النهي عن الحلف بغير الله
تاريخ النشر: 04/06/15 | 14:13جاء الإسلام وأهل الجاهلية يحلفون بآلهتهم على جهة العبادة والتعظيم لها.
مضاهاة لله سبحانه وتعالى عما يشركون، كما قال عز وجل واصفًا لحالهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: ١٦٥]، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حماية لجناب التوحيد فقال: “مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ [وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى] فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ”(أخرجه أحمد ، والبخاري ، ومسلم) ، وقال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ “(أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي) أي: قال قولاً شابه به المشركين لا أنه خرج بذلك من الملة – والعياذ بالله – فإن العلماء متفقون على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به كتعظيم الله تعالى ، وكُفْرُه حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه.
وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الجاهلية في حلفهم بآبائهم؛ افتخارًا بهم، وتقديسًا لهم، وتقديمًا لأنسابهم على أخوة الإسلام جاعلين ولاءهم وعداءهم على ذلك – فقال صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلاَّ فَلْيَصْمُتْ”(أخرجه أحمد ، والبخاري ، ومسلم) وعلة هذا النهي قد بَيِّنها صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الآخر: “لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ “(أخرجه أحمد ، والترمذي) وكما قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: ٢٠٠] قال المفسرون: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم، فيقول الرجل منهم: كان أبي يُطْعِم ويحمل الحَمَالات، ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم.
أما الحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وسلم ، والإسلام، والكعبة فلا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجه من الوجوه، وإنما مَنَعَه مَنْ مَنَعَه مِنَ العلماء أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله، وأجازه من أجازه – كالإمام أحمد في أحد قوليه رضى الله عنه وتعليله ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به –؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة بالله تعالى بل تعظيمه بتعظيم الله له، وظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله تعالى غير مراد قطعًا لإجماعهم على جواز الحلف بصفات الله تعالى، فهو عموم أريد به الخصوص.
قال ابن المنذر: “اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله، فقالت طائفة: هو خاص بالأيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيمًا لغير الله تعالى كاللات والعزى والآباء، فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها، وأمّا ما كان يؤول إلى تعظيم الله كقوله: وحق النبي، والإسلام، والحج، والعمرة، والهدي، والصدقة، والعتق، ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه فليس داخلاً في النهي، وممن قال بذلك أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه، واحتجوا بما جاء عن الصحابة من إيجابهم على الحالف بالعتق، والهدي، والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور، فدل على أن ذلك عندهم ليس على عمومه؛ إذ لو كان عامًّا لنَهَوْا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئًا “(فتح الباري) ا هـ.
أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائز لا حرج فيه حيث ورد في كلام النبى صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة الكرام، فمن ذلك: – ما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: “أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ”(أخرجه ، ومسلم)، وحديث الرجل النجدي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام. وفي آخره: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ ” أَوْ “دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ”(أخرجه مسلم ، وأبو داود).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَبِّئْنِى بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّى بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ، فَقَالَ: “نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ؛ أُمُّكَ ” (أخرجه مسلم ، وابن ماجه)وعَنْ أَبِى الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ أَوِ اللَّبَّةِ؟ قَالَ: “وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ”(رواه البيهقي)
وروي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ: “نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ” فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا ، ثُمَّ قَالَ: “نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ” ، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا ، ثُمَّ قَالَ: “نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ” ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ”(أخرجه أحمد).
وجاء في قصة الأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدًا لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قال له: “وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ “(أخرجه مالك في الموطأ، والبيهقي في الكبرى، والشافعي)
وثبت في الصحاح أن امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت له: “لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ “(أخرجه أحمد ، والبخاري ، ومسلم) تعني طعام أضيافه.
قال الإمـام النووي:«ليس هذا حلفًا، وإنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقـة الحلف، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقـة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته بالله سبحانه وتعالى، فهذا هو الجواب المرضي” (شرح صحيح مسلم).
ونقل الحافظ ابن حجر قول الإمام البيضاوي في هذا الشأن حيث قال: وقال الإمام البيضاوي: «هذا اللفظ من جملة ما يزاد في الكلام لمجرد التقرير والتأكيد ولا يراد به القسم، كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد إلى النداء” (فتح الباري).
وبناءً على ذلك فإن الترجي أو تأكيد الكلام بسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم أو آل البيت أو غير ذلك كما جاء بالسؤال مما لا يُقصد به حقيقة الحلف هو أمر مشروع لا حرج على فاعله لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلام الصحابة، وجريان عادة الناس عليه بما لا يخالف الشرع الشريف، وليس هو حرامًا ولا شركًا، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم حيث يقول تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦]، ولا يجوز للعاقل أن يتهم إخوانه بالكفر والشرك فيدخل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا”(أخرجه أحمد ، ومسلم ، ومالك في الموطأ).
والله تعالى أعلى وأعلم.
من حرية كل إنسان الحلف أي طلب الرجاء العون أو الإسناد من أي منبع روحاني يريد أما لو كان اللاهوت الإسلامي الوثني أو إنساني. أما بناء منظومة من القيم والقوانين الروحانية التي تفرض على المتهم تلبيتها حسب رأيي افتراء لا فائدة تعود من ورائه.