عبرية الأدب الفلسطيني

تاريخ النشر: 14/11/12 | 2:22

تقرير حول مداخلة د. محمود كيال، المحاضر في جامعة تل أبيب، في إطار مؤتمر “اللغة العربية في قلب العاصفة” في معهد فان لير في القدس 8-9/11/2012

في الجلسة المخصصة لكتابة العربية بالعبرية تحدث د. محمود كيال في مداخلته حول التداخل اللغوي العبري في الأدب الفلسطيني المحلي. حيث أكد أن هذا التداخل يعكس أزمة الهوية في المجتمع الفلسطيني-الإسرائيلي المتمثلة في حالة من الصراع بين هويته المدنية وهويته القومية، كما أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالتداخل اللغوي العبري في اللغة العربية المحكية.

في البداية حدّد د. كيال مفهوم التداخل اللغوي باعتباره تطبيق نظام لغوي للغة ما إثناء الكتابة أو المحادثة بلغة ثانية. ثم انتقل للحديث عن تجليات هذا التداخل في الأدب الفلسطيني. فأشار إلى أن التداخل اللغوي العبري اتخذ أشكالا مختلفة في الأدب الفلسطيني كما مر بمراحل متعددة تزامنت مع التغييرات التي طرأت على الصعيد اللغوي والسياسي والاجتماعي في المجتمع الفلسطيني.

ميّز د. كيال بين ثلاث مراحل مختلفة من حيث كمية ونوعية التداخلات اللغوية وهي: مرحلة التردد الممتدة بين 1948-1967، مرحلة التحدي الممتدة بين 1948 حتى أواسط الثمانينات ومرحلة الثنائية اللغوية الممتدة بين أواسط الثمانينات حتى يومنا هذا.

مرحلة التردد (1948-1967) تميزت، حسب رأيه، بمحاولة فلسطينيي الداخل تلمس طريقهم في أعقاب النكبة الفلسطينية ونشوء الدولة الجديدة التي تسيطر على مؤسساتها اللغة العبرية. هذا الوضع دفع بهم إلى محاولة التعرف على هذه اللغة، إلا أن الحكم العسكري المفروض عليهم وكون الكثيرين منهم قد نشأوا في بيئة لغوية مغايرة تماما أعاقا إلى حد ما هذه المحاولة. وبالتالي فإن الأدباء الذين مارسوا الكتابة في هذه الفترة كانوا قليلي الاطلاع على اللغة العبرية، ناهيك عن رغبة الكثيرين منهم في المحافظة على نقاوة اللغة العربية، مما أدى إلى شح التداخلات اللغوية واعتمادها أساسا على استخدام مفردات عبرية قليلة.

مرحلة التحدي (1967 حتى أواسط الثمانينات) تميزت، بنظره، باحتدام الصراع لدى المجتمع الفلسطيني-الإسرائيلي بين الرغبة في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي وبين الرغبة في تعزيز الانتماء الوطني والقومي. هذا الصراع المحتدم تجلى أيضا في ظاهرة التداخل اللغوي العبري. فمن جهة ازداد بشكل واضح اطلاع الأدباء الفلسطينيين على اللغة العبرية. كما ظهر جيل جديد من الأدباء الذين نشأوا وترعرعوا تحت الحكم الإسرائيلي وتعلموا اللغة العبرية بصورة منتظمة في المدارس والمعاهد المختلفة. إضافة إلى أن انتهاء الحكم العسكري على المواطنين العرب زاد من إمكانية احتكاكهم اليومي باللغة العبرية. ولكن من جهة أخرى أصبحت اللغة العبرية، التي تحمل خطابا فكريا وسياسيا صهيونيا، وسيلة من وسائل تغريب الفلسطيني ونفيه عن وطنه ومصادرة هوية مكانه وتهميش لغته، مما جعل التصدي لسياسة المؤسسة الإسرائيلية مرتبطاً أيضا بتحدي اللغة العبرية. ومن هنا فقد جاءت التداخلات اللغوية المعتمدة على خلق المفارقات من أجل تحدي هيمنة اللغة العبرية وخطابها السياسي.

مرحلة الثنائية اللغوية (منذ أواسط الثمانينات وحتى اليوم) تميزت، حسب رأيه، باتساع احتكاك المواطنين العرب باللغة العبرية في كافة مرافق الحياة، كما ازداد بشكل واضح التداخل اللغوي العبري في اللغة العربية المحكية. بل واتسعت ظاهرة الكتابة المباشرة باللغة العبرية من قبل المثقفين العرب. وبالتالي فقد طغى الإحساس بتفاقم أزمة الهوية في المجتمع الفلسطيني-الإسرائيلي. أما التداخلات اللغوية العبرية في الأدب الفلسطيني المحلي فقد ازدادت ازدياداً ملحوظاً، كما أصبحت أكثر تعقيدا وتركيبا نتيجة لازدياد ثقة الأدباء بلغتهم العبرية.

وفي النهاية خلص د. كيال إلى القول إن ظاهرة التداخل اللغوي العبري لم تعد مقصورة على الأدب الفلسطيني المحلي، وإنما أخذت تظهر أيضا في كتابات أدباء فلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم. مما يعني أنها أصبحت إحدى السمات المميزة للأدب الفلسطيني عامة.

بقلم :محمود كيال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة