فجرٌ جديدٌ!

تاريخ النشر: 24/11/12 | 7:30

( من وحي إجازة في منتجع على ضفاف بحيرة طبريا) بقلم دكتور محمود ابوفنه

استيقظتُ مبكّرًا قبل بزوغ الشمس، نزلتُ عن السرير، خطوتُ باتجاه النافذة الزجاجيّة، أزحتُ الستائر السميكة، فانطلق البصر شرقًا، فبدت لي مياهُ البحيرة صافية هادئة، فأثارت في نفسي العديد من التداعيات والأفكار!

انقضّ عليّ التاريخُ بكلّ جبروته، وحمل إليّ عبقَ الماضي المجيد؛ حضر سيف الدولة الحمدانيّ يمتطي جواد العزّة والبطولة، وأطلّ شاعر العروبة أبو الطيّب المتنبّي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، جاء عبقريُّ الكلمة بكلّ شموخه ليقرع الآذان بما قاله في الفارس المغوار بدر بن عمّار الذي جندل الليث بسوطه على ضفاف هذه البحيرة الخالدة!

تراقصت في ذاكرتي كلمات المتنبّي، وعلا  إيقاعها الصاخب، وحلّقت الروح في سماء الإبداع:

أمعفّرَ الليثِ الهزبرِ بسوْطِه     –   لمَن ادّخرتَ الصّارمَ المصقولا

وقعت على الأُردنّ منه بليّةٌ     –  نُضِدت بها هامُ الرّفاق تُلولا

وردٌ إذا وردَ البحيرةَ شاربًا     – وردَ الفراتَ زئيرُهُ والنّيلا

.. ..

وتتابعت أنغام الحروف، وتعاظمت الألحان، وتلاحقت الصور المُبهرة، وانتهت القصيدة بهذه الحكمة المجلجلة:

ما كلُّ مَنْ طلب المعالي نافذًا   –   فيها ولا كلُّ الرّجالِ فُحولا!

صدقتَ يا شاعرَ العروبةِ، يا مَنْ يعرفُهُ السيفُ والقلمُ، ذكّرتني بالحاضر البائس، صفعتني لأصحو فألمس بعين عقلي ما آلت إليهِ أمّة العربِ في هذه الأيّام العجاف، فرحتُ أهتف وأردّد حكمتك الموجعة:

ما كلُّ مَنْ طلب المعالي نافذًا   –   فيها ولا كلُّ الرّجالِ فُحولا!

حقًّا، حاضرنا البائس الهزيل يقزّمُ ماضينا السامقَ العريق!

رويدًا رويدًا، وعينايّ مسمّرتان بمرأى البحيرة الساكنة النابضة بدأت خيوط النور تلوح في الأفق البعيد تبشّر بصباحٍ جديد، وتعلن ميلاد يومٍ جديد، وعاد الأمل يراود النفس الحيرى – لعلّ وعسى!

لعلّ المستقبل الآتي يتجاوزُ الحاضر البائس الكئيب!

عسى الماضي الزاهي يشحن الأجيال الوافدة الواعدة ليكون فجر جديد سعيد!! 

 

 

‫2 تعليقات

  1. قيل الكثير عن طبريا وجمالها وتراثها

    كان المتنبي (303 هـ – 354 هـ) فارساً وشاعراً مدّاحًا، وحكيماً طمّاحاً، ومتنقلاً جوالاً جاب بلاد الشام ومصر والعراق وفارس، وكانت مدينة طبرية من الأماكن التي حظيت منه بالنزول فيها

    وَرْد ٌإذا وَرَدَ البحيـرةَ شاربـاً
    وَرَدَ الفـــراتَ زئيرُهُ والنيلا

    لولاك لم أتركِ البحيرةَ والغـورَ
    دفـئٌ ومـاؤُها شَبِم ُ
    والموجُ مثلُ الفحـولِ مزبـدة َ
    تهدرُ فيها وما بها قَطَمُ
    والطيرُ فـوقَ الحبـابِ تحسَبُها
    فرسانَ بُلْـقٍ تخونُها اللجُم ُ
    كأنهـا والريـاحُ تضربُـهـا
    جيشـا وغًى هازمٌ ومنهزمُ
    كأنها في نهـارهـا قمـرٌ

    بحيرةٌ كلُّ شأنَهـا عَجَـبٌ
    وهي مـن الحسن كلها غُرَرُ
    لله درُّ الكِنـْديِّ واصفِهـا
    كأنهـا فـي سمائهـا قمرُ
    كانت تحفّ الجنـان دورتها
    والآن تحتفُّ دورها السِّـدَر
    مراة نُـور من السفوح له

    أجمـدْ بقـوم رأوا محاسنها
    يوماً فما أنشدوا ولا شعروا

    لِلَمِّ شَـتاتِ الجَمـالِ
    أنا ابنُ عَـروسِ البُـحَيْرَةِ
    تَـرْقُدُ في حضْـنِ جولانِها
    إيـهِ يا طَبَـرِيّا ارْحَـمي عاشِقاً
    جاء من بيتِ ريمـا
    لِيَخْـتَزِلَ الشَّـوقَ – يا شَـدْوَ كَنْعـانَ –
    في بيتِ ريـما ….
    ارْحَـمي طبَرِيّـا…
    ولا تَذْرِفـي الدَّمـعَ جَمْـراً

    أنا الشّاعِـرُ الجَـبَلِيُّ أتَيْـتُكِ قَلْـباً نَجِـيّا

    ارْحَـمي طَبَـرِيّا

    وأين نحن اليوم من تراث وتاريخ طبريا – حيفا وعكا و—–

  2. هنيئا لك اجازتك التي أمضيت في أرض البطولات ألأرض التي علتها جحافل المسلمين
    أيام الخلافة الراشدة ، خلافة الصديق والفاروق وقيادة سيف الله المسلول وأمين الأمة ومرور شرحبيل بالمدينة الخالدة . لم تكن الواقوصة بعيدة منك…عزيزي أبا سامي
    اننا نعيش التاريخ تاريخنا الحاضر محاولين ازالة الغبار عن نواصينا متشبثين بالأمل
    وأن نغرسه في نفوس أبنائنا للوصول الى مستقبل أفضل .وما نيل المطالب بالتمني…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة