القران الكريم معجزة كل العصور
تاريخ النشر: 21/02/15 | 10:48ليس من العسير أن يسلم الناس في ضوء خبراتهم العادية أن أول شروط بقاء الأشياء على الأرض هو عدم خروجها على الناموس أو النظام الطبيعي. فمثلاً إذا ما ولد طفل برأسين فإنه سريعاً ما يموت، أما الطفل الطبيعي فهو غالباً ما يعيش. وبالمثل نجد أن أول شروط المعجزة الخالدة مسايرتها للناموس الطبيعي، أو لسنة الخالق سبحانه وتعالى، أو النظام الذي سنه لهذا الوجود. ولهذا السبب انتهت كل معجزات الرسل الخارقة للقانون الطبيعي وضاعت معالمها. مثل هدهد سليمان، وعصى موسى وناقة صالح، على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
ثاني شروط المعجزة
أما ثاني شروط المعجزة الخالدة فهو أن لا يقف إعجازها عند عصر معين، ولا يحد بثقافة أو علم بالذات. وعلى هذا النحو كان من الطبيعي أن تكون المعجزة الخالدة كتاباً يتجدد إعجازه على مر العصور هو القرآن الكريم الذي يخاطب العقل ويوجه الحديث إلى أهل العلم والمعرفة، ويوقظ الضمير، ويحرك الوجدان.
عصر العلم
وفي هذا العصر (عصر العلم) عندما اتسعت أمامنا آفاق الكون المرئي، وعرفنا كثيراً من نظمه وسننه التي بني عليها، استطاع الإنسان أن يرسي قواعد العلم التجريبي الذي أتى بما يشبه المعجزات، ويهز عقول الناس.
وأساس العلم التجريبي هو تلمس آيات الخالق وسننه في عالم الحس، وهي آيات ثابتة لا تتبدل ولا تتغير. ولم يكن عجيباً إذن أن يسخر القرآن الكريم من الجاحدين عندما جاءوا إلى الرسول الكريم يطلبون منه عمل الخوارق، وهو يخاطب عقولهم، ويعجزهم بفصاحته ومعانيه، والحق أن الخالق المبدع جل شأنه شاءت إرادته، لحكم وأسباب عديدة جوهرية، ألا تدركه الحواس، وهو يدرك الحواس، وأولها البصر ((لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)) الأنعام، ولكن رحمة بنا لم يتركنا هكذا حيارى في بيداء هذه الحياة الدنيا، إذ تجلى لنا في كتاب خالد، نقرؤه ليكون معجزة خالدة ناطقة بوجوده سبحانه وتعالى وبصدق رسالة نبيه الكريم.. وهو القرآن الكريم أو كتاب الله المسطور ونراه وندركه بحواسنا وندرسه، كتاب الله المنظور.
علوم القرآن
ولقد قال السيوطي في كتاب الإتقان في علوم القرآن ليوضح إلى أي حد تعددت الأقوال وتضاربت ((وبما إن كون القرآن معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم وجب الإهتمام بمعرفة وجه الإعجاز، وقد خاض الناس في ذلك كثيراً فبين محسن ومسيء. فزعم قوم أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وأن العرب كافة في ذلك ما لا يطاق، به وقع عجزها وهو مردود لأن ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصور التحدي به)) وعندما تكلم الخالق بالقرآن الكريم كان من الطبيعي أن يستمد كثيراً من آياته وحكمه من الكتاب المنظور، وهو الكون، وعلى هذا النحو تحدث عن السماء، والهواء، والماء، والأحياء، ((إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون. واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون)) سورة الجاثية.
آثار القرآن
على هذا النحو أثار القرآن الكريم العديد من القضايا العلمية في ما يقارب الألف أيه عرفنا جانباً من أعماق إعجازها في ضوء تلك الآفاق الواسعة التي فتحها أمامنا عصر العلم. ومن واجبنا ونحن نعيش عصر العلم، أن نظهر تلك الأعماق المعجزه الأخاذة في ظل الثابت من الحقائق العلمية، من غير أن نكلف الآيات الكريمة ما لا طاقة لها به من الاستعارات أو الكتابة. ونحن عندما نفعل ذلك لا ندعي إن ما نقوله هو نهاية المطاف، لأن كتاب الله سوف يبقى معجزاً إلى يوم الدين.
ولعل ما يلفت أنظارنا من أعماق الإعجاز العلمي في القرآن الكريم إنه هضم معلومات البشر العلمية الصحيحة منذ نزل. وفي معنى آخر تمشت معلومات البشر العلمية الصحيحة (قديمها وحديثها) مع ما أثاره القرآن الكريم من قضايا العلم.
“لواقح”
وإن أتينا بمثال فنأخذ كلمة (لواقح) في قوله تعالى ((وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما أنتم بخازنين)) سورة الحجر. قال بعض الأقدمين في تفسير كلمة لواقح أنها تعني تلقيح الرياح لبعض النباتات بحمل ونقل حبوب اللقاح كما هو معروف، وهذه حقيقة علمية ثابتة لا تزال قائمة لأنها مستمدة مما نرصده في الكون.
وفي هذا العصر وفي ضوء علم الأرصاد الجوية فسرت كلمة لواقح على أنها إنما تعني تلقيح الرياح للسحاب بعد أن تثيره، وذلك لكي يجود بالمطر. والمعنى العلمي السليم لتلقيح الرياح للسحاب المثار هو أنها تمده بجسيمات صغيرة من الأملاح أو الأحماض تعرف علمياً باسم (نوى التكاثف)، وهذه الجسيمات المجهرية هي التي تتجمع عليها جزيئات بخار الماء العالق في الجو والذي تحمله الرياح أيضاً ويسمى التكاثف، وبهذا التكاثف تتكون قطرات الماء داخل السحب، ثم تنمو وتسقط على هيئة مطر.
الحقيقة!
وجدير بالذكر إن أول كتاب على الإطلاق يقرر حقيقة إن السحب تكونها أو تثيرها الرياح –ومنها الهواء الصاعد- هو القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرن ونيف وذلك في العديد من الآيات، مثل قوله تعالى في سورة الروم ((الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً)).
ولا يقف القرآن الكريم عند هذا الحد، بل يفرق بين السحابة التي تمطر وغيرها من السحب التي لا تمطر، فيبين ويقرر إن سبب الأمطار هو تلقيح الرياح للسحاب أو إمداده ببخار الماء وبنوى التكاثف اللازمين ويخاطب الناس في هذا العصر بلغة العصر.
وهكذا يتبين لنا الآية الكريمة تثير قضايا علمية رئيسية تظهر إعجاز القرآن الكريم في عصر العلم بكل جلاء ووضوح، وتقيم الحجة على كل مكابر، وتخاطب الناس في هذا العصر بلغة العصر أي لغة العلم. وهذه ما هي إلا قضية وإعجازاً واحداً من بين المئات التي كشفت الآن عن طريق العلم بعد أن شرحها القرآن قبل أربعة عشر قرن ونيف، وفي كل المجالات والنواحي العلمية والبيانية والديموغرافية وقضية كون منطقة البحر الميت هي أدنى منطقة على وجه البسيطة، وقضية انشقاق القمر، وقضية الأحياء التي لا نراها (الجراثيم ) وأمور كثيره وأمور حتى الآن لم يستطيع العلو اكتشافها أو تفسيرها، هو القرآن الخالد دستورنا ومنهجنا الذي نسير عليه ومنه نستمد أحكام وأطر معاملاتنا وحياتنا.
بقلم عمر ابو جابر