دراسة ٌ لكتاب " ملاك من الشَّرق " للكاتب والأديب المرحوم الأستاذ موفق خوري
تاريخ النشر: 23/10/12 | 4:32مقدِّمة : الأستاذ ُ المرحوم ( موفق خوري ) أصلُ عائلتِهِ من قريةِ ” الدامون” المُهَجَّرة – قضاء عكا – الجليل الغربي – سكنت قرية “عبلين ” الجليلية بعد عام 1948 ، َووُلِدَ الأستاذ ُ موفق ونشأ وترعرعَ في قريةِ عبلين .. أكملَ دراستهُ الثانويَّة ثم الجامعيَّة وحصل على عدَّة ِ شهاداتٍ أكاديمية في عدَّة مواضيع لدرجة البكالوريوس والماجستير، وأنهى مؤخَّرا إعدادَ أطروحة الدكتوراه ( قبل وفاته بفترة قصيرة ) . ولقد تبَوَّأ في حياتهِ القصيرةِ زمنيًّا والعريضةِ والثريَّةِ في العطاءِ والإبداع والإنجازاتِ التي لا ُتحصَى في شتى المجالات : ( الثقافيَّة والتربويَّة والأدبيَّة والإجتماعيَّة ) مناصبَ عديدة ، منها : شغلَ منصبَ نائب مدير وزارة المعارف … وعملَ أيضًا مديرًا لدائرةِ الثقافةِ العربيَّة، والكثيرون من الشعراءِ والأدباءِ المحليِّين َطبَعُوا وأصدرُوا نتاجهم وإبداعاتهم عن طريقها … ولولا هذه الدائرة ولولا مديرها لما خرجت إبداعاتهم وكتبهم إلى النور ولما اطلعَ عليها أحدٌ سواء من القرَّاء أو المثقفين والدارسين .. هذا وتدعمُ دائرة ُ الثقافة العربيَّة أيضًا المؤسَّسات الثقافيَّة والتربويَّة والمكتبات والمعاهد الفنيَّة والمهرجانات على أنواعها والمسارح والفنانين والنشاطات الفنيَّة وغيرها … (هذا قبل أن يُصبحَ غالب مجادله وزيرا للثقافة والعلوم والرياضة حيث ُشلَّت في عهدهِ الميمون جميع النشاطات والفعاليات الثقافية والفنية من قبل ِ دائرةِ الثقافةِ وأقفرت السوقُ الأدبيَّة على حدَّ قول ِ أحدِ الشعراء والأدباء المحليِّين الكبار ولم يَصْدُرْ أيُّ كتابٍ لكاتبٍ وشاعر محليٍّ بينما كانت ُتصدِرُ دائرة ُالثقافةِ العربيَّة التي تولى إدارتهَا المرحوم ( موفق خوري ) مئات الكتب كلَّ سنة في مختلفِ المواضيع لمعظم شعرائِنا وكتابنا المحليِّين قبل أن يصبحَ غالب مجادله وزيرًا – وهذا ما يُردِّدُهُ الكثيرون .
إنَّ المرحومَ الأستاذ موفق خوري إضافة ً إلى الوظائف والمراكز العاليةِ والحسَّاسةِ التي تبوَّأها عن جدارةٍ واستحقاق فهو كاتبٌ وأديبٌ مبدعٌ وغنيٌّ عن التعريف … أصدرَ العديد من الكتبِ الثقافيَّةِ والأدبيَّةِ والدواوين الشعريَّة وقصص الأطفال ونشرَ الكثيرَ من المقالاتِ على مختلفِ أنواعِها في شتَّى الصحفِ والمجلاتِ المحليَّةِ وقد نالت كتاباتهُ وإصداراتهُ المطبوعة ُ إعجابَ وتقديرَ الكثيرين من أربابِ الفكر والثقافةِ والأدبِ وجماهير القرَّاء . والجديرُ بالذكر أنَّ بعضَ مقالاتهِ التي تحدَّثَ فيها عن موضوع مصادرةِ الأراضي َوُنشِرَتْ في بعض ِالصحفِ المحليَّةِ، قبل عدَّة سنوات، قد أحدثت ضجَّة ً كبيرة ًعلى الصعيدِ الإعلامي والجماهيري وعلى الصَّعيدِ السلطوي فكادَ يفقد وظيفته ( مديرًا لدائرة الثقافة العربيَّة ) وواجهتهُ ضغوطاتٌ من السلطة َوُقدِّمَ لأكثر من محكمةٍ ودفعَ الكثيرَ من المال ِ للمحامين والمحاكم من جرَّاء ذلك . وأما كتابُه ُ الذي بين أيدينا الآن فهو من أواخر الكتب التي أصدرَها من بين الكثير الكثير من المواد الأدبيَّةِ والفكريَّةِ والشِّعريَّةِ التي كانت متراكمة ً لديهِ والتي لم ُتطبعْ ولم ترَ النور بعد .
مدخل : كتاب ( ملاك من الشَّرق ) يقعُ في 174 صفحة من الحجم الصغير ، صدرَ على نفقةِ الكاتبِ الشخصيَّة وقد أسماهُ كتابًا للجيب لصغر حجمهِ ، ولكن فيه الكثير من الصفحات وغنيٌّ في قيمتهِ الأدبيَّةِ والفنتيَّة .
هذا الكتابُ عبارة ٌ عن قصَّةٍ من الحياةِ ومن صميم واقعنا الفلسطيني المحلِّي وربَّما حدثت بحذافيرها مع أشخاص ٍ عديدين ، صاغها ونسجَها الكاتبُ ( الأستاذ موفق ) بأسلوبٍ سرديٍّ تعبيريٍّ مؤثِّر بشكل ٍ متواصل ومتسلسل ٍ في معظم ِ حلقات وأحداث القصَّة … حتى في المواضيع والمشاهد المُتشعِّبة والإستثنائيَّة التي تخرجُ عن مجرى أحداث القصَّة ، وقد كتبت بشكل ٍ عفويٍّ ، كما يبدو ، ولا يوجدُ فيها تكلُّفٌ أو تصنُّعٌ ، ودونما إرهاقٌ للحافز الفكري … وهذا يدلُّ على موهبة ِ الكاتبِ الفطريَّة الفذ َّة وقدرتِهِ في الكتابةِ والتعبير وعلى خيالهِ الواسع والمُجَنَّح والثري … ويشعُّ ويظهرُ من خلال فصول وأحداثِ القصَّةِ – أو الرواية – إذا صحَّت التسمية ُ- الأفكارُ والمبادىءُ والقيمُ والمُثلُ السامية ُ والفاضلة ُالتي يؤمنُ بها الكاتبُ ويُرَدِّدُها دائمًا في كلِّ مناسبة ٍ وظرف ٍ وفي سلوكهِ وحياتهِ اليوميَّة والعمليَّة ، مثلا ً كقولهِ : ( ” العلمُ سلاح ، الكفاح الشريف من أجل ِ الحياةِ والبقاء ، والمحبَّة ومساعدة الآخرين … التسامح والتواضع ، ثمَّ الإيمان العميق بالخالق جلَّت قدرتهُ ” ) . فالذي يسيرُ في الطريق الصحيح ِ والشريف وفي درب الإيمان (( كما تؤكِّدهُ أحداثُ هذه القصة )) ويكونُ صادقا مع الرَّبِّ في حياتهِ وسلوكهِ اليومي ومع مجتمعهِ فبالتأكيد سيباركهُ اللهُ ويُسَهِّلُ أمورَهُ ويُنيرُ طريقهُ وَستُحَققُ كلُّ مساعيه الفاضلة والنبيلة وينجحُ في حياته المهنيَّة والعمليَّة والإجتماعيَّة … إلخ . وهذا من أهمِّ الجوانب التي تتركَّزُ عليها القصَّة .
سأستعرضُ في هذه الدراسةِ وقائعَ وأحداثَ القصَّة بشكل ٍ مختصر ٍ وسريع ٍ وبعدها الدراسة والتحليل . وكما ذكرتُ أعلاه – هذه القصَّة واقعيَّة – من الواقع الفلسطيني المحلِّي ، ومَجرى أحداثها زمن الحكم العسكري الإسرائيلي الذي كان مفروضًا على الأقليَّةِالعربيَّة في الخمسينيَّات والستِّينيَّات من القرن الماضي ، وتنتهي القصَّة في أواخر التسعينيَّات تقريبًا – بعد إنتهاءِ الحكم العسكري بفترة ٍ ليست طويلة كثيرًا … وبطلُ هذه القصَّة الرئيسي ( الذي تدورُ معظمُ المشاهد والأحداث حوله ) هو شابٌّ في مقتبل ِالعمر اسمه سعيد ، أصلهُ من إحدى القرى المهجَّرة عام 1948 ، هُجِّرَ أهلهُ وتنقلوا وسكنوا عدَّة َ قرى في البداية ثمَّ استقرُّوا نهائيًّا في قريةٍ بقيَ أهلها فيها ولم ُتهَجَّرْ .
وقد عانى الأهلُ في البدايةِ من قساوةِ العيش ومرارةِ الواقع ومن نير ِ الحكم ِ العسكري الذي كان يمنعُ التنقلَ بحريَّةٍ بين قرية وقريةٍ أو مدينةٍ للسكان العرب الذين ظلوا في وطنِهم … حتى للذي يريدُ أن يخرجَ للعمل ِ لأجل ِلقمةِ العيش ِ ولإعالةِ أولادِهِ وزوجتهِ . فالخروجُ والسَّفرُ كان يتطلَّبُ تصرحًا من الحاكم العسكري … وهذا الواقع الأليم والمُزري كانَ ينطبقُ ويُطبَّقُ على جميع الاقليَّةِ العربيَّةِ في الداخل ( إسرائيل ) بعد عام 48 ( زمن الحكم العسكري ) .
وأمَّا عائلة سعيد فبفضل والدهِ المُكافح والمؤمن بالحياةِ من أجل ِالحياة والبقاء (كما ردَّدَ هذه العبارة َكاتبُ القصَّةِ المرحوم الأستاذ موفق ) استطاع اجتيازَ وعبورَ جميع ِ الصعوبات والسُّدود وأمَّنَ لقمة َ العيش ِ الكريم والشَّريف لأولادهِ وبيتهِ . وأمَّا بطلُ الروايةِ ( سعيد ) فقد وُلِدَ في أواخر الستينيَّات كما يُشيرُ الكاتبُ في الروايةِ .. وكانَ حلمُهُ بعد أن أنهى المرحلة الثانويَّة أن يكونَ مهندسًا أو طبيبًا … ولكن وللأسف لم يُقبَلْ لدراسةِ هذه المواضيع في البلاد رغم تفوُّقِهِ وعلاماتِهِ العاليةِ لأسبابٍ عديدةٍ لا تمتُّ لتحصيلِهِ وعلاماتهِ ( وهذه حقيقة ٌ كانت وما زالت إلى الآن ) شأنهُ شأن الكثيرين من الطلاب العرب في مختلفِ القرى والمدن العربيَّة فاضطرَّ البعضُ منهم للهجرةِ إلى خارج البلاد لإكمالِ تحصيلِهم العلمي الأكاديمي على حسابهم الشَّخصي وبمساعدةِ الاهل … أو للبحثِ عن عمل ٍ مناسبٍ لهم ولمؤهلاتِهم . واضطرَّ بطلُ القصَّةِ ( سعيد ) أن ينتهجَ نفسَ النهج فعملَ ، بدورهِ سنتين قبل السَّفر وجَمعَ مبلغًا من المال لهذا الامر . وكانَ الأهلُ في البدايةِ غيرَ موافقين لتغرُّبهِ وابتعادِه عنهم . وقرَّرَ السَّفرَ إلى
ألمانيا وكانَ قد درسَ مسبقا دورة ً باللغة ِ الألمانيَّة . وكانت أمورُ السَّفر كلها مُمَهَّدة ً أمامه ، فيما بعد ، بفضل ِ دعاء ٍ الأهل والأم وبفضل ِ إيمانِه الكبير بالخالق ولهدفهِ السامي والنبيل … فكانَ هدفهُ ورسالتهُ في التعليم لأجل ِ مساعدة ِ مجتمعهِ بعد تخرُّجهِ ، وخاصَّة ً أنَّ قسمًا كبيرًا منهُ كان مجتمعا فلاحيًّا فقيرًا يُعاني من صعوبةِ العيش . وبفضل ِالعلم والشهاداتِ العاليةِ يستطيعُ أن يقومَ بالكثير من المشاريع الهامَّة وبناء المصانع وأن يجدَ أماكنَ عملٍ للأهل ولأبناءِ قريتهِ ووطنِهِ لكي يحصلواعلى لقمةِ العيش بمحبَّةٍ وكرامةٍ واحترام ٍ وشرف ٍ ( حسب قول سعيد في مجرى أحداث القصَّة ) .
