الرد على العنصرية: فرض العقوبات
تاريخ النشر: 05/11/12 | 5:52في غمرة الاستعدادات الحزبية والسياسية للانتخابات الإسرائيلية، التي ستجري في 22 يناير القادم، طلع الثنائي الجديد القديم بنيامين نتياهو وأفيغدور ليبرمان بتحالف، بينهما أولاً وبين حزبيهما ثانيا،ً لخوض الانتخابات في قائمة مشتركة، في محاولة منهما لحسم المعركة الانتخابية قبل أن تبدأ، حيث في كل الأحوال سيكون التحالف الجديد القائمة الأكبر في الكنيست القادمة.
تعتبر هذه الخطوة من الناحية السياسية انجازاً لكلا الرجلين. نتنياهو راقب استطلاعات الأسابيع الأخيرة وأصابه من جهة قلق من تراجع قوة حزبه، حزب الليكود، بمعدل مقعد واحد في الأسبوع، ومن جهة أخرى انتابه توتر من إمكانية قيام اصطفافات جديدة، قوية انتخابياً، فيما يسمى بالمركز، وبالأخص إمكانية عودة أيهود أولمرط، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إلى تزعم تحالف معارض لنتنياهو يشمل تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة، وشاؤول موفاز، رئيس حزب كاديما المنهار، ويئير لبيد، النجم السياسي الجديد الصاعد في استطلاعات الرأي العام. هدف نتنياهو المعلن من الاتفاق هو بناء قوة سياسية كبيرة تضمن له العودة إلى كرسي رئاسة الوزراء وتبقي على الهيمنة السياسية لليمين الإسرائيلي. فيما يبدو، لا توجد لنتنياهو أهداف أخرى غير معلنة.
أما افيغدور ليبرمان، فهو الرابح الأكبر من هذه الشراكة. فهو أولا يضمن المحافظة على قوة حزبه في ظل تزاحم الأحزاب التي تتبنى أجندته السياسية العلمانية المتعلقة بقضايا الدين والدولة، وهو ثانياً ووفق الاتفاق مع نتنياهو، يمنح حرية اختيار أي وزارة يريد بما في ذلك وزارة الأمن، الأكثر أهمية، وهو ثالثاً يحظى بشرعية سياسية كاملة ويتحول من شريك في الائتلاف الحكومي إلى صاحب بيت فيه، وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة هي حكومة نتنياهو- براك، فإن القادمة هي حكومة نتنياهو – ليبرمان، ورابعاً يفتح التحالف الجديد أمام ليبرمان إمكانية الاندماج الكامل في الليكود والمنافسة على رئاسته بعد نتنياهو.
رغم أن أهداف التحالف هي انتخابية، فإنه بالأساس تحالف سياسي يستند إلى انسجام سياسي بين نتنياهو وليبرمان، وهو يعكس الانزياح نحو اليمين ونحو مزيد من التطرف في السياسة الإسرائيلية عموماً، بيمينها ويسارها. ولعل مكانة ليبرمان وشرعيته هي دليل هذا التحول المستمر. في الماضي اعتبر ليبرمان شخصية سياسية غريبة وهامشية, وجرى التعامل مع مواقفه على أنها ضرب من ضروب الجنون السياسي، وحين أصبح وزيراً للمواصلات استقال وزير من حزب العمل رافضاً الجلوس معه على طاولة واحدة، وبعدها حصل على حقيبة الخارجية، في خطوة ظن البعض أنها تستفز العالم. لكن العالم لم يستفز، وكان من المستغرب أن يجري التعامل معه بشكل طبيعي ويستقبل في عواصم أوروبا، فلو قال أحد قبل عقد من الزمن بأن ليبرمان سيصبح وزيراً للخارجية لاتهم حالاً بالجهل بإسرائيل إن لم يكن بمعاداتها وبالتحريض عليها.
من النتائج الواضحة للاتفاق الجديد أن الليكود يصبح أكثر تطرفاً وليبرمان أكثر تأثيراً، وبالتالي أكثر خطورة. يمثل ليبرمان اليمين الإسرائيلي الجديد، وهو يفي بكل المعايير التي يعرف فيها شخص أو حزب بأنه فاشي وعنصري. وبما أن خطورة العنصرية تعتمد ليس على شراستها فحسب بل وبنفس الدرجة على ارتباطها بالقوة وبالتأثير، فإن العنصرية الإسرائيلية اليوم، وبعد التحالف الجديد، الذي يشكل المحور المركزي في السياسة والحكم في إسرائيل، انتقلت نقلة نوعية تبشر بارتفاع حاد في منسوب العنصرية وانخفاض دراماتيكي في منسوب الديمقراطية.
القول بأن ليبرمان أصبح أكثر تأثيراً له معان محددة أخذاً بعين الاعتبار مواقفه المعهودة. فقد دعا، قبل أشهر، إلى الإطاحة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، رغم أن الأخير حافظ على الهدوء في ظل الاحتلال وبقي متمسكاً بالمفاوضات كخيار وحيد، حتى في غياب شريك إسرائيلي. ودعا ليبرمان أيضا إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية وأمنية على السلطة الفلسطينية، تبعاً لتحركها الدبلوماسي للحصول على اعتراف دولي بالحقوق الفلسطينية.
لا يكتفي ليبرمان بسياسات التمييز القائمة ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، والذين يشكلون 17% من السكان، وهو يبادر إلى اتخاذ سياسة أكثر عدائية تجاههم عنوانها الرئيسي هو شعار حزبه المركزي “لا مواطنة بلا ولاء”، ويريد أن يفرض على المواطن العربي إعلان الولاء للدولة اليهودية الصهيونية كشرط للحصول على المواطنة وعلى حقوق المواطنة بما فيه الحق في التصويت والترشح للكنيست. وفي مركز سياسة ليبرمان التبادل السكاني، الذي بموجبه يجري الاعتراف رسمياً بضم المستوطنات والقدس إلى إسرائيل, وتضم مناطق مأهولة بالسكان العرب إلى الكيان الفلسطيني، ويهدف هذا المشروع إلى تغيير التوازن الديموغرافي وإضعاف الأقلية العربية الفلسطينية. وبالمجمل يسعى ليبرمان إلى تحويل مواطنة العرب الفلسطينيين في إسرائيل إلى مواطنة مؤقتة ومشروطة، تنزع منهم، ولو بالتدريج وبوسائل مختلفة، وصولاً إلى مثله الأعلى وهو دولة يهودية نقية من العرب كمواطنين وحتى كبشر.
غضبت أوروبا حين دخل يوجان هايدر وحزبه حكومة النمسا، وفرضت دول كثير العقوبات على الحكومة النمساوية بسبب مشاركة اليمين المتطرف فيها. ليبرمان أكثر تطرفاً وأكثر خطورة من هايدر، وهو الدليل على أن العنصرية أصبحت تياراً مركزياً في إسرائيل. ولكن وبدل أن يفرض العالم عقوبات على حكومة إسرائيل، على الأقل لأنها أوكلت وزارة الخارجية إلى سياسي يميني متطرف، فاشي النزعة وعنصري التوجه مثل ليبرمان، جرى استقباله في لندن، باريس روما وبرلين وعواصم أخرى بلا حرج وحتى بلا احتجاج يذكر. هنا يطرح السؤال: هل العنصرية والفاشية المرفوضة في أوروبا، يمكن التساهل معها في البلاد المقدسة؟
لقد كانت الحكومة الأخيرة والكنيست المنتهية ولايتها الأكثر تطرفاً، ومن المتوقع في الانتخابات القريبة أن لا يتغير الوضع إلا إلى الأسوأ, فما العمل؟ باعتقادي أن محاولة إقناع نتنياهو وحكومته باتخاذ سياسات أكثر اعتدالاً هو مضيعة للوقت والجهد ويشجعها على المزيد من التطرف. الطريق الوحيد لفرض التغيير على الحكومة الإسرائيلية هو بفرض العقوبات والضغط عليها. من يريد سلاماً عادلاً ومن يريد ان ينزع فتيل الحروب القادمة ومن يريد أن يضع حداً لجرائم الاحتلال ومن يريد مكافحة العنصرية وسحقها، عليه أن يساهم في فرض العقوبات.
عنصرية ليبرمان ضد المواطنين العرب الفلسطينيين هي سبب دبلوماسي كاف، وفق المعايير الأوروبية، لفرض العقوبات على أي حكومة يكون عضواً فيها. من خلال العقوبات، يمكن فرض التغيير ولجم العنصرية، فرغم أن نتنياهو متطرف جداً، إلا أنه يخضع للضغوط إذا وجهت له ضغوط, هكذا يدل تاريخه وهكذا يشير سلوكه السياسي.
مقال في “الغارديان” للنائب د. جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع البرلمانية