أين القاعدة.. وماذا بعد داعش؟
تاريخ النشر: 23/02/15 | 14:59في نظريات السياسة الكونية، هناك منطلقات يمكن فهمها بصورة واضحة، أمور يمكن توصيفها على أنها مرتكزات في الفهم الغربي لإدارة الأزمات والتعامل معها، وهي أمور توارثها الغرب كابراً عن كابر، طبقها الأجداد وما تخلى عنها الساسة الأحفاد.
نظرية البعبع، أو المهدد الخارجي الذي يريد تغيير نمط الحياة ويقضي على الرفاهية الغربية وأسلوب الحياة، واحد من أبرز هذه الملامح في السياسة الغربية.
إبان الثورة التي اجتاحت أوروبا قديماً والتي كانت في حقيقتها صراعاً بين الكنيسة التي يمثلها البابا وبين الشعوب والقيادات المجتمعية التي رأت في سيطرة الكهنوت على الحياة هيمنة فكرية اقتصادية، أبيدت قرى بأكملها، ونسفت مدن على رأس ساكنيها لأنها رفضت حكم البابا المطلق وشككت في أحقية الكنيسة في امتلاك كل مقدرات الحياة وقوت الشعوب المقهورة في أوروبا.
لكن السؤال هنا، كيف تم إقناع الجيوش الأوروبية الكنسيّة بمحاربة الشعوب ؟
لقد تكامل قادة النظام الإقطاعي فيما بينهم وأوجدوا نظرية خاصة أسقطوها على الناس : أن هؤلاء يريدون تخريب نمط حياتنا الهانئ (وكأن الناس كانت تعرف الهناء في العهد الإقطاعي الظالم) ونشروا هذه الفكرة باعتبار دعاة الإصلاح مرجفين ومخربين وأصحاب فتنة يريدون لها أن تمزق نسيج المجتمعات وتدمرها.
إنه قانون تطبق تماماً في حرب الكنيسة مع الحركة التصحيحية لمارتن لوثر كنج، ومن قبله تم تطبيقها في عهد كل الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، من سيدنا شعيب الذي هدد بالنفي، ليحيى عليه السلام الذي قتل تحت ذريعة تغيير فكر المجتمع بأفكار تضر المصلحة العليا، إلى لوط عليه السلام الذي اتهم مباشرة بانه طاهر يتطهر في بيئة شاعت بها المنكرات، إلى عهد النبي محمد عليه السلام والذي اتهم بالسحر والجنون لكونه يحمل مشعل خير لم تألفه شياطين قريش الحاكمة.
لقد تواصوا بهذا المنهج من القدم إلى اليوم، وإذاً ؛ فعلينا أن نفهم منهجية العقل المصلحي في حال تهديد مصالحه، العقل المرتهن بالمادة والربح لا بالقيم والإنسانية، فكل صاحب سلطان ومنزلة ومصلحة يهددها الإصلاح فإنه سيبحث عن مبرر أو (بعبع) يخيف به الناس لتقف معه أو لتقف على الحياد وهو يحارب من أجل القضاء على البعبع المرعب الذي يريد تغيير الهناء والصفاء !! ويوجد معادلة جديدة لا يقبلها الساسة وأصحاب الأهواء.
في زماننا هذا، استبيحت العراق وسقط الأمن القومي الخليجي برمته تحت ذريعة السلاح الفتاك الذي لم يعثر عليه بحوزة الجيش العراقي، فقالت أمريكا (sorry)،وكانت القاعدة حاضرة كبعبع في كل مخطط استعماري لفرض الظروف الجديدة، وانتشر في أوروبا مصطلح الإسلاموفوبيا، ثم انتقلنا إلى داعش، ومسرحيات السيطرة والقتل والإعلام الترهيبي، ومؤامرات سقوط الأنظمة، وارتفعت شعارات وبيارق الحرب على الإرهاب في كل دولة، فكما تعلمون – أيها الكرام – من ليس معنا فهو ضدنا!
وهم داعش اليوم على مشارف الانتهاء، والغرب أخذ ما يريد من هيمنة وضمانات ليضرب داعش ويقضي عليها، فماذا بعد داعش ؟ ما هو البعبع القادم ؟
نزار حرباوي