المدونــــة الثالثـة والأربعـون البديل من العبريــــة
تاريخ النشر: 29/11/12 | 0:28
كلمات الثناء والمديح:
مرادفات المدح في اللغة العربية كثيرة- من تقريظ ومديح ومَـدْه وثناء وتمجيد وحمد وخمّ…. ونحن في العربية قد نستعمل الكلمة مكان الأخرى، رغم أن هناك فروقًا وضعها اللغويون بين كلمة وأخرى، فالتأبين جعلوه مدحًا للميت، لكنا مع ذلك نجد من مدح الحي به، كما قال الراعي النميري: فرفّـعَ أصحابي المطيَّ وأبَّنوا هنيدةَ فاشتاق العيونُ اللوامح (انظر: ابن السكيت. كتاب الألفاظ، ص 321.) اللغة العبرية فيها ألفاظ مدح كذلك، ولكنا نعرف الفرق بينها من السياق المعاصر، وأرى هنا أن نختار أو نحدد لكل لفظة عبرية ما هو مقابلها أو قريب منها:
פִרְגוּן= إطْراء (مجاملــة) كثيرًا ما نسمع لفظة (فِـرْجون – بالجيم المصرية) في جملنا العربية، كأن يقول القائل: يا أخي أنت لا تعرف الـ (فرجون)- פִרְגוּן، أو باستعمال الفعل (فرجِـنْ) له، وفي رأيي أن نترجمها بما نألفه في لغتنا اليومية- مجاملة، والفعل- هو جامل. ويمكن أن نحدد لها كذلك : إطراء، فهو يُطْـري على صديقه، وهذا الإطراء يسعده. كلمة פִרְגוּן (يشكل ابن شوشان الفاء مشددة= פּ بينما هي في معجم سابير بدون شدة، وجدير أن أذكر أن الكلمة ليست واردة في المعاجم العبرية العربية) هي كلمة من الييديش المحكية- أي غير الرسمية، وكما نعلم فإن الييديش لغة عبرية متمازجة مع الألمانية، واللفظة نفسها تعني في الألمانية (اليهودية). معنى פִרְגוּן في الأصل- أن ننظر بعين الرضا، أن نؤيد ونتسامح ونتساهل في قبول الآخر. أما مجاملة فقد ذكرت في المدونة الأربعين أنها فصيحة، وأن معناها أتى بالجميل، ونحن نجامل بعضنا البعض، باقتناع وبغير اقتناع، فالتسامح والتساهل في قبول الآخر مجاملة، فهي ملائمة لمعنى פִרְגוּן. وأما إطراء فهي ملائمة كذلك، بل هي أفصح في المعاجم، فأطرى الرجل تعني أحسن الثناء، وتعني كذلك مدحه بما ليس فيه، ففي الحديث الشريف: "لا تطروني ….فإنما أنا عبد الله"، ونحن نتخيل المخاطَـبين وهم يستخدمون ما هو على غرار פִרְגוּן اليوم، كما أرى أن الإطراء تعبير ملائم، وخاصة أن الفعل (طرّى) الحديث أو أطراه بمعنى جعله ناعمًا. وفي ذلك قرأت مثلاً نيوزيلانديًا لعل ترجمته تلائمنا هنا: "الإطراء يطرّي الأجواء".
מַחֲמָאָה= ثَـناء اللفظة العبرية (مَحَمآه)- מַחֲמָאָה هي أن نمدح إنسانًا على أمر يتعلق به: جماله، لباسه، صفاته، أعماله…وذلك حتى نبعث السرور في نفسه، ويقابلها بالإنجليزية compliment ، وهي ضرورية للإنسان بين الفينة والأخرى، وفي رأيي أن نخصص لها الثناء، والفعل הֶחֱמִיא يعني أثنى. مرة أخرى يمكننا في كل مرة أن نستخدم لفظة (المدح)، ولكن ما المانع أن يكون هناك تخصيص وتحديد، فهل نسيء بذلك للغة؟ الثناء في أصل اللغة مدح مكرر، وذلك من قولك: ثـنـيْـت الخيط أي جعلته ذا طاقين، وثنَّـيْـته إذا أضفت له خيطًا آخر، وأثنى تكون في الخير وفي الشر كما ورد في المعاجم. إذن فمن المقبول ما دامت الـ מַחֲמָאָה فيها المدح المعاد أن يقابلها الثناء، ويذكرني هذا بما قاله الشاعر ابن الخياط: يهوى الثناءَ مبرّزٌ ومقصّر حبُّ الثناءِ طبيعةُ الإنسان قبل أن أترك اللفظة العبرية מַחֲמָאָה وجمعها מַחֲמָאוֹת فقد وجدتها في المزامير (إصحاح 55، 22): "חֳלְקוּ מַחֲמָאוֹת פִּיו"، ومن الطريف أن مترجم التوراة ترجم النص خطأ، فهي في سفر مزامير: "أنعم من الزبدة فمــه)، فقد ظن أنها من الكلمة (חֶמְאָה)، وكان الأصوب: عذُبَ الثناء في فيه (أو على لسانه). وأقترح كذلك أن نخصص שֶׁבַח للمدح أو المديح عامة השֶׁבַח לָאֵל = الحمد لله، ذلك لأننا عادة لا نمدح الله بل نحمده، ثم إننا نبدأ الفاتحة بقوله تعالى: الحمد لله رب العالمين. فالحمد هو مدح مع الشكر كما ورد في كتب الألفاظ. وأرى أن نخصص תְהִילָּה= تمجيد תְהִילָּה לָאֵל= المجد لله מְהַלֵּל= يمجِّـد في الترجمة المعاكسة أرى أن نترجم (قصيدة المدح)= שִׁיר הָלֵּל (תְהִילָּה)، وذلك بسبب التمجيد الذي في القصيدة والمبالغة في المدح. * * * * بعض الألفاظ العربية القديمة في باب المدح لا يستخدمها اليوم أحد، فنحن لا نقول اليوم مدهـته (بالهاء)، ولا خممته، غير أننا ما زلنا نستخدم (التقريظ) المستقاة من اللغة الصحراوية، فالقَرَظ هو ما يُـدبغ به الأديم، فإذا دُبغ به حسن وصلح، وزادت قيمته، فشبه مدح الإنسان بذلك، كأنك تزيد قيمته بمدحك إياه. وأخيرًا يسأل سائل: وما جدوى المدح أصلاً، ولم نعالج معاني الثناء؟ أجيب بما قاله شوقي: رب مدح أذاع في الناس فضلاً وأتاهمْ بقـــــــــــــدوةٍ ومثــالِ وثناءٍ على فتًى عــــــــمَّ قومًا قيمةُ العِقدِ حسنُ بعض اللآلـي