مؤتمر"لغة في عين العاصفة" بمجمع اللغة العربية حيفا
تاريخ النشر: 13/11/12 | 5:55تجاوبا مع تطلّعات وأهداف مجمع اللغة العربية- حيفا، في إعلاء شأن اللغة العربية وآدابها، سواء من خلال برامجه ونشاطاته، أو من خلال التّعاون مع المؤسسات ذات الصّلة، فقد شارك المجمع في المؤتمر الذي نظّمه دراسات – المركز العربي للحقوق والسياسات ومعهد “فان لير”، وعقد يومي الخميس والجمعة في معهد فان لير في القدس، تحت عنوان “العربية: لغة في عين العاصفة”.
كان المؤتمر خطوة نادرة، غير مسبوقة، في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية؛ إذ جرت مناقشاته كلّها باللغة العربية، مع ترجمة فورية الى العبرية، وتمحورت حول مكانة اللغة العربية في الحيّز الإسرائيلي في ظل الصراعات المستمرّة في المنطقة، خاصة لأنها تُجسّد أهم العناصر الرئيسة لتشكيل وبلورة الثقافة والهوية.
كذلك افرد المؤتمر حيّزا لطرح قضيّة “انعكاس الواقع السياسي والاجتماعي في اللغة العربية في إسرائيل وتأثيره عليها وعلى شبكة العلاقات القائمة بين اللغتين العبرية والعربية، بهدف إثراء وتحريك نقاش نقدي حول اللغة العربية والمساهمة في تحقيق حضورها البحثي والثقافي في الحيّز الأكاديمي في إسرائيل، ولتطوير ممارسات تسعى إلى تحقيق المساواة الجوهرية بين شعبي هذه البلاد”.
افتتح المؤتمر قاضي المحكمة العليا، الأستاذ سليم جبران، بمحاضرة قيّمة دارت حول أثر اللغة على التعايش بين الشعبين العربي واليهودي، وشارك فيه نخبة من الباحثات والباحثين العرب واليهود. كانت في المؤتمر أيضا مشاركة بارزة لأعضاء مجمع اللغة العربية – حيفا؛ منهم: البرفسورة أليانور صايغ حداد، نائبة رئيس المجمع، البروفيسور ساسون سوميخ، الدكتور محمود كيال، والبروفيسور محمود غنايم رئيس المجمع الذي قدّم لجلسة المؤتمر الأولى بكلمة عنوانها: “هل يمكن تخيل حيز ثنائي اللغة”، ضمّنها ملاحظات لتوجيه النقاش في هذه الجلسة التي شارك فيها أيضا كل من البروفيسور محمد أمارة، والدكتور هليل كوهن، والدكتورة راوية بربارة، والبروفيسور ساسون سوميخ.
وجاء في كلمة بروفيسور غنايم: ” هل هناك إمكانية لإيجاد حيز لغوي ثنائي؟ وما مدى هذا الحيز؟ يعني هل لنا أن نتخيل حيزًا لغويًا ثنائيًا في كل مكان في البلاد؟ أنا أدعي أن ذلك ممكن بشكل محدود وفي نطاق معين، أو في مناطق معينة. ولكن الحديث عن حيز ثنائي كامل هو ضرب من الخيال، ويبقى خيالا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
إن البعد السياسي يلعب دورًا فاعلاً في إيجاد حيز لغوي ثنائي. ويمكننا أن نطرح بعض الإدعاءات السياسية التي يرى البعض أنها تقف حائلاً دون ذلك:
-1 ظروف دولة إسرائيل، كدولة شابّة ومحاطة بدول عربية معادية، تلقي بظلالها على كل ما هو عربي.
2- قيام دولة إسرائيل على أنقاض الهوية الفلسطينية كان يعني بصريح العبارة مسح وإزالة منهجية لكل ما له علاقة بهذه الهوية، ومن ضمنها اللغة العربية.
3- تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية اللغة هو خطوة في طريق تحويلها إلى دولة ثنائية القومية، وهذا مستحيل بالمفهوم المطلق.
لذلك فسؤالي هنا هو: كيف يمكن تفادي الحساسية القومية في معالجة هذا الموضوع؟
كيف يمكن أن نجزئ المشكلة لنحلّها؟
كيف يمكن التعامل مع الادعاءات الأخرى؟
هناك إمكانية لخطوات محدودة في طريق الاعتراف الفعلي باللغة العربية كلغة رسمية، ولكن البعض يرى أنها خطوات تبقى محدودة، ولا يمكن أن تتجاوزها.
في اللافتات، مثلاً، لماذا لا يكون الخطاطون عربًا لتلافي الأخطاء الفادحة في الكتابة، بدل أم القطف أم القطوف، وغيرها كثير.
كان لمجمع اللغة العربية تجربة في هذا الموضوع، لكنها اقتصرت على نقحرة الأسماء، بينما وقفنا عاجزين أمام كتابة الأسماء بالعربية، حتى أن ذلك قد طال أسماء مثل عكا (عكو)، يافا (يافو) حيفا، الناصرة، بئر السبع وغيرها.
إذا ما دخلنا في العمق أكثر نجد استحالة وضع الاسم العربي لبيت شان/ بيسان، مثلا، أو دور/ الطنطورة.
مشكلة تقنية أم غير ذلك!
البعض يرى أن التعامل مع اللغة العربية في إسرائيل هو كذلك مشكلة تقنية. هل المشكلة هي حقًا تقنية فقط؟ لا أعتقد ذلك. صحيح أن معظم الموظفين العرب لا يتقنون التراسل والكتابة بالعربية، ولكن هذه مشكلة يمكن أن تحلّ بصورة تدريجية إذا كان هناك قرار حازم من السلطات بذلك. نحن في مجمع اللغة العربية بصدد إقامة دورات لموظفي البلديات العربية ومؤسسات أخرى بالتعاون مع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية.
على المستوى الرسمي:
دعونا نطرح بعض القضايا على المستوى الرسمي.
ماذا بشأن القوانين والتشريعات؟ هل تترجم؟
ماذا بشأن المحاكم؟ هل تقبل قضايا ولوائح اتهام بالعربية؟
المؤسسات المختلفة، البلديات وغيرها، هل تتراسل وتكتب محاضرها بالعربية؟
كان هناك فضيحة في سلطة القطارات التي رفضت استعمال العربية في إعلاناتها.
شعار جامعة حيفا ومحاولة إسقاط اللغة العربية منه. وكان لنا موقف من ذلك: أرسلنا احتجاجًا إلى وزير المعارف جدعون ساعر بصفته رئيس مجلس التعليم العالي، ولم يصلنا أي ردّ على ذلك. وكان للحملة الإعلامية تأثير كبير في تراجع جامعة حيفا.
لماذا لغتان؟
هناك من يقول: لماذا لغتان: معظم العرب يفهمون اللغة العبرية، ويتحدثون بها أفضل من اليهود. هناك من يقول: العرب هم أقلية وعليهم التحدث والكتابة بالعبرية. هل هذا تبرير؟ هل اللغة هي فقط عبارة عن وسيلة اتصال وعمل وكسب لقمة العيش؟ لا نقاش في أهمية اللغة في تنمية الهوية والمحافظة على التراث وغير ذلك. حتى الطفل في سنواته الأولى اليوم يعرف ما معنى لغة الأم وما هي أهميتها.
اللغة والهويّة:
أروي لكم حادثة صغيرة واجهتنا مع بنك إسرائيل حول كلمة شيكل. هل نترجم الكلمة كما وردت في المصادر القديمة وفي العهد المقدس: شاقل أم نقوم بنقحرتها بشيكل. ما هو اسم العملة؟ هل هو بالعبرية أم بالعربية؟ هل يحق لنا كعرب أن نغير في اسم العملة؟ أصدقكم القول إننا في البداية كنا متحمسين لترجمة الاسم إلى شاقل، ولكننا بعد تفكير قلنا: هذه كلمة لها بعد حضاري يهودي، فلمَ نقوم بسرقة هذا البعد الحضاري من الكلمة؟
هل يمكن لأولئك المتطرفين في المجتمع اليهودي أن يتفهّموا ويعترفوا أن للغة العربية بعدًا حضاريًا، وأن الأسماء لها بعد تراثي وهوية وكيان وغير ذلك.
على سبيل المثال: في الترجمة، المفروض المحافظة على استقلالية اللغة، في هذا المؤتمر مثلا الذي يحمل النوايا الحسنة ورد اسمه كذا: “العربية لغة في عين العاصفة”. هذه ترجمة إلى اللغة العربية فنحن لا نقول عين العاصفة بل قلب العاصفة. Eye of the storm
هذا ينقلنا إلى قضية أخرى وهي الوسط الأوروبي
وهذا يذكرني بمقولة لأنطون شماس، كتبها في مقال له قبل أكثر من ثلاثين سنة، حين ذكر أن العبرية تكتب من اليسار إلى اليمين. وأنا أعتقد أن العبرية منذ زمن فقدت صلتها باللغة العربية، فهل يمكنهما أن تعيشا جنبًا إلى جنب؟
هل اللغة العربية فيها إشكالية معينة؟
هل الحيز الثنائي الذي نتخيله يشمل التحدث والكتابة باللغتين؟
هل يسهل على غير الناطقين باللغة العربية، أن يتعلموا العربية وينطقوا بها، كما ينطقون بالعبرية والإنجليزية مثلا؟ سؤال هام يستحق الإجابة العلمية؟
هل اللغة العربية هي لغة علمية، يمكنها أن تكون لغة بحث، ولغة تدريس، ولغة محاضرات، ولغة محاضر ومحاكم، وقوانين وتشريعات؟!
الرؤية الاستشراقية حاولت إقناعنا، نحن العرب، أن اللغة العربية تدرَّس كظاهرة أنثروبولوجية لكنها لا تدرس للنطق بها والكتابة بها.”
تجدر الإشارة، أخيرا، إلى أن مناقشات المؤتمر التي جرت باللغة العربية، مع ترجمة فورية الى العبرية، كانت بالإضافة إلى كونها خطوة نادرة في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية كما ذكر آنفا، دليلا أيضا على ما اشار إليه المنظّمون من أهمية عملية ورمزية للغة العربية، إزاء المحاولات المتكرّرة الساعية إلى إلغاء مكانتها كلغة رسمية في إسرائيل، وإلى إنكار موقعها ضمن المشهد اللغوي!