لا بدّ للحلم من بداية أجمل
تاريخ النشر: 10/02/15 | 18:24جمعتنا ندوة الخليل الثقافية في أحد الاجتماعات الشهرية للندوة منذ سنة تقريبا، واظبتُ على حضور اللقاءات وتقديم القراءات النقدية، وعبلة تغيب شخصا، لكنها تبقى حاضرة في النفوس والعقول، فيذكرها الأصحاب والأصدقاء كلّ لقاء، ويثنون عليها شاعرة وناقدة وباحثة، إذ كانت تعد لنيل درجة الماجستير، فقد كان يشغلها العلم والتكنولوجيا، إذ تدور رسالتها العلمية في فلك التكنولوجيا!
خلال ذلك اللقاء الوحيد الذي التقيتها به، كانت تجلس بين الجميع، إخوانها وأخواتها، تستمع جيدا لما دار من حديث، ولم تقاطع أحدا حتى وإن لم يتفق مع رأيها، تستأذن لتلقي مداخلتها بثقة وقوة، وإذ بها تفاجئني بما قالت، فلم تمدح كاتبا ولم تقدح فيه كذلك، وإنما قدمت وجهة نظر، ربما كانت موضوعية، وربما لم أفهمهما حينها كما يجب، إذ كانت تفتش بين الكتب والمنشورات عن شيء خاص، شيء مدهش، شيء يسحبك من ذاتك ويسرقك إليه لتصلب نفسك في ذلك النص أو ذلك الكتاب!
كانت تعيب في مداخلتها تلك الأدب المتسرع، أو ما أحبت أن تطلق عليه “أدب الفيس بوك” الأدب الذي ربما لم تعده أدبا، وإنما لا يتعدى أن يكون جملا مقطعة من هنا وهناك تنشر بمزاج كاتبها، فكيف بها تصبح في كتاب؟ لقد فتحت عبلة جابر حينها العين والفكر على ذلك المكتوب على جدران الفيس بوك، هل فعلا يحسن بنا أن نسميه “أدبا”، أم نسميه “أدبا فيسبوكياً” أم “أدبا إلكترونيا” فيكون له ملامح خاصة وسمات خاصة؟ كما كنت قد كتبت سابقا حول ذلك!
ناقشت الشاعرة والناقدة والباحثة عبلة جابر حينها نقاشا قصيرا، متجاوزا ملاحظاتها، ولكن تلك الملحوظات جعلتني أتساءل عن جدوى مثل تلك النصوص الإشكالية، وتلك الكتب الخارجة من حمأة النشر الإلكتروني على الفيس بوك!
لم نلتق معا ثانية بعد ذلك اللقاء، ولم نكن صديقين افتراضيين، مع أن اسمها لم يغب عن البال، وزاد من حضور اسمها صداقة أبيها الشخصية ولقائي به في ندوة الخليل السيد غسان جابر، إذ كان يتمتع بشخصية قوية ولبقة، ومعشر لطيف ودماثة خلق تجعله يدخل القلب سريعا، تذكرت ابنته عبلة التي كانت تتابع دراستها، ليعلن أبوها بعد فترة ليست بالقصيرة عن موعد مناقشتها لبحث درجة الماجستير، لتكتمل الصورة الآن، أب وابنته تربطهما سمات الحضور القوي وإن اختلفا في تجليات تلك القوة، ولكنهما أصل وفرع يكملان الصورة بكل مودة ومحبة!
لم أكن على دراية أن عبلة جابر بهذا المستوى الراقي من صياغة الشعر وتدبيجه، إذ لم يصدف يوما أن قرأت لها على جدران ندوة الخليل الثقافية الفيسبوكية أو في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وعندما أعلن عن أنها دخلت المنافسة مع شعراء عرب كثيرين في مسابقة “أمير الشعراء” ومع محكمين كبار ونقاد وأكاديميين يشار لهم بالبنان، أدركت كم كانت تخفي عبلة نفسها، أو كم كانت تعمل بصمت وتكتب بصمت حتى غدت بهذا المستوى الذي أهلّها لتكون ضمن الثلاثمائة شاعر، ومن ثم ضمن ثلة قليلة من الشعراء المميزين، حيث خطت خطوة أخرى لتكون ربما ضمن من سينشدون الشعر في مسرح “شاطئ الراحة” في أبو ظبي! وزاد الأمر هيبة وجلالا واستشعارا بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها، أنها هي المشارك الوحيد من الشعراء والشاعرات التي ستمثل بلدنا فلسطين، هذا البلد المنكوب الذي لم يستسلم للظروف وظل متناغما مع إخوانه في الوطن العربي في كل الأنشطة الثقافية والفنية وفي البرامج كافة، لتكون عبلة جابر سفيرة الشعر إلى عالم الجمال والموسيقى كما كان تميم البرغوثي وكما كان بالأمس القريب الفنانون هيثم الخلايلة ومنال موسى ومحمد عساف محبوبي العرب من المحيط إلى الخليج!
إن هذه المهمة التي تقبل عليها الشاعرة عبلة جابر مهمة جليلة، تندرج في باب المقاومة وإثبات الذات الموجوعة أنها ما زالت تشعر بالحياة وتحب الحياة رغم أنف الاحتلال والبؤس واليأس، وكما قالت الشاعرة عبلة في قصيدتها التي أجازتها لجنة التحكيم بالإجماع (أيلول يدخل في الغياب المرّ): “يروي حكاية حلمنا: شوق الحياةِ إلى الحياة”.
سنظل يا عبلة وتظلين على مرمى الحلم والأمل، ففلسطين والعروبة والإنسانية تحتاج شاعرة لها هذا النفس المتحدي القابض على الجمر، “فأنت تعويذةٌ للحبّ في زمنِ الخريف”، ولتسمحي لنا أن نردد مع الأستاذ الدكتور صلاح فضل إشادته الجميلة، إذ حياك وحيّا فلسطين التي أنجبت شاعرة قديرة. فإلى الأمام يا بنة الجبل المرابط، يا بنة فلسطين، فلا بد للحلم من بداية أجمل، ومع صوتك الشعري فليكن هو القادم الأجلّ والأكمل والأجمل!
بقلم: فراس حج محمد