فلسفة الثعبان المقدس
تاريخ النشر: 09/11/12 | 22:13للتاريخ ذاكرة . . . للتاريخ ذاكرة . . . للتاريخ ذاكرة . . . مسائكم جميعاً حلو كالعسل والسكر . . . مساء الخير والنور والورد والريحان والياسمين الشامي لكل العالم ولكل أهل الأرض الطيبين , أقدم أليكم جميعاً هذه القصيدة الرائعة من روائع الشاعر الكبير الرائع أبو قاسم الشابي , حامل علم دولة تونس وعلم لواء مدينة توزر في الجنوب الغربي التونسي , ونبذة عن حياته , آمل أن تنال إعجابكم.
صورة الشاعر الكبير الرائع أبو قاسم الشابي – جمهورية تونس
فلسفة الثعبان المقدس
كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ
يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ
والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ
والكون من طهرِ الحياة كأنما هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ
وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه سَوْطُ القضاءِ، ولعنة الأربابِ
بُغتَ الشقيُّ، فصاح من هول القضا متلفِّتاً للصائل المُنتابِ
وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً: «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟»
لاشيءِ، إلا أنني متغزلٌ بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
«أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي»
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! أينَ العدالة يا رفاقَ شبابي؟»
«لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا رأيُ القويِّ، وفكرة الغَلاّبِ!»
«وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!»
ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَه حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة الإعجابِ
«أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة اللّهيبِ الخابي»
«لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب»
فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ:
«يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني أرثِي لثورة جَهْلكَ الثلاّبِ»
والغِرُّ يعذره الحكيمُ إذا طغى جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي»
أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي»
وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ»
«وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها يوماً تكونُ ضحيَّة الأَربابِ»
«فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً، قُدُسية ٌ،خلصت من الأَوشابِ
أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي»
وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي
«وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي وتصيرَ بَعََض ألوهتي وشبابي..؟
إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً في روحي الباقي على الأحقابِ..
فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي»
فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِ الرَّدى والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»:
لا رأي للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ، الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ
«فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها وارحم جلالَكَ من سماع خطابي
وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ
تحليل عام لنص القصيدة:
ما بين سعادة الضعفاء وجرمها والعدل المنقوص بالقوى . . . وما بين رأي الحق . . . وغلبة الظلم , فلسفة متصارعة تتصادم حتى يومنا هذا بقضية العدل وإحقاق الحق . . . ولعل الثعبان من يفرض فلسفته أن العدل نأى وبعد عن عالمنا . . . قصيدة رائعة مليئة بالعبر والمعاني , تتوشح مفرداتها عالمنا كي تفتح أمامنا آفاقاً جديدة في حب العدل والصواب حتى نعتاد الحقيقة واليقين في حياتنا اليومية , وكم جميل أن نقف على جميل معاني القصيدة فالشاعر أبي قاسم سبق عصره بفكره وتعامله مع المجتمع سبق عصره بتطلعات نحو العقلانية الفكرية لا نحو الجمود والركود والتخلف والحروبات باسم الدين . . . أبو قاسم سبق عصره بفهمه للقرآن الكريم وكان تقياً ورعاً متديناً تعبد معظم ساعات اليوم إلا أن فكره وعقلانيته المتطورة الرائعة لم تسمح له بالتطرف وهذا ما نحتاجه اليوم في عملية استحداث العقل والفكر العربي من جديد نحن بحاجة للفكر نحن بحاجة للعقل نحن بحاجة للفهم والعدل.
نبذة عن حياة الشاعر:
ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من فبراير عام 1909م الموافق الثالث من شهر صفر سنة 1327 هـ وذلك في مدينة توزر في تونس. قضى الشيخ محمد الشابي حياته الوظيفية في القضاء بمختلف المدن التونسية حيث تمتع الشابي بجمالها الطبيعي الخلاب، ففي سنة 1328 هـ1910م عين قاضيا في سليانة ثم في قفصة في العام التالي ثم في قابس 1332هـ 1914 م ثم في جبال تالة 1335 هـ 1917م ثم في مجاز الباب 1337 هـ 1918م ثم في رأس الجبل 1343هـ 1924م ثم انه نقل إلى بلدة زغوان 1345 هـ 1927م ومن المنتظر أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي فيزغوان إلى صفر من سنة 1348هـ – أو آخر تموز 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة إلى توزر، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول –سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348 هـ.
كان الشيخ محمد الشابي رجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي ومن المعروف أن للشابي ثلاثة أخوة هم محمد الأمين وعبد الله وعبد الحميد أما محمد الأمين فقد ولد في عام 1917 في قابس ثم مات عنه أبوه وهو في الحادية عشر من عمره ولكنه أتم تعليمه في المدرسة الصادقية أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلوم العصرية واللغات الأجنبية وقد أصبح الأمين مدير فرع خزنة دار المدرسة الصادقية نفسها وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958 م.
توزر هي مدينة وواحة صحراوية تقع في الجنوب الغربي للجمهورية التونسية ويبلغ عدد سكانها حوالي 40.000 نسمة، وهي عاصمة ولاية توزر ومركز بلاد الجريد. تقع توزر في الشمال الغربي لشط الجريد وجنوبي شط الغرسة، على بعد 430 كم من العاصمة تونس.
دمتم بخير وعز وبركة ومجد وكرامة.
فخر واعتزاز كل الاحترام بالنجاح بالتوفيق