ريترو ومحطاتٌ مُبعثرةٌ في حيفا

تاريخ النشر: 26/11/12 | 2:51

بمبادرة من نادي حيفا الثّقافيّ أقيمت أمسية أدبيّة للشاعر فرحات فرحات، بمناسبة صدور كتابه “ريترو” محطّات مبعثرة، في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة- شارع الفرس 3، حيفا، وقد حضر هذه الأمسية جمهور من الأدباء والشعراء، وشارك في الأمسية كلٌّ من الكاتب فتحي فوراني، والقاصّ علاء حليحل، ود. خالد داود تركي، والشاعر فرحات فرحات، بمرافقة الفنّان عازف العود ماهل وهبة، وذلك بتاريخ 22-11-2012.

جاء في كلمة الكاتب فتحي فوراني عريف الأمسية الريترويّة:

أسعدتم مساء. أرحّب بكم باسم منتدى حيفا الثقافيّ، وأشكر المجلس الملّي الأرثوذكسيّ الذي يُهيّء لنا هذا البيت الدافئ للقيام بنشاطاتنا الأدبيّة والثقافيّة، بدءًا.. أسمح لنفسي أن أكشف لكم سرًّا أكشفه لأول مرة. في مرحلة ما في زمن مضى ولأسباب معيّنة، نشرت بعض الكتابات من مقالات وقصص وقصائد بتوقيع ف.ف، وقبل مدّة قرأت مقالاً في مجلّة كرمليّة بتوقيع ف.ف. ولم أستطع أن أخفي دهشتي وتساءلت: من الذي تجرّأ على مزاحمتي على هُويّتي الأبجديّة وأقنعتي الأدبيّة، “ولَطش” منّي هذيْن الحَرفيْن؟

فتحرّيت وتقصّيت وبحبشت، وكان أن اكتشفت الرجل! ففي الرابع من الشهر الماضي، وفي نهاية أمسية أدبيّة، تقدّم منّي شاب لطيف يشعّ طيبة، أراه لأوّل مرّة، غير أنّني أحسست أنّي أعرفه من ألف عام، وأهداني عمله الإبداعيّ “ريترو”! عرّفني بنفسه وقال لي: أنا أيضًا ف.ف.. فرحات فرحات! ففرحت لهذا الكشف الذي لم أتوقّعه! لقد ذاب الثلج وبان المرج، وجاءني بالأخبار مَن لم أزوّد، واكتشفت أنّنا دولتان جارتان صديقتان تحملان اسما واحدًا وعَلمًا واحدًا وحُلمًا واحدًا! وعندما قرأت الكتاب وقعت في ورطة أخرى، فقد اكتشفت أمّيتي المعلوماتيّة!

لم أكن أعرف أن صديقنا فرحات فرحات ولد عام 1952 وتخرّج من الكليّة الأرثوذكسيّة في حسفا، ولم أكن أعرف أنّه درس العلوم السياسيّة والفلسفة والعلوم الاجتماعيّة في جامعة حيفا. ولم أكن أعرف أنّه حصل على لقب أم.إي (M.A.)في موضوع الاتصالات من جامعة كلارك في الولايات المتحدة.

ومن أمّيّةٍ معرفيّة إلى أمّية ثقافيّة! فقد اكتشفت أمّيتي الثقافيّة. وقد يسأل سائل: وكيف كان ذلك يا طويل العمر؟ ولا يلبث المجيب أن يجيب: من عادتي منذ فتحت عينيّ على الأبجديّة العربيّة أن أتابع معظم ما يصدر من منشورات أدبيّة شعرًا وقصة ونقدًا أدبيًّا ومقالة سياسيّة، في هذا الوطن الصغير وفي الوطن الكبير، وما بعد بعد الوطن الكبير.

ولم أكن أعرف أنّ فرحات فرحات يُزاحمني بفائَيْه على فائَيّ، فقد أصدر عام 1975 بالاشتراك مع الشاعر مجيد حسيسي رواية “القضية رقم 13″، وهي تجربة روائيّة غير مألوفة على المشهد الأدبيّ في هذا الوطن، ولم أكن أعرف أنّه أصدر بعدها كتابًا عن معالجة السجين المُسرَّح بعنوان “لكلّ إنسان الحق في بداية جديدة”، ولم أكن أعرف أنّ له ديوانَ شعر بعنوان “أن نشرب السراب”، الذي صدر عن دار شمس للنشر والإعلام في القاهرة، عاصمة المُعزّ لدين الله الفاطمي، ولم أكن أعرف أنّه يخوض حربًا ضروسًا ضدّ الإدمان والجريمة، وله مساهمات عديدة في كتابة الأبحاث والمقالات الاجتماعيّة، وخاصّة في قضايا العنف الذي أصبح سيّد المشهد في هذه الأيّام! أليست هذه أمّيّة ثقافيّة من الطراز الأوّل! إنّي أعترف بأمّيّتي! غير أنّني مدين بالشكر الجزيل للكاتب فرحات فرحات لأسباب ثلاثة:

السبب الأوّل: أنّه أتاح لي فرصة اللقاء به والتعرّف عليه، فساهم بذلك في توسيع دائرة أصدقائي الذين أحبّهم، وأضفت إلى القائمة صديقًا جديدًا، فازدادت بذلك ثروتي من الأصدقاء الذين أعتزّ بهم، ووضعت إلى جانب الاسم فرحات فرحات كلمة Like.

والسبب الثاني: أنّه أنقذني من ورطة الجهل، فكشف لي عن الرجل المتخفّي خلف الحرفيْن ف.ف. وبذلك وفّر عليّ خمسة آلاف شيكل كنت سأدفعها للمحامي فؤاد نقارة، لكي يتّخذ الإجراءات القانونيّة ويوصلني إلى صاحب القناع ف.ف.

السبب الثالث: أنّه أهداني إبداعاته “ريترو”، وشدّني إلى محطاته المبعثرة، فقرأت الكتاب واستمتعت، ورأيت نفسي في محطات سبق أن شاهدتُها وعشتُها، وتجاربَ مُرّة مررتُ بها فمرمرتني وتركتْ غصّة في حلقي، وجرحًا عميقًا في قلبي!

أذكر منها واحدة، ولها أخوات كثيرات! فقد وصلتْ والدي- رحمه الله- رسالة من الجنرال الحاكم بأمره واسمه “دوف”، يستدعيه فيها إلى مكتبه، وسأله بأدب جمّ عن ابنه ف.ف. وأصدقاء ابنه وصديقاته، وعن مطالعاته واهتماماته الأدبيّة ونشاطاته الاجتماعيّة والثقافيّة وآرائه السياسيّة، وقال له: إبنك بيقرا الاتخاد! وبعد سنوات استدعى الجنرال الحاما بأمره شيخًا جليلًا اسمه قفطان، وهو جد فرحات فرحات، وكان يومها ما زال فتى يافعًا في الكليّة الأرثوذكسيّة وقال له مُحذّرًا: شيخ كوفطان.. خفيدك فرخات بيكرا جريدة الاتخاد”! لقد كانت قراءة هذه الصحيفة جريمة كبرى أغلقت أبواب الرزق أمام البعض من ناحية، وأرعبت الجنرال الحاكم بأمره من ناحية أخرى!

لقد تماهيت مع مضمون الكتاب والكثير من الأحداث، فقد عشتها بنفسي وذقتها على جلدي، أو كنت شاهدًا عليها، ولا سيما المشاهد والأحداث والشخوص التي شكّلت الخارطة في الكليّة الأرثوذكسيّة العربيّة، واسمحوا لي أن أعترف أنّني مصابٌ بداء “التعصب”! فأنا لا أستطيع إلاّ أن أتعصّب لهذه القلعة الوطنيّة الثقافيّة، إنّها بيتي الثاني الذي أفنيت فيه أحلى سنوات العمر، إنّني أعتزّ بانتمائي إليها، وأعتزّ بالأجيال التي علّمتُها العشق؛ عشق اللغة العربيّة والاستمتاع بأسرارها الجميلة، وأعتزّ بخرّيجيها الذين تخرّجوا من معطفها، وأشعر بكبرياء عندما أراهم وقد وصلوا إلى أعلى المراتب والمناصب، وصاروا سفراء لنا ولشعبنا، وكواكبَ تزيّن سماء الوطن وخارطة الدنيا!

كنت شاهدًا على شخوصها، ابتداء شيخ الشباب الظريف شكري الخازن مدير الكليّة، مرورًا بأبو إلياس حارس الكليّة، وانتهاءً بأمّ إلياس وزيرة التموين والغذاء وشطائر البستراما! وكنت شاهدًا على اللهجات الجميلة التي احتضنتها الكليّة، فقد اجتمعت تحت سمائها جموع الطلاب من أقصى البلاد إلى أقصاها، من حيفا وقراها والجليل والمثلث وبئر السبع وقرى أهلنا في جبال الكرمل، وكنت شاهدًا على العقبات الكأداء والحواجز العالية التي وضعها الجنرال في طريق مُربّي الأجيال، ومعايير التعيينات أمام المُعلّمين اليساريّين الذين أبو إلاّ أن يدافعوا عن شعبهم النازف وعن الأجيال الصاعدة نحو حياة حُرّة كريمة!

ويتحدّث فرحات عن تجاربه الشعريّة عندما كان طالبًا في الصفّ العاشر، فقد كان يقرض الشعر ويُسلّم الأمانة إلى صديقه زهير؛ راوية شعره، ويَعرضه على الأستاذ شكري الخازن، ويستشهد الكاتب بدعابة شكري الخازن عن رابع الشعراء! فقد صنّف الأقدمون الشعراء إلى أربع طبقات، وقالوا: الشعراء فاعلمن أربعه/ فشاعر يَجري ولا يُجرى معه/ وشاعر يخوض وسط المعمعه/ وشاعر لا تشتهي أن تسمعه/ وشاعر لا تستحي أن تصفعه

وعلى ذلك فقد جرى القول في متشاعر يتوهّم أنّه شاعر: إنّه من رابع الشعراء! فلا تستَحِ أن تصفعه كفًّا وتسطله سطلا!

ثمّ ينتقل إلى سينما البلد وساحة الحناطير، والمريحوانا في المؤسّسات الأكاديميّة العليا، وتأهيل السجين وترميمه، وكيس الطحين، وعلى الناصية (آمال فهمي) والتحقيق أمام الاشخاص الثلاثة ذوي الوجوه المُغبرّة، ونزهاته اليوميّة على الشاطئ لصيد السمك، ويتحدّث عن “هذاك المرض” اللعين، وحفظك الله ونشلك، شفاك وعافاك يا حبيبنا، وأطال عمرك لتعيش وتتمتع بالحياة، وتبدع وتبقى نبعًا أدبيًّا لا ينضب!

وقد أعجبني بشكل خاصّ وصفه للعلاقة المميّزة مع والده؛ ذلك الشيخ المثقّف الوطنيّ الذكيّ.. لست أدري لماذا تذكّرت نزار قباني في قصيدته “أبي”، فقد صعَق نزار نبأُ رحيل أبيه ولم يصدّق! أمات أبوك؟ ضلال أنا لا يموت أبي/ في البيت منه روائح ربٍّ وذكرى نبي

إنّه فصل ممتع ومثير فعليكم به! وللأستاذ حنّا أبو حنّا نصيب في هذا الكتاب، وحكايته مع الطالبة التي كانت تقول في الإعراب: بدلاً من المُضافِ إليه.. المُداف إليه! فينرفز الأستاذ حنا! وبعد دقائق تُحاول هذه الطالبة أن تستفزّه فتقول في إعراب الكلمة: مُدااف إليه بمدّ الألف تعنّتًا وتأكيدًا على موقفها من حرف الضاد ومن لغة الضاد ومن الناطقين بالضاد! فإنّ البيئة التي نشأت فيها الطالبة، أقامت حواجز الغربة بينها وبين اللغة القوميّة!

وعن الإشكال اللفظيّ والصراع بين حرفَي الضادّ والدال، تروي كتب التراث العربيّ طُرفة طريفة عن شيخ كان يُدرّس فتاة جميلة اللغة العربيّة والقرآن الكريم، فكان يقول الآية “إنّ أبانا لفي ضلال مبين”، فتردّد الفتاة: إنّ أبانا لفي دلال مبين! فيقول الشيخ: شدّدي على لفظ الضادّ “إن أبانا لفي ضلال مبين، فتقول: إنّ أبانا لفي دلال مبين! فينرفز الشيخ قائلا: إنّ أبانا لفي ضلال مبين، فتردّد قائلة: إنّ أبانا لفي دلال مبين! ويطير ضبان عقله ويكاد يجنّ! فيمرّ بهما رجل فضوليّ ويصيح بالشيخ: يا شيخ.. دَعها في دلالها، وابقَ أنت على ضلالك!

وبعد فاصل موسيقي عزفه الفنّان عازف العود ماهل وهبة، كانت مداخلة القاصّ علاء حليحل التي جاء فيها:

كتاب “ريترو” احتضنته دار النشر راية، ريترو هو عنوان مخادع، لأنّ ريترو لِمَن يتتبّع الأخبار الفنيّة والثقافيّة والأزياء والموضة كلمة ارتبطت بعصرنا الحديث، الذي يحاول أن يرجع إلى موضات قديمة، كالعودة إلى أزياء ريترو وتسريحات ريترو، ونجاح فرحات في أخذ هذه الكلمة وتحويلها إلى حالة ذهنيّة إنسانيّة، يستحضر فيها الجميل وغير الجميل من تاريخه.

ريترو؛ هو خيار جميل جدًّا ومفاجئ لأنّ مَن يقرأ العنوان، ومن يَعي استخدامات الكلمة حداثيًّا، سيُفاجأ للإيجاب، وهو كتاب موفّق جدًّا، وسأبدأ من تعريف الكتاب؛ “محطّات مبعتثرة”:

أنا أعتقد أنّ الاختيار دقيق جدًّا، خاصّة وأنّ فرحات يُنجز كتابًا ليس بالرواية وليس بالمجموعة القصصيّة، وأعتقد أنّ هذا منحه حرّيّة كبيرة في الكتابة بدون قيود وبدون ضابط زمنيّ، فهو ينتقل بين الأزمان بحرّيّة وبدون ضابط مكانيّ، والشخصيّة المركزيّة التي تتحدّث في الكتاب “الراوي”، تأخذ كامل الحرّيّة ومطلقها في التحدّث عن أيّ شيء، بدون أن يكون له رابط بعد أو قبل، ولكن هناك روابط طبعًا، ولكن ليس بالحدّة أو بالمطلب الصارم الذي يتطلّبه عمل روائيّ أو مجموعة قصصيّة لها عمود فقريّ تستند إليه.

الحريّة ملموسة يمكن للإنسان أن يشمها ويتذوقها في النصوص المنجزة، وهذا بتقديري كان خيارًا جميلاً جدًّا لدى فرحات، في انتهاج هذا النوع من النهج في الكتابة، والتحرّر من قيود السرد المتين الموجود قي الرواية والقصّة عادة، لأنّه يكتب عن تاريخ لا يودّ له أن يكون تاريخًا، وهذه ليست كتابة تاريخيّة، وهي بعيدة جدًّا عن كتابة الحنين نوستالجيا التي نعرفها ونخبرها في السِّيَر الذاتيّة في فلسطين وفي العالم العربيّ أيضًا.

فرحات يتعامل مع المحطات التي كَتب عنها بخفّة دم وسخرية ذاتيّة، وبكثير من الكلبيّة– Cynicism، وتستند أخلاقيّات الكلبيّين بشكل عامّ، إلى رفض الأعراف الاجتماعيّة، التي يميِّزون بدقة بينها وبين الطبيعة التي كانوا يدَّعون الرغبة في الرجوع إليها، من هنا، يمكن تفسير ازدراءهم الكبير بالعلم وتأكيدهم بأنّ الخير الوحيد إنما هو الفضيلة، وأعتقد أن هذا النمط وهذا الروح الطاغي على الكتاب منحه الكثير من الجاذبيّة والدفء والقرب من القارئ، وهذه نتيجة يتمنّاها أيّ كاتب بتقديري وبأيّة طريقة يكتب بها.

الزمن كزمن مشتهى وزمن مقدّس، أنتم تعلمون أنّ الأبطال يكتبون سِيَر ذاتيّة، وكأنّ زمانهم كان أفضل الأزمان ويجب العودة إليه وليس لغيره، وحتى أنّ غير الأبطال مَن يكتبون ذكرياتهم، يحاولون أن يُسبغوا هذه الفترة بمثاليّات وكلمات كبيرة وبمحطات مزعزِعة، تودّ أن تُعلّم البشريّة دروسًا. أنا أعتقد أنّ اختيار فرحات بدلاً مِن أن يشتغل ميجور أن يشتغل ماينور، بمعنى؛ أن يتحدّث عن الأمور الكبيرة التي يمكن أن تُستشفّ من النصّ الدفين هنا، بكتابة عن المواضيع الصغيرة والمشاعر الشخصيّة وعن المواقف الإنسانيّة الحزينة. هذه النزعة التي ميّزت كتاب ريترو هي سرّ نجاحه، وأنا أعتقد أنّ أيّ افتعال كان يمكن أن يقع به فرحات، كافتعال الدراما أو افتعال الأهمّيّة في الكتابة والصياغة، كان سيوقعه في مطبّ كبير. بالعكس فالدراما والأهمّيّة في الفترة التي يتحدّث عنها فرحات والفترات الكثيرة المشحونة في الكتاب، تكتسب أهمّيّتها من منطلق بسيط جدًّا، وهي أهمّية الإنسان والفرد في نقاط ضعفه وقوّته، وفي نقاط الحيرة والخجل والدفء وفي نقاط الحميمية والحزن والفرح، فهذه كلّها تبني الإنسان، وهذا ما يبنيه الكتاب ريترو، وأعتقد أنّ هذا هو نجاحه الكبير.

هناك بُعدٌ آخر في الكتاب استمتعت به وأنا دائمًا فضوليّ لدرجة كبيرة في قراءة نثر لشاعر أو شعر لناثر، فالانتقال بين اللغتين، وأنا أسمّيهما لغتين مع أنّه يكتب باللغة العربيّة، ولكن لغة الشعر في مفاهيمها وتوجّهاتها تختلف عن لغة النثر، والانتقال والرقص في هذيْن العُرسيْن يمكن أن يكون رقصًا جميلاً جدًّا، ويمكن أن يكون شيئًا غير جميل في أقلّ ما يُقال، ولكن ما يجعل كتاب ريترو جميلاً وجذّابًا ودافعًا، هو الحالة الشعريّة التي تطغى في أماكن معيّنة، ولا أتحدّث عن مقاطع الشعر في الكتاب، بل أتحدّث عن النثر ولكن بمزاج شعريّ وبلغة حميميّة، والبلاغة المبطّنة تنعكس في الكتاب، والكتاب خالٍ من الإطناب وهذا نادر في مشهدنا الأدبيّ، وعلى هذا نُحيي فرحات، إذ إنّ الكتاب خالٍ من الحشو والمبالغة في النصوص، وليست هناك نصوص طويلة أكثر من اللازم، وكل كلمة محسوبة لديه، ويبدو أحيانًا أنّ فرحات كان خجولاً في الكتابة، وكانت تتبدى رغبته في الاقتصاد والإيجاز، وبالتالي إنشاء البلاغة التي تهمّه كشاعر، فالشاعر يبحث عن البلاغة بطرق عديدة، ولكن أوّلها ومن أهمّ أدواتها طبعًا الإيجاز والتكثيف، فهناك حالة تكثيف بارزة في نصوص ريترو أنا أعجبت بها جدّا، ولمست الشاعر الموجود في داخل النصوص النثريّة. وأقتبس من ص 101 تحت عنوان “هذاك المرض”:

“قبل ثلاثة أعوام بالضبط وجدت نفسي أشارك القراء عِبر بعض المواقع بما أصابني، وأنا ما زلت على مفترق طرق، لا أدري ما هي وجهتي وإلى أين يُوجّهني شرطيّ المرور القابع في السماء. لا اريد أن أشغل بالكم، وأخيرًا أصبت بسرطان المعدة.؟ قلت لأمّي مع بداية هذا الصيف: أشعر أنّ هذه الآلام التي تنتابني ليست عاديّة، ولا أدري لماذا، لكنّي أعتقد أنّ جسمًا خبيثًا قد استوطن بي”.

هذه رهافة شاعر حين يعلن للناس أنّه مصاب بالسرطان. ليست هناك ذرّة من الدراما وليس هناك نوع من البكاء والحزن والكمد الذي حلّ على جسده المصاب بالسرطان، وأعتقد أنّ هذا ينضمّ إلى نوع من الفكاهة الخجولة، هناك فكاهة سوداء خجولة بين السطور، وهي تنضوي كلّها في الكتابة الرشيقة الخفيفة البسيطة التي ترتكز على متانة وعمق، وهذا هو السهل الممتنع أو سمّوهُ ما شئتم، ولكنّه أيضًا يحتاج إلى مراس ومهارات.

وألخّص أنّ كتاب ريترو مليء بالدراما ولكن بلا دراماتيكيّة، وهناك سرد ولكن بلا التزام بتاريخ مرتّب، وهناك سيرة ذاتيّة بلا محطّات ترغب أن تكون كبيرة، فالنصّ خفيف ورشيق، وكلمة محطّات التي عنون بها الكتاب هي كلمة عبثيّة بالنهاية، كأنّ الزمن قابل للتصنيف وللقولبة، لكنّه ليس كذلك، فهذا وهْمٌ نحن صنعناه، إذ نُقسّم حيواتنا إلى مراحل ومحطّات وتواريخ، لكن الزمن لا يعترف بهذا الانقسام، فالزمن شيء مستمرّ لا يتوقّف عند محطة يبدأ بها أو ينتهي، وتوجد نصوص جميلة نعتقد أنّها محطّات، وأعتقد أنّ أحد هذه المحطّات الجميلة هو “ريترو”.

أما مداخلة د. خالد تركي فجاء فيها:

تُثلج صدري لقاءات الخميس، الثَّقافيَّة الدَّوريَّة والشَّهريَّة، التي ينظِّمها النَّادي الثَّقافي في حيفا، للمجلس الملِّي الأرثوذكسي، حيثُ تروي ظمأ العِطاش وتروي لنا، بعد أن تجمعنا بأديبٍ أو شاعرٍ أو فنَّانٍ، روايةً أو فنًّا أو تراثًا أو شعرًا ويكون الكتابُ جديدُ الإصدار، حلقةَ الوصل.

خرجتُ من اللقاء السَّابق قبل شهر ونصف، والذي كان مع الشَّاعر والأديب والمحاضر للغة العربيَّة في القدس والمتميِّز والمتفوِّق في كليَّة الآداب بالقدس، إياس يوسف ناصر، وفي كنانتي بعضُ الإصدارات، ومن بينها محطَّات مبعثرة ومجتمعة في كتاب “ريترو” للكاتب والشَّاعر والأديب فرحات فرحات، وكان الكتاب زادي لتلك الليلة الأنيسة، حيث تشبَّثت جفوني بالمحطَّات، بعيدة عن بعضها البعض، رافضةً أن تقبِّل بعضها البعض وتتعانق خلودًا للنَّوم، وبدأتُ في تلك الليلة أقرأ “ريترو” بنهمٍ وشوقٍ وحنينٍ إلى أيَّام الثَّانويَّة العزيزة في الكليَّة العربيَّة الأرثوذكسيَّة، حيث يُعيدنا الكاتب بذكرياته، بأسمائها وحوادثها، إلى مقاعد الدِّراسة في الكليَّة، ويجمعنا بالاستاذيْن الجليليْن والرَّسوليْن حنَّا أبو حنَّا وشكري الخازن وبحارس الكليَّة، أبي الياس، والباستراما الشهيَّة من أمّ الياس السَّخيَّة، وملاحقات المخابرات الاسرائيليَّة لقرَّاء صحيفة الاتِّحاد في زمن الحكم العسكريِّ وما بعده، لأنَّ قراءة الاتِّحاد كانت تهمة وجريمة لا تُغتفر، تلك الصَّحيفة التي كانت وما زالت البيتَ الدَّافئ للكلمة الوطنيَّة الحرَّة والشُّجاعة، ولا عجب في كونها مدرسةً للأدب التَّقدميِّ والممانع ومرجعًا لتاريخ شعبنا، فهي صحيفة الشَّعب..

لقد كان هنا، في هذه القاعة، لقاؤنا المباشر الأوَّل، وقد تجاورنا وتحاورنا في جلستنا. وجه مألوف ومعروف لكن من أين؟ وكان العلم عند المولى القدير، فبعد أن التقت مآقينا في تجاورنا وتحاورنا، تجاوزنا بتجاورِنا حدَّ الجلوس واستبدلنا صمتنا بالسَّلام والكلام وانقطع الشَّكُّ باليقين، إنَّه الاستاذ والأديب فرحات فرحات، وانتقلَت لقاءاتُنا من على صفحات المواقع الإلكترونيَّة الملتزمة، أو الصحف الثَّقافيَّة المثقِّفة إلى البثِّ المباشر..

ويحدِّثنا بجرأة عن صعوبة وحواجز وموانع التَّوظيف في المدراس الحكوميَّة، للذي يرتبط اسمه بالاتِّحاد وحركتها الوطنيَّة، المتمثِّلة بالحزب الشُّيوعي، لانَّ ارتباط جهاز التَّعليم العربيِّ بجهاز المخابرات، الشِّين بيت، هو ارتباط عضويٌّ وثيق غير منفصل وغير منفصم، فقائمة المعلّمين الّذين طُرِدوا واعتُقِلوا وفُصِلوا من سلك التّعليم طويلة جدًّا، وكان السّبب أنّهم رفضوا كلّ إغراءات المخابرات والوزارة التّابعة لها من توظيف وتعيين وتنصيب بمركز تعليميٍّ مرموق، لكن هيهات، لقد أرادوهم ختمًا في يدهم وخاتمًا في خنصرهم، أرادوهم ببغاوات، وطبولاً جوفاء، أرادوهم أن يُعلِّموا طلاَّبهم “كيف جفّفنا مستنقعات الحولة وأقمنا المستوطنات”، وأن يُنْشِدوا مع طُلاّبهم “عيد استقلال بلادي غرَّد الطَّير الشَّادي”، وأن يُدرِّسوهم قصيدةً عن الدّولة، التي أقاموها على تراب هذا الوطن بعد أن طردوا شعبه، لإلقائها في احتفالاتهم بنكبة شعبنا “نورٌ تألّق في سماء المشرِق جمُّ الضِّياء بليله المتلبِّدِ” عن ظهر قلب، وأرادوهم معلّمين يُخَرِّجون طُلابًا حطّابين وسقاة ماء ورعاة، لأنّهم يخافون من الكلمة والدّراسة والتّطوّر. فالكلمة والقلم الّذي يكتبها والعلم الّذي ندرسه ونتعلّمه أقوى وأمتن سلاح. فقد جاء في الحديث الشَّريف: فضل العلم خير (أو أحبُّ إليَّ) من فضل العبادة، أطلبوا العلم ولو في الصين. فكم هو العلم مُهمٌّ في تطوّر الأمم.

لقد أذرفَ كاتبنا فرحات دمعي وأبكاني حين حدَّثنا عن والده المتوفَّى، معلِّمه الأوَّل، بلغة المخاطبة شوقًا منه وحبًّا له وفخرًا وفخارًا به وعزَّةً لا تُضاهى، وتقديرًا لأتعابه وفضله على تربيته في حبِّه للغته العربيَّة وشعبه العربيِّ، فمن شابه أباه فما ظلم. لقد كانت غبطتي كبيرة وسروري عظيمًا حين صدقتَ في أمنيتكَ وكنتَ كما تمنَّيتَ حين كتبتَ: “أرجو أن أكون مخطئًا في تصوُّري هذا، حتَّى لا نكون قد غيَّرنا الشَّكل دون المضمون والمسمَّيات دون الجوهر” في محطَّتك المبعثرة “ثورات” في محاورة شخصيَّة تعدَّت السِّرِّيَّة، وهنا لا بدَّ لي أن أقول كاتبًا ما يلي والكتابة هي بالفُصحى لتوحِّدنا، وبدون “لهجات” تفرِّقنا بين نقب وجليل ومثلث وساحل أو بين أولاد (الكُرى) القرى وأولاد المدن، وحتَّى أنطق القاف قافًا وليس كافًا أو آفًا والضَّاد ضادًا وليس دادًا، كما يجب وكما كتبتَ أحسن ما “ينفضح الطَّابق”:

لقد قرَّرتُ ان أكتب عن هذه المحطَّة، لأنَّه إن لم أدخلها، فلن أرحم نفسي ولن أغفر لها ولن يرتاح ضميري، ولن أسامح قلمي الذي أطاعني وجلس مستريحًا بين إبهامي وسبَّابتي ووسطاي كاتبًا. لهذا قرَّرتُ أن أتطرَّق لهذا الموضوع حتَّى لا أُتَّهم أنَّني تجاهلتُه، أو أنَّني أحمل ذات الموقف الذي اتَّخذه كاتبنا العزيز تجاه سوريا، فمداخلتي هذه لا تنتقص من تقديري لكتابه ولأسلوبه الشَّائق والمبدع في وجدانيَّته وإحساسه المرهف، فكما يقول أمير الشُّعراء أحمد شوقي في مجنون ليلى: الأنِّي أنا شيعيٌّ وليلى أمويةٌ؟ اختلاف الرَّأي لا يُفسِد للوُّدِّ قضيَّة. وأعرف أنّك بريءٌ كبراءتك من رمي الأستاذ يوسف بحجر بالمغِّيطة بعد أن أصابه زميلك سهيل بوجهه.

لقد تطرَّقَ أديبنا لليمن وليبيا ومصر وسوريا، ووضعها في سلَّة واحدة، وكان الأجدر، في نظري وفي رأيي، أن يضعَ جميع الدُّول العربيَّة في سلَّة واحدة على أن تكون سوريا وأحرار الوطن العربيِّ ومقاوموه وشرفاؤه الأعزَّاء في سلَّة أخرى مُميَّزة ومتميِّزة.

ولا غرابة في ذلك، لأنَّه عندما نرى أنَّ الغرب البغيض الاستعماريّ المسَبِّب الوحيد لآلامنا ومصائبنا ونكباتنا المتتالية، من خلال تقسيم الوطن العربيِّ إلى دولٍ دون أن يأخذ رأي صاحب الشَّأن، الأمر الذي أبقاه جريحًا نازفًا، وأبقى غالبيَّتها قابلةً للاشتعال في كلِّ لحظة، من خلال أدواتها من الرَّجعية العربيَّة الممثَّلة بقوَّادها، القوَّادين على شعوبهم، من المحيط السَّاكن والسَّاكت إلى الخليج الخائن والكابت والخانس، ناهيك عن أحفاد السَّلاجقة الجدد في الباب العالي، فمن الذي دعم قاتل والده ليتسلَّم سدَّة الحكم في قطر، ومن حكَّم آل سعود حكَّامًا على أرض الجزيرة العربيَّة الطَّاهرة والشَّريفة ودنَّس ترابها وقداستها، ومَن دَعم وتآمر مع الذي اتَّهم والده بأنَّه مصاب بمسٍّ من الجنون حتى يتسلَّم مكانه ويحكم البلاد ويتحكَّم بالعباد، ويسخِّر مقدَّرات الشَّعب والوطن لخدمة الاستعمار البريطاني وأذنابه وفِطريَّاته وطُفيليَّاته، إنّهم هُم هُم متآمرو اليوم..

هذا لا يعني أنَّه لا يتوجَّب على سوريا أن تكمِّلَ مسيرة إصلاحاتها التَّشريعيَّة والاجتماعيَّة والسِّياسيَّة التي بدأت بها، لكنّهم “مش مهدِّين لها بال”، ومع ذلك ستبقى فيحاء الشَّام، أرض الياسمين، قلب العروبة النَّابض، مسرح الاحرار الأوَّل. لقد أعلنوها حربًا عالميَّة، كونيَّة بامتياز، على سوريا وعلى جميع أحرار العالم وشرفائه لكسر شوكتهم الباقية في عيون المتآمرين عليها وهي في حلوقهم.. كقطعة الزُّجاج كالصَّبَّار”.

أتمنَّى للكاتب الأستاذ فرحات فرحات دوام الصِّحة والعافية والمزيد من العطاء والإبداع، وبعيدًا عن “هذاك المرض” وبعيد عن السَّامعين كذلك، بُعد الأرض عن الشَّمس أو يزيد..

وكانت مداخلة موسيقية للفنّان عازف العود ماهل وهبة، رافقت الشاعر فرحات فرحات في باقة من القصائد والنصوص النثريّة:

أبي.. ها قد مضى على فراقنا ستة أعوام. يوم رحلت لم أكتب لك قصيدة رثاء كما يفعل الشعراء عادة، وقفتُ يومها بين جمهور المُشيّعين وقلت فيك كلامًاً بسيطًاً كبساطة فعل الولادة والموت، كبساطة موتك تلك الليلة. كنتُ حزينًا شاردًا، رأيت في عينيك ذاك اليوم إشارة الفراق. شيءٌ ما همس لي أن أبقى معك، لكني لم أسمع صدى الصوت. انصرفت إلى أعمالي وتركتك تُحدث من حولك عن قانون الميزانيّة الذي لم يستطع أعضاء الكنيست إقراره. قلت لك وأنا خارج: ما لنا وما لهم! يضربوا. وكأنّي أردت القول: “خلّينا في اللي فينا”. ألا ترى كيف تدهورت صحّتك يا أبي؟

لم أكتب لك قصيدة رثاء. ولو فعلت على عجالة وكتبت، لاستفقتَ من سباتك الأبديّ لتزجرني: هذا ليس شعرًا! كم حاولت إقناعك أنّ الشجر يبكي، وأن السماء تضحك، وأنّ القمر يكتئب، وأنت على إصرارك بأن هذا هراء، وأن الشعر الحديث بكلّ أشكاله إنّما زيف وضعف ومؤامرة على المتنبي وامرئ القيس. كنتَ تسعد عندما أتلو على مسامعك قصيدة عموديّة، حتى ولو خلت من التشبيهات والجماليّات، ويكفيك أنّها موزونة ومُقفاة. هكذا رأيتَ الشعر يا أبي وهكذا أردت أن يكون. ها أنا أجول بين أوراقك المبعثرة أحاول أن ألملم شمل قصائدك التي اصفرّت أحرفها على مدى الأعوام، تنتظر منّا أن ننقلها إلى مسكن جديد من ورق صقيل لامع يليق بهذا الميراث الذي أبقيته لنا، وهو كنزنا الأبديّ:

إني وجدتُ معالمي ومكاني/ بين الرفاق وقد بلوتُ زماني/ وخرجتُ من تلك المعالم ساخرا/ متأفّفًا بمطامعِ الإنسان/ وذهبتُ في حبّ الإخاء مُفاخرًا/ أهوى السلام لسائرِ الإخوان/ فبعدتُ عن كل المطامع تاركا/ حقد النفوسِ ودارة الإضغان/ اِخترْ لنفسك منهجًا تسمو به/ عن عالم الأحقاد والأدران/ اِحفظْ لسانك بالحديث فإنّ في/ حفظ اللسان معزّة وتفاني/ وإذا رمَتك النائبات ببلوة/ اِصبر فإنّ اللهَ ربٌّ حاني.

أتجوّلُ بين أوراقك بهدوء وسكينة، أقلّب صفحات الماضي في محاولة لاكتشافك من جديد. هل كنتُ أعرفك حقًاً يا أبي؟ يبدو لي أحيانًا أنّ حديثًا ما كان يجب أن يدور بيننا ولم نفعله. أتحسّر على هذا الحديث المنقوص، رغم أني لا أدري كنهه ولا المكان الذي كان سيوصلنا إليه. أشعر بالحزن وخيبة الأمل إزاء هذا النقص، الذي لا أستطيع كما قلت لك تحديد ملامحه. ربّما لم تكن لديّ الشجاعة الكافية لاختراق ذاك الحاجز الوهميّ الهلاميّ، أو ربّما خشيت أن لا ألاقي من القبول قدرًاً كافيًا. هكذا نحن بنو البشر، عندما يتواجد الشخص لا نجد عمّا نتحدّث، وعندما نجد عمّا نتحدّث لا يتواجد الشخص. أعلم أنّي أظلم علاقتنا حين أصوّرها بهذا الشكل، فلم يكن يمضي يومان أو ثلاثة دون أن نتجاذب أطراف الحديث، حيث كان يبدأ خجولاً في محاولة منّي لاستدراجك إلى ملعبي حيث تكون الغلبة لي. ورغم أنّك كنت تدرك رغبتي هذه في الخروج منتصرًا في أيّ سجال بيننا، إلاّ أنّك لم تكن يومًا على استعداد لرفع الراية البيضاء، ولطالما كان ينتهي النقاش بيننا بتدخّل من أهل البيت: “يلاّ فضّوها سيرة عاد”. كنت أدري مسبقًا أنّك منافسٌ قويٌّ في الأدب الجاهليّ وفي أمور الدين ومسألة الإيمان. كان هذا ملعبك بامتياز، ولطالما اخترقتَ شـِباكي بأهداف رائعة، تركتني مذهولا ًأمام أفكاري المهشّمة عند القائم الأيمن أو الأيسر. لطالما سألت نفسي، من أين لك كلّ هذه المعلومات، وأنت لم تكمل سوى الصفّ الرابع؟ كنت ستجيبني: طبعًا المطالعة. إنها ليست المطالعة وحدها، فلم تترك لنا مكتبة يشار إليها بالبنان. أفتّش في مكتبتي علّني أشتمّ رائحتك في أحد الكتب فلا أقتفي أثرًا لها. أعلم أنّك كنتَ مولعًا بالأدب العربيّ الجاهليّ، وقد حرصت على اقتناء كتب أبي العلاء المعرّيّ وبعض الكتب الدينيّة والفلسفيّة. جئتك يا أبي مرّة بكتاب أنيس منصور “في صالون العقّاد كانت لنا أيّام”، كان الكتاب ثقيلاً ولا يمكن قراءته محمولاً لضخامته، قدّمته لك بكثير من الإعجاب بعبّاس محمود العقاد الشاعر الأديب والفيلسوف، الذي شكّل ندًّا قويًّا للدكتور طه حسين، رغم أنّه لم تبلغ ثقافته حدّ الصفّ الرابع. قلتُ لك مازحًا: يبدو أنّ سرًّا ما في ثقافة الصفّ الرابع، اُنظرْ إلى هذا الشخص. علَتْ وجهُكَ ابتسامة خجولة وكأنّكَ أدركت محاولتي الإطراء لك.

يعلم الله يا أبي مدى شوقي إليك في هذه الأيّام. احتجتك كثيرًا في السنوات الأخيرة. كم من مرّة أردت أن أختبئ في عينيْك العسليّتيْن هاربًا ممّا ألمّ بي أو لأقول لك: أترى يا أبي؟ وأخيرًا تعادلنا. حتّى في المصائب تعادلنا. حين رافقتك بعد أن بُحّ صوتك، قال لك الطبيب أنّك تعاني من سرطان في الحنجرة. طأطأتُ رأسي محاولاً الهرب من نظراتك. أمسكتَ يدي بقوّة وقلت بصوت فيه من الحدّة والرقّة معًا: شدّ حيلك مالك ارتخيت؟ بعد سنوات قليلة أردتك أن تكون بجانبي، لأمسك بيدك حين رمقتني الطبيبة بنظرة مجرّدة، وزفّت إليّ خبر مرضي ثمّ مضت لمريض آخر “ولبشرى” أخرى. تعلّمت منك أن أتقبّل الأمر بأعصاب هادئة. مضيْنا إلى البيت بهدوء لا عاصفة وراءه؛ هدوء مَن لا يدخل حربًا يعرف أنه لن ينتصر فيها، هدوء من يعرف أن يطأطئ رأسه أمام المِحَن حتّى تمرّ من فوقه بسلام. وقد مرّت عليك وعلينا بسلام ونسينا.

أحاول الآن أن أمرّر شريط حياتك أمامي من جديد. أحيانًا، تَخفى عن حياتنا حقائق سهوًا أو لأننا لم نُعِرْها الانتباه اللازم، ثمّ كما يحصل عند مشاهدة فيلم سينمائي للمرّة الثانية، تتكشّف تفاصيل ذات مدلولات وأهمّيّة غابت عن وعينا بادئ الأمر. هكذا أرى هروبك من بيت جدّي مرّتيْن والتحاقك في الجيش الإنجليزي، وهكذا أرى تمرّدك ومحاولة تحقيق ذاتك خارج تلك الأطر التقليديّة في مجتمع قرويّ بسيط. عندما كان أولاد جيلك يتزوّجون وهم في السادسة عشرة، فعلتها في الثلاثين. عندما كان معظمهم “لا يفكّون الحرف” كنت تكتب الشعر، وتتحدث اللغة الإنجليزيّة بطلاقة شبه تامّة. كم كنت فخورًا بك يا أبي يومَ وقفت في باحة المجلس المحلّيّ، وأنت في زيّك الدينيّ ولحيتك البيضاء، تخطب أمام الناس باللغة الإنجليزيّة بعفويّة الأطفال، على شرف حفيد السير أوليفنت الذي طلب مقابلتك خصّيصًا كحفيد لحفيد، إذ كان جدُّك “أبو ذياب” مساعد وسكرتير جدّه، يوم أقام هذا الأخير بين سكّان البلدة آنذاك معزَّزًا مُكرّمًا. كنتَ قليل الكلام يا أبي، تصمت إلى حدّ الخنوع أمام مَن يُحدثك، وكم كان هذا الوضع يستفزّني فأصرخ في داخلي مرارًا: يا إلهي، لماذا يصمت أبي وهو أفهم الحاضرين وأكثرهم فطنةً! كفى تواضعًا، لا أطيق هذا التواضع. وأنت كما أنت، تحترم الكبير والصغير، تتنازل عن حقّك وتبقى على صمتك. أصرخ في داخلي، أودّ أن أصرخ في وجهك، ثمّ يلفّني الصمت أنا الآخر وكأنّها عدوى عائليّة.

أعلم أنّ حياتك لم تخْلُ في مرحلة معينة من الهزار والدعابة. لم تكن تعترف أمامي بمعظمها، وعندما كنت أمازحك كان جوابك أنّ فلانًا “يُبَهِّرُ” تلك الحكايات عمدًا، أو يلصقها بك حتى يُبعدها عن نفسه. سمعت عن طيّارتك التي صنعتها وحاولت كالأخويْن رايت التحليق بها فلم تنجح . قال يومَها في هذه الحكاية الشيخ أبو صقر جابر: يا رجا سكّر محلّ نجارتك/ وكسّر المنشار واحبسْ فارتك/ حنطورتي مِن شهر إلها ضايعة/ عم تشتغل في البحث عن طيّارتك. فأجبتَـَه: الطيارة العم بتطير/ فوق الغيم وفوق الريح/ قايدها فارس نحرير/ لا بيخاف ولا بيزيح/ مش مثلك عالحناطير/ قاعد من خوفك بتصيح/ يا عالم شو هالتعتير / مش قادر إدعس فرام.

لكنّك سرعان ما تعود إلى رصانتك لتخاطب حوّاء بهذه الأبيات المقتطفة: سيري على درب الكمال إلى العلا/ وتزوّدي بالعلم ثمّ ترفّقي/ هذا التبرّج لا يليق بغادة/ كبرت على حبّ الثناء الشيّق/ الغرب ليس بقُدْوة في زيّه/ كي تقتديه مع اللباس الضيّق/ تلك الملابس لا تليق بحُرّة/ تأبى لباس الضائعات الفسّق.

يبدو لي يا أبي أنّ حديثنا المنقوص سيظلّ حبيس غرف قلبي، فأنا الشخص وأنت الشخص غريبان في حدود هذا الزمان والمكان، ننظر إلى أنفسنا وإلى مَن حولنا، فلا نرى إلاّ صدأ هذا العمر، وفرص حياة تبخّرت بين أيدينا دون أن نعرف أنها كانت بقبضتنا يومًا.

وفي نصّ آخر بعنوان اِهـْـدأ يقول: اِهدأ !/ فعواصف ُ الصحراءِ ما حكمتْ عليكَ/ بأن تبقى هنا أو بالرحيلْ/ هي لا تراكَ/ هي لا تراكَ لأنّ لونكَ باهتٌ/ ولأنّ سروَ الشمسِ حين تلوحُ/ ما عادت تميلْ/ هي لا تراكَ ألا ترى؟/ فاحمِلْ شراعَكَ وابتعدْ/ رتِّبْ حجارةَ لعبةِ الشطرنجِ في ثوبٍ جديدْ/ واصنعْ قلاعاً من حديدْ/ واذهبْ إلى ليلٍ يطولُ فلا ترى/ شفقًا يبوح/ عن فارسٍ مِن دونِ سرج ٍ أو سراج/ لا غابةَ تحنو لهُ/ لا ماردًا يبني لهُ أسطورةَ الأمجادِ/ سورًا مِن رمادْ/ هي لا تراكَ ألا ترى؟/ لم تبقَ إلاّ قطرةٌ سوداءُ عالقةٌ هناكْ/ لم تبقَ إلاّ نقطةٌ غبراءُ في صدرِ السهادْ/ اِهدأ/ ها أنتَ منبعثٌ إلى صبحٍ جديدْ/ وشموعُ ليلةِ أمسِ باتتْ ذاويةْ/ ما عُدْتَ تمشي فوقَ جمرٍ كاذبٍ/ هو جمرُ حبّاتِ القلوبِ الخاويةْ/ لا تستحي إنْ كانَ صدرُكَ مُثقَلًا / بالتّيهِ بالكلماتِ بالآهاتْ/ هي رسمةٌ تحكي فصولَ حديقةٍ/ جفـّتْ وما بعـَثتْ حياةْ/ لا تستحي واحزنْ على أنشودةٍ/ ذهبتْ هباءً في فضاءٍ مِن سباتْ/ هي لا تراكَ/ لأنَّ صدرَكَ أبيضٌ ولأنَّ قلبكَ أبيضٌ/ ولأنَّ في عينيكَ زهرُ اللوزِ متّسعٌ لكلِّ الناسِ/ في عينيكَ مُتّسعٌ/ ولأنَّ سهمًا قد أصابكَ عندَ منعطفِ الطريقْ/ فإذا ذهبتَ ولم تعُدْ/ قالوا: حريقٌ أو غريقْ/ هوَذا المسارُ يضيقُ حينًا يلتوي حينًا/ ويغفو عندَ قارعةِ المضيقْ/ أوَليسَ أجدرَ أن تكونَ مسافرًا في قاربٍ/ فقدَ الشراعَ وغاصَ في رفقٍ/ ببطنِ البحرِ في نومٍ عميقْ؟ اِهدأ/ فأنتَ اليومَ مولودٌ جديدْ/ لكَ كلُّ ألعابِ الطفولةِ والغواني والسماءْ/ لكَ علبةُ الأسرارِ سرُّ الكونِ مفتاحُ الضياءْ/ لكَ نجمةٌ عليا لكَ نجمةٌ سفلى/ لكَ ملعبٌ حبٌّ فضاءْ/ فعلامَ تجمعُ كلَّ أنفاسِ العذاب/ بدميةٍ أبتِ البقاءْ/ وتُصِرُّ أن تبقى لديكَ إليكَ لكْ/ وتُصِرُّ أن تَحكيَ لنا قصصًا عليك/اِهدأ/ لـَعلّكَ لا تفيـقُ على رجاءْ/ فاللهُ يَهدي مَن يشاءْ/ واللهُ يُعطي مَن يشاءْ/ هي لكَ هي لكْ

وفي نصّ صرخة يقول: عتبي عليكَ/ ألا ترى أنّي طريدُ كآبتي/ والموتَ يدنو حاملاً وجهَ الأديمِ -كساءَ روحي- حينَ كانت لذّةُ الأحلامِ تَنزعُ مِن دروبِ الرعبِ/ آخرَ مسربٍ للنورْ/ يا أيّها المفتونُ في شحذِ السيوفِ: ألا ترى طلاًّ يُعانقُ بسمةً في شرفةِ الأحلامِ كي يرنو/ إليكَ ضبابُ مَن رَحلوا وباتوا في لظى الحممِ انقشاعا/ تخطفُ الأبصارَ، أنتَ مرادفُ الديدانِ تنهشُ في/ كهوفِ العتمِ شامةَ طفلةٍ شاميـّةٍ عصيتْ عليكَ فغـُيبتْ/ إنّي سألتكَ هل صباحـُكَ ناعسٌ مثلُ الصباحات التي تغدو/ لنا، فيها اختزالُ الكون، حبُّ الليل، متعةُ غفوةٍ أو كبوة/ لا فرقَ، هل تشدو بصوتٍ خافتٍ لحنًا تعربشَ فوقَ حبلٍ/ مِن حبالِ الصوتِ حتّى مُزّقتْ أوصالُهُ فغدا على صبحٍ/ نشازًاً لا يلينْ؟ يا أيُّها المفتونُ في شحذِ السيوفِ بربِّ/ مَن سمـّاكَ، هل ما زلتَ تأخذُ وجبةَ الإفطارِ حافلةً/ وطفلُكَ- خدُّه ُ كالورد- يجرعُ في سكونِ السيّدِ المأفونِ/ أكوابًا مِنَ الألبانِ كاملةَ الدسَمْ؟ وعلى تلالٍ أو وهادٍ لا/ يهمُّ، تكادُ تلمسُ طرْفَها، أطفالُ حمصَ، رصاصُكُم قوتٌ/ لهمْ وشرابـُهم شذراتُ بارودٍ تعالتْ في الفضاءْ/ عتبي عليكَ/ وأنا صريعُ كآبتي؟/ لا، لا أظنُّ/ فمعذرة/ يا سيّدَ الأكوانِ/ عذرًا مرّةً أخرى وأخرى من رعاعٍ إمّعةْ/ إن كنتَ تبغيني رمادًا هافتًا لبّيك/ إنّي حفنةٌ سوريّةٌ فانْثُرْ رماديَ في الغيابْ.

وفي نص بعنوان أبراج قال: الحمل: ما لونُها ما شكلُها أشيائي/ سقطتْ على قفرٍ بلا استحياءِ/ وتناثرتْ وتبعثرتْ وتحطّمتْ/ وبقيتُ وحدي تائهًا بفضائي/ هجَرَتْ إلى عهدِ الطفولةِ دمعتي/ وعيونُ أُمّي لا تردُّ رجائي/ ولطالما ناجيتُ طيفــَكِ مثلما/ ناجيتُ روحي أن تصُدَّ ندائي.

الثور: صمتُ القبورِ مساحةٌ للرائي/ فيه اختزلتُ سكينتي وصفائي/ ودفنتُ في ثوبِ المعاصي سكرتي/ وبلّلتُ مِن رمدِ العيونِ ردائي/ ولَئِنْ طويتُ مشاعري ومهابتي/ وجعلتُ منها خرقةً لغطائي/ أبقى الحبيبَ طريدَ حبّي مثلما/ تبقينَ وشمًاً هائمًا بسمائي.

الجوزاء: في حالِكِ الأسفارِ كنتِ رفيقتي/ وحبيبتي وأنيستي وضيائي/ ترمينَ مِن خلفِ المعابرِ همسة/ مرسومةً بالشهدِ والحناءِ/ فإذا وصلتِ وقلتِ إنّي ها هنا/ تبدينَ وهنًا شاحبًا بفنائي/ فجعلتُ مِن بيتِ القصيدةِ مضجعي/ وأخذتُ مِن رسمِ الحروفِ دوائي.

السرطان: تأبى الشفاهُ بأن تكونَ مجازة/غبراءَ تنفضُ مسحةً لطلاءِ/ عجزتْ مناداتي فباتتْ صخرة/ صمّاءَ تعلو فوقَها أشلائي/ إنّي أُناديها بحرقةِ عاشق/لا تسكبي جمرًا على الرمضاءِ/ تمـّوزُ إنّي خائرٌ متنائر/ تمـّوزُ مهلاً هل تودُّ عدائي؟

الأسد: صمتُ القبورِ مهابةٌ لوفائي/ كيفَ الرجوعُ وما حفظتِ وفائي/ مَن أنتِ هل أنتِ التي غازلتُها/ ونقشتُ مِن أسمائِها أسمائي؟/ وزرعتُ عندَ الخصرِ جُـُلَّ مواسمي/ ورويتُ مِن طيبِ الهوى بإنائي/ ولقد غزلتُ مِنَ الشقاءِ قلادتي/ اللــهُ إنّي قد سئمتُ شقائي.

العذراء: عصَفَ الجنونُ بخاطري وبمهجتي/ وفقدتُ في بعثِ الركامِ إبائي/ ونظرتُ حولي في عناءٍ مـُثقل/ بالصمتِ والإنكارِ والإيماءِ/ عـلَّ الذي يبدو سرابًا عابرًا/ أو طيفَ نجمٍ حامَ في العلياءِ/ إنّي فقدتُ مواكبي ومراسمي/ ونقشتُ مِن عطرِ الدموعِ كسائي.

الميزان: عودي إلى دربِ الحريرِ أميرة/ مصحوبةً بنسائمِ الآلاءِ/ عودي إلى قمرٍ يداعبُ ظـلـّه/ رملَ الأماسي في مدى الصحراءِ/ عودي إلى طـلٍّ ترقرقَ خلسة/ فوقَ الشفاهِ بخفةٍ وأداءِ/ عودي إلى نهرِ الحياةِ غزالة/ شلالُ عشقكِ لا يودُّ رثائي.

العقرب: أنتَ الذي أتعبتني وقهرتني/ وجعلتَ منّي خرقةً لبلائي/ أيُّ النجومِ زرعتَ في بوابتي/ أيُّ الصدودِ نثرتَ في أنحائي/ فيكَ الحطامُ تراقصتْ أشلاؤُهً/فيـكَ احتضنتُ مسيئـَتي ومسائي/ إنّي أخافـُكَ أن تظـلَّ مُلازمًا/ ظـلّي أمامي وجهتي وورائي.

القوس: أسْدِلْ ستارَكَ فالوجوهُ تعاقبتْ/ وتبدّلتْ وتناثرت بهباءِ/ ما عادَ في عُنقِ الزجاجةِ ماردٌ/ يروي لنا أسطورةَ الآباءِ/ أسْدِلْ ستارَكَ ما رَويْتُ حكايتي/ إلا ّ لعازفِ ليلةٍ ظلماءَ/ إنّي رسمتُـُكَ شعلةً في مسربي/ فعلامَ تبدو شاحبَ الأضواءِ؟

الجدي: “ليلى” ألا هُبّي إليَّ وعانِقي/ ذئبًا تلـظى قلبُهُ للقاءِ/ إنْ تشربي دمعَ العيونِ فحسبُنا/ أنّي شربتُ هشاشتي ودمائي/ وقعُ الدروبِ يئـنُّ عندَ مرورنا/ وقعُ الحروفِ بسينِها أم فائي/ “ليلى” أحنُّ إلى صباحٍ مشرقٍ/ “ليلى” أتوقُ لليلةٍ ليلاءِ.

الدلو: ولقد دخلتُ إلى دفيئةِ خيمتي/ وجعلتُ منها عزوةً لعزائي/ أضحكْتِني أتعسْتِني أغرقتِني/ أسعدْتِني أجهشْتِني ببكاءِ/ أنتِ النساءُ وأنتِ كلُّ قصائدي/ وسحابةُ الأحلامِ في الضرّاءِ/ ألمي دموعي شمعتي وفراشتي/ شمسي سمائي عتمتي وسنائي.

الحوت: أنتِ السكينةُ في ندوبِ حياتنا/ وأنا أسيرُ متاعبي وعنائي/ ولكم ظفرتُ من الحياةِ بنظرة/ لا قاومتْ شعري ولا إغرائي/ إنّي أتيتـُكِ حاملاً روحَ الصبا/ ما خـطَّهُ الشعراءُ للشعراءِ/ أنتِ النساءُ وأنتِ مَن صنعتْ يدي/ فيكِ اختزلتُ مصائبي وشفائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة