صلاة الجمعة مبعث للحياة التقية
تاريخ النشر: 03/03/15 | 11:20قال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة الجمعة)/ (11).
وهذا النِّداء مُوَجَّه إلى المؤمنين فقط لأنّ الصّلاة كسائر العبادات يُشْتَرَط الإيمان لِصِحَّتِها قال تعالى: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون} (سورة الأنبياء)/ (94).
فالإيمان هو أول شرط لقبول الصّالحات من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها.
ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى المؤمنين إذا سمعوا نداء الجمعة أن يمضوا إلى ذكر الله وعبادته وإلى أداء صلاة الجمعة وأن يَدَعوا البيع والشراء فإنّ ذلك خير لهم وأرجى لهم عند الله وأعْود عليهم بالبركات والخيرات فإذا أدوا الصلاة وفرغوا منها فلينتشروا في الأرض لقضاء مصالحهم وليطلبوا من فضل الله فإنّ الرزق بيده وهو المُنْعِِمُ المُتَفَضِّلُ الذي لا يُضَيِّعُ عَمَلَ العَامِل ولا يمنع أحبابه من فضله وإحسانه وليذكروا الله كثيرا لعلهم يفلحون.
وصلاة الجمعة من احد فروض الإسلام ومن أعظم مجالس ومجامع المسلمين والاغتسال يوم الجمعة أمر مؤكد والتطيب في غيره واستخدام السواك والتكبير للصلاة وأن يشتغل المسلم بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام للخطبة والإنصات للخطبة إذا سمعها المسلم من أوجب الأمور ومن خصائص الجمعة قراءة سورة الكهف.
ويوم الجمعة يوم عيد متكرر في الأسبوع قال الرسول (ص) إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله ويستحب أن يلبس المسلم فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها قال الرسول (ص) من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب ولبس من أحسن ثيابه حتى يأتي المسجد كان كفارة لما بين الجمعتين.
وأنه يوم تكفير السيئات وفيه ساعة إجابة للدعاء قال الرسول (ص) “إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه” وقيل أقوال كثيرة عنها وقيل إنها من جلوس الإمام للخطبة إلى انقضاء الصلاة وأن التعجيل فيه إلى المسجد من أعظم القربات إلى الله وأن الصدقة في الجمعة لها ميزة عن غيره وأنه اليوم الذي أدخره الله لهذه الأمة.
ولقد طلب الله سبحانه وتعالى من المسلمين أن يتوجهوا إلى صلاة الجمعة في كلّ جمعة، وذلك قوله: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) (الجمعة/ 9) لكنّه لم يرد لهم أن يقيموا في المساجد طوال نهار الجمعة، ويتركوا الرزق في ذلك اليوم، ولذا قال: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون)(الجمعة/10).
وَأمّا أعْمال نَهارِ الجُمعة فكثيرة منها:
الاوّل: أن يقرأ في الرّكعة الاُولى من صلاة الفجر سورة الجمعة وفي الثّانية سورة التّوحيد.
الثاني: أن يدعو بهذا الدُعاء بعد صلاة الغداة قبل أن يتكلّم ليكون ذلك كفّارة ذنوبه من جمعة الى جُمعة:
اَللّـهُمَّ ما قُلْتُ فى جُمُعَتى هذِهِ مِنْ قَوْل اَوْ حَلَفْتُ فيها مِنْ حَلْف اَوْ نَذَرْتُ فيها مِنْ نَذْر فَمَشِيَّتُكَ بَيْنَ يَدَيْ ذلِكَ كُلِّهِ فَما شِئْتَ مِنْهُ اَنْ يَكُونَ كانَ وَما لَمْ تَشَأْ مِنْهُ لَمْ يَكُن اَللّـهُمَّ اغْفرْ لى وَتَجاوَزْ عَنّى اَللّـهُمَّ مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ فَصَلاتى عَلَيْهِ وَمَنْ لَعَنْتَ فَلَعْنَتي عَلَيْهِ.
وليؤدّ هذا العمل لا أقلّ من مرّة في كلّ شهر، وروي انّ من جلس يوم الجمعة يعقّب الى طلوع الشّمس رفع له سَبعون درجة في الفِردوس الاعلى، وروى الشّيخ الطوسي انّ من المسنُون هذا الدّعاء في تعقيب فريضة الفجر يوم الجُمعة:
اَللّـهُمَّ اِنّى تَعَمَّدْتُ اِلَيْكَ بِحاجَتى وَاَنْزَلْتُ اِلَيْكَ الْيَوْمَ فَقْرى وَفاقَتى وَمَسْكَنَتى فَاَنَا لِمَغْفِرَتِكَ اَرْجى مِنّى لِعَمَلى وَلَمَغْفِرَتُكَ وَرَحْمَتُكَ اَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي فَتَولَّ قَضاءَ كُلِّ حاجَة لي بِقُدْرَتِكَ عَلَيْها وَتَيسيرِ (وَتَيَسَر) ذلِكَ عَلَيْكَ وَلِفَقْري اِلَيْكَ فَاِنّي لَمْ اُصِبْ خَيْراً قَطُّ إلاّ مِنَك وَلَمْ يَصْرِفْ عَنّي سُوءاً قَطُّ اَحَدٌ سِواكَ وَلَسْتُ (وَلَيْسَ) اَرْجُو لاخِرَتي وَدُنْيايَ وَلا لِيَوْمِ فَقْرى يَوْمَ يُفْرِدُني النّاسُ في حُفْرَتي وَاُفْضي اِلَيْكَ بِذَنْبي سِواكَ.
الثالث: روي انّ مَن قال بعد فريضة الظّهر وفريضة الفجر في يوم الجُمعة وغيره من الايّام: اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وان قاله مائة مرّة قضى الله له ستّين حاجة ثلاثين من حاجات الدّنيا وثلاثين من حاجات الاخرة.
الرابع: أن يقرأ سُورة الرَّحمن بعد فريضة الصّبح فيقول بعد فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ: لا بشيء مِنْ آلائكَ رَبِّ اُكَذِّبُ.
الخامس: قال الشّيخ الطوسي (رحمه الله): من المسنون بعد فريضة الصّبح يوم الجُمعة أن يقرأ التّوحيد مائة مرّة، وَيُصلّي على محمّد وآل مُحمّد مائة مرّة، ويستغفر مائة مرّة، ويقرأ سورة النّساء وهُود والكهف والصّافات والرّحمن.
السادس: أن يقرأ سورة الاحقاف والمؤمنُون، فعن الصّادق (ع) قال: مَنْ قرأ كلّ ليلة من ليالي الجمعة أو كلّ يوم من أيّامها سورة الاحقاف لم يصبه الله بروعة في الحياة الدّنيا وأمّنه من فزع يوم القيامة ان شاء الله، وقال ايضاً: من قرأ سورة المؤمنون ختم الله له بالسّعادة اذا كان يدمن قراءتها في كلّ جمعة وكان منزله في الفردوس الاعلى مع النّبيّين والمرسلين.
السّابع: أن يقرأ سُورة (قُل يا أيُّها الْكافِرُونَ) قبل طلوع الشّمس عشر مرّات ثمّ يدعو ليستجاب دعاؤه وروي انّ الامام زين العابدين (ع) كان اذا أصبح الصّباح يوم الجمعة أخذ في قراءة آية الكرسى الى الظّهر ثمّ اذا فرغ من الصلاة أخذ في قراءة سُورَة (اِنّا اَنْزَلْناهُ) واعلم انّ لقراءة آية الكرسى على التّنزيل في يوم الجُمعة فضلاً كثيراً.
الثامن: أن يغتسل وذلك من وكيد السّنن وروى عن النّبي (ص) انّه قال لعليّ (ع): يا علي اغتسل في كلّ جمعة ولو انّك تشتري المآء بقوت يومك وتطويه فانّه ليس شيء من التطوّع اعظم منه، وعن الصّادق صلواتُ الله وسلامه عليه قال: من اغتسل يوم الجُمعة فقال: اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ إلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَاجْعَلْني مِنَ التَّوّابينَ واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرينَ كان طهراً من الجمعة الى الجُمعة أي طهراً من ذنوبه أو انّ أعماله وقعت على طهر معنوي وقبلت والاحوط أن لا يدع غُسل الجُمعة ما تمكّن منه، ووقته من بعد طلُوع الفجر الى زوال الشّمس وكلّما قرب الوقت الى الزّوال كان أفضل.
التّاسع: أن يغسل الرأس بالخطمي فانّه أمان من البرص والجُنون.
العاشر: أن يقص شاربه ويقلّم أظفاره فلذلك فضل كثير يزيد في الرّزق ويمحو الذّنوب الى الجمعة القادمة، ويوجب الامن من الجنون والجُذام والبرص، وليقل حينئذ: بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وِعلى سُنَّةِ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وليبدء في تقليم الاظفار بالخنصر من اليد اليسرى ويختم بالخنصر من اليد اليمنى وكذا في تقليم أظفار الرّجل ثمّ ليدفن فضُول الاظافير.
الحادي عشر: أن يتطيّب ويلبس صالح ثيابه.
الثاني عشر: أن يتصدّق فالصّدقة تضاعف على بعض الرّوايات في ليلة الجُمعة ونهارها ألف ضعفها في سائر الاوقات.
الثالث عشر: أن يطرف أهله في كلّ جمعة بشيء من الفاكهة واللّحم حتّى يفرحُوا بالجمعة.
الرّابع عشر: أكل الرُّمّان على الرّيق وأكل سبعة أوراق من الهندباء قبل الزّوال، وعن مُوسى بن جعفر (ع) قال: مَنْ أكل رُمّانة يوم الجُمعة على الرّيق نوّرت قلبه أربعين صباحاً فإن أكل رُمّانتين فثمانين يوماً فإنّ أكل ثلاثاً فمائة وعشرين يوماً وطردت عنه وسوسة الشّيطان، ومن طردت عنه وسوسة الشّيطان لم يعص الله ومن لم يعص الله أدخله الله الجنّة.
الخامس عشر: أن يتفرّغ فيه لتعلّم أحكام دينه، لا أن ينفق يومه هذا في التجوال في بساتين النّاس ومزارعهم، ومصاحبة الاراذل والاوباش، والتهكم والتحدّث عن عيوب النّاس، والاستغراق في الضحك والقهقهة، وإنشاء القريض والخوض في الباطِل وأمثال ذلك فانّ ما يترتّب على ذلك من المفاسد أكثر من أن يذكر، وعن الصّادق (عليه السلام) قال: أفّ على مسلم لم ينفق من اسبُوعه يوم الجُمعة في تعلّم دينه ولم يتفرّغ فيه لذلك، وعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: اذا رأيتم يوم الجُمعة شيخاً يقصّ على النّاس تاريخ الكفر والجاهليّة فأرموا رأسه بالحصى.
إليكم أيها الأحبة المؤمنون المتقون جانباً من خطبة السيد العلامة الراحل محمد حسين فضل الله -رحمه الله- في يوم الجمعة:-
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج/ 1-2). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (لقمان/ 33).
لقد أراد الله – سبحانه وتعالى – أن نجتمع لتأدية صلاة الجمعة التي تشكل مجمعاً أسبوعياً للمؤمنين، يتفرغون فيه لعبادته والوقوف بين يديه والإنفتاح عليه، لتتطهر عقولهم وألسنتهم بالتقوى – فلكل من العقل واللسان تقواه – ولتتطهر كل حياتهم بالتقوى لأنّ للحياة في كل جوانبها تقواها.
أيها الأحبة: إنّ الله أراد لنا أن نجتمع في هذا اليوم لنتّقيه وفيه لنتحسس مسؤولياتنا عن أنفسنا وعن الناس من حولنا وعن الحياة كلها، لأن قيمة الإنسان المؤمن تتمحور حول مدى تحمله لهذه المسؤولية أمام الله والناس والحياة.
إنّ الله طلب منّا أن نلتقي في هذا اليوم ونترك كل أعمالنا ما أمكننا ذلك، حيث قال في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/ 9)، باعتبار أن ما تحصلون عليه من منافع ينعكس على قضاياكم، ففي هذا الإجتماع الذي تتعارفون فيه وتتبادلون الرأي وتتوحدون على كلمة الله يحصل الخير الكثير الذي يؤدي إلى تحصيل التقوى، وتقوى الله تعالى هي أن تنفتح عليه في كل أعمالك، أن تتقي الله في نفسك فتؤدي لها حقها في الحصول على رضاه، فلا تقدم رجلاً ولا تؤخر أخرى حتى تعلم أن في ذلك لله رضى… وهكذا يمكن أن تعيش مسؤوليتك عن الناس كلهم فلا تُسيء إلى وحدتهم، لأنّه من التقوى أن ننفتح على الواقع الذي نعيش فيه، في الحي والوطن أو الأُمّة والعالم…
– التقوى في خط المسؤولية:
في هذا الخط يحدثنا الإمام علي بن أبي طالب (ع) عن التقوى فيقول “أيها الناس اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم” إنّه يحمل الناس المسؤولية عن الأرض التي يعيشون عليها ليجعلوا منها أرضاً تنفتح على الناس لتعطي ثمارها، كي لا يسمحوا لأي مستعبد أن يستعبدها أو ظالم يتحرك فيها بالظلم أو شخص يثير الفتنة في داخلها.
– التعددية على قاعدة القيم:
وإنطلاقاً من مبدأ التمسك بالتقوى، لابدّ لكم أن تراقبوا الله في كلماتكم وصراعاتكم، سواء في الميدان الإجتماعي أو السياسي؛ وليكن الوطن واحداً حتى وإن اختلفت أديانه، ليكن الوطن واحداً حتى ولو اختلفت طوائفه، ليبقى كل واحد على دينه ما دام مقتنعاً به، وليبقى كل واحد داخل طائفته ما دام مقتنعاً بإنتسابه إليها، ولكن علينا أن نعرف أن هناك ساحة تلتقي فيها قضايانا على أساس قيم الإسلام والمسيحية، وعلى أساس قضايا الحرِّية والعدالة؛ لأنّه ليس هناك واقع إقتصادي أو أمني تختص فيه جماعة دون جماعة فإذا اختلّ الإقتصاد في جانب، اختلّ في الجوانب الأخرى، مما يفرض علينا أن ننطلق من قيم الرسالات ومن الكلمات السواء (إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (آل عمران/ 64)، بل علينا أن ننفتح جميعا على القضايا الأساسية ليلتقي الإسلام والمسيحية في هذا الخط.
– الإعتصام بالوحدة:
أيها الأحبة: من دائرة الوطن ننتقل إلى دائرة الوحدة الإسلامية، وقد أوصانا الله الإعتصام بحبلها (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103)، وفي هذا المجال لابدّ من الحفاظ على هذه الوحدة إذا كنّا نريد أن نكون الأتقياء، فليختلف السنة عن الشيعة وليختلف الشيعة عن السنة، ولكن عنواننا الكبير أننا جميعا نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وأننا مؤمنون بكتاب واحد يجمعنا وعبادات واحدة توحدنا، ونسبة إتفاقنا تتجاوز التسعين بالمئة في مجالات العقيدة والشريعة، مما يتطلب منّا أن نلتقي على ما اتفقنا عليه، وأن يحاور بعضنا بعضاً، أو يعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } (سورة الجمعة)/ (11).
وهذا النِّداء مُوَجَّه إلى المؤمنين فقط لأنّ الصّلاة كسائر العبادات يُشْتَرَط الإيمان لِصِحَّتِها قال تعالى: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون} (سورة الأنبياء)/ (94)
فالإيمان هو أول شرط لقبول الصّالحات من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها.
ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى المؤمنين إذا سمعوا نداء الجمعة أن يمضوا إلى ذكر الله وعبادته وإلى أداء صلاة الجمعة وأن يَدَعوا البيع والشراء فإنّ ذلك خير لهم وأرجى لهم عند الله وأعْود عليهم بالبركات والخيرات فإذا أدوا الصلاة وفرغوا منها فلينتشروا في الأرض لقضاء مصالحهم وليطلبوا من فضل الله فإنّ الرزق بيده وهو المُنْعِِمُ المُتَفَضِّلُ الذي لا يُضَيِّعُ عَمَلَ العَامِل ولا يمنع أحبابه من فضله وإحسانه وليذكروا الله كثيرا لعلهم يفلحون.
وصلاة الجمعة من احد فروض الإسلام ومن أعظم مجالس ومجامع المسلمين والاغتسال يوم الجمعة أمر مؤكد والتطيب في غيره واستخدام السواك والتكبير للصلاة وأن يشتغل المسلم بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام للخطبة والإنصات للخطبة إذا سمعها المسلم من أوجب الأمور ومن خصائص الجمعة قراءة سورة الكهف.
ويوم الجمعة يوم عيد متكرر في الأسبوع قال الرسول (ص) إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله ويستحب أن يلبس المسلم فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها قال الرسول (ص) من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب ولبس من أحسن ثيابه حتى يأتي المسجد كان كفارة لما بين الجمعتين.
وأنه يوم تكفير السيئات وفيه ساعة إجابة للدعاء قال الرسول (ص) “إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه” وقيل أقوال كثيرة عنها وقيل إنها من جلوس الإمام للخطبة إلى انقضاء الصلاة وأن التعجيل فيه إلى المسجد من أعظم القربات إلى الله وأن الصدقة في الجمعة لها ميزة عن غيره وأنه اليوم الذي أدخره الله لهذه الأمة.
ولقد طلب الله سبحانه وتعالى من المسلمين أن يتوجهوا إلى صلاة الجمعة في كلّ جمعة، وذلك قوله: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )(الجمعة/ 9) لكنّه لم يرد لهم أن يقيموا في المساجد طوال نهار الجمعة، ويتركوا الرزق في ذلك اليوم، ولذا قال: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون )(الجمعة/10).
وَأمّا أعْمال نَهارِ الجُمعة فكثيرة منها:
الاوّل: أن يقرأ في الرّكعة الاُولى من صلاة الفجر سورة الجمعة وفي الثّانية سورة التّوحيد.
الثاني: أن يدعو بهذا الدُعاء بعد صلاة الغداة قبل أن يتكلّم ليكون ذلك كفّارة ذنوبه من جمعة الى جُمعة:
اَللّـهُمَّ ما قُلْتُ فى جُمُعَتى هذِهِ مِنْ قَوْل اَوْ حَلَفْتُ فيها مِنْ حَلْف اَوْ نَذَرْتُ فيها مِنْ نَذْر فَمَشِيَّتُكَ بَيْنَ يَدَيْ ذلِكَ كُلِّهِ فَما شِئْتَ مِنْهُ اَنْ يَكُونَ كانَ وَما لَمْ تَشَأْ مِنْهُ لَمْ يَكُن اَللّـهُمَّ اغْفرْ لى وَتَجاوَزْ عَنّى اَللّـهُمَّ مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ فَصَلاتى عَلَيْهِ وَمَنْ لَعَنْتَ فَلَعْنَتي عَلَيْهِ.
وليؤدّ هذا العمل لا أقلّ من مرّة في كلّ شهر، وروي انّ من جلس يوم الجمعة يعقّب الى طلوع الشّمس رفع له سَبعون درجة في الفِردوس الاعلى، وروى الشّيخ الطوسي انّ من المسنُون هذا الدّعاء في تعقيب فريضة الفجر يوم الجُمعة:
اَللّـهُمَّ اِنّى تَعَمَّدْتُ اِلَيْكَ بِحاجَتى وَاَنْزَلْتُ اِلَيْكَ الْيَوْمَ فَقْرى وَفاقَتى وَمَسْكَنَتى فَاَنَا لِمَغْفِرَتِكَ اَرْجى مِنّى لِعَمَلى وَلَمَغْفِرَتُكَ وَرَحْمَتُكَ اَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي فَتَولَّ قَضاءَ كُلِّ حاجَة لي بِقُدْرَتِكَ عَلَيْها وَتَيسيرِ (وَتَيَسَر) ذلِكَ عَلَيْكَ وَلِفَقْري اِلَيْكَ فَاِنّي لَمْ اُصِبْ خَيْراً قَطُّ إلاّ مِنَك وَلَمْ يَصْرِفْ عَنّي سُوءاً قَطُّ اَحَدٌ سِواكَ وَلَسْتُ (وَلَيْسَ) اَرْجُو لاخِرَتي وَدُنْيايَ وَلا لِيَوْمِ فَقْرى يَوْمَ يُفْرِدُني النّاسُ في حُفْرَتي وَاُفْضي اِلَيْكَ بِذَنْبي سِواكَ.
الثالث: روي انّ مَن قال بعد فريضة الظّهر وفريضة الفجر في يوم الجُمعة وغيره من الايّام: اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وان قاله مائة مرّة قضى الله له ستّين حاجة ثلاثين من حاجات الدّنيا وثلاثين من حاجات الاخرة.
الرابع: أن يقرأ سُورة الرَّحمن بعد فريضة الصّبح فيقول بعد فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ: لا بشيء مِنْ آلائكَ رَبِّ اُكَذِّبُ.
الخامس: قال الشّيخ الطوسي (رحمه الله): من المسنون بعد فريضة الصّبح يوم الجُمعة أن يقرأ التّوحيد مائة مرّة، وَيُصلّي على محمّد وآل مُحمّد مائة مرّة، ويستغفر مائة مرّة، ويقرأ سورة النّساء وهُود والكهف والصّافات والرّحمن.
السادس: أن يقرأ سورة الاحقاف والمؤمنُون، فعن الصّادق (ع) قال: مَنْ قرأ كلّ ليلة من ليالي الجمعة أو كلّ يوم من أيّامها سورة الاحقاف لم يصبه الله بروعة في الحياة الدّنيا وأمّنه من فزع يوم القيامة ان شاء الله، وقال ايضاً: من قرأ سورة المؤمنون ختم الله له بالسّعادة اذا كان يدمن قراءتها في كلّ جمعة وكان منزله في الفردوس الاعلى مع النّبيّين والمرسلين.
السّابع: أن يقرأ سُورة (قُل يا أيُّها الْكافِرُونَ) قبل طلوع الشّمس عشر مرّات ثمّ يدعو ليستجاب دعاؤه وروي انّ الامام زين العابدين (ع) كان اذا أصبح الصّباح يوم الجمعة أخذ في قراءة آية الكرسى الى الظّهر ثمّ اذا فرغ من الصلاة أخذ في قراءة سُورَة (اِنّا اَنْزَلْناهُ) واعلم انّ لقراءة آية الكرسى على التّنزيل في يوم الجُمعة فضلاً كثيراً.
الثامن: أن يغتسل وذلك من وكيد السّنن وروى عن النّبي (ص) انّه قال لعليّ (ع): يا علي اغتسل في كلّ جمعة ولو انّك تشتري المآء بقوت يومك وتطويه فانّه ليس شيء من التطوّع اعظم منه، وعن الصّادق صلواتُ الله وسلامه عليه قال: من اغتسل يوم الجُمعة فقال: اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ إلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَاجْعَلْني مِنَ التَّوّابينَ واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرينَ كان طهراً من الجمعة الى الجُمعة أي طهراً من ذنوبه أو انّ أعماله وقعت على طهر معنوي وقبلت والاحوط أن لا يدع غُسل الجُمعة ما تمكّن منه، ووقته من بعد طلُوع الفجر الى زوال الشّمس وكلّما قرب الوقت الى الزّوال كان أفضل.
التّاسع: أن يغسل الرأس بالخطمي فانّه أمان من البرص والجُنون.
العاشر: أن يقص شاربه ويقلّم أظفاره فلذلك فضل كثير يزيد في الرّزق ويمحو الذّنوب الى الجمعة القادمة، ويوجب الامن من الجنون والجُذام والبرص، وليقل حينئذ: بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وِعلى سُنَّةِ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وليبدء في تقليم الاظفار بالخنصر من اليد اليسرى ويختم بالخنصر من اليد اليمنى وكذا في تقليم أظفار الرّجل ثمّ ليدفن فضُول الاظافير.
الحادي عشر: أن يتطيّب ويلبس صالح ثيابه.
الثاني عشر: أن يتصدّق فالصّدقة تضاعف على بعض الرّوايات في ليلة الجُمعة ونهارها ألف ضعفها في سائر الاوقات.
الثالث عشر: أن يطرف أهله في كلّ جمعة بشيء من الفاكهة واللّحم حتّى يفرحُوا بالجمعة.
الرّابع عشر: أكل الرُّمّان على الرّيق وأكل سبعة أوراق من الهندباء قبل الزّوال، وعن مُوسى بن جعفر (ع) قال: مَنْ أكل رُمّانة يوم الجُمعة على الرّيق نوّرت قلبه أربعين صباحاً فإن أكل رُمّانتين فثمانين يوماً فإنّ أكل ثلاثاً فمائة وعشرين يوماً وطردت عنه وسوسة الشّيطان، ومن طردت عنه وسوسة الشّيطان لم يعص الله ومن لم يعص الله أدخله الله الجنّة.
الخامس عشر: أن يتفرّغ فيه لتعلّم أحكام دينه، لا أن ينفق يومه هذا في التجوال في بساتين النّاس ومزارعهم، ومصاحبة الاراذل والاوباش، والتهكم والتحدّث عن عيوب النّاس، والاستغراق في الضحك والقهقهة، وإنشاء القريض والخوض في الباطِل وأمثال ذلك فانّ ما يترتّب على ذلك من المفاسد أكثر من أن يذكر، وعن الصّادق (عليه السلام) قال: أفّ على مسلم لم ينفق من اسبُوعه يوم الجُمعة في تعلّم دينه ولم يتفرّغ فيه لذلك، وعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: اذا رأيتم يوم الجُمعة شيخاً يقصّ على النّاس تاريخ الكفر والجاهليّة فأرموا رأسه بالحصى.
إليكم أيها الأحبة المؤمنون المتقون جانباً من خطبة السيد العلامة الراحل محمد حسين فضل الله -رحمه الله- في يوم الجمعة:-
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج/ 1-2). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (لقمان/ 33).
لقد أراد الله – سبحانه وتعالى – أن نجتمع لتأدية صلاة الجمعة التي تشكل مجمعاً أسبوعياً للمؤمنين، يتفرغون فيه لعبادته والوقوف بين يديه والإنفتاح عليه، لتتطهر عقولهم وألسنتهم بالتقوى – فلكل من العقل واللسان تقواه – ولتتطهر كل حياتهم بالتقوى لأنّ للحياة في كل جوانبها تقواها.
أيها الأحبة: إنّ الله أراد لنا أن نجتمع في هذا اليوم لنتّقيه وفيه لنتحسس مسؤولياتنا عن أنفسنا وعن الناس من حولنا وعن الحياة كلها، لأن قيمة الإنسان المؤمن تتمحور حول مدى تحمله لهذه المسؤولية أمام الله والناس والحياة.
إنّ الله طلب منّا أن نلتقي في هذا اليوم ونترك كل أعمالنا ما أمكننا ذلك، حيث قال في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/ 9)، باعتبار أن ما تحصلون عليه من منافع ينعكس على قضاياكم، ففي هذا الإجتماع الذي تتعارفون فيه وتتبادلون الرأي وتتوحدون على كلمة الله يحصل الخير الكثير الذي يؤدي إلى تحصيل التقوى، وتقوى الله تعالى هي أن تنفتح عليه في كل أعمالك، أن تتقي الله في نفسك فتؤدي لها حقها في الحصول على رضاه، فلا تقدم رجلاً ولا تؤخر أخرى حتى تعلم أن في ذلك لله رضى… وهكذا يمكن أن تعيش مسؤوليتك عن الناس كلهم فلا تُسيء إلى وحدتهم، لأنّه من التقوى أن ننفتح على الواقع الذي نعيش فيه، في الحي والوطن أو الأُمّة والعالم…
– التقوى في خط المسؤولية:
في هذا الخط يحدثنا الإمام علي بن أبي طالب (ع) عن التقوى فيقول “أيها الناس اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم” إنّه يحمل الناس المسؤولية عن الأرض التي يعيشون عليها ليجعلوا منها أرضاً تنفتح على الناس لتعطي ثمارها، كي لا يسمحوا لأي مستعبد أن يستعبدها أو ظالم يتحرك فيها بالظلم أو شخص يثير الفتنة في داخلها.
– التعددية على قاعدة القيم:
وإنطلاقاً من مبدأ التمسك بالتقوى، لابدّ لكم أن تراقبوا الله في كلماتكم وصراعاتكم، سواء في الميدان الإجتماعي أو السياسي؛ وليكن الوطن واحداً حتى وإن اختلفت أديانه، ليكن الوطن واحداً حتى ولو اختلفت طوائفه، ليبقى كل واحد على دينه ما دام مقتنعاً به، وليبقى كل واحد داخل طائفته ما دام مقتنعاً بإنتسابه إليها، ولكن علينا أن نعرف أن هناك ساحة تلتقي فيها قضايانا على أساس قيم الإسلام والمسيحية، وعلى أساس قضايا الحرِّية والعدالة؛ لأنّه ليس هناك واقع إقتصادي أو أمني تختص فيه جماعة دون جماعة فإذا اختلّ الإقتصاد في جانب، اختلّ في الجوانب الأخرى، مما يفرض علينا أن ننطلق من قيم الرسالات ومن الكلمات السواء (إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (آل عمران/ 64)، بل علينا أن ننفتح جميعا على القضايا الأساسية ليلتقي الإسلام والمسيحية في هذا الخط.
– الإعتصام بالوحدة:
أيها الأحبة: من دائرة الوطن ننتقل إلى دائرة الوحدة الإسلامية، وقد أوصانا الله الإعتصام بحبلها (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103)، وفي هذا المجال لابدّ من الحفاظ على هذه الوحدة إذا كنّا نريد أن نكون الأتقياء، فليختلف السنة عن الشيعة وليختلف الشيعة عن السنة، ولكن عنواننا الكبير أننا جميعا نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وأننا مؤمنون بكتاب واحد يجمعنا وعبادات واحدة توحدنا، ونسبة إتفاقنا تتجاوز التسعين بالمئة في مجالات العقيدة والشريعة، مما يتطلب منّا أن نلتقي على ما اتفقنا عليه، وأن يحاور بعضنا بعضاً، أو يعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه.