الأب المثالي….مهمة ليست مستحيلة
تاريخ النشر: 17/10/12 | 14:40ثمة آباء يعجزون عن التعبير عن حبهم لأبنائهم أو يخجلون من ذلك، فيتحولون إلى القسوة المبطنة ظنًا منهم أنهم يصقلون شخصيات هؤلاء الأبناء، ويجعلون منهم رجالًا، الأمر الذي يفسد العلاقة بينهم. وقد يحصل ذلك بين الأب وابنته، إذ يظن أنه يربيها لتكون الأم الصالحة بحسب ما يعتقد، لكن غالبًا ما تأتي تلك الأساليب التربوية بنتائج عكسية. إلا أن للقسوة هذه آثار سلبية في الأبناء. فكيف يعبر الأب عن مشاعره تجاه أبنائه من دون أن يؤثر ذلك على إحترامهم له؟ وكيف يصبح الأب مثالياً؟
ان أي طفل بحاجة لثلاثة أشياء من أبيه وهي الإحساس بالأمن، والإحساس بالحب والدفء، والإحساس بالرعاية والإهتمام، وإفتقاده لهذه الأشياء ينتج عنه مشكلات في الشخصية. فمعظم الآباء والأمهات في الوقت الحالي ينخرطون في العمل من أجل توفير الأموال ويتغيبون عن المنزل، فيتم تربية الأبناء بواسطة الأقارب، بينما يعتقد معظم الآباء أن توفيرالمال للأبناء هو الأمر الأهم في العلاقة بينهما، وهو فهم خاطئ لدور الأب.على كل أب أن يظهر مشاعره تجاه أبنائه بالشكل المعنوي، وليس كأموال فحسب، كما أن تغيب الأب عن المنزل يُضعف الرابط الأسري عند الأطفال، فينمو الطفل بلا مثل واخلاق، وينساق خلف قيم المجتمع أكثر من قيم الأسرة، ما يجعله عرضة في فترة البلوغ وما بعدها للإدمان والفشل الدراسي وغيرها من مشكلات المجتمع.
جرى العرف في المجتمع الشرقي أن يأخذ الأب دور الأقوى والأم دور الأضعف، ومعظم الناس يعتقدون أن الأب يجب أن يكون صارم جدًا، وأن تكون الأم هي الطيبة الحنونة، لأنها تقضي معظم وقتها مع الأبناء. لكن مع تسارع إيقاع الحياة وخروج المرأة للعمل، لم تعد تلك القاعدة السائدة في المنزل.
ليس إعطاء المال الطريقة الوحيدة للتعبير عن الحنان، فالتعبير عن حب الأبناء مهم كتوفير المال. أما الإفصاح عن المشاعر فليس ضعفاً، ويجب التخلي عن هذا الإعتقاد، لأن مشاعر الأب تجاه الأبناء لا تتعارض مع القوانين الصارمة للتربية، فمن الممكن وضع القواعد الجدية للتربية، ومنح الحب والحنان في نفس الوقت.
يحتاج الأب أيضاً للتقرب من أبنائه، فالإحساس بالحب مفيد للأب كما هو مفيد للأبناء. فيجب عليه أن يخبر ابنه أو ابنته من وقت للآخر بأنه يحبه أو يحبها، ويحتضنهما. كما أن تربية الأبناء وصحتهم النفسية لا بد أن تحتوي على الحب والحنان والدفء إلى جانب قواعد التربية. فالقسوة والعنف يجعلان الطفل إعتماديًا سلبيًا غير قادر على إتخاذ قراراته، وغير قادر على المواجهة، يُكثر الكذب ويفتقر للإبداع، لأن الرجولة ليست قرينة القسوة، بل سلوك وأخلاق وشهامة وقد تتحلى بها الفتاة إذا أحسنت تربيتها.
أن الأب الوسطي القادر على التوجيه وإعطاء مشاعر إيجابية في نفس الوقت هو نموذج يصعب إيجاده في المجتمع الشرقي. وقليلًا ما نجد الأب الصديق، لأن الآباء غير قادرين على ممارسة الصداقة مع أبناءهم، بعكس الأم التي يمكن أن تكون صديقة جيدة، إذ تترك العقوبات والتوبيخ والشدة للأب، فيشعر بأن من أهم أدواره الشدة مع الأبناء، كما يبقى غير قادر على توضيح مشاعره لأبنائه، ما يؤدي الى حدوث فجوة عميقة بين الآباء والأبناء في معظم الأحيان.
في وقتنا الحالي، يحتاج الأبناء لتدخل الآباء بشكل أكبر في حياتهم، أكثر من تدخل الأم، إذ ظهر في حياة أبنائنا الكثير من المتغيرات والعوامل الجديدة، التي تجعلهم يتجهون إتجاهات غير سليمة، كالإستخدام الخاطئ للإنترنت ومشاهدة مواقع سيئة قد لا تتمكن الأم من منعهم، أو قد لا تكون على وعي أصلًا بهذه الأمور. كما أن التلفزيون يعرض الكثير من المسلسلات والأفلام التي تعلم الأولاد سلوكيات وأفكار وألفاظ خاطئة، والأب هو القادر على جذب الأبناء ليعلمهم التمييز بين الصواب والخطأ، وعادة ما يكون الأب قدوة لأبنائه، خاصة الذكور منهم.
يبدأ الأب الشرقي التدخل في حياة أبنائه بعد أن يكبروا ويتعلموا الكلام والجدال، تاركًا التربية والتوجيه في الصغر للأم، وهذا سلوك خاطئ، فلا بد أن يلاعب الأب إبنه في صغره، ويتحاور معه، منذ الطفولة، وبالتالي عندما تتدرج الأمور ويصبح الطفل أكبر سنًا يجد الأب نفسه قد أصبح صديقا لابنه.
في الوقت نفسه، لا ينبغي أن تكون هذه الصداقة على حساب إحترام الطفل لوالده، فإذا شارك الأب طفله إهتماماته مع إحساسه بأنه لن يتهاون في عقابه إذا أخطأ، تأتي التربية أكثر إيجابية، لأن المؤسسات الدخيلة في التربية تلقن الأبناء سلوكيات خاطئة وسلبية كالإنترنت والتلفزيون.حتى في المدرسة، لم يعد المعلم النموذج الإيجابي الذي يعلم السلوكيات السليمة ويعوض غياب الأب، لذلك يجب على الأب أن يكسر الحاجز ويشارك طفله في كل شيء منذ طفولته، ومنها إصطحابه للمسجد أو الكنيسة أو النادي، أو عند التسوق، مع ضرورة محاورته في مشاكله اليومية، والتعرف على إهتماماته بطريقة حوارية ظريفة، فيعتاد الولد التحدث مع والده في كل شئ منذ صغره.
بقلم إسراء مختار