وفد "مؤسسة الاقصى"في زيارة تواصل للسيد يعقوب باكير
تاريخ النشر: 17/10/12 | 23:22لم تكن زيارة عادية تلك التي جمعت يوم الثلاثاء 17/10/2012م بين وفد من “مؤسسة الاقصى للوقف والتراث” وقف على رأسه نائب رئيس المؤسسة الحاج سامي رزق الله ابو مخ ، للسيد يعقوب باكير، الناشط والمتابع لشؤون المستجدات بخصوص قرية العباسية المهجرة عام 1948م- وهي قرية عربية كنعانية عريقة، من قرى قضاء يافا في الجهة الشرقية منها على بعد 13 كم، و 4 كم الى الشمال من اللد -، في بيته الكائن في ضاحية عناتا في القدس المحتلة، خلف جدار الفصل العنصري البائس، زيارة ميّزها الحديث عن الشوق وحنين العودة الى قرية العباسية والى مسجدها وبياراتها وبيوتها التي هدمت بعدما هجر منها أهلها عام 1948م في الأحداث المأساوية التي عرفت بنكبة الشعب الفلسطيني، وبني على أنقاضها مستوطنة ومدينة يهودية باسم “يهود”، وقد بني على أنقاض مساكنها وقبور امواتها العمارات الفارهة.
تعرّف السيد عبد المجيد محمد اغبارية – مسؤول ملف المقدسات في “مؤسسة الاقصى”- على السيد يعقوب باكير قبل سنوات من خلال متابعته لآخر التطورات بخصوص حفريات كانت تجريها أطراف اسرائيلية في عدة مواقع في القرية، منها في جزء من موقع مقبرة القرية، او من خلال متابعة محاولات اسرائيلية للاعتداء على حرمة مسجد القرية الكبير الذي حولته المؤسسة الاسرائيلية الى كنيس يهودي، مع أن مئذنته ما زالت قائمة وشامخة.
صدمة ومرض:
في بيته أغرورقت عيناه بالدموع أكثر من مرة، وهو يحدث ضيوفه عن مشوار تعرفه وتعلقه بقريته، ارض الاجداد والآباء، قال وبسمة الصبر والأمل والتحدي لا تفارقه، كنت في الثانية عشرة من عمري عندما ذهبت برفقة احد عمومتي من العائلة في زيارة لقرية العباسية، وكان من ضمن الزائرين عدد من اهل القرية الذي سكنوا فيها وعايشوا تاريخها ومشوار التهجير، عندما وصلنا وكنت شابا صغيرا، وبدأ الاهل يتحدثون عن القرية والبيوت التي سكنوها ، وعن حاراتها وأحيائها، عن بياراتها وزروعها، عن مساجدها ومقاماتها، ويشيرون الى مواقعها التي كانت، وعن المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، لم افهم ما يجري حولي بتاتاً، ولم استطع الربط بين هذا السرد التاريخي، والواقع الحالي، حيث يعيش كل من تحدثوا حينها في المخيمات الفلسطينية، في عناتا مثلا، وأكثرهم في مخيم الجلزون، صدمت يومها صدمة كبيرة، ومرضت ولزمت فراش المرض لثلاث أيام.
انقطاع وعودة:
انقطعت عن القرية لمدة عشر سنين، وفي احد الايام حيث كنت أعمل في احد المدن اليهودية القريبة من القرية قررت أن أزور القرية مرة أخرى، وهذا ما حدث، لكنها كانت زيارة مختلفة تماماً، بسبب واقع الجيل والتعرف أكثر على تاريخ وواقع القضية الفلسطينية، شدني رابط خفي الى القرية، وأخت أتردد اليها بين حين وآخر، ولكن ومنذ خمس وعشرين سنة، أصبحت القرية ومعالمها، وكل ذرة من ذرات ترابها جزءاً من حياتي وكياني، وبدأت أبحث وأتعرف على كل تفصيلات ومعالم القرية، وأطلع على كل جديد، وبدأت أنشر بعض الصور والوقائع، وأتواصل مع أهل القرية في الداخل والخارج من اللاجئين، وزرت القرية مراراً وتكراراً مع والدي، وغيرهم من اهل البلد، وطبعا حالفني القدر ان اتعرف على الاخ عبد المجيد واخوانه من “مؤسسة الاقصى” من اجل متابعة واقع الحال وخاصة المقدسات في قرية العباسية.
قرية العباسية كانت أشبه بمدينة:
شدنا خلال الزيارة صورة، هي في الحقيقة رسمة لقرية العباسية، وضعها السيد يعقوب باكير في خزانة في وسط غرفة الاستقبال، وهي بريشة فؤاد خضر شلباية المولود عام 1930 في القرية والذي يسكن اليوم في احد مخيمات اللاجئين في الاردن، توضح الصورة ان قرية العباسية كانت أشبه بمدينة ، قرية كبيرة لها أحياؤها المتعددة، فيها مسجد كبير رئيسي، وفيها اربعة مقامات، كان عدد سكانها يوم النكبة نحو سبعة الاف فلسطيني، اما عددهم اليوم في المخيمات فيصل الى نحو خمسين الف فلسطيني.
فاجأنا “ابو محمود”- يعقوب باكير- عندما جلب طبقا مصنوعا من القش، حمله ويداه ترتعشان، وجسمه لا يكاد يحمله، “لقد جلبت هذا الطبق مؤخراً من أحد البيوت التاريخية التي بقيت في قرية العباسية، وهو صنع فلسطيني تقليدي اصيل، عمر هذا الطبق أكثر من 80 سنة”، كم كان المنظر مؤثراً، ما زالت حبات الغبار تتساقط عن الطبق، ذرات تراب عمرها أكثر من 64 سنة، هي عمر النكبة الفلطسينية، تحكي قصة الألم الفلسطيني، قصة التهجير، قصة المجازر، قصة الشوق والحنين الى ارض الوطن.
حدثنا “ابو محمود” ان أقاربه من أهالي العباسية الذين يسكنون الاردن أوصوه بأن يحضر معه في أول زيارة له للأردن هذا الطبق، حتى يحافظوا عليه، ويكون لهم دليلا وحافزا ودافعا عمليا، بل وبوصلة للعودة.
قبل ان نفارق السيد يعقوب باكير أصر على ما اعتاد عليه الشعب الفلسطيني المقدسي من كرم الضيافة ان نجتمع حول مائدة الطعام، أيضا بنكهة الطعام المقدسي، انها طبخة “المقلوبة” الفلسطينة بنكهة الباذنجان، قال “ابو محمود” لعلنا نأكل مثلها قريباً تحت احد شجرات العباسية المعمّرة ، ولم ينس السيد يعقوب ان يذكرنا انه يرتب لرحلة وزيارة جماعية لقرية العباسية يوم الثالث من عيد الاضحى القريب، تضم الاهل من القدس ومن مخيم الجلزون، مشيرا انها الثالثة من نوعها منذ عيد الفطر الأخير.
محمود أبو عطا