حصلَ سعيدٌ من السَّفارةِ الألمانيَّةِ في البلاد على عناوين الجامعات هناك ( بألمانيا ) وقدَّمَ بعضُ الأقارب لهُ بعضَ المال للمساعدةِ أيضًا بالإضافةِ لما كان يدَّخرُهُ . وقرَّرَ السفرَ وحَملَ حقائبَهُ واتَّجَهَ نحوَ المطار وصعدَ الطائرة التي أقلعت إلى ألمانيا ، وكانَ كلُ شيىءٍ مُسهَّلا ً وَمُمَهَّدًا أمامهُ ففي الطائرة تعرَّفَ على فتاتين المانيَّتين كانتا في طريق العودةِ في زيارتهما إلى بلادهِ ، وهاتان الفتاتان كانتا تدرسان موضوعَ الصيدلة في جامعة برلين ووعدتاهُ بالمساعدةِ للتسجيل في الجامعةِ وتعبئة النماذج ، وقد أعجبتْ بهِ إحدى الفتاتين إعجابًا كبيرًا وأحبتهُ من أول نظرةٍ ولقاءٍ وكان والدُ هذه الفتاة ( كريستينا ) يعملُ مسؤولا ً كبيرًا في الحكومةِ الألمانيَّة واسمهُ ( شنايدر ) . وعندما حَطَّت الطائرة ُ في برلين كان والد ُ كرستينا ( شنايدر ) ينتظرُُ ابنتهُ وصديقتها ( سوزان ) فطلبوا من سعيد مرافقتهم بالسيَّارة إلى بيتهم لأنهُ لأولِ ِ مرَّةٍ يأتي فيها لبلادِهم ولا يعرفُ أحدًا وكما أنَّ لغتهُ الألمانيَّة مكسَّرة ويحتاجُ لمَن يُساعدُهُ … وأنَّهم في اليوم التالي سيبحثونَ لهُ عن مسكن ٍ في مساكن الطلبة ، فوافقَ ، وقد توطَّدَت العلاقة ُ بين سعيد وعائلةِ كريستينا ( أبيها وأمها وأخيها ) بشكل ٍ كبير ٍ وطلبوا منهُ أن يسكَنَ عندهم بشكل دائم ٍ وساعدوهُ في تعبئةِ النماذج للجامعة . وكانت أمُّ كريستينا تعملُ محاضرة ً لموضوع الرياضيَّات في الجامعة . وتعلَّمَ سعيد في أول سنةٍ اللغة َ الألمانيَّة وبعدها درسَ موضوعَ الهندسة المعماريَّة ، وكما وجدوا لهُ مكان عملٍ في في وكالة ٍ للمارسيدس ، وفتحَها اللهُ في وجههِ وقد أتقنَ اللغة َ الألمانيَّة بشكل ٍ رائع في عدَّة ِأشهر بفضل كريستينا التي كانت تلازمُهُ دائمًا والتي أحبَّتهُ كثيرًا وهو أيضًا ، وكانا يخرجان سويًّا للتنزه ِ وللإستجمام ولشراءِ بعض الحاجات . واستطاعَ سعيد أثناءَ فترة الدراسة أن يجمعَ ثروة ً كبيرة ً من خلال عملهِ في شركة المارسيدس فكان هو مندوبَها وهو الذي يُرتبُ ويعقدُ اللقاءات والصفقات التجاريَّة مع كبار التجار والمُستثمرين والأغنياء وأصحاب الشركات ، وخاصَّة ً من أغنياء الدول العربيَّة وأمراء النفط … ولكونهِ عربيًّا يعرفُ اللغة َ العربيَّة ( لغة الأم ) هذا ممَّا ساعده ُ في عملهِ ، خاصة مع المستثمرين والأغنياء العرب … إضافة ً إلى معرفتهِ للغة الألمانيَّة … وقد زادت أرباحُ الشركة اضعافا ً مضاعفة . وبعد سنوات أنهى دراسته الجامعيَّة بتفوق مميَّز وأقيمَ احتفال ٌ تخريجيٌّ كبيرٌ في الجامعةِ حضرهُ المسؤولون في شركة المارسيدس ( زملاء سعيد ) وكانت كريستينا واهلها من المدعوِّيبن لحفل التخرّج ، وحصلَ سعيد على شهادة ٍ تقديريَّةٍ إضافة إلى الشهادة الجامعيَّة . والجديرُ بالذكر أنََّ سعيدًا طيلة فترة الدراسةِ لم يغبْ أهلهُ واخوتهُ وأمُّهُ وقريتهُ وأقاربهُ من بالهِ وفكرهِ ساعة ً واحدة ، وكانَ دائمًا يمدُّهُم بالرسائل وبالمال ِ الذي يحصلُ عليهِ من عملهِ … وكان أبوهُ يجمعُ ما يرسلُهُ إليهِ من أموال . وبمشورةِ أخيهِ الذي طلبَ من الوالد أن يبنوا لسعيدٍ بيتا كبيرًا حجريًّا في قطعة الأرض بالقرب من بيتهم حيث عندما يرجعُ سعيدٌ للبلاد يجدُ كلَّ شيىءٍ ُمهَيَّئا ً وجاهزًا لهُ فيستطيعُ أن يتزوَّجَ مباشرة ً ويسكن في هذا البيت ، فعملَ الوالدُ بهذهِ المشورة ( مشورة الأخ ) . وبعد تخرُّج سعيد كانت حبيبتهُ كريستينا حزينة ومتخوِّفة جدًّا من سفرهِ ورجوعهِ لبلادهِ وتركِهِا لوحدِها بعد علاقةٍ غراميَّةٍ ملتهبةٍ وكاملة ( كالمتزوِّجين ) دامت سنوات وكان أهلها يعرفون كلَّ شيىءٍ … ولكن سعيدًا فاجأها وفاجأ أهلهَا بطلبِ خطوبتِها وزواجها ، فوافقوا جميعا … ولكن الرأي والترتيب أن يكونَ حفلُ الزواج في بلادهِ ، وأمَّا والد كريستينا فكان لهُ علاقات مع كبار للمسؤولين والسفراء في الدولةِ بفضل منصبهِ الهام في الحكومةِ الألمانيَّةِ ، فرتبَ كلَّ أمور ولوازم السفر بالتنسيق مع السَّفارتين ومع بعض الكهنةِ ومجموعةٍ من المرافقين والمدعوِّين لحفل ِالزواج ، وعند وصولِهم إلى القريةِ التي يسكنُ فيها سعيد كان يومًا مشهودًا وأقيمَ لهُ ولكرستينا عرسٌ لم تشهدْهُ قريتهُ ولا أيَّة ُ قريةٍ أخرى مجاورة ، وقد دعا والدُهُ جميعَ سكان ِقريتِهِ المُهَجَّرَةِ الذين يسكنون في قرى عديدة ( ويُعلِّقُ الكاتبُ هنا أنَّ سكانَ القرى المُهجَّرة دائمًا يتذكَّرون بعضهم بعضًا ويدعون بعضهم في أيَّة ِ مناسبة ٍ … وهذا يدلُّ على الترابط والتواصل ِ الإجتماعي والإنتماء ِ الوطني … ) . والجديرُ بالذكر انَّ المرحوم َالأستاذ موفق خوري كاتب هذه القصَّة أصلهُ وأصل عائلته من إحدى القرى المُهجَّرة ( الدامون ) وكان جدُّهُ مختارً لهذه القرية ، فهو سليلُ عائلةٍ عريقة ٍ في الأصالةِ )) .
ولنرجعَ إلى بطل ِالقصًّةِ حيث يسكنُ ويستقرُّ في قريتِهِ نهائيًّا ويقتتحُ صيدليَّة ً لزوجتهِ ” كريستينا ” … أمَّا هو فيفتتحُ لهُ مكتبًا كبيرًا ويقومُ بالكثير من النشاطاتِ والمشاريع الإستثماريَّةِ وينجحُ فيها ويوظفُ ويُشغلُ الكثيرين من أبناء ِ قريتِهِ والقرى المجاورة ، ويعملُ على تطوير ِ قريتِهِ ومجتمعهِ فمِن مجتمع ٍ فلاحِيٍّ بحت إلى مجتمع ٍعلميٍّ وصناعيٍّ متطوِّر ٍ . لقد آمنَ سعيدٌ ( بطلُ القصَّة ) بمبدإ التعاون ِ المشترك في التخطيط وإبداءِ الآراء ومن ثم التنفيذ لرفع المستوى المعيشي والحياتي والعلمي والعملي والإجتماعي ، وبأنَّ يدًا واحدة ً لا ُتصفقُ فاهتمَّ بانشاءِ وافتتاح ِ المدارس والعمل على رفع ِ مستواها وبإقامةِ صناديق لمساعدةِ المحتاجين من الطلابِ في دراستِهم العليا . فالتعاونُ هو أسلمُ الطرق ِالمُؤديَّة ِ للنجاح . ولم ينسَ أن يعملَ على إعطاءِ المرأةِ والفتيات الفرصَ للتقدُّم ِ جنبًا إلى جنبٍ مع الرجل في مسيرةِ التطوُّر . وقد نجحَ سعيدٌ في جميع ِ المشاريع التي أقامَها لمصلحةِ قريتهِ وشعبهِ ( أبناء جلدته ) وصارَ مثلا ً للشبابِ الطموح العصامي، المكافح المُثابر والعازم على النجاح الذي لم يُحبطهُ الفقرُ ولا الظروفُ القاسية الصَّعبة ُ فخاضَ غمارَ الكفاح من أجل ِ الحياةِ الشَّريفةِ بشجاعة ٍ وثقةِ نفس ، وبقيَ أبيًّا مُخلصًا وفيًّا خادمًا لمصالح أهلهِ ووطنهِ ( كما جاءَ على لسان الكاتب في نهاية القصَّة ) . فقد وُفِّقَ سعيدٌ كما ذكرتُ في أعمالهِ وخطواتهِ : في حياتهِ الزوجيَّةِ والأسريَّةِ والإجتماعيَّة والعلميَّة وأنجبَ العديدَ الاولاد الذين أكملوا تعليمهم . تحليلُ القصَّة : هذه القصَّة ُواقعيَّة ٌ كم ذكرتُ سابقا ً ومُؤثرة ٌ ُكتِبَتْ بأسلوبٍ سرديٍّ وقريبة في بعض ِ فصولها وصفحاتِها إلى أسلوب التقاريرالصحفيَّة ، ولكن يشوبُهَا في معظم أحداثِها وتحلِّيها اللغة ُ الأدبيَّة الجميلة ُوالعذبة ُ والسَّلاسة ُ وتحليها بعضُ الأجواء ِ الفانتازيَّةِ والجمل والعبارات المُنمَّقة والرومانسيَّة الحالمة ، وأمَّا عنصرُ الحوار فهو غير مُكثَّف في القصَّةِ… وهذه القصَّة ُ تصلحُ أن تكونَ عملا ً دراميًّا مميَّزًا إذا ُمثِّلتْ سواءً مسلسلا تلفزيونيًّا أو فيلمًا سينمائيًّا أو للمسرح ، وذلك إذا أخذت بجميع أحداثِها وفصولها وأدخلَ عليها عنصرُ الحوارالدرامي المشهدي المكثف . ونجدُ في القصَّةِ عنصرَ المفاجأة أحيانا ، مثلا : قبل الوصول لنهايةِ القصَّةِ كلّ من يقرؤها يظنُّ أنها ستنتهي بشكل ٍ تراجيديٍّ حزين ٍ بانفصال ِ البطل ِ عن البطلةِ وأن تنتحرَ البطلة ُ ، ولكن البطلُ يفاجىءُ الجميعَ بإعلان ِ خطوبتهِ وزواجهِ من البطلة ( كريستينا ) وتنتهي القصَّة ُ نهاية ً سعيدة ً . ومن أهمِّ ما يُمَيِّزُ هذه القصَّة هو عنصر الترفيه ( التسلية ) والتشويق . وأنا ، بدوري ، قرأتُ هذه القصَّة دفعة ً واحدة ً وبنفس واحد دونما انقطاع حتى نهايتها فكل ُّ صفحةٍ فيها شدَّتني بقوَّةٍ لكي اقرأَ الصفحة َالتي بعدها حتى وصلتُ إلى آخر القصَّة .
ويظهرُ من خلال أحداث القصة أنَّ الكاتبَ حاولََ الإختصارَ قدر الإمكان لأنَّ حسب مجرى الأحداث وحسب المشاهد الدراميَّة كان بإمكانهِ أن يكتبَ أضعافَ أضعافَ حجم ِ هذه القصَّة من ناحية ِ الكم . وإذا أرادَ أيُّ مخرج ٍ تلفزيوني أو مسرحي أن يختارَها للتمثيل فبالتأكيد سيعملُ كاتبُ السيناريو على التوسُّع والإطالةِ في مجال الحوار الدرامي ( ديالوج ) بين أبطال القصَّة وبتطويل ِ مساحة ِ وعددِ صفحات القصَّة لأنَّ الفكرة والموضوع َ ومجرى الأحداث هم أطول بكثير ممَّا سَطَّرهُ وترجمهُ بالكلماتِ خيالُ الكاتبِ ( موفق ) … ولكن الإختصارَ في عصرنا هذا ( عصر السرعة ) قد يُضيفُ جمالا ورونقا ً للقصَّةِ ، وهو من المُحَبَّذ للأغلبيَّةِ من قرَّاءٍ ومثقفين وأدباء . ومن أهمِّ الأمور والجوانب التي ُتترعُ صفحات هذه القصَّة – كما يلي :
1 – الجانب الوطني والقومي .
2 – الجانب السياسي
3 – عنصر الإيمان
4- الحكم والعبر والأمثلة
5- الحانب التثقيفي والتعليمي
6- الجانب الفني والأدبي
7 – الرومانسيَّة والأجواء الحالمة
8 – الجانب الإجتماعي والنفسي – وموضوع المرأة
9 – الجانب الترفيهي ( التسلية )
10 – الجانب الفلسفي … إلح .
1 ) بالنسبةِ للجانبِ الوطني والقومي فالقصَّة ُ بحدِّ ذاتها ُتركّزُ كثيرًا على هذه المواضيع حيث يتحدَّثُ الكاتبُ عن القريةِ التي يسكنها بطلُ القصَّةِ ووضع القرى الأخرى ، ويُعطينا صورةً ُموسَّعة ً ومكثفة عن حياةِ الأقليَّةِ العربيَّةِ بعد عام ( 48 ) وبالتفصيلِ كمجتمع ٍ فلاحيٍّ يُعاني ويكافحُ من أجل لقمة ِ العيش وكيف استطاعَ هذا الشعبُ ( الاقليَّة العربيَّة ) أن يتأقلمَ مع الوضع ِالجديد ِ ويجتازَ مرحلة َ الحكم العسكري ويبقى في وطنهِ وبلادهِ متمسِّكا ً ومتشبِّثا بأرضهِ .
2 – أما الجانبُ السياسي – فبإختصار : نجدُ الكاتبَ يتحدَّثُ على لسان أبطال القصَّةِ في العديد ِ من فصول ومشاهد القصة ِ عن الكثير من الأمور السياسيَّةِ بعد عام 48 وحرب ال 67 وبعدها وبشكل ٍتحليليٍّ وبإسهابٍ أحيانا ، كما جاء َ على لسان والد كرستينا ( شنايدر) الذي يشغلُ منصبا رفيعا في حكومة ألمانيا … وماذا جرى بعد عام 67 . فيقول مثلا : ” ومما يزيدُ الطين بلّة ، الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وربُّنا يستر ، لا أدري ماذا ستكونُ النتائجُ لهذه الحرب في الشرق الأوسط . لقد جرَّبنا الحروبَ والويلات يا سعيد ، لا رابح من الحرب أبدًا ، فالمنتصرُ خسران والمنكسرُ خسران ، وعليك كي تنتصرَ أن تغامرَ … وتصرفَ الغالي والرخيصَ ، والسعرُ هو أرواحٌ ومالٌ وعتادٌ ، والمغلوبُ يخسرُ الأرواحَ والمالَ والعتادَ أيضًا . وأحيانا الأرض كذلك ، فكلهُ خسارة بخسارة ” ) .
ومما جاءَ على لسان ِ سعيد ( بطل القصَّة ) عندما كانَ يُخاطبُ نفسَهُ فيتساءلُ : ( ” إنَّ العالمَ العربي ينظرُ إلينا بأننا خونة ٌ لأننا لا نقاومُ المحتلَّ … وأيضا أبناء الشعب الآخر الحاكم ( اليهود ) ينظرون إلينا وكأننا طابور خامس في البلاد ، لأننا لا ننتمي لا قوميًّا ولا دينيًّا إليهم ، والشكوكُ دائمة ( الرفرفة فوق رؤوسنا ) وكأننا لدى الجبهتين ” خازقين الصبانة ” فلا أحد يستطيعُ أن يتفهَّمَ الوضعَ الذي آلَ إليهِ حالنا . لقد قاومنا وَشُرِّدَ الكثيرونَ منَّا ونزحوا عن قراهم ، لكنهم آثروا البقاءَ والصمودَ فوق ترابِ الوطن … قاومنا حتى أصبحنا كمن لا قوّة لهُ ولا حول … حينها رضخنا إلى واقع جديد ، وقرَّرنا الحياة َ بشرف ٍ وعزَّةٍ وكرامةٍ … حملنا الهويَّة َ في كفٍّ … وفي الكفِّ الآخر … لا بل في كلِّ الشرايين كياننا … ما زلنا نحملُ الهويَّة َ القوميَّة َ ، ذات الطابع المغاير … ما من أحدٍ يستطيعُ أن يفهمَ هذا التناقضَ الذي نعيشهُ يوميًّا ، نفسيًّا وروحيًّا . لو تفهَّمَ أوضاعَنا كلُّ من في الخارج ِ … وفي الداخل ِ على اختلاف ِ الجنسيَّاتِ والقوميَّات لعذرنا … ونحنُ نرى أنَّ لا طريق نتَّجهُهُ سوى هذا الطريق … الحياة ُ لأجل ِ الحياة ” . ويقولُ : ( ” يا لهُ من موقفٍ ُمحَيِّر ٍ ويا لها من ظروفٍ متداخلة سيِّئة ، خطيرة ولا أحدٌ يفهمنا . نحنُ الذين بقينا على تراب أرضنا ووطننا ، لا أحد ٌ يثقُ بنا ، وليسَ هنالكَ من يفهمنا ، وشبحُ الحربِ والتغيُّرات تثقل علينا وعلى حياتنا كلَّ ثانية وليسَ لنا لا بالبعير ولا بالنفير ، وليسَ لنا أيضا لا ناقة ولا جمل بسببِ ضعفنا وظروفنا وفقرنا وتفرقنا وعدم وجودٍ قيادةٍ سياسيَّةٍ ولا قيادة دينيّة ولا اجتماعيَّة لنا ، وكأننا قطيعٌ تائهٌ في براري الوطن نمتدُّ وجودًا من شمال البلاد – حدود لبنان وسوريا – إلى جنوبها عند البحر الأحمر، يعملُ أهلنا بكلِّ جهدٍ واجتهادٍ وجديَّةٍ ليحافظوا على البيت والأرض والوجود، لا أدري ماذا سيكونُ مصيرُ أهلي وربعي إذا اندلعَت المواجهة ُ ) … إلخ . بالنسبةِ لما جاءَ في أقوال ِ كرستينا فهو يتطرَّقُ إلى القضايا السياسيَّةِ الهامَّةِ على المستوى العالمي والدولي كالحربِ الباردةِ بين روسيا وأمريكا وتخوُّفه من المستقبل وأنَّ الحربَ مآلها ونتائجها الدمار لجميع الأطراف ، وحتى المنتصر سيتكبَّدُ الخسائرَ ، وأنَّ السِّلمَ هو السَّبيلُ الوحيدُ للإستقرار والتقدم والربح للجميع .
وأمَّا ما جاءَ في أقوال ِ سعيد بطل القصَّة ( من النماذج التي اخترتها ) يُعطينا صورة ً مفصَّلة لوضع ِالأقليَّة العربيَّة في إسرائيل وكيفَ ُتعاملُ من قبل ِ السُّلطةِ وكيفَ ينظرُ الأشقاءُ العرب إلى فلسطينيِّي الداخل ( عرب ال 48 ) على أنهم خونة ولم يذودُوا عن بلادهم ، فهم كالذي بين المطرقة والسَّندان ولا أحد ٌ يفهمُ ظروفهم وحالتهم ، ولكنهم استطاعوا أن يتغلَّبوا على جميع ِالصُّعوباتِ وبقوا رغم وجودِهم في دولة ِ إسرائيل مع شعبٍ آخر محافظين على هويَّتهم العربيَّة الفلسطينيَّة وعلى انتمائِهم العربي ولغتهم وتراثهم مع أنَّهُ لا توجدُ لديهم قيادة ٌ موحَّدة ٌعلى الصَّعيد ِالسياسي والديني أو الإجتماعي . والكاتبُ يُدخِلُ هنا العديدَ من الأمثلة ِالموروثةِ مثل : ( لا بالبعير ولا بالنفير ) و ( خازقي الصِّبانة ) . ونحنُ نجدُ أنَّ الجانبَ الوطني والقومي والجانبَ السياسي متداخلان مع بعضهم فلا نستطيعُ أن نفصلهم عن بعض ٍفي القصَّةِ فإذا الكاتبُ (على لسان الأبطال ) تحدَّثَ عن الأرض والوطن فيتحدَّث بالسياسةِ وإذا تطرَّقَ للسياسةِ على جميع ِ الإتجاهات فبشكل تلقائيٍّ يذكرُ الأرضَ الأرضَ والوطن والعروبة َ والشَّعبَ الفلسطيني وقضاياه ومشاكلهُ … وبتحليل ٍ للكثير ِ من الأحداث السياسيَّة .
3 – جانبُ وعنصرُ الإيمان : في كلِّ صفحة ٍ من صفحات هذه القصَّة تقريبًا يظهرُ عنصرَ الإيمان – وهذا يعكسُ نفسيَّة َ الكاتبَ ومشاعرهُ ونفكيرَهُ ومدى إيمانهِ بالخالق فيُترجمُ هذا الإيمان العميق الذي يُترعُهُ وبملؤُ روحَهُ وكلَّ حواسه ِ في شخصيَّاتِ هذهِ القصَّة ، وفي كتاباتهِ جميعًا وحتى في مجال الشعر . فالإيمان بالرَّبِّ جلَّت قدرتهُ والإلتزام بناموسهِ والسَّير حسب ما يأمرُهُ اللهُ ويطلبُهُ منَّا فستنارُ حياتنا واللهُ يُباركنا في جميع مساعينا ويفتحُ جميع َ السُّبل والأبواب أمامنا .. أبواب النجاح والتقدم في العمل والعلم والحياة الإجتماعيَّة والأسريَّة .
4 – الحِكمُ والعِبرُ والأمثلة والدروس من الحياة : – هذه الأشياءُ موجودة ٌ كثيرًا في جميع ِ صفحاتِ وفصول ِ القصَّة ولا حاجة لكي آتي بأمثلة ٍ تفاديًا للإطالةِ .
5 – الجانب التثقيفي والتعليمي – حيثُ يعطينا الكاتبُ ، من خلال الحديثِ بين أبطال القصَّة ومن خلال النهج السردي ، دروسًا تثقيفيَّة ً وعلميَّة ً في جميع الجوانب والأطر الحياتيَّة .
6 – الجانب الفني والأدبي المنمَّق – نجدُهُ يُترعُ ويُحَلِّي معظمَ صفحات هذه القصَّة ، ولولا هذا الجانب الذي يُضيفُ جماليَّة ً وألوانا ً مُشِعَّة ً وعوالمَ رائعة ً لما كنا نستطيع أن نسمِّي هذا الكتابَ أو غيره عملا أدبيًّا أو قصَّة ً ، لأنَّ القصَّة َ ليست فقط حكاية ً أو مجرى أحداث ٍ وحوادث … وكما يجبُ أن يضاف إليها الكثيرَ من المُقوِّماتِ والأسس ِالجماليَّةِ والفنيَّةِ حتى تصبحَ قصَّة ً ناجحة ً وعملا أدبيًّا يستحقُّ التقديرَ والإهتمام . وهنالك العديدُ من الكتبِ المحليَّة ( في مجال القصَّة ) تفتقرُ إلى الطابع الأدبي المُنمَّق وللمستوى الفنِّي وإلى الرومانسيَّة والفانتازيا الحالمة … وغيرها … إلخ .
7 – الرُّومانسيَّة : – إنَّ الأجواءَ الرُّومانسيَّة موجودة ٌ بشكل ٍ مكثَّف ٍ في جميع ِ فصول هذه القصَّة ، وخاصَّة في اللقاءاتِ العاطفيَّة الملتهبة بين بطليِّ القصَّة ( سعيد وكرستينا ) واستطاعَ الكاتبُ ( موفق خوري ) بريشتهِ الإبداعيَّةِ أن يصفَ بل يرسمَ ويُصَوِّرَ هذه المشاهد بشكل ٍِ رائع ومُؤثِّر ٍ، وليسَ كلُّ كاتبٍ أو أديبٍ أو شاعر يستطيعُ أن يُعبِّرَ أو يُصوِّرَ بهذا الشكل والمستوى الفني الرَّاقي كالأستاذ موفق خوري إلا إذا كان بالتأكيد فنانا عبقريًّا رومانسيًّا مُمَيَّزا مبدعًا مَرَّ بتجارب حياتيَّة وإنسانيَّة عديدة … ففي هذا الجانب تظهرُ عبقريَّة ُ وإبداعُ ورهافة ُ حسِّّ كاتبِ القصَّة . والحبُّ حسب رأي هو أسمى شيىء في الوجود والذي لا يعرفُ الحبَّ والرومانسيَّة َ والمشاعرَ الجيَّاشةَ لا يستطيعُ أن يكونَ فنانا أو شاعرًا وكاتبًا … إلخ . ومهما حاولَ الكتابة َ أو التطرُّق للمجالات الفنيَّة الأخرى فلن ينجحَ ، وكتاباتهُ على جميع ِ ألوانها وظروبها تكونُ جافة ً ولا توجدُ فيها حياة ٌ نابضة ٌ – كجسدٍ من دون روح – . فالحُبُّ أو المحبَّة ُ بشكل ٍعام هي عنصر هام وركيزة ٌ أساسيَّة ٌ في التألُّق والإبداع ِ لأيِّ مجال ٍ أو عمل .
وهذه الحقيقة ُ يعرفها ويؤمنُ بها كلُّ فنان ٍ مُبدع ٍ … وهذه الرَّكيزة ُ من ألأشياء التي ساهمت في إبداع ِ ” أبي رفيق ” في جميع مجالاتهِ الكتابيَّة … إضافة ً إلى جوانب أخرى . وممَّا جاءَ في القصَّة كمثال ٍ على هذا صفحة 64 – : ( ” اقتربت منهُ بحسمِها الممشوق ، وفعلَ هو كذلك ، وقبَّلها قبلة ً حارَّة ً … نقلت مشاعرَ كلٍّ منهما إلى الآخر … وطالت تلك القبلة ُ صميمَ الفؤاد ..وامتدَّت في عروق أجسادِهما، وانتشرتٍ كموجاتِ الكهرباء السحريَّةِ التي يرتجفُ منها العقلُ والقلبُ وترقصُ داخلها روحُ المُحبِّين دون كلام ٍ أو شرح أو تفسير عندما وضعَ كلٌّ منهما رأسَهُ بينَ يديهِ صامتا ً مفكِّرا مبتسمًا ودموع كرستينا تنهمرُ على غطاء الطاولة الجميل والذي تبلَّلَ بنقاط الدمع الخارج من المقل بحقٍّ ، والناتج عن مشاعر الروح الطاهرة ، إنها لم تعد ترى في الوجود سوى سعيدًا، هذا الملاك القادم من الشرق بدون حصان أبيض ، بل وبدون أجنحة ٍ قويَّة كالنسور ، لم يببدأ بعد بالطيران والتحليق الحرّ ، لأنَّ جناحيه لم يكتم ريشهما القويّ القاسي والجارح … ولكن لن تنسى كرستينا بأنهُ من أصل ٍ طيِّبٍ عريق ٍ ولدَ الكثير من العمالقة على مدار الزمان ” ) إلخ . إنهُ لتصويرٌ رائعٌ لمشهدٍ عاطفيٍّ رومانسيٍّ ومن خلالهِ يتطرَّقُ الأستاذ موفق خوري ( أبو رفيق ) إلى مواضيع وأمور أخرى مثل : أهميَّة ومكانة وقيمة الإنسان الشرقي سليل الأصالة والإبداع ، فهذا الملاكُ القادم من الشرق ( بطل القصَّة ) كما تطلقُ عليهِ كرستينا ( البطلة ) أجدادهُ كانوا عمالقة َ وجهابذة َ الإبداع والحضارة والتقدُّم ، ومنهم نهَلَ الغربُ العلومَ والمعرفة َ ووصلوا إلى ما وصلوا إليهِ من تقدُم ٍ ورقيٍّّ … إلخ .
ومن المشاهد الدراميَّةِ الرُّومانسيَّةِ والوجدانيَّة ِ الرائعةِ في هذه القصَّة الوصفُ الذي يصفُ بهِ الكاتبُ بطلة َالقصَّة ( كرستينا ) عندما كانت تحسُّ وتتوقَّعُ أنَّ ( سعيد ) سيُسافرُ لبلادِهِ نهائيًّا ويتركها … إنهُ لمشهدٌ تراجيديٌّ يهزُّ المشاعرَ والضمائر فيذكِّرنا بكتابِ ” العبرات ” للأديب المصري الكبير ” مصطفى لطفي المنفلوطي ” فأيُّ إنسان ٍ عندهُ إحساسٌ وشعورٌ لا يقرأ قصَّة ً من هذا الكتاب إلا َّ ويكاد أن يذرفَ الدموعَ أو يذرفها بغزارةٍ قبلَ أن يصلَ إلى نهايةِ القصَّة .
8 – وأمَّا الجانبُ الفلسفي فهو من الجوانب والمواضيع البارزة كثيرًا في القصَّة … فالقصَّة ُ بحدِّ ذاتِها مفادُها وكنهها هو فلسفة ُ الحياة والحياة ُ لأجل ِ الحياة … ومن هذا المحور الرَّئيسي ينطلقُ مؤلِّفُ الكتاب في نسج ِ وسبك ِ فصول ِ وأحداثِ القصَّة ملتزما بالقضايا الوطنيَّة والقوميَّة والهمّ الفلسطيني . ففي كلِّ مشهدٍ وموضوع ٍ أو الإنتقال من موضوع لموضوع ( على لسان الأبطال – كحوار – أو بشكل ٍ سرديٍّ نجدُ البُعدَ الفلسفي والآراءَ الفلسفيَّة بشكل ٍ عفويٍّ التي مفادُها حبُّ الحياة والحياة من أجل ِ الحياة والبقاء، ولكن برؤيا أيجابيَّةٍ بناءةٍ متجرِّدةٍ من التعصُّب العرقي أو الأنانيَّة . هذا إضافة إلى الحكم والأمثلة والإرشادات والمواعظ الموجودة بكثرةٍ في صفحات هذهِ القصَّة .
9 – وأمَّا الجانبُ الترفيهي والمُسلِّي فالقصَّة ُ بحدِّ ذاتها مسليَّة ٌ ومُمتعة ٌ ومفيدة ٌ ُكتِبَتْ لجميع ِ طبقات ِ المجتمع ِ … للمثقفين الأكاديميِّين وللقرَّاء البسطاء – للكبار والصغار – .
10 – الجانبُ الإجتماعي : – يتحدّّثُ الكاتبُ في القصَّة عن الكثير من الأمور ِ والقضايا الإجتماعيَّة ، منها : حقوق المرأة العربيَّّة ، مشاكل البطالة والفقر التي تسودُ شريحة ً لا بأسَ بها من المجتمع العربي في الداخل وكيفيَّة علاج هذه القضيَّة … وقضايا الحُبّ والعلاقة بين الشاب والفتاة في فتراتِ المُراهقة ( المرحاة الثانويَّة ) أو فيما بعدها .
ويتطرَّقُ الكاتبُ إلى موضوع الجنس وكيف عند الغرب ( الأجانب ) يُعتبرُ شيئا طبيعيًّا حتى لو كانَ خارجَ نطاق الزواج الشرعي ، وأمَّا في المجتمع ِ العربي فيُعتبرُ جنحة ً بل خطيئة ً وجريمة ً لا ُتغتفرُ للفتاةِ التي تقيمُ علاقة ًجنسيَّة ًخارج نطاق الزواج ، وهذه الأمورُ موجودة ٌ في المجتمع العربي بشكل دائم ٍ ولكن بسريًَّةٍ .. وربَّما يُواجهُ الكاتبُ بعضَ النقد لطريقة وكيفيَّةِ سردهِ لهذهِ المواضيع فيتحدَّثُ عنها بشكل ٍتلقائيٍّ وطبيعيٍّ وبوصف ٍ دقيق – ( كالعلاقة بين بطليّ القصَّة – أو العلاقة العابرة لقتل ِ الفراغ بين بطل القصَّة أثناء دراسته الثانويَّة وجارته التي تكبرهُ بسنتين ) .
ففي مجتمعنا نجدُ المُتزمِّتين والمُتشدِّدين … حتى ممَّن يكتبونَ النقدَ الأدبي وغيره سينتقدونَ هذا المنحى وهذا التوجُّه َ والإسهابَ في وصف مثل هذه العلاقات ، وربَّما يعتقدون أنَّ الكاتبَ من مُؤيِّدي التحرُّر ِالإجتماعي حتى في الأمور الأخلاقيَّة .
أمَّا في هذه القصَّةِ وبشكل ٍ عام يظهرُ أسلوبُ الأستاذ ” موفق خوري ” المُميَّز ومقدرتهُ الكتابيَّة ومهارته ُ، وخاصَّة ً في الإنتقال من موضوع لموضوع ومن مشهدٍ دراميٍّ إلى مشهد ٍ آخر مشهد . فمثلا يتحدَّثُ في القصَّةِ منذ البدايةِ ( من الصفحات الأولى ) وبشكل ٍ متسلسل ٍ ومتواصل لمجرى الاحداث ، ثمَّ فجأة يرجعُ إلى فترة زمنيَّة ومرحلة ٍ متقدمة – قبل السفر إلى ألمانيا – ، فيتحدَّثُ الكاتبُ عن بطل القصَّة ِ عندما كان لوحدهِ في غرفتهِ ببرلين فيُحَلِّقُ خيالهُ ( سعيد) للبعيد ويتذكَّرأهله وقريته وأصدقاءَهُ وفترة َالمراهقة ومرحلة دراسته الثانويَّة والاشياء الهامَّة في هذه المرحلة وعلاقته مع الطلاب والمعلِّمين … وعلاقته الكاملة ( العاطفة والجنسيَّة ) مع جارته التي تكبرُهُ بسنتين عندما كان يسكنُ في غرفةٍ مستأجرة في حيفا أثناء دراسته الثانويَّة … وقطع العلافة معها لأجل إمتحانات الإنهاء ويتفرَّغ كلِّيًّا لمستقبلهِ العلمي .. إلخ . كتبَ المؤلفُ ( الأستاذ موفق خوري ) صفحات عديدة عن هذه المرحلة تصلحُ لوحدِها أن تكونَ قصَّة ً كاملة ً ، ثمَّ يرجعُ مباشرة ً أو بالأحرى يوقظ ُ بطل َ القصَّة ( سعيدًا ) من أحلامهِ وذكرياتهِ الماضية ويعودُ بهِ إلى واقعهِ وحياتهِ الحاضرة وهو في غرفتهِ في ألمانيا في منزل ِ أهل ِ حبيبتهِ ، ويُتابع مجرى القصَّة . ففي هذا التوجُّهِ لم يكن هنالك تنظيمٌ وتسلسلٌ في مجرى الأحداث حسب الفترة الزمنيَّة ، ولكن الكاتبَ استطاعَ بمهارةٍ ورشاقةٍ وبأسلوبٍ قنيٍّ بارع ٍ رائع ٍ أن ينتقل َ من موضوع ومن فترة ٍ إلى أخرى ومن عالم ٍ إلى عالم ٍ وأجواء أخرى بشكل لا شعوري وجاءَ عفويًّا بشكل ٍ تكتيكيٍّ متقن ٍ … وهذا اللونُ من التفنُّن ِ الأدبي عادة ً يقومُ بهِ كتاب السيناريو بعد أن يطَّلعوا على قصَّة ٍ ما ويعملوا على تحويلها للدراما والتمثيل فيُغيِّروا ويُبدِّلوا في البناء والديكور ويضيفوا بعضَ التعديلات … ولكن الأستاذ موفق هنا قد قامَ بنفسهِ في هذا الدور بدلا من كاتب السيناريو ومن المخرج الفني . ولهذا أقولُ : إنَّ هذه القصَّة إذا مُثِّلت فستكونُ عملا دراميًّا رائعًا ومميَّزًا ، ولكنها تحتاجُ إلى مخرج ٍ قدير وإلى مُمثلين على مستوى عال ٍ جدًّا وإلى قدراتٍ وإمكانيَّاتٍ كبيرةٍ غير متوفِّرةٍ في بلادنا وللأسف .
وهذه القصَّة ممَّا يُميِّزها عن الكثير ِ من القصص ِ والرِّوايات المحلِّيَّة والكتبِ الأدبيَّةِ المختلفةِ أنَّ لها أهدافا مثلى ورسالة سامية عدا قيمتها الادبيَّة والفنيَّة . فهنالك الكثيرُ من القصص والكتبِ المحلِّيَّة لا يوجدُ لها أيُّ هدفٍ معنويٍّ أو رسالةٍ من كتابتها ، فهي مجرَّدُ حديثٍ عاديٍّ أو خبر تقريري لا أكثر وغالبًا ما تكونُ متقوقعة ً في مجال ٍ واحدٍ وهو المجال الوطني ( للتجارة ) وتفتقرُ للكثير من العناصر والرَّكائز الفنيَّة والإبداعيَّة والقيمة الأدبيَّة .
وأمَّا هذه القصَّةِ ( ملاك من الشَّرق ) فهي وطنيَّة ٌ من الدرجة ِ الأولى قبل كلِّ شيىء تدعو الإنسانَ الفلسطيني أينما كان إلى التمسُّك ِ بالأرض والوطن وأنَّ الإنسانَ مهما تغرَّبَ مآلهُ ومصيرُهُ أن يعودَ إلى وطنهِ وبلادِهِ … َوُتعلِّمُ القصَّة ُ أيضًا الكرامة والإباءَ والإعتزازَ والثقة َ بالنفس ِ والقيم والمثلَ والفضيلة َ . والقصَّة ُ تهزُّ وتحرِّكُ كلَّ إنسان ٍعندهُ ضمير وقيم ومبادىء … ويكمنُ نجاحُ هذه القصَّة في كونها ُتذكي الحِسَّ الوطني والقومي الجيَّاش للإنسان الفلسطيني – وللإنسان ِالإنسان أينما وُجِدَ في أيَّةِ بقعةٍ في هذا العالم ، فهي كتبت بحِسٍّ أمميٍّ إنسانيٍّ مرهفٍ وبمشاعر رقيقة جيَّاشة مترعة بالإيمان والمحبَّة وبالقيم والمثل . وفيها نجدُ إلغاءَ العرقيَّة والطائفيَّة . إلخ ، وخاصَّة ً في هذا الموضوع ( زواج بطل القصَّة بفتاةٍ أجنبيَّة ) . فالإنسانُ يجبُ أن يُقيَّمَ حسب مبادئهِ واخلاقهِ وآرائهِ وسلوكهِ وإيمانهِ وليسَ حسب طائفتهِ وديانتهِ وقوميَّتهِ … وأنَّ الحبَّ هو أسمى شيىءٍ في الوجود وهو الذي يلغي ويزيلُ كلَّّ السدود والحواجز : الطبقيَّة ، العرقيَّة ، الجغرافيَّة … ألخ . فالحبُّ كلمة ٌ تحوي في داخلها عالمًا بأكملهِ ، فهي تعني : حب الأخ لأخيهِ وحُبّ الأم لابنها وحبّ الإنسان لأرضه وبلادهِ وحب العاشق المتيَّم لحبيبتهِ وحبّ الصديق لصديقهِ . وتعلِّمنا هذه القصَّة أيضًا حبَّ الحياة وأنَّ الإرادة َالقويَّة َ المُترعة َ بالإيمان والمحبَّة تصنعُ المعجزات ولا يوجدُ شيىءٌ في الحياة اسمهُ مستحيل . وتعلِّمنا المحبَّة َ والتسامحَ والإباءَ والكرمَ الأخلاقي والفضيلة َ والمثل والشرفَ وتذكي الشعورَ والإنتماء الوطني والقومي – كما ذكرتُ سابقا – وأنَّ لا يأس مع الحياةِ ولا حياة مع اليأس . ولها قيمة ٌ إنسانيَّة ٌ من الدرجةِ الأولى وقيمة ٌ إجتماعيَّة وعقائديَّة …. وكما أنها ُتركِّزُ على أهميَّة ِ ومكانةِ الشَّرق ( جغرافيًّا وتاريخيًّا وعقائديًّا واستراتيجيًّا ) فالشَّرقُ هو معهدُ ومنبعُ الحضارةِ والعلم ومهدُ الدياننات والغربُ نهَلَ عنهُ العلمَ والحضارة َ والرّقيَّ وأخذ المعتقدات اللاهوتيَّة والإيمان بالخالق الواحد الله جلَّ جلاله. ويُشيرُ الكاتبُ ويُؤكِّدُ في القصَّة ِ إلى مكانةِ وقيمةِ وأهميَّة العربي أو الفلسطيني بالأحرى ، فهو ليسَ على الهامش وليسَ من سقط المتاع ، بل يستطيعُ أن يفرضَ احترامَ الأجانب والشعوب الأخرى لهُ ، وذلك باحترامِهِ لنفسهِ وبتحلِّهِ بالأخلاق ِ والمثل والمناقب الحميدة وبابداعهِ وتفوّقهِ في الذكاء والعلم والإبداع … وفي نجاحهِ الكبير في شتى الميادين والمجالات … وهذا ما جرى مع بطل القصَّة ( سعيد ) بتفوِّقهِ ونجاحِهِ في بلاد الغربة ( بألمانيا ) وكيفَ وقعتْ في حبِّهِ ( كرستينا ) الفتاة الأجنبيَّة التي وافقت على الإرتباط والزواج بهِ وتركت بلادها من أجلهِ وسافرت معهُ للعيش في بلادهِ .
وأخيرًا : كم كنا نتمنى العمرَ المديدَ للكاتبِ والأديبَ المبدع الأستاذ أبي رفيق موفق خوري والمزيدَ من العطاء والإنتاج الإبداعي المُميَّز … ولكن يدَ المنون لم تمهلهُ فقد توفيَ بشكل ٍ مفاجىءٍ إثرَ نوبةٍ قلبيَّةٍ حادَّةٍ .. وكانَ موتهُ خسارة ً بل كارثة ً لعائلتهِ وذويهِ ولأصدقائهِ ومعارفهِ ومُحبِّيهِ وللمجتمع عامَّة ً – فلهُ الرَّحمة ُ ولأولادهِ وعائلتهِ وذويهِ طول البقاء … وبموتهِ تفقدُ الحركة الأدبيَّة ُ والثقافيَّة المحليَّة عَلمًا من أعلامِهَا وركنا من أركانِها المُهمِّن الذين كانَ لهم دورٌ رائدٌ وهام في نشر العلم ِ والفكر والثقافة ِ والإبداع .