ولد وبنت .. و إنترنت !

تاريخ النشر: 25/11/12 | 7:58

كان يشعر باستياء شديد كلما شاهد قنوات الأخبار وما تحتويه مشاهد نشراتها الإخبارية من قتل ودمار وخراب واختطاف، هذا غير الكوارث الطبيعية كالسيول والزلازل والبراكين.. قام بحذف قنوات الأخبار من على جهاز الاستقبال، لكن يبدو أن حذفها وحدها لم يكن كافياً، فالقنوات المتبقية تحتوى هى الأخرى على نشرات أخبار، وشريط سفلى للأخبار هو أيضا مملوء بالمصائب والكوارث وإن لم تكن مصورة فهى مكتوبة ومصحوبة بوصف بالغ الدقة يجعلك كأنك تشاهدها ، لذا قرر التوقف عن مشاهدة التليفزيون، واتجه إلى الراديو، فوجده قد أصبح شبيها بالتليفزيون فى محتواه، اتجه إلى الصحف والمجلات فوجدت صفحات الحوادث أصبحت أكثر عن ذى قبل، وأصبحت تحتل كل الصفحات تقريبا.

اتخذ قراراً أخيراً بالهروب إلى الإنترنت، ذلك العالم الافتراضى الواسع والغريب الأطوار، اتجه إلى غرف الشات (الدردشة) تلك التى يرتادها الكثيرين منا فى فترة المراهقة، ولا أعرف لماذا كنا نرتادها ونحن فى سن المراهقة ! ، رغم أن الهموم لم تكن مثل ما هى عليه الآن ، ورغم أن التليفزيون والراديو كانوا أفضل حالاً، ولم تكن نشرات الأخبار بهذه الفظاعة، حتى الكوارث لم تكن مثل كوارث هذه الأيام ، على أى حال .. الانترنت و الشات ومواقع التواصل الاجتماعى ليست قديمة العهد بالشكل الذى يجعلها من أيام الزمن الجميل .

على أى حال ها قد عاد إلى العالم الافتراضى، إلى فضاء واسع نتحاور فيه جميعاً، نتحدث مع أشخاص لا نعرفهم ولا يعرفوننا، وأحيانا نتبادل الصور وأرقام الهواتف، رغم أن ذلك من الأخطاء الساذجة، فهذه هى الصورة الوردية لاستخدام الإنترنت، بأن تتعرف على أصدقاء جدد فى دول ما وراء البحار، وأن تتبادل معهم الصور والعناوين والهواتف، عموما كنا نفعل ذلك غير مبالين إذا ما أساء شخص ما استخدام تلك البيانات، وفى إحدى غرف الشات دار هذا الحوار:

الولد : السلام عليكم ..

الشخص الآخر: هاى.

الولد: أنا اسمى (س) .. أى اسم افتراضى

الشخص الآخر: وأنا (ص) .. اسم افتراضى أيضا لكن لفتاة!

حاول أن يتطرق الى اى موضوع يخرجه من حالة الملل والسأم التى كان فيها، لكن بلا أدنى فائدة، فمازالت نشرات الأخبار تسيطر على حالته النفسية ..

الولد : (الحروب) قد زادت فى الفترة الأخيرة وزاد عدد ضحاياها !

البنت: أمممم،، كمان عدد المشتركين فى (الجروب) بتاعى على الفيس بوك زاد فى الفترة الأخيرة !

الولد : سمعت أن الأزمة الاقتصادية العالمية ما زالت مستمرة وتؤثر بشكل كبير على الأسعار والمبيعات.

البنت: أزمة؟! مبيعات؟!.. مفيش أزمة ولا حاجة.. وأحسن دليل أن مبيعات شريط أبوالليف حققت أرقاما قياسية.

يبدو ان الولد قادم من العالم الآخر .. يتحدث عن الشرق فتتحدث هى عن الغرب، يتحدث عن الفساد والتخلف والمشكلات، فتحدثه عن المكياج والأغانى والموضة، يحدثها عن شبرا فتحدثه عن الزمالك ومصر الجديدة، حاول أن ينهى الحوار قبل أن تسوء حالته.. على أى حال هى سيئة من الأساس، فكانت أفضل وسيلة لإنهاء الحوار هى التحدث عن الاحتباس الحرارى، وقد كان حدث ما أراد !

خرج من غرف الشات هارباً، فوجد الهموم فى مواجهته، حيث تتعقبه فى كل مكان، وكأن السطحية التى تملأ الجو من حوله تكاد تخنقنه ، اختفت الألوان من حوله ، وأصبح يكسوها اللونان الأبيض والأسود فقط ، هنا: فساد ورشوة وبيروقراطية.. وهناك: غش وتهريب وغياب النزاهة والعدالة الاجتماعية ، كل الأماكن ملوثة يخضبها الفساد بألوانه القاتمة ، أشفق على نفسى وأنا اكتب هذه الكلمات، كما أشفق عليك وأنت تقرؤها، فالدنيا ليست يأسا ومللا وسأما..فما زال يبقى الأمل..أمل فى التقدم والازدهار..أمل فى الرخاء والثراء.. وأفضل بداية لك- يا صديقى- هى ألا تعيد قراءة هذا المقال مرة أخرى، وأن تبحث عن مقال آخر يدعو إلى الحب والأمل والحياة من بين المقالات الرائعة فى هذه الجريدة.. لعله ينسيك ما قرأته فى هذا المقال.. و يا ليته يخرجك من حالة الملل واليأس التى ربما تكون قد أصابتك بعد أن قرأت مقالى.

بقلم:أحمد مصطفى الغر

تعليق واحد

  1. لا يمكن للتذمر أن يفي بالغرض
    فكن قويًا وامضي الأيام على مضض
    لئلا تصفعك رياح الغضب
    فتصاب بتعب القلب والمرض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة