كلمات فى الإنسان الحاسد الحاقد
تاريخ النشر: 12/03/15 | 13:10فى هذا الموضوع نتناول مشكلة مهمة فى حياتنا ألا وهى فاكهة يتفكه بها كثير من مرضى القلوب، ممن أصابتهم حمى الغيرة من الآخرين، والحسد من المتفوقين، والحقد على الآخرين، فلم يجدوا سبيلاً للنيل منهم إلا وكالة يقولون.
أحدهم مُلئ قلبه غيظاً وحسداً وغيرة وناراً على أخيه المسلم، فما يجد أحداً يذكره بخير إلا وذكر عجره وبجره، وأصاب منه نصيباً، وقدح فيه قدحاً، وما علم المسكين أن كل ذلك من حسناته.
من الناس من إذا سأل عن إنسان عن أخلاقه وتعامله، قال: أنصحك لا تقترب منه، فهو شرس الطباع، سيئ الخلق، لا يقبل نصيحة، ولا يسدي لك معروفاً، عصبي المزاج، أحواله متقلبة، وكأنه قد دخل قلب الرجل وعرف ما بداخله، ألا يتقون الله ويخافونه، فلا يعلم الغيب إلا الله. ذلكم غيبة وبهتان وزور وظلم وعدوان.
دع الخلق للخالق، ودل الناس على خير الناس، ولا تتدخل فيما لا يعنيك، تجد ما لا يرضيك، يريد تشويه سمعت الآخرين ليحظى هو بالسمعة الطيبة، ونسي قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر43].
بعضهم يحذر الناس من شخص هو من أحب الناس إليهم، ولكن لقربه منه، لا قرابة نسب ورحم وعلم ومعرفة به، بل قرابة جوار أو عمل أو ما شابه، فربما وثق الناس بكلامه عن ذلك الشخص المظلوم وهو لا يعلم عن حاله شيئاً، فيقول: لا يتقبل من أحد قولاً ولا عملاً، ولا يقبل صدقاً ولا عدلاً، هو رجل أحواله لا تعجبك، فيه وفيه… وربما أخذ عنه الناس وصدروا ظناً منهم أن ما قاله الحاقد الحاسد الغيور حقاً وصواباً، وهو باطل لا أصل له فحسبه الله ونعم الحسيب.
اتصل أحدهم بآخر وقال أُريد أن تُكلم لي فلاناً في موضوع كذا وكذا، فقال له صاحبه: ألا تكلمه أنت ؟ قال: لا.. يقولون: أنه لا يتفاهم مع أحد، ولا يقبل من أحد، غضوب عبوس، قال: والله ما علمت عليه من سوء، بل هو رجل من خيرة الناس، قلبه كبير، وفهمه عظيم، ورأيه سديد، فلا تعر كلام الناس اهتماماً تأكد أنت، وتثبت أنت.
وافترى رجل على آخر لأنه مؤذنه، فقال: الإمام يحب كذا ويكره كذا، وهو.. وهو.. وهو… وبدأ يعبر عن الرجل وكأنه دخل قلبه وعلم ما فيه، وقد كذب في جميع ما قاله عنه، بل نال من إمامه ما لم ينله من صهيوني أو صليبي، فعجبي لأولئك الناس، كونوا على حذر منهم، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، أحرقتهم نار الغيرة، وأرقهم جحيم الحسد، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نصيحتي للجميع.. تقوى الله عز وجل والخوف منه سبحانه، وأن يظهر الإنسان حسن إخوانه وجميلهم، ويخفي القبيح، ولا يقول فيهم ظلماً ولا هضماً، فالدنيا زائلة مائلة، وغداً تجتمع عند الله الخصوم.
ووصيتي للناس بأن لا يسمعوا عن أحد قولاً ولا حديثاً، فمن أراد من شخص أمراً فليذهب إليه، فالناس مشارب ومآرب، وربما كان إنسان غضاً فضاً غليظاً مع شخص، رحيم شفيق بآخرين، فالقلوب جنود مجنده، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
تثبتوا وتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة، والأشكال لا تعكس الطباع وما في القلوب، فكم من إنسان تراه تخافه، وقلبه كالشعرة من الخوف من الله، وجل بكاء محب للناس صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، فقيرهم وغنيهم، فالله الله بقول الحق والصدع به، والحذر كل الحذر من الإجحاف وعدم الإنصاف، والخوف كل الخوف من ظلم الآخرين.
فكما تدين تدان، والعمل بالخواتيم وباب التوبة مفتوح، والإقالة من سوء القول أن تجهر بحسن القول في كل مجلس أسأت فيه إلى مسلم أو انتقصته أو بلغت بك الغيرة منه إلا أن تعيبه أو تقول ما ليس فيه، أو تعيره بما فيه بقصد الإساءة إليه وإبعاد الناس عنه، اليوم بكلمات تزيل هذه الشحناء من القلوب، والغيرة السيئة من النفوس، وغداً في القبر ويوم الحشر ما هي إلا الحسنات والسيئات.
وأختم بهذا الحديث الصحيح المخيف، فيه من الوعيد والتهديد، والتخويف والتشديد ما يجعل العاقل يفكر ألف مرة قبل أن يقول في مسلم ما ليس فيه بقصد الضرر والإساءة، عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: جَلَسْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَجَلَسَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ” مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ
، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ” [رواه أبو داود وصححه الألباني، ورواه الإمام أحمد بسند صحيح كما قال: شعيب الأرنؤوط، وصححه الحاكم والذهبي].
وعند ابن عساكر: ” من قال في امرئ مسلم ما ليس فيه ليؤذيه، حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتى يقضى بين الناس ” [من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه].