حنانيك يا صديقي الأستاذ سعيد حسنين …

عجبت للحرب غير المبررة التي شنها الصديق ( سعيد حسنين ) في مقاله الأخير تحت عنوان ( “كاسكو” يا إخوان يا مسلمين !) ، على الإخوان المسلمين في مصر وعلى أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا منذ ستة آلاف عام ، بما في ذلك فترة ثورة 1952 التي يتفاخر بأمجادها ، ويا ليته أشار ولو على استحياء لبعض من جرائمها التي زكمت الأنوف ، مثلما اشار إلى انجازاتها التي لا ننكرها عدالة .. لم أكن أريد لصديقي أن ينضم لجوقة الرّدّاحين ، وكم تمنيت لو عرض لوجهة نظره المعارضة والمنتقدة ، بدرجة من الموضوعية التي عرفتها فيه ، لكنه اختار الحرب ، تماما كما اختارتها قطاعات من العلمانيين الاستئصاليين ، والليبراليين الظلاميين داخل مصر وخارجها ، والذين يستهدفون الإسلام ذاته ، وإن استعملوا الإخوان المسلمين غطاء شاءها لعدوانهم ، وحاشى ( لسعيد ) أن يكون من هذا الصنف .. لقد اختار ( سعيد ) جزئية خطاب ( الرئيس مرسي ) للرئيس ( بيريس ) ، والذي هو جزء من مراسيم تسليم السفير المصري الجديد أوراق اعتماده كما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية ، لِيَهُدَّ كيان الإخوان المسلمين من أساسه ، وهُم من هُم تضحيةً وعطاءً وصبراً وفداءً على مدى ثمانين عاما ، أهَّلَتْهُم للحصول على ثقة الشعب المصري في كل مراحل التحول الديمقراطي في مصر ، ابتداء من استفتاء مارس 2011 ، مرورا بانتخابات مجلس الشعب ، وانتهاء بانتخابات رئيس الجمهورية …

لقد استعمل الكاتب في هجومه هذا أسوأ مخزون في قاموس عتاة المتحاملين على الإسلام والإسلاميين ، وما هو منهم حسب معرفتي فيه ، ووجه إليهم أقذع التهم والسباب ، إلى درجة تمنى زوالهم في آخر مقاله ، فقال بعدما فاضت قريحته بألوان التحليلات التي هي اقرب إلى الشطحات : ” …. يوحي بأن الجماعة خلعوا عباءة الإسلام وأن التغيير في مصر ليس تغييرًا بل تبديلاً وأن الربيع العربي انقلب إلى خريف تساقطت فيه كل مبادئ العزة والكرامة ، فما لهذه الأمة من محيطها إلى خليجها إلا أن تعيد حساباتها جيدًا في برامجها، عسى ربي ينعم علينا بقائد يسير على نهج العزة والكرامة والحرية، وكفى الله المؤمنين شر القتال . ” …. انتهى الاقتباس .. هكذا وإلى هذا الحد .. الأمر عجيب مرتين ، الأولى لصدوره من رجل احسبه ولا ازكي على الله أحدا من العقلاء .. والثانية ، لأنه تخلى في مقاله عن كل قواعد المنطق والمنهجية في تحليل أوضاع غاية في التعقيد وبالذات في مصر الكنانة ، فتحول إلى معول هدم بدلا من أن يكون معول بناء ..هذه “الساديّة/العدمية ” الفكرية لا يمكن تفسيرها ، ومعاذ الله أن أعني بها صديقي ( سعيد ) …

لكنها ظاهرة لا بد من التحذير منها ، وأدعو كل الكتاب إلى الحذر من الوقوع في شباكها ، لأنها ببساطة تفجر مصداقية صاحبها حتى لا تُبقي له وجها يقابل به الناس .. إنها منهجية تقفز على الأحداث قفزا ، تسابق الزمن للوصول إلى هدفها المنشود ، ” الدمار الشامل ” … يا ليت الأقلام سُخِّرَتْ لتحقيق غرضين في آن واحد ، الأول ، نصيحة القيادة الجديدة التي تسلمت قيادة مصر قبل أربعة أشهر فقط ، وحتى انتقادها البناء إذا احتاج الأمر ذلك ، فقد عَلَّمَنا من هم اشرف منا جميعا هذا الحق : ” لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نسمعها ” ، وقالوا : ” طوبى لمن أهدى إلي عيوبي ” .

والثاني ، توجيه النار إلى أوكار الفساد التي ما زالت تحكم البلاد والعباد بعد أن امتدت جذورها لأكثر من ستين عاما وأكثر ، ابتداء في الأجهزة الأمنية والمدنية ، مرورا بأجهزة القضاء والإعلام الفاسدين ، وانتهاء بدولة الفنانين المبتذلين التي قضت على عناصر القوة الأخلاقية والقيمية في الأمة ، فكانت وما تزال سببا مباشرا في هزائم الشعوب وذلها في ميادين الفضيلة أو في سُوَحِ الحرب والنزال … أنا أول من علق منتقدا هذه ” السقطة ” التي ما كانت تليق بالثورة ، ولا بقيادة مصر التي تنتمي للإخوان المسلمين .. كما لم ” أشتر ” المبررات التي ساقها ( الدكتور ياسر علي ) الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية لتفسير ما جرى ، على اعتباره تقليدا معمولا به في رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية المصرية منذ عقود طويلة .. المهم في الأمر أن (الدكتور علي ) قد أكد تعليمات رئيس الجمهورية المشددة لإعادة النظر في كل صياغات التخاطب بين مصر ودول العالم في المناسبات المختلفة وخصوصا في نصوص التخاطب بين إسرائيل ومصر … رغم إصراري أنا ابن الصحوة الإسلامية والذي يعشق ( حركة الإخوان المسلمين ) منذ وعيت ، على أن هذا الخطأ ما كان يجب أن يحدث ، إلا أنني لست عدميا في تفكيري ، وعليه أقبل حقيقة أن الدرس قد تم استيعابه ، وأنا متأكد أن خطأ من هذا النوع لن يقع مرة أخرى .. الناس أمام هذه الحقيقة صنفان .. الأول ، إنسان واقعي ، يفترض أن خطأ كهذا أو أكبر منه يمكن أن يقع في ظل زحمة الأحداث وضغطها ، فهو يرفضه مع استعداده الفطري لقبول وجهة نظر الطرف المُتَّهَم ، وَوَعْدِه بالتصحيح .. إنه صاحب نوايا سليمة ، لا يبحث عن ” السقطات ” ليحولها إلى خيانات عظمى ، فيقع في المحظور من جانبين ، اللاموضوعية في أحسن الأحول ، وسوء النية في أسوئها .. أما الصنف الثاني فهو المريض ابتداءً والذي يكره الإسلام قبل أن يكره ( الإخوان المسلمون ) ، فهذا النوع لن يرضيه اعتذار ولا يشفي غليلَه وعدٌ قاطعٌ مشفوعٌ بأغلظ الأيمان ، ولا يملأ عينيه بيان ممهور بتوقيعِ ألفٍ من كبار قادة الأمة ووجهائها وعلمائها ومفكريها … لأنه ببساطه مريض ، والمريض من هذا النوع لا أمل يُرجى منه إلا أن تتداركه رحمة الله … مثل هذا المريض مثل المنافقين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب كما يقولون … وقد كانوا في عهد رسول الله وسيظلون إلى يوم القيامة … فقد روت السيرة أن بعضا من المنافقين كان يرقب حملة التبرعات التي أعلن عنها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم استعدادا لمعركة ( تبوك ) ، فجاء من الصحابة من يحمل الآلاف من الدنانير ، فقالوا : ” ما أراد بها وجه الله !!!!!! ) ، وجاء من تبرع بما يملك من التمرات فقط ، فقالوا : ” ما لله حاجة في صدقة هذا !!!!!!!!! ) … أتمنى على الأخ ( سعيد حسنين ) ، وباقي الإخوة الكتاب أن يكونوا من الصنف الأول ، وهذا ليس مستحيلا وإن لم يكن جماهيريا ، فالحق أحق أن يتبع .. لا أصدق أن من كتب هذا المقال هو ( سعيد حسنين ) الذي اعرفه ….. فقوله مثلا : ( من يعتقد بأن الإخوان تحولوا من طرف لآخر فهو مخطئ، فإعادة السفير إلى بلاد السمن والعسل كشف جزءًا من أوراق هذه الجماعة التي طبل وزمر لها الكثيرون، خاصة هنا في فلسطيننا، احتفلوا وفرحوا بحكم الإسلام وراحوا يرددون بأن الدور جاي ع كل البلدان العربية وفي مقدمتها سورية!! والله ونعم الإخوان ونعم الحكم ! ) ، قول ما رأيت أفظع منه إلا في الكم الهائل من السموم التي يضخها إعلام فلول النظام السابق والإعلام المعادي لكل تجربة إسلامية في مصر وفي غيرها. لا أرى أي منطق في عملية تقويض لأول تجربة رائدة في بلد يعتبر وبكل المعايير قلب العالم العربي ، بسبب خطأ هنا أو هنالك …. فالتركة ثقيلة ، فساد وخراب عَمَّ وَطَمَّ في كل جوانب الحياة في مصر … ليس من العدل ناهيك عن الموضوعية أن يذهب الكاتب إلى حد اتهام ( الإخوان المسلمين ) بما هم منه براء لمجرد خطاب اتفقنا على أنه ما كان ينبغي أن يكون ، وبالرغم من أن صفحات جريدة ( الحرية والعدالة ) الناطقة باسم حزب ( الحرية والعدالة ) الذراع السياسية للإخوان ، اصطبغت صفحاتها بمقالات جريئة انتقدت هذا السلوك ودعت إلى تنظيف الطاولة من مخلفات الأنطمة السابقة في كل ما له علاقة بإسرائيل … هل يمكن يا أستاذ ( سعيد ) أن يقال هذا الكلام في حق رئيسٍ ما نطق باسم إسرائيل حتى الآن في خطاباته داخل مصر وخارجها ؟؟!! ، وفي حق جماعة كانت رأس الحربة في مواجهة الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي في القنال وفي مصر ، وفي التصدي للعصابات الصهيونية في فلسطين ( لك أن تزور قرية ” صور باهر ” بالقرب من الأقصى الشريف لترى تحصينات الأخوان المسلمين وخنادقهم المنحوتة في الصخر والتي ساهمت بشكل حاسم في نجاة القدس الشرقية من السقوط في حرب 1948 ) ، وفي مقارعة النظام الملكي ، وفي حماية ثورة 1952 ونجاحها ( باعتراف المنصفين من بعض أعضاء قيادة الثورة ومنهم ” محمد نجيب ” في مذكراته ، وكذا ” حسين محمد أحمد حمودة ” احد الضباط الأحرار في كتابه { حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون }، وغيرهم كثير ) ، وكذلك في التصدي لأنظمة الفساد والاستبداد في عهد السادات ومبارك ، فكانوا أكثر الحركات تعرضا للحصار والعذاب والقتل والتشتيت ، حتى جاءت ثورة 11 كانون ثاني / يناير ليكون الأخوان مع غيرهم رافعتها ومحركها وحاميها بلا منازع .. وأخيرا نجاحهم في الحصول على ثقة الشعب المصري ووصولهم إلى الحكم بدون انقلاب ولا إرهاب ولا عنف ، ولكن عبر صندوق الاقتراع ، الأمر الذي يعني احتفاظ الشعب والشعب فقط بالحق في تغيير

النظام كل أربع سنوات عبر صناديق الاقتراع ذاتها إن لم يثبت الإخوان جدارتهم بحكم اكبر دولة عربية … فلم العجلة ، ولم الأحكام المسبقة ؟!!! عوامل كثيرة قد تؤثر في النتائج المرغوبة من هذه التجربة الرائدة في الشرق الأوسط ، ومن هذه العوامل ما تركه النظام السابق من خراب وفساد كبير في جميع مفاصل وأجهزة الدولة، العجز الكبير في ميزانية الدولة الديون الخارجية والداخلية تدهور حاد في جميع مؤسسات الدولة ، التعليم والصحة والقضاء والداخلية….الخ .. أضف إلى ذلك بعض أعلام رجال الأعمال الفاسد والتشويه المستمر لأي إنجاز إيجابي والتركيز على سفاسف الأمور التي لا يُبنى عليها عمل ، وأشياء كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المقال، مع إضافة بُعد آخر أنها تجربة رائدة تحدث لأول مرة في تاريخ مصر المعاصر والقديم، بل في تاريخ الدول العربية والشرق الأوسط ، ويجب ألا ننسى ما يحاك لهذه التجربة من مؤامرات داخلية وخارجية لمحاولة إفشالها من قِبل دول معروفة تناصب العداء للمشروع الإسلامي عامة ولا تريده أن ينجح في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في مصر بذات ، لأنها تمثل قلب الأمة العربية والإسلامية ، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله ، ودول أخرى تخاف على أنظمتها من أن تنهار فلا تريد نجاح الثورات خوفًا على مصالحها وكراسيها من أن تهتز … لا بد لكل مخلص لوطنه أراد الإنصاف والعدل أن يأخذ ذلك في الاعتبار عندما يتصدر للحكم على نجاح هذه التجربة من عدمها وإعطاء كامل فرصتها في الوقت والإمكانات المتاحة. أعتقد أن الأستاذ سعيد حسنين لا يجب أن ينام حينما يقرأ تعليقا على مقاله لأحد المتصفحين قال فيه بالحرف الواحد : ( يعطيك العافية يا أبا محمود .. سلمت يداك وقلمك .. يجب على الحركة الوطنية تعرية الإخوان من كل قشورهم .. الإخوان هي حركة سياسية تدعي أنها تحمل راية الإسلام والدين الحنيف براء منها .. لا يمكن أن يكون مؤمنا ويسير على خطى الرسول العربي صلى الله عليه وسلم من يدعم الإرهاب والعنصرية ) .. انتهى .. الرسول الكريم عليه السلام يقول : ( مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بعْدَهُ كُتِب لَه مثْلُ أَجْر من عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وزر من عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ من أَوْزَارهِمْ شَيْءٌ ) [رواه مسلم]. أتراك يا أخي وصديقي الحبيب ( سعيد حسنين ) سَنَنْتَ بمقالك هذا سنة حسنة أم سنة سيئة ؟؟!!! التعليق المذكور لا يدل على إلا على الثانية ، فأعانك الله ووفقك إلى ما يحبه ويرضاه …. وأخيرًا ، جماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة أتت من الفضاء الخارجي غزت مصر في العصور الحجرية ، بل هي جماعة وطنية تعشق تراب مصر وتسعى لرفعة وطنها بين الأمم وهي جماعة من جماعات المسلمين الدعوية كغيرها من الجماعات ، فهي اجتهاد بشري محض مرتكزة في دعوتها ومشروعها الحضاري لنهضة الأمة على الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح ، قابلة للصواب والخطأ ، ولا تحتكر فهم الإسلام وحدها فهي تجتهد ، تصيب وتخطئ ولا تبتغي إلا مرضاة الله سبحانه وتعالى ، فإن أصابت شكرت الله ، وإن أخطأت عدلت عن خطئها واستغفرت الله ، تقبل المشورة والتناصح فيما لا يتعارض مع النصوص الثابتة في القرآن والسنة .