جميل السلحوت: ريتا عودة وجنون الأدب
تاريخ النشر: 17/03/15 | 10:01صدرت مجموعة “أنا جنونك” القصصية للأديبة النّصراوية ريتا عودة عام 2009، وتحوي المجموعة التي يحمل غلافها الأول لوحة لبيكاسو وتقع في 107 صفحات من الحجم المتوسط حوالي خمس وعشرين نصّا قصصيّا.
وهذه هي المرّة الأولى التي أقرأ فيها قصصا لأديبتنا، وكانت مفاجئة لي كوني أعرف أن أديبتنا شاعرة، وتبيّن لي أنّها قاصّة ولها روايتان قصيرتان أيضا كما جاء على غلاف مجموعتها القصصيّة، وجهلي باصداراتها السّرديّة لا ينتقص من أدبها شيئا.
واعترافي هذا يأتي لصالحها طبعا، حيث أنّني من المعجبين بشعرها ولغتها –مع أنّني لا أعرفها شخصيّا- وهذا يعني أنّ شهادتي حول قدراتها الأدبيّة تأتي محايدة لا تأثيرات عليها، وإن كنت أعترف بأنّني لست ناقدا محترفا، وأزعم أنّني أقرأ الأدب وأتذوّقه، وأكتب انطباعاتي الشّخصية حول بعض قراءاتي. وطبعا ستكون لي قراءة لأحد دواوينها الشّعرية، مع تخصيصي هذه القراءة المتواضعة لمجموعتها القصصيّة”أنا جنونك.”
وقد لفت انتباهي في قراءتي لبعض نتاج أديبتنا هو ثروتها اللغويّة الواضحة، وارتكازها في نتاجها على جماليات الّلغة لتخدم مضامين نصوصها، فالّلغة الشّاعريّة واضحة في نثرها أيضا، ممّا يزيد نثرها جمالا على جمال…ونصوصها تشي بثقافتها الرّفيعة، ممّا يثبت بأنّها مطالعة ومطّلعة على الكثير من موروث ثقافتها العربيّة، وثقافات أخرى، ويبدو أنّ دراستها للغة الانجليزية قد أعطاها فسحة أخرى للمطالعة بهذه اللغة، وبالتّالي فإن التّزاوج الثّقافيّ عندها مع موهبتها الأدبيّة ينضح بالتميّز.
وممّا يلفت الانتباه في كتاباتها الأدبيّة أنّها تكتب وتبوح بلسان أنثويّ، أي أنها منحازة لبنات جنسها، وهذه نقطة أخرى لصالحها…وواضح لمن يقرأ نتاجها أنّها تكثر من استعمال البحر والسّمك في نصوصها، وسواء جاء ذلك بشكل مقصود أو عفويّ، فإن لذلك دلالاته الّلغويّة والمعنويّة أيضا…فالبحر عميق لا حدود له، والسّمك هو ابن البحر الذي يعيش في أحضانه أيضا.
وإذا عدنا إلى بعض نصوصها القصصيّة سنجد في بعضها انحيازا لقضايا شعبها وما يعانيه من اضطهاد وتمييز، ويظهر ذلك جليّا في قصّة”الفستان الأحمر” حيث جاء فيها: “بدأت أعبر الشّارع الفاصل كحدّ السّيف بين الحيّ العربيّ المهمل عبر سنوات الجفاف، والحيّ الآخر المزروع بالجنّة”ص9. والحديث عن حيفا طبعا، وهذه إشارة واضحة إلى التّمييز بين العرب واليهود في حيفا المدينة المختلطة، وبالتّالي فإنّ هناك من يقف حائلا بين خروجها من “الحيّ العربيّ المهمل، وبين دخولها للحيّ اليهوديّ”المزروع بالجّنة” تقول: (خطواتي متثاقلة كسلى، صرخ أحد السّائقين الذي كاد يدهسني بشاحنته الضّخمة، “عمياء…الضّوء أحمر.)ص9 وطبعا فإنّ عبور الطريق في الضّوء الأحمر ممنوع، والذي صرخ بها جنديّ طبعا. وهذا الجنديّ يذكّرها بممارسات جنود الاحتلال القمعيّة فماذا كانت ردّة فعلها؟ “بدأت تتراقص في ذاكرتي صور أجساد مبتورة، وبيوت مهدّمة، دموع، هلع، دم، صور تطالعنا بها النّشرات الاخباريّة كلّ يوم، بل كلّ ثانية”ص9. وهي تتعاطف مع أبناء الكادحين والمحرومين أيضا، فالسّاردة التي تتحدّث بلغة”الأنا” في وهي عاملة بسيطة فقيرة تعيل براتبها الذي لا يتجاوز الألفي شاقل أهلها وإخوتها الثمانية، كان في خاطرها أن ترتدي فستانا جميلا أحمر الّلون، رأته معروضا في واجهة إحدى المحلّات، فسألت البائعة عن ثمن الفستان(كم؟ همست ببرود ” ألف”)ص11 ورغم حاجتها الماسّة للألف شاقل إلا أنّها قرّرت شراء الفستان، فأخرجت ألف شاقل من حقيبتها؛ لتدفعها ثمنا للفستان، وكانت المفاجأة:” ابتسمت المرأة بإعياء ولم تتناول المبلغ، ابتسامتها الصّفراء شلّت حواسّي، بعثرت هدوئي، قالت: ألف دولار “تركتْها خائبة و”استدارت لتحيّي امرأة تلفّ جسدها بالفراء”ص12، إذا فالفقراء غير مرحّب بهم في هكذا محلّات.
وفي قصّة “وقد لا يأتي” ص48 تثير أديبتنا قضية غاية في الأهميّة، وهي منع الزّواج بين أتباع الدّيانت المختلفة، فقد صاح والد الفتاة بها:”تخطّطين أن تضعي رأسي في الطين؟” ص48، فردّت البنت التي كانت تنتظر المساعدة من والدتها:”كيف أضع رأسكم في الوحل وأنا أسعى لرباط مقدّس؟ “ص49 فعاجلها بالسّؤال:”هل فاتك أنّه من غير دينك؟”ص49 واجتمع وجهاء العائلة من مناطق مختلفة و”قرّروا أن يقوم أبي وابن عمّي بالمهمّة، ثمّ عاد كلّ إلى تجارته وخمّارته وبقيت وحدي”ص50، وعندما استلّ والدها السّكين وهجم عليها لذبحها:”أجفلتُ…انتفضت كقشّة في مهبّ الحقد…صرخت من قحف رأسي: يمّاااااا…صرخ بي أن أصمت صونا لكرامتي”ص51 وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة كانت تتساءل”متى ترقص الفراشات الحالمة حول قناديل العشّاق؟ متى؟ متى؟”ص51.