آفة الخيانة والغدر فينا متجذرة؟

تاريخ النشر: 14/11/12 | 2:29

عندما عدت أتصفح بعض الكتب التي تروي تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً وأحمل قلمي معلقاً لأدلي بدلوي وأقول رأيي ، أحياناً كان يسقط القلم من يدي لأنني لا أريد أن أصدق ما أقرأه أمامي من تاريخ لأنه يؤلمني ويوجعني كثيراً لدرجة أني في بعض الأحيان أفقد الأمل أن يتغير هذا الحال إلى حالٍ أفضل على المدى القريب، فأنظر لأجد أن آفة الخيانة والغدر في ازدياد مضطرد وتكاد أن تكون هي الأكثر وضوحاً في تاريخ هذا الشعب لتصبح جزءاً لا يتجزأ منه بل دونها ليس له تاريخ .

فرجعت إلى مئة عام إلى الوراء لتتضح الصورة عندي وأتساءل لما هذه الآفة السيئة كان لها هذه القوة في اختراقنا لدرجة أنّها عمت جميع شرائح الشعب عمالاً وفلاحين وشيوخ دين ومثقفين وأكاديميين وأمراء عشائر ومخاتير وحتى وصلت إلى صبياناً ملَقنيين وساسة مشهورين ورجال أعمال غير محتاجين ولكنهم غير متعففين؟

ورجعت إلى كتاب كارثة فلسطين للقائد عبد الله التل، لقد تناول هذا الكتاب كارثة فلسطين بكثير من التفاصيل وبإسهاب. الجزء الأول الذي يحتوي على 645 صفحة.

كنت مع كل سطرٍ أقرأه أتجرع المرارة بألم كبير وحزن شديدين لأن الذين دفعوا الثمن غالياً في نهاية الأمر كانوا الأغلب من البسطاء والفقراء وعوام الناس الذين عانوا الأمّريّن من قتل وتشريد ودمار.

ولا ننسى القلة القليلة من الشرفاء الذين أبوا أن يخونوا دينهم وبلادهم وشرفهم فعانوا كما الآخرون، لقد لفت نظري في هذا الكتاب قول عبد الله التل أن العرب بما فيهم شعبنا الفلسطيني لا يجيدون سوى الكلام والخطابة التي لم يطل بريقها إلا لبعض اللحظات وتنطفئ.

مع أنه يوجد من بيننا من ضحى بروحه وأغلى ما عنده من تضحيات ولكنهم للأسف الشديد قلة!!! لقد ذكر عبد الله التل في كتابه هذا ألواناً من الخيانات على كل المستويات إن كانت عربية أم محلية.

فكان قلبي يعتصر ألماً ودموعاً تحجب الرؤيا في عيني فأتوقف عن القراءة حتى تنجلي لأستمر في القراء ثانية.

لقد وصل الاختراق فينا أن يبيع الأخ أخاه والأمير رعيته والقائد جنده فاستطاع العدو أن يشتري الكثيرين بالمال من مرضى النفوس إلا ما ندر.

لقد ركز العدو في اختراقاته على الفتنة الطائفية والمذهبية بعد أن تغلغل في هذه الطوائف فقسمهم إلى طوائف ومذاهب وألب هذا على ذاك، بقتله أحياناً عمدة قوم مرموق او شخصية لها وزنها في هذه الطائفة أو تلك ليلصق التهمة بالطائفة الأخرى أو بأصحاب الديانة الأخرى فنجحت هذه الاختراقات إلى حد بعيد وكان الثمن ضياع فلسطين بأكملها وما زال هذا النهج قائماً حتى يومنا هذا.

لقد كان الإنجليز وما زالوا سبب تشردنا وقتلنا ورحيلنا من فلسطين، وما زال الخونة من العرب ومنم الفلسطينيين في تواصل وصداقة مع هؤلاء المجرمين حتى يومنا هذا.

سواءً كانوا رؤساء أو مرؤوسين ولم يتغير الحال! بل زادت الأمور أكثر خطورة ودهاءً وسوء. لأن طرق الإغراء تعددت والإصرار على بقاء هذا الواقع ما زال قمة الأولويات لدى المستعمر القديم الجديد.

فكان المال ولا يزال والجاه والوظيفة الوسيلة لذلك.

قتلنا قادتنا المجاهدين بحفنة من الدنانير والجنيهات والدولارات وأعطي مثالاً على ذلك ومن خلال تصفحي “لكتاب فلسطين الأم وابنها البار عبد القادر الحسيني رحمه الله عيسى خليل محسن”.

عندما باع مختار بني النعيم قضاء الخليل نفسه للشيطان وطلب منه الإنجليز ان يستدرج الشهيد البطل عبد القادر الحسيني إلى القرية لإيقاعه في مصيدة الغدر لقتله فبعث هذا الخائن برسالة إلى الشهيد عبد القادر يطلب منه أن يحضر إلى بني النعيم لحل إشكال مزعوم وقع بين المجاهد عبد الحليم الشلف وبين أهلي المنطقة.

لبى عبد القدر الدعوة وأخذ معه ما بين 40 إلى 50 مجاهداً وكان هذا المختار الخائن قد جهز غداءاً على شرف عبد القادر ورفاقه المجاهدين، لقد تأخر عبد القادر الحسيني عن الموعد المتفق عليه بدواعي أمنية حيطة وحذراً وعند وصوله القرية بعد العصر قدم له الغداء وإذا به بارد! فعرف المجاهد الكبير أن هناك مكيدة ومؤامرة لإستدراجه وأنه وقع في الفخ فأمر أصحابه ورفاقه أن يخرجوا على الفور لاستكشاف الأمر فنظر من حوله إلى الجبال وإذا به يرى تقدم القوات البريطانية المجرمة تحيط بالمكان وتطوق المنطقة وقد كانت هذه القوات متمركز في قرية “يطّا المجاورة”.

قام الإنكليز بإحضار قوة مكونة من 300 عنصر تدعمها الطائرات والدبابات والآليات المدرعة وقامت هذه القوة بدورها لتضرب حصاراً واسع النطاق حول منطقة بني النعيم لتدور معركة حامية الوطيس بين المجاهدين بقيادة هذا البطل المغوار ورفاقه من جهة وبين والمستعمرين البريطانيين من جهة أخرى.

فوزع عبد القادر رجاله ليوهم العدو أنهم كثُر وتبدأ الطائرات بقصف المجاهدين وتنهالُ عليهم قذائف الدبابات والآليات المدرعة من كل جانب.

انسحب عبد القادر الحسيني من القرية خشية تدميرها ووزع رفاقه في واد قريب وقاتل هو ورفاقه حتى الموت ليسقط المجاهد شهيداً في معركة الشرف مع بعضٍ من رفاقه وجرح واستشهد العشرات.

وكل ذلك كان بسبب الخيانة والخونة الذين ما زالوا يعششون بيننا لُيقتَل المئات بل الألوف جراء هذه الخيانات سواءً كانوا قادة مجاهدين أو أفراداً عاديين وأعطي مثالاً على ذلك إغتيال أبي جهاد في تونس “خليل الوزير” على أيدي الإسرائيليين، لقد اعترف الإسرائيليون قبل أيام قليلة وأفصحوا عن الوحدة العسكرية التي قامت بذلك بقيادة الجنرال يعلون الذي أطلق الرصاصة الأخيرة على رأس الشهيد البطل أبي جهاد ويُقتل في هذه الجريمة أيضاً بعض معاونيه وكان ذلك بمعلومات عربية ومساعدة للأسف فلسطينية.

لقد قتلوا أبا عمار بأوامر صهيونية وأيدي غادرة فلسطينية وغيرهم الكثير على سبيل المثال لا للحصر الشيخ أحمد ياسين والشقاقي وأبو مصطفى علي ونمر عدوان والقائمة طويلة جداً جداً.

ولا زال التآمر والخيانة قائمين بيننا كأدوات للتخلص ممن يرفع رأسه ليدافع عن وطنه وأرضه وعرضه منها ما هو مكشوف ومنها خفي.

ولكن في النهاية سيُعرف كل شيء ويبين!!

لن يكون هنالك نصرٌ ولا حتى بصيص نور في هذا النفق المظلم ما دام بيننا يعيش هؤلاء الخونة والمأجورين فوجب على شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية أن تعمل على استئصال هذه الآفة من بيننا حتى يصبح الحال أفضل (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

الى متى تبقى آفة الخيانة فينا متأصلة نبيع ديننا بعرض قليل من الدنيا؟

إلى متى تبقى ضمائرنا غافلة ميتة! ومتى تصحو، لنعود جميعاً إلى جادة الصواب ونعي أن الخيانة عَارٌ وخزيٌ في الدنيا وآلأخرة؟

إلى متى نفهم أن حبة تراب من أرض الوطن تساوي كنوز الأرض بما فيها من الماس والذهب؟

إلى متى سنبقى على هذا الحال والأغلب منا يقول إذا حادت عن ظهري بسيطة؟

إلى متى نعي معنى هذه الآية الكريمة “إن الله لا يحب الخائنين”؟

يا حسرة على أمة قطع أصلها فرعها!! فأصبحت في كل يوم تستيقظ على جرح نازف ولا ترى نوراً في نهاية النفق، بل يزداد النفق حِلكةً وظلاماً.

ليس هذا تشاؤماً وإنما واقعٌ مريرٌ نعيشه، يا حسرتي ويا حزني على أمة ألقى الله في قلوبهم الوهن.

نسأل الله السلامة والفرج القريب إنشاء الله والله ولي التوفيق.

بقلم:الشيخ عبدلله النمر بدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة