افق من سكرتك ايها الغافل وتحقق انك عن قريب راحل

تاريخ النشر: 14/03/15 | 12:19

ايها القوي الفتي، ايتها الانثى، ايها الذكي العبقري، ايها الامير الكبير،، ايها الفقير والصغير،،
كل باكٍ سيُبكى، وكل ناعٍ سيُنعى، وكل مذخور سيفنى، وكل مذكور سيُنسى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى..
اعلم رعاك الله..أنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ}.إنَّ حياتك إنما تبدأ بعد مماتك..

يا ابن آدم أنت الذي ولدتك أمك باكياً *** والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا *** في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

اعلم بارك الله فيك.. أن لا سبيل للخلود في هذه الحياة..
اعلم بارك الله فيك.. أن لا سبيل للخلود في هذه الحياة.. فالكل سيموت.
عباد الله.. إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة..
أعظكم بالموت وسكراته..
أعظكم بالقبر وظلماته..
أعظكم بالموت وكفى بالموت واعظاً..

إنه أعظم المصائب، وأشدُّ النوائب.. سمَّاه الله لعظيم أمره مصيبة، فقال سبحانه: {إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتُْكُم مُّصِيبَةُ المَوْتِ}

إنه المصيبة العظمى، والرزية الكبرى، ولا نجاة منه.. ولا نجاة منه إلا أن يكون العبد في دنياه.. إلا أن يكون العبد في دنياه لله طائعاً، وبشرعه عاملاً..

إنها الساعة التي تنكشف فيها الحقائق، وتتقطع فيها العلائق، ويتمنى الإنسان وليس له ما تمنى، حينها {يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى، يَقُولُ يَا لَيْتََني قَدَّمتُ لِحَيَاتِي} إنها الساعة التي يُعرف فيها المصير إما إلى نعيم دائم أو إلى عذاب مقيم.

يقول أحدهم: شهدت ساعة احتضار أحد رفقائي العصاة.. شهدت ساعة احتضار واحداً من رفقائي العصاة المدبرين عن الدين، المضيعين لأوامر ربِّ العالمين، فسألته في ساعة احتضاره: كيف أنت؟!، سألته: كيف أنت؟!،قال: سأدخل النار.. قال: سأدخل النار أنا وفلان وفلان، وأنت إن لم ترجع إلى الله، وأنت أيضاً ستدخل النار إن لم ترجع إلى الله..

إنه الموت..أعظم المواعظ وأبلغها، وهو أول خطوة إلى الآخرة، فمن مات قامت قيامته.

قال صلى الله عليه وسلم: (القبر أول منازل الآخرة).
فدارنا أمامنا، وحياتنا الحقيقية هي بعد موتنا.

أين الأكاسرة؟!، أين الجباربرة والعتاة الأُول؟! أخذ أموالهم سواهم..
أخذ أموالهم سواهم والدنيا دول..ركنوا إلى الدنيا الدنية، وتبوؤا الرتب السنية حتى إذا فرحوا بها صرعتهم أيدي المنية.. إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة..

كم ظالم تعدى وجار وما راعى الأهل ولا الجار!!.

أين من عقد عقد الإصرار! حلَّ به الموت، فحلَّ من حلية الإزرار{فَاعْتَبِرُواْ يَا أُولِي الأَبْصَارِ}.

خرج المغرور من الدنيا ما صحبه سوى الكفن إلى بيت البلى والعفن..آه لو رأيته قد حلَّت به المحن، وتغيَّر ذلك الوجه الحسن..

أفق من سكرتك أيها الغافل، وتحقق أنك عن قريب راحل..

يا سالكاً طريق الغافلين *** ويا راضياً بطريق الجاهلين
متى تُرى هذا القلب القاسي يلين *** متى تبيع الدنيا وتشتري الدين
ليت شعري بعد الموت أين تذهب *** رحم الله من اعتبر وتأهب
ليت شعري بعد الموت أين تذهب *** رحم الله من اعتبر وتأهب

إني سألت الترب ما فعلت *** بعدي وجوه فيك متعفرة
فأجابني صيَّرت ريحهم *** تؤذيك بعد روايح عطرة
وأكلت أجساداً منعمة *** كان النعيم يهزها نضرة
لم يبقَ غيرُ جماجم تعرَّت *** بيض تلوح وأعظم نخرة

أين الحبيب الذي كان وانتقل؟!.
أين كثير المال وطويل الأمل؟!.أما خلا كلٌّ في لحده مع العمل!!.
أين من تنعَّم في قصره؟!. أليس في قبره نزل!!.
آه لو تعلم كيف غدا وصار.. لقد سال في اللحد صديده،
وبلى في القبر جديده، وهجره حبيبه ووديده، وتفرَّق عنه حشمه وعبيده..

أين تلك المجالس العالية؟!، وأين تلك العيشة الصافية الراضية؟! خلا والله بما صنع، وما أنقذه الندم وما نفع..
إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة..

انتبهوا من رقادكم قبل الردى {أَيَحْسَبُ الإنسَانُ}{أَيَحْسَبُ الإنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَىً}..

إنما هي جنة أو نار.. إنما هي جنة أو نار{فَاعْتَبِرُواْ يَا أُولِي الأَبْصَارِ}. كأنك لم تسمع بأخبار من مضى، ولم ترَ في الباقين ما يصنع الدهر، فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم.. فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الريح بعدك والقبر.

أين الهمم المُجدَّة؟!.
أين النفوس المستعدَّة؟!.
أين المتأهبين قبل الشدة؟!.
أين المتيقظ قبل انقضاء المدة؟!.
إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة..

إنَّ العاقل من راقب العواقب، والجاهل من مضى قُدُماً ولم يراقب..
كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب!.
وكم ظلام أُسبل ستره وأنت في معاصي وعجائب!.
وكم أسبغ الله عليك وأنت على معاصيه تواظب!.
وكم صحيفة قد ملأتها بالذنوب والمَلَكُ كاتب!.
وكم أنذرك الموت يأخذ أقرانك من حولك وأنت ساه ولاعب!.
وكم أنذرك الموت يأخذ أقرانك وأنت ساه ولاعب!.

أفق من سكرتك..وتذكر نزول حفرتك، تذكرهجران الأقارب، وتذكر إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة..
آه..لألسنٍ نطقت بالآثام.. كيف غفلت عن قول ربَِّ الأنام {اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهمْ}

آه..لأيدٍ امتدت إلى الحرام.. كيف نسيت قول الملك العلام {وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ}

آه..لأقدامٍ سعت في الإجرام.. كيف لم تتدبر{وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ}

آه.. لأجساد تربَّت على الربا.. كيف لم تفهم (ما نبتَ على السُحت فالنار أولى به).

رأى أحدهم قريباً له ميتاً في المنام، فقال له: كيف أنت، قال: ندمنا على أمر عظيم.. ندمنا على أمر عظيم.. نعلم ولا نعمل، وأنتم تعلمون ولا تعملون.. وأنتم تعلمون ولا تعملون..والله لتسبيحة أوتسبيحتان، أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحبّ إلينا من الدنيا وما فيها..

أين أثر المواعظ.. أين أثر المواعظ والآيات في قلوبنا؟!!! أين أثر كلام الرحمن في حياتنا؟!!!

اسمع رعاك الله وتدَّبر الكلام. قال الله: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُواْ يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يُمَتَعُونَ}.

تلا بعض السلف هذه الآيات وبكى وقال: إذا جاء الموت لم يُغني عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم..

يا ابن العشرين: كم مات من أقرانك وتخلَّفت؟!.
يا ابن العشرين كم مات من أقرانك وتخلَّفت؟!.

يا ابن الثلاثين: أدركت الشباب فما تأسفت؟!.

يا ابن الأربعين: ذهب الصبا وأنت على اللهو قد عكفت؟!.

يا ابن الخمسين: أنت زرع قد دنا حصاده.. أنت زرع قد دنا حصاده.. لقد تنصّفت المئة وما أنصفت؟!.

يا ابن الستين: هيا إلى الحساب فأنت على معترك المنايا قد أشرفت؟!.

يا ابن السبعين: ماذا قدمَّت وماذا أخرت؟!.

يا ابن الثمانين: لا عذر لك فقد أُعذرت؟!.

والله وأقسم بالله..
من حمل نعشاً اليوم، سيأتي يوم ويُحمل هو على الأكتاف.. ومن دخل المقبرة اليوم زائراً، سيدخل يوماً ولن يخرج منها.. ومن عاد إلى بيته اليوم، سيأتي يوم ولن يعود..
ومن عاد إلى بيته اليوم، سيأتي يوم ولن يعود.

تفكّروا أحبتي وتيقنوا.. تفكّروا أحبتي وتيقنوا أنَّ الموت حقّ لا بدَّ منه..

قال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء: عظني، فقال: لست أول خليفة تموت، قال: زدني، قال: ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت، وسيأتي دورك يا عمر.. وسيأتي دورك يا عمر.. فبكى عمر وخرَّ مغشياً عليه. كان أبو الدرداء يقول: إذا ذُكر الموتى فعُدَّ نفسك منهم..

في الصحيح: (ما منكم من أحد إلا ويُعرض عليه مقعده بالغداة والعشي)
(ما منكم من أحد إلا ويُعرض عليه مقعده بالغداة والعشي إما مقعده في الجنة أو مقعده في النار، فيُقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله )

وصدق من قال: لا تبت وأنت مسرور حتى تعلم عاقبة الأمور.. تفكّروا وتيقنوا أنَّ الأعمال بالخواتيم، فالخوف من سوء الخاتمة هو الذي طيَّش قلوب الصديقين، وحيَّر أفئدتهم في كل حين..

أسألك بالله أما أقضَّ مضجعك هذا الخبر من سيد المرسلين والذي يقول فيه: (والذي نفسي بيده إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلاَّ ذراع فيسبق الكتاب فيعمل بعمل أهل النار (فيعمل بعمل أهل النار) فيدخلها، و إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإنما الأعمال وبالخواتيم )..
نعم صدق الذي قال: لا تبت وأنت مسرور حتى تعلم عاقبة الأمور..

نعود بالله من الحور بعد الكور، ومن الضلالة بعد الهدى، ومن المعصية بعد التقى.. يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك..

07

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة