لا للعقاب البدني في مدارسنا
تاريخ النشر: 05/11/12 | 2:07يعاني مجتمعنا اليوم من ظاهرة العنف الجسدي والكلامي والانفلات لتصل هذه الظاهرة بطبيعة الحال إلى المدارس، ومن ضمنها المدارس العربية، فالمدرسة جزء لا يتجزأ من مجتمع أبتلي في السنوات الأخيرة بهذه الظواهر السلبية اللعينة مما حدا بالبعض التفكير الجدي بانتهاج أسلوب العقاب البدني لمن يمارسون العنف داخل جدران المدرسة، ووصل الأمر بوزارة التربية والتعليم إلى التفكير الجدي بإعادة النظر في موضوع العقاب والعمل بقوالب عقابية تربوية جديدة تتلاءم وروح العصر وتمنع أو تقللّ من الانفلات الذي وصلنا إليه.
وفي استطلاع أجرته إحدى صحفنا المحلية العربية مؤخرا حول استعمال الضرب كعقاب للمخالفين، أجمعت الأكثرية الساحقة منهم على أن الضرب أو العقاب البدني التقليدي والمسمى بالقديم مرفوض جملة وتفصيلا، اللّهم إلا من قلّة من المستطلعين أيدت العقاب البدني بصنفيه المخفف والشديد، وكان أحدهم أشدّ عندما قال: “أؤيد وبشكل صريح وواضح العودة إلى أساليب العقوبات القديمة التي نشأنا عليها ونشأ عليها أجدادنا وآباؤنا” ومنهم من كان معتدلا آمن بالوسطية بأن يكون العقاب على درجات مناسباﹰ للذنب فالمبالغة تعطي نتيجة عكسية أما التقليل فأنه يشل مفعول العقاب، لذا، فأن العقاب يجب أن يكون رادعا وليس مؤدباﹰ… وكانت لدى معارضي العقاب البدني بدائل موضوعية مثل: استعمال الحوار كوسيلة اتصال ما بين المعلم/ة والطالب/ة… وأن تكون في المدرسة عاملة اجتماعية مهمتها التحرّي ومن ثم التوعية والتوجيه، وإشراك الأهالي أكثر في حل المشاكل والتعاون الوثيق والبناء ما بين البيت والمدرسة، انتهاج عقاب كلامي خفيف، حرمان المعاقب/ة من فعالية معينة أو رحلة.
وعودة إلى السؤال الكبير: هل للعقاب البدني مكان في مدارسنا العربية ولو بالنزر اليسير؟ وزارة التربية والتعليم تمنع العقاب البدني حالياﹰ منعاﹰ باتاﹰ ومهما كان شكله… وبعض الآباء ما زالوا يؤمنون بنظرية “اللّي ما بخاف ما بتعلّم” وهنا التركيز على التخويف وليس الضرب، وهذا موضوع قائم بذاته.
وبعضهم يقول: العصا من الجنّة “والعصا لمن عصى” وآخرون يذهبون ابعد فيقولون بعلم أو بغير علم: “ولكم في القصاص حياة” (قرآن كريم) والبعض من الزملاء والزميلات خدعوا بقول: “خذ اللحم (لحم الطالب/ة) وأبق لنا العظم” أي انزل اشد العقوبة ولا تأخذك بالمعاقب/ة رحمة، وكانت النتيجة أن أصبحوا ضحّية هذه الخدعة… وهناك من بين المربين والمربيات من لا زال يؤمن بالعقاب البدني مبررّين ذلك أن البيت ما زال يمارس هذا النوع من العقاب، فلا ضير والحالة هذه من استعماله في المدرسة، لأن الطالب/ة قد اعتاد/ت عليه.. وتشعبّت الآراء والمدارس التربوية لينادي البعض بحمل العصا والتلويح بها دون استعمالها عملاﹰ بالقول الشعبي المعروف عندنا “عصا االعزّ خرفيش” والخرفيش نبات ذو قصب طويل أجوف، يصبح هشاﹰ عندما يجّف ويدعم أصحاب هذه المدرسة نظريتهم بما روي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم إذ قال “علقّوا السوط حيث يراه أهل البيت” فالسوط هنا للتخويف ليس إلا، وما دمنا في ذكر الحبيب المصطفى محمد (صلعم) فها هو يعلمنا كيفية التعامل مع الأطفال بلطف ولين من غير شدّة وعنف فقد أرسل غلامه أنس وهو فتىﹰ صغير السن في حاجة له فلما استبطأ رجوعه وجده يلعب مع الأولاد فأمسك بأذنه بلين ولطف معاتباﹰ مبتسماﹰ: “يا أنس اذهب حيث أمرتك” فقال الفتى: “إني ذاهب يا رسول الله”… وما دمنا في الحديث عن مدارس العقاب فلا بد من الوقوف على مدرسة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان في العقاب والتي نسميها هنا الوسطية، فهي تتسّم بالدلال المفرط ولا بالقسوة والعنف، قال معاوية مبرّراﹰ دوام واستقرار حكمه: “لأنني لا استعمل سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا استعمل سوطي حيث يكفيني لساني”.
وأنا من رواد ومؤيدي عدم الضرب وأنفي وأستنكر بشدّة استعمال العقاب البدني، فلدينا من وسائل العقاب ما يكفل لنا ولطلابنا الراحة والهدوء متحاشين بذلك مضاعفات الضرب السلبية.
أما من يستعينون بالآية الكريمة: “ولكم في القصاص حياة” فليس المعنى في رأيي أن يؤدي القصاص إلى تعاسة الطفل/ة وبؤسه والى الشقاء والألم ومرارة العيش جرّاء الضرب، فالله الرحيم يريد لأبنائنا الحياة الكريمة، الرغيدة، السليمة، الهنيئة ومن ثم السعيدة، فالقصاص ليس بالضرورة العقاب البدني والضرب فقط، فهنالك العديد من أنواع القصاص، كالتذكير والعتاب، والتأنيب والحرمان، ولا أرى أي مبرر لاستعمال العصا ولو كانت من الجنة،وحتى ولو طلب منا أولياء أمور الطلاب ذلك، لأن من أولى مهامنا التربوية تنشئة أجيال سليمة وصالحة وغير معقدّة، فللضرب مضاعفات خطيرة تنعكس على سلوكيات وأخلاق طلابنا وما يرافقه من شعور بالنقص، ونمو غريزة حب الانتقام، ونشوء نزعات شريرة وانحرافات أخلاقية وسلوكية وعنف كلامي وجسدي…
أما الخرفيش وعصاه، فأسلوب الخرفيش أوهى من خيوط العنكبوت، ففي حالة افتضاح أمر هذه العصا من قبل الطلاب والتي يلّوح بها فقط، تكون النتيجة وبالاﹰ على من استعملها.
بقي أن نقول وبصوت عال للآباء وللأمهات، للمربين والمربيات: أخرجوا مصطلح العقاب البدني من قواميسكم واستبدلوه بمصطلحات: الحوار، النقاش، العتاب، التأنيب، الزجر الهادف “فكلم اللسان أنكى من كلم السنان” هكذا قالت العرب قديماﹰ وما زالت.