تحديات على مرمى حجر من الانتخابات ( الحلقة الأولى )

تاريخ النشر: 19/10/12 | 5:41

بقلم الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية/الحركة الإسلامية

تأتي الانتخابات البرلمانية للكنيست التاسعة عشرة والتي تقرر إجراؤها في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني من العام 2013 ، والأمة تواجه عددا من التحديات والتوقعات … ما زالت الثورات العربية تحاول أن تكون لها الكلمة العليا ، وكلمة أنظمة الاستبداد والفساد هي السفلى ، سواء في الدول التي نجحت فيها الثورات أو في تلك التي ما زال الشعب يخوض فيها ملحمة البطولة كما يجري في سوريا .. إلا أننا نشهد ( صحوة !!! ) ولعلها تكون ( فوقة الموت) كما نقول في الأمثلة العامية ، لما تبقى من أنظمة الفساد التي بدأت تشن حربا على القوى العربية والإسلامية الحية وعلى رأسها ( الأخوان المسلمين ) على اعتبارهم خيار الشعوب الذي ظهر في أكثر من بلد عربي .. لعل دخول وزير الخارجية الإماراتي مؤخرا على خط العداء السافر للإخوان ودعوته إلى ( موقف خليجي موحد !!! ) ضد ما زعم انه مؤامرة إخوانية للهيمنة على دول الشرق الأوسط ، يمثل هذا السقوط المدوي لأنظمة نخر فيها السوس حتى وصل المخ والعظم ..

أما نحن في الداخل الفلسطيني فما زلنا نعيش حالة تمييز تتعاظم مظاهرها مع تعاظم المد المتطرف على مستوى المجتمع الإسرائيلي ، والذي بات ينعكس بوضوح فيما تمارسه الحكومة وأذرعها التنفيذية إضافة إلى وسائل الإعلام ، من دور في تغذية هذا التوجه الخطير الذي سيصيب نسيج التعايش بين اليهود والعرب في مقتل ، الأمر الذي ستكون له انعكاساته السلبية على مجمل الحياة في الدولة … مجتمعنا العربي قطع مشوارا لا بأس به في تنظيم نفسه وتوجيه حركته ، وتطوير أدواته النضالية وتحديد رؤاه الإستراتيجية ، رغم ما يواجهه من سياسة رسمية تهدف إلى استنزاف قواه الحية في معارك جانبية ، واستهلاك طاقاته في ترميم ما تهدمه ماكينة الدمار الحكومية التي تعمل ليلا ونهارا على إجهاض كل انجاز عربي حقيقي على الأرض وفي جميع المجالات المدنية والسياسية : حل المجالس والبلديات ، النقص الخطير في الميزانيات ، قضايا الأرض ومناطق النفوذ ، الأوقاف والمقدسات ، الخدمات والبنى التحتية ، التعليم والصحة والرياضة والشباب ، التصنيع والتجارة والبطالة ، حقوق الإنسان … الخ …

( 2 )

نعم ، مرت أربع سنوات تقريبا على الانتخابات التشريعية في إسرائيل في العام 2009 ، والتي وضَعَتْ الحركةَ الإسلاميةَ والقائمةَ الموحدةَ والعربيةَ للتغيير في رأس القوى العربية برلمانيا وشعبيا . وها هي إسرائيل تقف من جديد أمام انتخابات تشريعية جديدة أعتقد أنها لن تغير كثيرا في الخريطة البرلمانية الإسرائيلية ، لكنها قد تغير كثيرا في السياسات بناء على ما تتوقعه الاستطلاعات من علو قَرْنِ أحزاب اليمين المتطرف ، وإمكانية حصوله على أكثرية تمكنه من تشكيل الحكومة القادمة . وضعت الانتخابات البرلمانية السابقة القائمة الموحدة والعربية للتغيير كما قلت في مقدمة القوى العربية ، الأمر الذي فرض علينا تحديات عملنا وما نزال نعمل على مواجهتها ، وحَمَّلَتْنا مسؤوليات سعينا وما زلنا نسعى لحملها بكل أمانة وإخلاص ، ودعتنا إلى وضع برامج طموحة ما زلنا نستفرغ الجهد الموصول من اجل التبشير بها والعمل على تنفيذها ، وسنستمر بذلك في المرحلة المقبلة .

( 3 )

أعترف أننا وَعَدْنا في الحملة الانتخابية العام 2009 بالعمل على صياغة عمل عربي برلماني مشترك كتعويض لغياب قائمة تحالفية واحدة ، لم تنجح القوى العربية المختلفة في تحقيقها رغم ما استعدت أن تقدمه الحركة الإسلامية في سبيل ذلك من التضحيات ، عمل برلماني يعزز قيم التنسيق المستمر والتشاور الدائم وتبادل الآراء والخبرات ، والتصدي موحدين وبشكل علمي منهجي لكل صور التمييز ، ومتابعة القضايا ووضع التصورات لمختلف الملفات الساخنة من خلال التنافس التكاملي لا التصادمي ، إضافة إلى تعميق الشعور بالمسؤولية الجماعية بعيدا قدر الإمكان عن الصراعات والتنافسات الفئوية والحزبية … لقد نجحنا في القائمة الموحدة والعربية للتغيير في تعزيز هذه الثقافة ، والتي كان لها أثرها الايجابي على المشهد العام الذي لم نكد نرى فيه أي نوع من الاحتكاكات الضارة .

لقد يسر الله تحقيق عدد من الانجازات خلال الدورة الحالية للكنيست وفي جميع المجالات الخدماتية والسياسية سنتطرق إلى بعضها ، أرجو أن تكون خالصة لوجهه الكريم ، إلا أننا لا نزعم أنها منتهى الآمال وغاية المنى ، لكنها انجازات تحققت رغم بحر التحديات الهائج والتي لا تخفى على أريب … لا أنكر أن المواطن كثيرا ما يسأل : ما الذي يحققه لنا البرلمان وانتخابات الكنيست ؟؟!! لا شك عندي في أن النواب العرب وأنا منهم ، قادرون على إعطاء الجواب الشافي على هذا السؤال وبشكل يُجَلّي الحقيقة ويقطع الشك باليقين ، إلا أنني ما زلت أومن بأن هنالك ضرورة ملحة تدعونا نحن في الحركات والأحزاب إلى وضع ميثاق تتحدد فيه شكلية الصلة وحدود الحقوق والواجبات ، وطبيعة الممكن واللاممكن في ثنائية العلاقة بين النائب في البرلمان أو المسؤول في أية مؤسسة رسمية أو شعبية وبين المواطن بصفته الفردية والجمعية … أعتقد أن وضع هذا الميثاق الذي يُعَرِّفُ بما لِلمسؤول وما عليه، وما للمواطن وما عليه ، سيوفر إلى حد كبير كثيرا من الجدل وسوء الظن وخيبة الأمل …

( 4 )

هنالك من يطالب المجتمع العربي بان يتعامل مع القضايا الساخنة بروح “الأكثرية” لا بمنطق ” الأقلية القومية ” ، الأمر الذي يوقع في حرج شديد . الأقلية الفلسطينية القومية في إسرائيل تتوفر فيها كل المواصفات التي اتفقت عليها تعريفات علماء السياسة والاجتماع .

أرى من الضروري التذكير بقواعد أصبحت في تراثنا الحركي من البديهيات ، إلا أنني أشعر أحيانا أنها تغيب عن البعض فلا بد من التذكير بها دائما .. أبدأ بتحديد القاعدة التي تتبناها الحركة بشكل منهجي ، وهي أن الدعوة هي الأصل والسياسة جزء منها ، أما البرلمان ففرع …. فالحركة الإسلامية في تناولها وتعاملها مع ملف الانتخابات البرلمانية تختلف عن غيرها من الأحزاب العربية في جانبين هامين – الأول : أن العمل السياسي في نهجنا جزء من مجموعة واسعة من الأنشطة ذات هدف واحد وهو الدعوة إلى الله، ومحاولة بناء الإنسان والمجتمع الفاضل، والحفاظ على الأرض والهوية؛ لذلك فلا تعارض مطلقا في سياستنا بين العمل البرلماني وأنشطة الحركة المتشعبة؛ فكل جمعياتنا ومؤسساتنا وهيئاتنا تعمل بأقصى طاقتها كما لو أننا خارج المعترك البرلماني، بل إننا نرى أن تعانقا وتناغما فرض نفسه بين مختلف أذرع النشاط الإسلامي من خلال المؤازرة البينية التي آتت أكلها، وحققت أهدافها إلى أبعد مدى سواء في المجال الإغاثي أو حماية الأقصى والمقدسات، أو العمل الأكاديمي الطلابي، أو العمل الدعوي المحض، أو النشاط الثقافي والاجتماعي والاقتصادي إلى جانب العمل السياسي. أما الجانب الثاني الذي يميزنا عن غيرنا؛ فهو أننا أصحاب رسالة تتجاوز أهداف العمل البرلماني لدى كل الأحزاب؛ فنحن أصحاب مشروع نعتقد أنه السبيل لخلاصنا وخلاص الأمة.. نحن حمَلَة عقيدة تجعل من الدنيا والإبداع في عمارتها طريقنا إلى الآخرة ودار النعيم الخالد؛ لذلك فحينما نخوض غمار السياسة لا ننسى هذه الأهداف، بل إن نجاحنا في العمل السياسي مرتبط ارتباطا وثيقًا بمدى ما يؤديه هذا العمل إلى جانب الأعمال الأخرى من خدمة في تدعيم الأهداف المذكورة كلها .

وبالتالي فالسياسة في نهجنا بهذا المعنى جزء من مفهوم شرعي شامل، شعاره “حيثما كانت مصلحة المسلمين فثمة شرع الله”، مع وعي كامل بكثير من الضوابط التي من المفروض أن ترشد مسيرتنا السياسية وغير السياسية ، ولكن بلا تعقيد ولا انفلات ولا تكلف ولا تشديد . نلتقي في الحلقة التالية ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة