في زواريب المخيم.. حكايات يجب أن تنتهي
تاريخ النشر: 16/02/15 | 8:28سمِّه ما شئت؛ زقاق، زاروب، لا فرق فالمضمون واحد. زواريب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليس كغيرها من زواريب مخيمات أو تجمعات اللاجئين في العالم..، ففيها من الحكايات ما يجعلها محطة مفصلية لإهتمامات محلية وإقليمية ودولية، ولزيارة “السواح” من بلاد العرب والعجم..!
يتميز زاروب المخيم بجدرانه المتدرجة تماما كالمطبات السياحية للطرقات، وبألوانه الممزوجة بما تبقى من إسمنت وما علق عليها من ألوان مختلفة مر عليها أعوم وأعوام، يتميز بمضامينه التي تحاكي القضية الفلسطينية بجميع مكوناتها من صور للشهداء وللجرحى وللأسرى، ولخريطة فلسطين، وقبة الصخرة، والمسجد الأقصى..، ورسوم تشكيلية وملصقات مختلفة وعبارات تحاكي واقع المخيم بالقبول أو الرفض.. يتميز بنوافذ المنازل المنخفضة وقربها من بعضها البعض لتشكل خصوصية الحديث إلى أذن الجار أرقى معاني التواصل..!
متميِّزٌ بمجاريره الفوقية وروائحها المنبعثة على الساكن والزائر، وبأسلاك الكهرباء المتدلية التي تعانق بحرارة العاشق بحيث لا تنفصل عن أنابيب مياه الشرب، هو الزاروب بحديده الناتئ من زواياه المختلفة، هو الزاروب بمطباته الرملية أو الإسمنتية، هو مكان للدراسة وللعب الأطفال، هو مكان لاستنشاق الهواء والتفريج عن الهموم، هو مكان لقاء “ختايرة” الحيّْ وشبانها، هو مكان لشرب الشاي والقهوة، هو مكان للبحث ومناقشة الأمور الصعبة وحل المشاكل بين الأهالي، هو مكان لفرم الخضار وإعداد الطعام، هو مكان لزراعة شجر الظل والثمار، ومكان لزراعة بعض نباتات الزينة وتلك التي يمكن الإستفادة منها كالبصل والنعنع وغيرها..، هو دكان لبيع ولشراء احتياجات الناس، هو مكان للطبخ ولإشعال النار في الحطب ولغلي الغسيل الأبيض أحياناً، هو مكان لزفة العرس ومرور الجنائز لكن بصعوبة، لذا يضطر البعض لتمرير موتاهم من على سطح المنازل..، هو مكان يتسع أحيانا لشخص واحد وحينا آخر لشخصين، هو مكان لخربشة الأطفال وإطلاق العنان لمخيلاتهم وأفكارهم وكلماتهم الخالية من الحروف المتكاملة..!
في الزاروب لا فرق بين الليل والنهار فالظلمة واحدة، فبعض الأزقة لا تدخلها أشعة الشمس وتغيب عنها أعمدة الإنارة، هو المكان الذي يفِر إليه البعض من الشباب المراهق للتدخين أو ملاذاً “آمنا” حين التسرب من المدارس وأثناء الشجار مع الأقران، هو المكان الذي تلجأ إليه العائلات عند وقوع أي حدث أمني فبعض الأزقة كونها تقع تحت بعض المنازل التي بنيت بشكل عشوائي باتت تشكل ملجئاً آمنا لبعض الأهالي..!
بطبيعة الحال يختلف شكل الزاروب في الصيف عنه في الشتاء، ففي الشتاء لا مكان يتسع لتدفق المياه لتدخل إلى البيوت حاملة معها بقايا الأشياء المختلفة من النفايات… السير في الزاروب يشكل حالة خاصة، فمن أراد أن ينتقل من وإلى المخيم عليه بتبديل ملابسه مرات ومرات، وتزداد الخطورة بالإنزلاق وتشابك اسلاك الكهرباء بالماء وقد سقط العديد من الضحايا بسبب الصعقات الكهربائية خاصة في مخيم برج البراجنة، وكم ضاع على طلاب المدارس من أيام دراسية بسبب عدم القدرة على التنقل من المنزل إلى المدرسة والعكس..!
هو المكان المسبب للأمراض المزمنة كالربو والضغط والسكري وكذلك للأمراض الجلدية، ومسبب للآفات الإجتماعية وللمشاكل الأمنية، فالقوارض كبيرها وصغيرها لها في الزاروب مكان، ونصيبٌ من حرية الحركة خاصة في الليل، وتكرار نوع السموم الذي تتناوله من قبل “الأونروا” أكسبها مناعة، تدخل بلا استئذان على العائلات لتعض هذا وتقتات من طعام هذا ناقلة للأمراض، وتجعل الزوايا مكاناً لسكناها لتتسلق إلى المنازل في الطوابق العليا..!
كي تنتهي تلك الحكايات وغيرها إلى غير رجعة، لا بد من حراك جدي فاعل، وتنسيق ومسؤولية مشتركة من قبل الفصائل الفلسطينية ووكالة “الأونروا” وسفارة فلسطين، والدولة اللبنانية، والمؤسسات الأهلية المحلية والدولية، واللجان الشعبية والأهلية والنخب والفعاليات.. فالحاجة إنسانية وسياسية وإعلامية وإغاثية.. وإلا سنبقى نروي تلك الحكايات وفي كل مرة حكاية جديدة..!
علي هويدي
المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني – لندن / المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني