إلى الهُدى ائـتنا

تاريخ النشر: 21/02/15 | 10:14

أحلى الفترات وأخطرها، وأجمل الأيام وأصعبها، فيها الطموح والأمل، فيها القوة والعزة والإباء والعمل، إنها فترة الشباب، هي الفترة التي تتفتح فيها أعينهم على الحياة بكل ما فيها من آمال وآلام. مرحلة الشباب في حياة الإنسان، تتميز بالحيوية والنشاط، وحدة الذكاء، والقدرة على الاستيعاب، والصبر والتحمل،وتتميز كذلك بالميل إلى التقليد، واتخاذ قدوات يجعلها الشاب نصب عينه ويحاول الوصول إلى مستواها. حياة لا تخلو من شبهات وشهوات ومغريات، والسعيد من عصمه الله تعالى فكان من الذين قال فيهم رب العالمين: “إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”، لذا فقد كان (.. َشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ..) من السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
الشيطان يحاول التلبيس على الشاب والدخول إليه من مدخل التجربة وحب التعرف والاستكشاف، فإن حاول الفرار من المعصية جاءه يوسوس: أنت شاب لماذا لا تجرب؟ لماذا تصلي وغيرك يلهو ويلعب؟ لماذا ترتاد المساجد وأبناء جيلك في خيمات المونديال؟ لماذا تقرأ القرآن وأصحابك يتصفحون الانترنت والفيسبوك، لماذا تغض من بصرك بينما الشباب ينظرون بلا حدود!!
وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً رائعاً لعابد أغواه الشيطان من باب(جرب)، حتى أوقعه في الكفر،قال تعالى: “كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) “ (سورة الحشر). إنها قصة ذاك العابد من بني إسرائيل الذي أغواه الشيطان ليجرب أنواع الشهوات الدنيوية، فوقع في الزنا وقتل،ثمّ كفر، ثم كانت عاقبته النار خالدًا فيها.
هذا الشاب الذي سقط في شباك الشيطان وتأثر من وسوساته فوقع في طريق الغواية، مَن يرده إلى الصواب؟ مَن يرشده ليسير على الطريق القويم؟ من يعطيه بوصلة النجاة ومَن ينقذه من بحر الجهل والظلمات؟
هل نجلس في مسجدنا على أمل أن يأتينا؟ أم هل ننتظره حتى يسألنا أين الطريق وقد يكون لا يعلم أنه أضاعها؟ هل ننظر إليه وهو يلقي بنفسه في النار؟ إذًا ما العمل؟ لا خير فينا إن لم نقُلها ولا خيرَ فيهم إن لم يسمعوها منا!!
نعم، إنه نداء الواجب يدعونا أن ننقذ أبناءنا وبناتنا قبل أن يقعوا في بحر الظلم والظلمات والجهل والمعاصي، أما أولئك الذين انغمسوا في أوحال الرذيلة وغرقوا في الضلال فلا نيأس من أن نرمي إليهم قارب نجاة ولو كان حبلاً دقيقاً، لربما تشبثوا فيه فنجَوا..
ما زال هناك بصيص من نور وفسحة أمل من أولئك الغيورين على دينهم ورأسمال مجتمعهم، أصحاب على الطريق وأقارب من هنا وهناك ينادونه ويذكرونه بالله، هيا إلى الهدى ائتنا،متمثلين قول الله تعالى: “قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ”، فيأبى أن يأتيهم، هذا حال شبابنا وفتياتنا، نناديهم فلا يسمعون، نتقرب منهم فلا يستجيبون، هم بحاجة لهزة قوية توقظهم من سباتهم في أحضان الهوى فذلك مثل من ارتدّ على عقبه بعد أن هداه الله وعرف طريق الحقّ ونشأ عليه، أو نسيَ أنه مسلم عليه واجبات والتزامات.
حَيْرَانَ… فالحيرة والقلق حال من ابتعد عن طريق الله، يعيشون صراعاً نفسياً حادّاً، وقد كانوا على مفترق طرق مختلفة، كلها تؤدي إلى الجحيم، إلا طريقًا واحدًا، هو طريق محمّد صلى الله عليه وسلّم، لكنه طريق شاقّ لا يقوى على السير فيه إلا الأتقياء الأصفياء من البشر، ولهذا عقّب الله على ذلك بقوله:{ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى }، فمن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله وأذلّه وأخزاه، وجعله في حيرة من أمره.
إن دعوة الشباب للعودة لدين الله فرض ولازم على كل من باستطاعته ذلك، كان الإمام حسن البنا رحمه الله يدخل إلى المقاهي ليدعو الشباب، وهذا إمام يدخل أحد الملاهي الليلية لما رأى المساجد قد خلت من شبابها، بدأ الشيخ بالبسملة والحمد والثناء ثم بدأ بموعظته، نظر الناس إلى بعض، منهم من ضحك، ومنهم من انتقد ومنهم من سخر، والشيخ ماضٍ في موعظته، قال كلاماً ما سمعوه من قبل، آيات وأحاديث وأمثال، وقصص توبة لبعض العصاة وأخذ يدافع عبراته ويقول : يا أيها الناس عشتم طويلاً وعصيتم الله كثيراً فأين ذهبت لذة المعصية؟ لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء… قد خرجت كلماته من قلبه فوصلت إلى قلوبهم.. بكى الناس ودعا لهم بالرحمة والمغفرة… خرج وخرج الجميع وراءه، كانت توبتهم على يده، عرفوا سرَّ وجودهم في الحياة فعادوا إلى الطريق القويم.
ما أكثر القصص المشابهة، وما أكثر المقاهي في بلادنا، وحدِّث ولا حرج عن مقاهي الأرجيلة، ومقاهي الانترنت وممارسة الألعاب، فهل نستغل هذه التجمعات لمخاطبة الشباب ودعوتهم للصلاة مثلاً؟ فإذا رجعنا إلى الآية السابقة من سورة الأنعام يقول تعالى مباشرة:” وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ ” وكأنه يبيّن لنا أن التسليم والهدى لا يتحقّق إلا بأمرين عظيمين: إقامة الصلاة والتقوى، نادينا (حيّ على الصلاة) وقلنا (الله يسامحك) ودعونا لإحياء الأمن والطمأنينة في المجتمع وخاصة بين أوساط الشباب! أوصينا الآباء والأمهات وقلنا لهم (خلي عينك على بيتك)، كل ذلك لأننا خير أمة (.. تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، وسنبقى خيرها بإذن الله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين).فهنيئا لمن أنقذ نفسًا مسلمة من النار وادخلها الجنة.
يا شبابنا إنها أوقات ولحظات ربانية فلا تضيعوها بالملهيات، واستجيبوا لنداء من يقول لكم “إلى الهدى ائتنا”، اجعل جلستك أمام الحاسوب طاعة له، فلا تسمع حرامًا ولا تنظر إلى حرام، تمتع بالألعاب والمباريات ولكن لا تنسَ الصلاة فهي مفتاح كل خير، ولا تهجر المسجد فهو بيت التقيّ، ولا تترك مدارسة القرآن فهو حبل الله المتين. قد لا يقرأ كلماتي هذه أولئك الشباب ولكنه دورنا نحن الدعاة إلى الله أن نبيّن معالم الطريق وأن نضيء شمعة تنير لأبنائنا وبناتنا تلك المعالم ليهتدوا فنكون ممن قال عنهم صلى الله عليه وسلم (لئنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ).

01

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة