجب الضيافة فجعله فى أول يوم مفروضا لازما، ولثلاثة تطوعا مؤكدا وبعد ذلك أمرا عاديا يترك للحرية والاختيار روى البخارى ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال “من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه ”.
والجملة الأخيرة لها أهميتها فى تنظيم الضيافة، فالإسلام إذا أوجب على الإنسان أن يكرم ضيفه فلا يجوز للضيف أن يسئ استغلال هذا الحق له عند من أمر بحسن استقباله، كأن يمكث مدة طويلة يثقل بها على صاحبه، ويرهقه من أمره عسرا، فربما لا يكون عنده من السعة ما يؤدى به الواجب، اللهم إلا إذا طلب هو ذلك بنفسه لمعنى من المعانى كقرابة أو صداقة أو نحوهما، ذكر ذلك الخطابى فى تعليقه على هذا الحديث، فقال عن رحيل الضيف بعد ثلاثة أيام: حتى لا يضيق صدره ويبطل أجره.
وبعض العلماء فسر ذلك بأن اليوم والليلة يكون إذا مرَّ به وسأله فليعطه كفايته لهذا اليوم وليلته، أما إذا قصده لينزل عنده فليكن ذلك فى حدود ثلاثة أيام.
ولشدة التأكيد على حق الضيف الغريب أباح الإسلام له أن يأخذ ما يحتاج إليه إن حرم منه، ودليل ذلك ما رواه أحمد برجال ثقات والحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال “أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قِراه ولا حرج عليه” والقرى اسم لما يقدم للضيف، وجاء مثل هذا الحديث عند أبى داود وابن ماجه “ليلة الضيف حق على كل مسلم. فمن أصبح بفنائه -أى داره- فهو عليه دين. إن شاء قضى وإن شاء ترك”.
ذلك هو موقف النبى صلى الله عليه وسلم من الضيف نظريا أو قولا، ومن الناحية التطبيقية وردت عدة حوادث تدل على أهمية هذا الحق، فروى مسلم أن رجلا جاء إليه صلى الله عليه وسلم متعبا، فأرسل إلى بعض نسائه يريد شيئا يقدمه إليه، فقالت: لا والذى بعثك بالحق ما عندى إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ما قالت الأولى، حتى قال كل نسائه مثل ذلك، فماذا فعل النبى صلى الله عليه وسلم ؟ قال لأصحابه: من يضيف هذا الليلة رحمه الله، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى رحله أى بيته، فقال لامرأته: هل عندك شىء؟ قالت: لا ما عندى إلا قوت صبيانى. قال فعلِّليهم بشىء، فإذا أرادوا العشاء فنوميهم. فإذا دخل ضيفنا فأطفئى السراج – وأريه أنَّا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف، وبات الرجل وزوجته طاويبن -أى جائعين- فلما أصبح ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن الله قد عجب من صنيعهما بضيفهما وفى ذلك نزل قوله تعالى{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} الحشر: 9.
هذه حادثة وحادثة أخرى، رواها أحمد بسند صحيح، أن وفد عبد القيس قدموا عليه صلى الله عليه وسلم وهم فرحون بلقائه، فاستقبلهم أصحابه خير استقبال، ورحَّب بهم ودعا لهم، ثم سألهم عن زعيمهم الأشج المنذر ابن عائذ، وأجلسه عن يمينه وسأله عن بلادهم، ثم التفت إلى الأنصار وقال لهم “أكرموا إخوانكم، فإنهم أشباهكم فى الإسلام، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين” فقام الأنصار بواجبهم نحوهم، فلما أصبحوا أراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يطمئن على ضيوفه فقال لهم “كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إياكم ” فقالوا خيرا، ألانوا فرشنا وأطابوا مطعمنا وباتوا وأصبحوا يعلموننا كتاب الله تبارك وتعالى. فأعجب النبى بذلك وفرح. “الترغيب والترهيب ج 3 ص 153 ”.