العنصرية الحقيقية موجودة في الحكومة
تاريخ النشر: 25/10/12 | 15:25
ضجّ الرأي العام الاسرائيلي والعربي بالعنوان الرئيسي لصحيفة هآرتس امس الثلاثاء (22/10/2012) حول استطلاع الرأي الذي يشير الى ان 58% من الاسرائيليين اليهود يؤيدون نظام ابارتهايد في حال ضم اسرائيل للمناطق المحتلة. وهي بالفعل نتائج مثيرة للقلق، لدرجة اثارت رد فعل غاضب من جانب القيادات العربية والاوساط الليبرالية اليهودية. يأتي نشر الاستطلاع على خلفية انطلاق حملة الانتخابات والتي بيّنت بوضوح ان كافة المرشحين الذين يدّعون منافسة نتانياهو (يحيموفيتش، يئير لابيد وموفاز) يطرحون في الحقيقة نفس مواقف اليمين المعادية للسلام والرافضة للانسحاب من المناطق المحتلة. بدل الخروج بحزم ضد هذه الاحزاب وتحميل الحكومة اليمينية المسؤولية عن العنصرية، يتستر هؤلاء الليبراليون وراء ميل الشعب الى اليمين، كما لو كان هذا مبررا لمواصلة نتانياهو سياسته المعادية للسلام . قد يتساءل المواطن العربي الذي يعيش العنصرية على جلده يوميا، ما الجديد في الاستطلاع ولماذا حظي بعنوان رئيسي؟ ففي الواقع لا جديد تحت الشمس، بل كشف ما هو معروف من تغلغل العنصرية بسبب الجهل والآراء المسبقة، وزيف شعار الدولة اليهودية الديمقراطية. لا شك ان العنصرية زادت حدة بعد اربع سنوات من حكم نتانياهو وانشغال الكنيست بسن قوانين عنصرية ضد المواطنين العرب. وزاد في مناخ العنصرية تحريض وزير الداخلية ضد العمال المهاجرين الافارقة. كل هذا يؤكد صحة الاستطلاع، ولكنه لا يكشف الصورة الكاملة للوضع المعقد الذي يمر به المجتمع الاسرائيلي في السنوات الاخيرة. على هذه الصورة يدل العنوان الرئيسي لصحيفة يديعوت احرونوت التي ابرزت تصريح موشيه كحلون، الوزير المستقيل من حكومة نتانياهو، بان: "الليكود قد يفقد السلطة". وكان كحلون يتطرق للازمة الاقتصادية الآخذة بالاستفحال، لدرجة تهدد بقاء الليكود في الحكم. ومن هنا يطرح السؤال: اذا كان الهم الرئيسي للجمهور الاسرائيلي فرض الابارتهايد، ألم يكن من الحري به إعادة انتخاب اليمين؟ الاجابة واضحة، الجمهور غير مشغول بالابارتهايد، بل ما يهمه هو غلاء المعيشة، اسعار البيوت، الفقر، الفجوات الاجتماعية، الفساد السلطوي والزواج بين السلطة ورأس المال. المظاهرات الاحتجاجية في صيف 2011 لم تناد الى طرد العرب الى مناطق السلطة الفلسطينية، بالعكس، الجمهور الاسرائيلي ملّ من الاجندة العنصرية التي فرضها الكنيست وخرج الى الشوارع للاحتجاج ضد الحكومة بسبب استهتارها المطلق بآلامه ومصاعبه الحياتية. يشعر الكثيرون بان الاجندة العنصرية تأتي للتغطية على الاهمال الاجرامي للقضايا الساخنة مثل الفقر، التعليم، الصحة، السكن وبالأساس الغموض بالنسبة للمستقبل. حتى عندما خرج نتانياهو بحملته ضد ايران، جوبه باستطلاع آخر للرأي العام الذي اتخذ موقفا ضد الحرب لشعوره بان زعيمه يحاول صرف الانظار عن القضايا الاجتماعية التي تهم هذا الجمهور. اجندة الانتخابات ليست الابارتهايد، بل القضية الاجتماعية الاقتصادية والقضية السياسية. في الشأن الاجتماعي لا فرق جوهري بين اليهود والعرب، الكل يعمل بنفس ظروف الاستغلال، المعلمون، العاملون الاجتماعيون، الممرضون في المستشفيات، عمال المصانع المخصخصة، الكل يعمل ساعات طويلة لقاء اجور بالكاد تكفيهم الشهر. لا احد يتهم العرب بالمسؤولية عن تدهور الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية، كما يحدث مثلا في الدول الاوروبية المشبعة بالعنصرية والكراهية تجاه المسلمين وسائر العمال المهاجرين. في اسرائيل عنوان الغضب الجماهيري هو الحكومة، اليمين الاسرائيلي الذي يسيطر منذ سنوات طويلة. هذا ما قصده كحلون في تصريحه، بان اليمين يمكن ان يدفع ثمن سياسته. اما عن القضية السياسية، التي تفر منها كل الاحزاب المعارضة لنتانياهو، فالواقع ان الجمهور الاسرائيلي سئم من الحروب وكذلك من الاستيطان الذي "يشفط" اموال الميزانية بدل توجيهها للخدمات الاجتماعية. لجان التحقيق العديدة التي جرى تشكيلها في السنوات الاخيرة هي اشارة الى عدم ثقة الجمهور بقادته العسكريين والسياسيين، ولو جلبوا له اتفاق سلام يضع حدا للصراع على اساس التنازل عن المناطق المحتلة، فسيجدون اغلبية تدعمه. غير ان القيادة الاسرائيلية جبانة. فهي تخاف مواجهة المستوطنين وتمتنع عن القيام بما هو مطلوب منها وهو اخلاؤهم واقتلاعهم من الاراضي الفلسطينية، كشرط اساسي للسلام العادل. وبسبب جبنها هذا فانها تفضل الهروب الى الحروب ومواصلة تخصيص ربع ميزانية الدولة لوزارة الامن على حساب خدمات الرفاه، العمل، ومستقبل المواطنين. نعم، العنصرية موجودة، ولكن هناك ايضا عطش لقطاعات هامة من الشعب الاسرائيلي للعدالة الاجتماعية وللسلام. هاتان هما الامكانيتان الماثلتان امام المجتمع الاسرائيلي: اما السلام الحقيقي والعدالة الاجتماعية او الابارتهايد والعنصرية. لجماهيرنا العربية مصلحة واضحة في تقوية الميل الاول نحو السلام والعدالة الاجتماعية، والبحث التيارات التقدمية الاسرائيلية وايجاد قواسم مشتركة معها بدل الانغلاق وراء شعارات رنانة لا تفعل سوى تكريس الوضع القائم.