ألأيفون حين يتحول الى افيون
تاريخ النشر: 06/11/12 | 8:47حبيبي صباح الخير صباحك ورد وفل …) الساعة السابعة صباحاً, على نغمة الآيفون المرتفعة وصوت ماجد المهندس, يستيقظ عبود من نومه وشعره منفوش – كالراحل آينشتاين – مرتدياً سرواله الصيني المرفوع إلى ما فوق السرة. فاتحاً ربع عينه اليمنى متحسساً مكان جهاز “الأيفون” ليعثر عليه تحت الوسادة، يُسكت عبود ساعة المنبه ويدخل مباشرة إلى صفحته الفيسبوكية ليُفاجئ أثناء معاينته لعدد اللايكات التي وصلته أثناء نومه بمهاجمة أحد أصدقائه له, والذي قد كتب تعقيباً يتهجم به عليه.
يفتح عبود عينيه على اتساعهما ويطير النوم منهما, يعبس, يسخط ويحمر وجهه المنتفخ غضباً فيصبح شبيهاً بالرغيف الخارج من الفرن. وبالرغم من تأخره على عمله يجلس للتفكير والرد, طالباً من والدته “الحجة” تجهيز كوب النسكافيه الثقيل له ليستيقظ من صدمته,).
يقضي عبود حاجته ويحلق ذقنه، وبعد تلفته للتأكد من عدم مراقبة أحد له, يدخل إلى صفحته الفيسبوكية ليتابع المستجدات فلا يجد من جديد. مع توديع والدته له وهي تكلله بالدعاء والتوفيق، وبنفس الوقت مطالبةً بعد استخدام الأيفون أثناء السياقة ،،،!
ينطلق عبود بسيارته إلى العمل. من بعيد، يلحظ ازمة سير خانقة, لكنه ابتكر طريقة لعبور تلك ألأزمة ،،يلتقط جهاز الآيفون الذي ينتزعه بحركة “اكروباتية” من جيبه, ليُضيع الوقت. فيقوم بتصفح الأخبار المحلية على موقعه المُفضل “بقجة وبانيت”, فيتعكر مزاجه ويتغير لون وجهه مرة أخرى عند رصده لخبر عاجل حول مقتل شابٍ عربي من القرية المجاورة من في حادث طرق.
هز رأسه ممتعضاً, حابساً نفسه, آخذاً بالتفكير “لِمَ نحن دُون الخلق يموت عندنا الشباب في حوادث الطرق أكثر من غيرنا!!! ” يصل عبود إلى مكان الحادث, يرى عدداً كبيراً من الأشخاص المُلتفين حول الجثة المُسجاه على الأرض. تُحجب عنه الرؤية قليلاً, لكنه سُرعان ما يتناول رفيقه الآيفون ليلتقط صور السيارة, الشاب المتوفي, الدماء, المسعفين والبوليس …
، يصل عبود إلى عمله ليدخل الفيسبوك مرةً أخرى, ويعمل “تشيك إن ” مُرفقاً صورة كوب حليبٍ ساخن وبجانبه قطعة “بوريكس”، بإضافة عنوان ملفت ” ،صباح البوريكس…”. في هذه الأثناء يدخل مديره ليمسك به بالجرم المشبوه تماماً كالمرات السابقة, وهو يقلب بأصابعة بشاشه الآيفون, فيستدعيه إلى مكتبه ليحذره للمرة الأخيرة قائلا لهً بغضب: “هذا إنذاري الأخير, عليك الاختيار ما بين ألايفون أو الاستمرار بالعمل, وقد أعذر من أنذر”. لكن عبود المنبوش “طنش” مديره اليهودي, والذي قد اعتاد على تُهديده دون التنفيذ, فيُسكته ويسايره بعبارة “حاضر, آخر مرة”, مُتمتماُ في نفسه “ماشي ماشي هدا بس لإني عربي….”.
عند الثالثة بالضبط, مع انتهاء الدوام، يستقل عبود سيارته مُتجهاً لتقديم واجب العزاء لأهل الشاب المتوفي. يدخل بيت الفقيد ويمد يده للأخ, فيجده شارد الذهن. فإنه منشغل بالحديث على “الفيبر” مع خاله من ايطاليا، قائلاً بحزن وبكاء مرير “الله يرحمه”, ينتبه بعد نصف دقيقة ليد الشاب، بعد وخز ابن عمه له، ليهتم بالمعزين. يصافح عبود شاكراً إياه على تقديم واجب العزاء، يدخل عبود خيمة العزاء، الكل منشغل “بالايفون” ،فذاك يقرأ المصحف الإلكتروني، وذاك يفتح بعض الأدعية للميت، وأخر يعرض لزميله بعض صور الحادث وسط صمت رهيب يعم المكان.
ينهض عبود ، وسط هذا الانشغال الإلكتروني طارقاً عودته إلى البيت. بطريق العودة, وبعد يوم كله آكشن, يمُر عبود بفرن “أبو بشير” ليحضر للحاجة والدته ربطة خبز أسود وبعض من أرغفة الطابون. يدخل أحد الشوارع, ليقفز أمامه, من بين الشجيرات المنتشرة على الرصيف، شاب بالعشرينات مع سماعة متدلية من أذنيه, وممسكاً بأحدى يديه جهاز “ايفون”. لم ينتبه لسيارة عبود لإنشغاله بالتحديق في شاشة الجهاز اللعين. وفي آخر لحظة يراه عبود ومع ردة فعل سريعة يدوس على دواسة الفرامل مستعيناً بالمكابح اليدوية لإيقاف السيارة, واضعاُ يده الأخرى على الزمور. يصدر صوتاً مدوياً مع انتشار رائحة الكوابح, وبقدرة قادر ينجو الشاب من الدهس. يترجل عبود من سيارته مُتجهاً نحو الشاب مُنهالاً عليه بالشتائم لاعناً إياه, ” الأيفون ومن اخترع الايفون، والي بمسك الأيفون!!! بدك تيليني من ورا هالأيفون”, يصيح عبود… أما الشاب فقد كان واقفاً يرتجفً من الخوف, كيف ولا وقد رأى الموت بعينيه.
يدخل عبود البيت, مُصفر الوجه, مُنهكاً مرتجفاً لما مر عليه من أحداث خلال اليوم الذي مرت ساعاته ببطء. يركض الأولاد الصغار لاحتضانه , يُفلت يديهم مبعداً إياهم ليلتقط أنفاسه, أما الكبير فيطلب بأدب الآيفون. يعتذر عبود لابنه بحجة “البطارية” تحتاج للشحن ،،،! يبدأ الكبير في البكاء ويتوجه لوالدته, يصرخ عبود “بكفي خلص، وبعدين !!”..!تتدخل الزوجة مستقبلةً إياه بأبتسامة صفراء “ما تعامل ألولد هيك, لا اقبل ان تحطم شخصيته على حساب حب الاستحواذ على ألأيفون ، ومن الضروري ان يكون كمثله من جيله لديه على ألأقل هذا الأيفون،،،!
الشاهد: هي رسالة أتوجه بها إلى ابناء مجتمعي:حذاري من “الأيفون ” ذلك الجهاز اللعين الذي أدمنا استعماله. فقد فاق عشقنا لبرشولنه ولريال مدريد، وعشقنا للأرجيله، ولقنينه الكوكاكولا الباردة.
فقد فرق كل الاربطة الاجتماعية والعادات والتقاليد، فلم يراعي حقا لزوجة او لابن او لصديق، حتى في ألاعراس فضلناه على الحلالي يا مالي ،،، حتى أطفالنا عند بكائهم يتوجهون لذالك القط الذي يتكلم معهم بصوتهم، مسببين لهم نوعا من التوحد ونحن لا ندري ! تائهين في بحر التكنولوجيا بدون بوصله ولا خريطة ،،،! نقضي جل وقتنا وقد تعلقنا به أكثر من تعلقنا واهتمامنا بأولادنا, فإنه يسلب منا وقتنا خلسه وخفية. ولا أخفي عليكم فأنا أيضاً متولع بآيفوني, ومتعب مثلكم تماماً.
بالفعل ،، ألأيفون ، أفيون هذا الزمن
الحمد لله بأنني لم أمتلك هذا “الافيون ” بعد.
أخي ربيع الناس ولعهم ليس بجهاز الايفون وانما بالفيسبوك نفسه وهذا ما نلاحظه .بالنسبة الي قررت التخلص من الادمان على هذا اللعين ولاحظت بأن لدي المتسع من الوقت الذي كان يقتله سابقًا الفيسبوك,ولم أعد أكترث لا للحاسوب ولا للجهاز الخلوي كما في السابق .
وأخيرًا أحييك على هذا المقال الرائع …والى الامام قدمًا ..دام قلمك ذخرًا للمجتمع.
تحياتي..
مقاله حلوه ربيع يسلم ثمك وان شاء الله بتكون نصيحه وعبره لكثير ناس واحنا اولهن