قرية وادي الحنين المهجرة
تاريخ النشر: 25/10/12 | 1:22مشاهد جدّ محزنة ومؤثرة، ولكنها في نفس الوقت مستفزة جداً ، هي تلك المشاهد التي بثها التلفزيون الاسرائيلي “القناة الثانية” قبل ايام، وهي صور نادرة لترحيل الفلسطينيين من قرية وادي حنين المهجرة عام 1948م القريبة من الرملة، على الخط الواصل بينها وبين يافا من جهة، وغزة من جهة أخرى، لكن المشهد الذي كان أكثر لافتاً وموجعاً هو مشهد جموع المستوطنين الغرباء الذي حملوا معاولهم وتسلقوا سقف المسجد وأخذوا يضربون بها مئذنة المسجد الكبير الواقع وسط القرية، الى ان سقطت المئذنة وتم هدمها نهائياً، ومن يومها حُوّل المسجد الى كنيس يهودي، وبدل أن يقف الامام يقرأ القرآن وقف ” الحاخام” ينفخ بالبوق، في مثل هذه الأجواء وصلت رسالة الى مكتب “مؤسسة الاقصى” تفيد بأن هناك انباء تتحدث عن مخطط لاقامة حي سكني جديد على أنقاض مقبرة وادي حنين.
تزامن عجيب، دفع وفد من “مؤسسة الاقصى” ضم مدير “مؤسسة الاقصى” المهندس أمير خطيب، ومسؤول ملف المقدسات فيها السيد عبد المجيد محمد اغبارية، انضم اليهم الشيخ احمد أبو عبيّد – أمام مسجد عاطف الجاروشي في مدنية الرملة-، سرنا جميعا في السيارة الى أن وصلنا الى موقع اطلق عليه الاسرائيليون “جبعات هتسبار”-“تلة الصبر”، واشار الاخ عبد المجيد انتظروا قليلا هذا هو موقع مقبرة القرية، الموقع محاط بجدار اسمنتي – رسم عليه بعض الرسومات- يعلوه سياج حديدي، ولا يظهر في الموقع أي اشارة انه مقبرة، لا شاهد قبر او ما شابه، فالموقع عبارة عن تلة زرعت بأشجار الزيتون وأرضيتها بالعشب الأخضر، وبجانبها حديقة عامة فيها ألعاب للأطفال، وبالفعل كان فيها عدد من الأطفال والبنات من المستجلبين الجدد وهم يلعبون ويمرحون، عند مدخل “المقبرة” وضعت لافتة كتب عليها بالعبرية”حديقة عامة” وتضمنت بعض التعليمات للمحافظة عليها، عجيب أمر هؤلاء، يجرفون القبور ويدمرونها بالكلية، ثم يزرعون على أنقاض الأموات ورفاتهم وجماجمهم العشب الأخضر والزيتون، وينصبون الالعاب للأطفال، ولا يرعون حرمة لميت أو حي، ثم يصدرون التعليمات بالمحافظة على الحديقة .
تنفسنا الصعداء.. وسط اندهاش كبير، وخيّم الصمت المطبق الاّ من أصوات الاطفال الذي يتلهون بالألعاب المجاورة، ومن بعض اولئك الغرباء الذين يسكنون في العمارات الشاهقة التي اقيمت على حساب مقبرة وبيوت قرية وادي حنين .. تبادلنا الحديث ووجهات النظر وختمنا زيارتنا بقراءة الفاتحة على أرواح المسلمين والمدفونين في المقبرة، حقيقة زرنا خلال السنوات الاخيرة الكثير من المقابر في القرى المهجرة ووقعت أعيننا على كثير من مشاهد نبش القبور وتدميرها، لكن هذه المرة انتابتني حالة غريبة وأصبت بالقشعريرة، وتملكني الغضب، لكن خفف عني قول أحد رفاقي ” الحق لا بد يوماً سيعود الى أهله” .
المسجد ذو القبة المزهوة:
أكملنا جولتنا في قرية وادي حنين ،بين البيوت والعمارات والشوارع الواسعة، الى ان وصلنا وسط القرية ، حيث بقايا بعض البيوت العربية وسوق قديم، بينها تبرز قبة كبيرة مزهوة بجمالها، ما ان اقتربنا الى المسجد وأردنا ان ندخله، واذ بعدد من الاسرائيليين الذي يلبسون ” الكيبا” و اللباس الاسود يخرجون مسرعين من داخل المسجد ويغلقون الباب الرئيسي، ويوصدون الباب في وجهنا، وقد وقع نظرنا من بعيد قبل ان يغلق المسجد اولئك على طاولات وكراسي وقد توسط قاعة المسجد طاولة وضع عليها “كتاب التناخ” .
المسجد حوّل الى كنيس يهودي باسم “جئولات يسرائيل” تابع الى حركة “شاس”، وبالفعل عند باب المسجد وضعت اسطوانات مسجلة ومطويات “دينية يهودية” لمجموعات “شاس”، المئذنة هدمت كما ذكرنا في المقدمة، وقد نصب الشمعدان اليهودي على رأس القبة وبجانبها، تجولنا حول المسجد، ورأينا محرابه من الخارج، وقد نصبت على احد الجدران لافتة بالعبرية تشير الى بناء المسجد عام 1943م، وتحويله الى كنيس عام 1949م .
تجاذبنا أطراف الحديث وتواعدنا على العودة مرة أخرى الى المسجد وتفقده مرة أخرى من الداخل، تركنا المسجد وفينا الحنين الى عودته الى أهله قريبا، وهذا حاصل بإذن الله رب العالمين، وساعتها سنعيد على وجه السرعة بناء المئذنة بأجمل مما كانت ، وسيصعد واحد منا او من أبنائنا ليرفع صوت الآذان عاليا مكبرا “الله أكبر..الله أكبر” ،”حي على الصلاة..حي على الفلاح”