الإثنيات والطوائف في تركيا.. واقع جديد
تاريخ النشر: 03/03/15 | 14:14شهدت تركيا في السنوات الأخيرة سلسلة من المتغيرات الداخلية التي تمس فكر المجتمع وتوجهاته ومستويات الوعي والمعرفة لديه، وقد أفرز هذا الواقع مجموعة من المستجدات على مستوى منهجية الفهم وأسلوب التعامل.
التغيير الأبرز بعد النهضة الاقتصادية وتثبيت الحضور السياسي كان في إغلاق ملفات المشكلات الداخلية وقطع دابر الفتن من خلال بناء أفق قائم على الحقوق والعدالة الداخلية، لا سيما فيما يتصل بالديانات والطوائف والإثنيات في تركيا برمتها.
وفي لقاء جمعني بالسيد كيفورك أوز كاراغوز، وهو مهندس معماري نصراني، وممثل كنسي، تجاذبنا أطراف الحديث حول المستجدات في هذا الجانب في تركيا والتحولات النوعية في رد الحقوق والمظالم لأهلها بعض النظر عن دينهم وعرقهم وتوجههم ومشربهم المعرفي.
وعند الحديث عن واقع التنوع الديني والإثني في تركيا ينبغي لنا أن نذكر حجم هذا التنوع الثقافي والديني والطائفي، حيث يعمل في تركيا 165 وقفاً وجماعة من المجموعات الدينية المختلفة، مسلمة ونصرانية ويهودية وغيرها.
كثير من هذه المجموعات قُيدت حرياتها الدينية لسنوات، لا سيما في ظل الانقلابات العسكرية، فتمت مصادرة حقوقها وملكياتها، وتم نقل كثير من مقدراتها للعسكر الحاكم وجنرالات الجيش الانقلابيين الذي وجدوا في الانقلابات التي عمت البلاد كل عشر سنوات فرصة اقتصادية لهم من خلال التحكم بمئات الملايين من الدولارات بعد مصادرتها من أهلها ومستحقي الانتفاع بها.
وبعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات غير المألوفة في تركيا، واجتماع المستويات العليا ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بقيادات الطوائف في تركيا عدة مرات ولأسباب متعددة، ولد واقع جديد مختلف كلياً عن العهد الانقلابي السابق أشاد به القادة الدينيون من مختلف الديانات والطوائف.
ومن الأمور المميزة الملحوظة بوضوح أن الإعلام والصحافة التركية سمحت حديثاً للجماعات الدينية بنشر إعلاناتها بالصحف الرسمية، بل تعدى الأمر ذلك لحد تدشين ودعم تأسيس ونشر ستة وسائل إعلامية منها، وهو مثل حالة نادرة ولافتة لدى منسوبي هذه الطوائف والديانات.
ولكن التحدي الأكبر والذي تم تجاوزه في تركيا تمثل في إعادة الأراضي والملكيات الخاصة لأصحابها، وترميم وفتح دور العبادة الخاصة بغيرالمسلمين، وهو ما عنى تحولات كبرى في تطبيق الرؤى والتوجهات الحكومية الجديدة.
نحن لا نتحدث عن مساحات صغيرة أو مواقع هامشية، نحن نتحدث عن إعادة مئات الآلاف من الدونمات وعشرات الأوقاف والمؤسسات الدينية للطوائف السريانية والأرمنية وغيرها، وهي موجودة في قلب اسطنبول، وقد تضاعفت قيمتها مئات المرات لصالح أصحابها اليوم، وهو ما أوجد حالة من الارتياح العام لدى منتسبي الديانات الأخرى، وحالة من التفاؤل باستكمال المسير مستقبلاً.
المستشار د. نزار نبيل الحرباوي