لعبة الانتخابات الإسرائيلية والحرب على غزة ..
تاريخ النشر: 17/11/12 | 1:23لا يحتاج الأمر إلى ذكاء خارق من أجل التقاط الأهداف الانتخابية للحرب الذي يقودها ثلاثي الإجرام ( نتنياهو – ليبرمان – باراك ) على قطاع غزة منذ أيام .. من الواضح أن لهذا العدوان علاقة قوية بالحملة الانتخابية لحزبي ( الليكود بيتنا ) و ( عتسمؤوت ) برئاسة وزير الحرب الإسرائيلي ( إيهود باراك ) ، خصوصا وأن استطلاعات الرأي الأخيرة بدأت تشكك في قدرة ( الليكود بيتنا ) على تشكيل الحكومة القادمة ، وقدرة ( هعتسمؤوت ) على تجاوز نسبة الحسم ، والذي يعني اختفاء ( باراك ) عن الساحة السياسية تماما … لقد تفاخر ( نتنياهو ) مؤخرا في أحد خطاباته الأخيرة من على منصة الكنيست ، أن سنوات حكمه الأربعة لم تشهد حربا من أي نوع على أية من الجبهات ، مؤكدا على أن سياسة الردع السياسي الممزوج بالتهديد العسكري ( الذراع الطويلة لإسرائيل ) ، كان كافيا لحفظ الجبهات بين إسرائيل وأعدائها في الشمال والجنوب القريبين ( لبنان وفلسطين/غزة ) ، وفي الشرق البعيد ( إيران ) ، هادئة إلى ابعد الحدود .. فماذا جرى ، وما الذي تغير ؟؟!!
العدوان الإسرائيلي الآثم على قطاع غزة لم يكن مفاجئا ، فقد هدد رئيس الأركان وعدد كبير من الوزراء المقربين ( لنتنياهو ) بهده الحرب منذ شهور . لم يكونوا بحاجة إلى مبرر ، فحاجة ( نتنياهو – ليبرمان – بارك ) إلى حرب ترفع من أسهمهم عند الرأي العام الإسرائيلي ، وتحرف بوصلة الاهتمام من القضايا الاقتصادية – الاجتماعية الساخنة التي تعاني منها إسرائيل ، والتي هي نقطة الضعف القاتلة ربما بالنسبة لاحتمالات ( نتنياهو ) بتشكيل الحكومة القادمة ، تحرفها في اتجاه ( قضايا الأمن والتهديدات الخارجية ) ، هي المخرج الذي اختارته قيادة إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف . لم تكن ولن تكون ( إيران ) عنوانهم لهذا ، وإنما الفلسطينيون في غزة حيث تبقى الجبهة الفلسطينية الأسهل والأقل كلفة على المستويين المادي والسياسي ، بهدف حرف بوصلة الاهتمام العالمي عن القضية الجوهرية ( تحقيق الاستقلال وكنس الاحتلال ) ، إلى حق إسرائيل في ( الدفاع عن النفس !!! ) في مواجهة ( الصواريخ الفلسطينية !!!!! ) … إنها الانتخابات إذا ، وليس دواعي أمنية حقيقة … إنه نفس السيناريو الذي قاده ( أو لمرت – باراك ) في عام 2008/2009 … إنها الحرب على غزة ، ولا شيء غيرها ..
كما أن حرب إسرائيل على غزة لم تفاجئنا ، فكذلك موقف الإدارة الأمريكية بقيادة ( اوباما – رايس ) لم يفاجئنا أيضا .. ( اوباما ) وممثلوه في الإدارة وفي مجلس الأمن ( سوزان رايس ) المرشحة لترث ( هيلري كلنتون ) كوزيرة للخارجية في المرحلة القادمة ، أكدوا على دعمهم لإسرائيل في ممارسة حقها في ( الدفاع عن النفس !!! ) ، والذي يعني إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بتدمير قطاع غزة وقتل المواطنين الآمنين كما حصل في حرب( الرصاص المصبوب ) عام 2008/2009 . ( أوباما ) الذي عمل ( نتنياهو ) على إفشاله في الانتخابات الأمريكية الأخيرة ، يعمل على مساعدة الأخير في حملته الانتخابية على حساب الدم الفلسطيني والمقدرات الفلسطينية في غزة . هكذا تسير الأمور في زمن ما زال العالم العربي لم يلتق أنفاسه ولم ينظم أوراقه حتى في دول الربيع العربي …
لا نشك للحظة في أن إسرائيل بكل جبروتها لن تهز شعرة في رأس طفل فلسطيني ، كما أن اغتيالاتها لقيادات الشعب الفلسطيني لن توقف زحفه نحو تحقيق حلم الاستقلال وكنس الاحتلال ، والتاريخ القريب والبعيد أكبر شاهد على هذه الحقيقة ، إلا أننا مع ذلك لا بد أن نؤكد أن المصلحة الفلسطينية العليا تقتضي أن يتصرف المجموع الوطني الفلسطيني في قطاع غزة بحكمة ومسؤولية وبعد نظر ، خصوصا وأن مدن وقرى ومخيمات القطاع ما زالت تعاني الأمرين من حرب إسرائيل الوحشية عليه في العام 2009/2008 ، ومن استمرار الحصار الخانق عليه منذ العام 2007 .
مع تأكيدنا على حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه أمام أي عدوان إسرائيلي ، فإننا ننصح بالعمل على سحب البساط من تحت أقدام القيادتين الإسرائيليتين السياسية والعسكرية ، والتعاون مع القيادة المصرية في تحركها السريع لمنع اتساع الحرب على قطاع غزة ، ولمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها . فإن التزمت إسرائيل بوقف عدوانها فقد تحققت المصلحة ، وإلا يظل من حق الفلسطينيين الدفاع عن النفس من خلال قرار جماعي في الزمان والمكان المناسبين …
أصبح واضحا من خلال تجربة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي ، أن إسرائيل ليست بحاجة إلى مبررات لشن عدوانها ، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل أن هنالك قواعد للعبة السياسة والحرب ، ولا بد من أخذها بعين الاعتبار في إدارة الصراع حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا . الظروف الإقليمية ( الثورات العربية ) ، والدولية ( الانحياز الأمريكي والغربي ) إلى إسرائيل في حربها الحالية على غزة ، لا يمكن أن يصب في مصلحة فلسطين . وعليه فلا بد جنبا إلى جنب مع ممارسة الحق في الدفاع عن النفس ، من البحث الجدي من غير انحناء مهما كانت زاويته ، مع الأشقاء والأصدقاء في الأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ، عن مخرج يوقف النزيف والدمار … اتفق تماما مع دعوة الفصائل إلى استمرار العمل بالتوافق الوطني بخصوص التهدئة ، الأمر الذي سيضع إسرائيل في موقف أكثر حرجا ، وسيعطي الفلسطينيين متنفسا لتعزيز الصمود ولمزيد من حرية الحركة على الساحات المختلفة …
أما داخليا فأوضاع الشعب الفلسطيني الحالية تشكل فرصة ذهبية من المفروض أن تدفع قيادات الشعب الفلسطيني إلى مزيد من الاجتهاد في اتجاه تنفيذ استحقاقات اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة . تجاوز هذه المرحلة على قاعدة الثوابت والرؤية الواقعية لما وصلت إليه القضية ، سيعزز الوحدة الوطنية ، وسيجعل حلم إنجاز التحرير والاستقلال أقرب من ذي قبل ، وعليه فلا بديل أمام القيادة الفلسطينية إلا التركيز على أولوية الوحدة الوطنية وإنجازها في أسرع وقت ممكن من أجل الانطلاق نحو مرحلة انتزاع الحقوق والبناء ، خصوصا ونحن نرى الاصطفاف الإسرائيلي المتطرف ، وسعي إسرائيل الحثيث إلى مزيد من التصعيد ..
بقلم الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية/الحركة الإسلامية