أغتيال حب..!!
تاريخ النشر: 05/02/15 | 15:34ليالي ونهاراتي تمر دون فواصل بينها، كأنها شريط من صورة واحدة، احيانا يسرع هذا الشريط، فتمحي ملامح هذا الصورة، حتى تتحول الى شريط اسود، واحيانا تبطئ وتتحول الى صورة مكررة الاف المرات… الاف المرات… فتمزقني الاف المرات…لا احاول ان اخرج من مجال هذا الشريط، الذي يطبق علي لاني اخاف ان اهوي في بئر سحيق، لا ادري ما هي حدود متاهاته… فبت آلف معيشتي معه…كما يألف المعذب سياط معذبه…!!
لم نكن نعرف، ونحن نبني حبنا من حجارة الحارة، ونهدمها ثم نبنيها من جديد، أن يدا ستاتي وتهدمه، وترمي حجارته في غياهب بئر سحيقة قاعاته… لم نكن ندري، ونحن نرسم حبنا على ورقات التينه التي كنا نحكي لها حكاياته، انه ستاتي ريح عاتية، فتعصف به وتخطف اوراقه، وترميها في متاهات اللامتناهية…!!
امك رمتنا من اتون العذاب، الذي كنا نحترق به، الى حوام يدور بسرعه الضوء، تلقفنا، وغار فينا الى عمق لم نصله بعد، ولا ندري ان كان له قاع، كي نصل اليه…
“قتلتم القتيل واتيتم لتمشوا في جنازته..!!” فخرجنا- انا وامي- وتهنا في الطريق الذي يوصل بين بيتكم وبيتنا، والذي كنا نتبارى- انا وانت- في صغرنا من يقطعه وهو مغمض العينين… وتحول الحي في عيوننا،الى كتل من الدمار،كمن خرج من تحت ضربات هزة ارضية “خربطت معالمه”…!!
وهربت…هربت من الحي.. واهل الحي ومنك…!!
حملت حقائبي، ورجعت الى اربد.. الى معهدي.. ولكني حملت شظايا حياتي المحطمة معي الى هناك… حاولت ان احتمي بكتبي، فانطبع على صفحاتها، الشريط الذي لم يعد يفارقني…
امي قالت يومها،- عندما راتنا معا-..”لن اعطي بنتي الدكتورة لمعلم رياضة..!! ” وعندما وصلك قولها، هربت مني ولم تعد الي، الا بعد غسلت روحك المهانة بدموع ومناديل مشاعري، وقلت لك يومها “انني ساترك تعليم مهنة الطب، اذا كانت هذه المهنة، ستقف حاجز بيني وبينك..!! ” وتغيبت عن الدراسة لعدة ايام، حتى اتصلت بي وقلت “: يا مجنونه ارجعي الى الجامعة..!!” فرجعت اليها تملا كياني اغنيات الفرح، لانه كان في رجوعي اليها رجوعي اليك…
وكان زيارتك لي في اربد…الزيارة التي عصفت بحبنا، فكادت تقتله من الجذور… فتحت الباب فوجدتك امامي، فتجمد كل كائن حي في كياني.. وتصلبت اطرافي، وتحولت الى اعمدة من حجارة باردة…”الا تدعيني ادخل..!!” قلت كانه شيئا عاديا… وتقدمن الباب البنات الثلاثة، شريكاتي في الغرفة، ليتبين سبب تأخري على مدخل البيت..
وعندما راينك.. قلت متلعثمة ماسكة نفسي من الانهيار: “هذا اخي محمود…!!” ولم يصدقن حتى يومنا هذا انك اخي محمود…. وخرجنا الى الشارع، وقلت لك بالحرف الواحد: “اذا كنت تريد ان تبقي هذه العلاقة…غادر اربد حالا..!!” وغادرت اربد، وانت مصاب بصدمة، لم تكن تتوقعها… جئت الى اربد ترقص كطير جاء ليلتقي بأمه بعد فراق… فلاقتك هذه الام بالجفاء والنكران، حملت بين يديك صفائح وصايا الحب ثقيلة الى اربد، فسقطت هذه الصفائح من بين يديك، فتحطمت وتحولت الى شظايا مبعثرة…وكتبت لك رسالة ابرر فيها موقفي، وقلت لك فيها ان زيارتك ستكسر كل ما بنيته من سمعه بين صديقاتي وزميلاتي، والله يعلم ما كان سيحدث لي ولنا لو عرفت عائلتي خبر زيارتك، ولكنك غبت عني وعن الحارة غياب اهل الكهف، وتركتني اتقلب على جمر جهنمي، واغلقت هاتفك النقال في وجهي… حاولت ان اتصل بك الف مرة في اليوم، فكنت كمن يتعامل مع صخرة صماء، ورميت برسائلي المكتوبة بالحبر الاسود، في صناديق البريد فشعرت، انها تبقى هناك كبضاعة ليست لها من طالب.
وقررت ان اصل اليك…الى “فينجيت”.. المعهد الذي تتعلم فيه. لانني تاكدت انني ان لم افعل ذلك، فإنني سانهار وافقد كل حواسي التي تعيش من اجل ان تلبي طلبات حبك… انك علمتني ايها القاسي “اللئيم”، ان حياتي بدونك اوراق صفراء لم تعد ذراعها تقوى على التشبث بايدي امها… علمتني ايها “اللئيم”، اني بدونك عصفورة نظرت حولها فلم تجد احدا تغني له، او تضع نفسها بين جناحيه، عندما تحتاج الى ساعة دفء وحنان…الى سماع دقات قلب…!!
وطرت اليك الى معهدك اردت لقائك… ان اغرق بعيني منك ولا يهمني كيف ستستقبلني ان ترميني…ان تقتلني بعينيك… ان تعصر كياني بتقلبات وجهك ان تريني الطريق الى جهنم…!! ولكن سأملأ رئتي بنسائم طهرك…ان املأ جعبتي من حنان زادك.!!
ووصلت الى هناك…الى الشقة التي تضمك مع اصدقائك…وعندما سالتني احدى الفتيات اليهوديات، التي كانت تقف على الباب عن هويتي، قلت لها ولا ادري- الى الان- ما الذي الهمني على هذا القول:”رولا صديقة محمود..!!” فساقتني الى الداخل وهي تصيح صديقة محمود…!!صديقة محمود…!! وقبل ان ادخل غرفتك والذهول يجمد كل خلية من كياني..”يا محمود يا خبيث…!! يا محمود يا كذاب….!! يا محمود يا…!! انطلقت اصوات من كل جهة كل تلومك لانك خبأت علاقتنا عن اصدقائك اليهود…
وانت يا محمود….. تجلس على السرير، ووجهك يتقلب بكل الوان الطيف… حاولت ان اسرق نظرة على وجهك، لاقرا شيئا فلم استطع، لان صور شريط تقلبات وجهك كانت سريعه، وكثيرة الاوان والتشكلات، ولم تسعفني الغشاوة التي غطت عيني على ملاحقة هذه الصور…
“يا همج…!! انطلق صوت من بينهم “اتركوهم لوحدهم…اتركوهم لوحدهم…!! اكمل الصوت نداءاته…
وتركونا لوحدنا…انا الف نفسي من بردي خوفي بحرام من ذهولي… وعيناك تتقاذف في داخلها مشاعر الغضب والعجز والذهول و… “ها انا جئت اليك…!! قلت بعد شعرت انني سانهار في حوام بدا يقترب مني فسكت…وسكت حتى انك لم تبق للصمت شيئا…!!”واستمرت الصور تتراكض على صفحات وجهك، ولكنها بدات تقل سرعتها شيئا فشيئا حتى كادت تستكين. حتى سألت “لماذا جئت ” بعد ان طردتني من حياتك…!!؟ فقلت والدموع تنفجر من عيوني… “انت تعرف اني ساطرد نفسي من نفسي قبل ان اطردك..!!” وقمت من الكرسي الذي كنت اجلس عليه وضممتك في حضني، وقربت اذنك من دقات قلبي، فانفجرت بالبكاء. فبكينا معا.. بكينا.. وعصافير كان تقف على شجرة، بجانب شباكك بكت معنا تغريدا…
وطفنا في حدائق المعهد الخضراء، التي كانت تغني معنا بكل الالوان، وشاركتنا طيوره في عزف سمفونية موسيقية، تحكي حكايات واحلام حبنا… وودعتك الى امل اننا رسمنا خارطة الطريق الذي فيها حبنا ولكنني يا حبيبي لم نرسم في هذه الطريق وحشا ينتظرنا فاغرا فاه، ليفترس كل ما بنيناه ورسمناه وحكيناه وحلمناه وسهرناه…
من كان يعلم، ونحن نرسم هذا الطريق ان ابن عمي، سيقتل عمك في وضح النهار، وفي وسط الحارة وفي المكان الذي كنا نبني عليه بيوتنا في صغرنا ونهدمها من جديد..!! قتل عمك في المكان الذي بدا فيه جبنا..!!
استلمت رسالتك امس والتي تقول فيها:
حبنا- يا حبيبتي- اقوى مما يغتال تحت جنح الظلام.. لا تستطيع ان تيبس اخضراره العواصف… لن تصله ايه اعاصير، فهما كانت جبروتها لانه عميقا… عميقا في رحم قلوبنا… نحن فلقتين لبذرة زرعت ونمت واثمرت حبا وحياة، وان لم يستطع تراب حارتنا ان يضم هذا الحب في حضنه، فسنبحث عن حضن اخر يضمنا اليه… ليزهر حبنا فرحا وحياة…!!
اما انا يا حبيبي.. فما زلت ابحث عن كلمات، في ركام حلمي المهدود، لاكتب لك… ما زلت ابحث عن جرعة امل، تعيد شيئا من قوة اناملي، لتقوي على الكتابة اليك…!!
بقلم: يوسسف جمال – عرعرة