نص خطاب الرئيس عباس في الامم المتحدة
تاريخ النشر: 29/11/12 | 13:35السيد رئيس الجمعية العامة
السيدات والسادة،
تجيء فلسطين اليوم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي ما تزال تُضمد جِراحها، وتواصل دفن شُهدائها الأحباب من الأطفال والنساء والرجال، ضحايا العدوان الإسرائيلي، وتبحث عن بقايا حياة وسط أنقاض البيوت التي دمرتها القنابل الإسرائيلية في قطاع غزة، فأبادت عائلات بأكملها، برِجالها ونسائها وأطفالها، واغتالت ذكرياتهم وأحلامهم وآمالهم ومستقبلهم، وتوقهم لممارسة الحياة العادية، وللعيش في ظل الحرية والسلام.
تجيء فلسطين اليوم إلى الجمعية العامة لأنها تُؤمن بالسلام، ولأن شعبها وكما أثبتت الأيام الماضية أحوج ما يكون إليه.
تجيء فلسطين اليوم إلى هذا المحفل الدولي الرفيع؛ مُمثل الشرعية الدولية وحاميها، مؤكدين قناعتنا بأن الأسرة الدولية تقف الآن أمام الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين.
وتجيء فلسطين إليكم اليوم في لحظة فارقة إقليمياً ودولياً، كي تكرس حضورها، وتحمي إمكانات وأُسس السلام العادل المأمول في منطقتنا.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
لقد أكد العدوان الإسرائيلي على أبناء شعبنا في قطاع غزة مرةً أخرى على الضرورة الاستثنائية والعاجلة والمُلحة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ونيل شعبنا حريتهُ واستقلالهُ، كما أكد هذا العدوان أيضاً على تمسك الحكومة الإسرائيلية بنهج الاحتلال والقوة الغاشمة والحرب، ما يفرض على الأسرة الدولية الاضطلاع بمسؤولياتها نحو الشعب الفلسطيني ونحو السلام.
ولـهــــذا نــــــــحن هـنا اليـــــــوم
وأقول بألم وحزن شديدين… لم يكن هناك بالتأكيد أحد في العالم بحاجة إلى أن يفقد عشرات الأطفال الفلسطينيين حياتهم كي تتأكد الحقائق التي أشرنا إليها، ولم تكن هناك حاجة لآلاف الغارات القاتلة والأطنان من المتفجرات كي يتذكر العالم أن هناك احتلالا يجب أن ينتهي، وأن هناك شعباً يجب أن يتحرر، ولم تكن هناك ضرورة لحرب مدمرة جديدة كي نُدرك غياب السلام.
ولـهــــذا نــــــــحن هـنا اليـــــــوم
السيد الرئيس
السيدات والسادة
لقد اجترح الشعب الفلسطيني معجزة النهوض من رماد النكبة في العام 1948، والتي أُريدَ بها تدمير كيانهِ وتهجيرهُ وصولاً إلى استئصال وجوده ومحو حضوره المتجذر في باطن الأرض وأعماق التاريخ، وفي تلك الأيام السوداء عندما أنتزع مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم وشردوا داخل وطنهم وخارجه، وقذف بهم من كنف بلادهم الجميلة الناهضة إلى مخيمات اللاجئين، في واحدة من أبشع حملات الاستئصال والتطهير العرقي في التاريخ الحديث، في تلك الأيام السوداء أخذ شعبنا يتطلع إلى الأمم المتحدة كمنارة للأمل والرجاء برفع الظلم وتحقيق العدل والسلام وإحقاق الحقوق، وما زال شعبنا يؤمن بذلك، وينتظر.
ولـــهذا نــــــــحن هـنا اليـــــــوم
السيدات والسادة
في مسيرة نضاله الوطني الطويلة، حرص شعبنا على تحقيق التوافق والتماثل بين أهداف وطرائق نضاله وبين القانون الدولي وروح العصر بمتغيراته ووقائعه، وحرص على ألا يفقد إنسانيته وسمو أخلاقياته وقيمهِ الراسخة وقدراته الخلاقة على البقاء والصمود والإبداع والأمل رغم هول ما لاحقه ويلاحقه إلى الآن من توابع النكبة وأهوالها.
ورُغم جسامة المهمة وثقلها فقد عملت منظمة التحرير الفلسطينية المُمثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وقائدة ثورته ونضاله وعلى الدوام على تحقيق هذا التوافق والتماثل.
وعندما أقر المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 مبادرة السلام الفلسطينية وإعلان الاستقلال الذي استند إلى القرار 181 الصادر عن هيئتكم الموقرة، فقد كان بذلك وبقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات يصادق على قرار تاريخي صعب وشجاع يُحدد متطلبات مصالحة تاريخية تطوي صفحة الحروب والاعتداءات والاحتلال.
لم يكن ذلك بالأمر الهين، ولكننا امتلكنا الشجاعة والإحساس العالي بالمسؤولية لاتخاذ القرار الصحيح لحماية المصالح الوطنية العُليا لشعبنا، ولتأكيد تماثلنا وتوافقنا مع الشرعية الدولية، وهو ما لقي في العام نفسه ترحيب وتأييد ومباركة هذه الهيئة الرفيعة التي تجتمع اليوم.
السيدات والسادة
لقد استمعنا واستمعتم بالتأكيد خلال الشهور الماضية إلى سيل لا يتوقف من حملات التهديد والوعيد الإسرائيلية رداً على مسعانا السلمي والسياسي والدبلوماسي كي تنال فلسطين مكانة دولة غير عضو في الأمم المتحدة، ولقد شاهدتم بالتأكيد كيف تم تنفيذ جانب من هذه التهديدات وبصورة وحشية مُروعة قبل أيام في قطاع غزة.
ولم نسمع من أي مسؤول إسرائيلي كلمةً واحدةً تُبدي حِرصاً صادقاً على إنقاذ عملية السلام، بل شَهِد شعبنا ويشهد تصعيداً غير مسبوق في الاعتداءات العسكرية والحصار وعمليات الاستيطان والتطهير العرقي، وخاصة في القدس الشرقية المحتلة، والاعتقالات الواسعة، واعتداءات المستوطنين وغيرها من الممارسات التي تستكمل مواصفات نظام الأبرتهايد للاحتلال الاستيطاني الذي يقنن وباء العنصرية ويرسخ الكراهية والتحريض.
إن ما يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى التمادي في سياساتها العدوانية وفي ارتكاب جرائم الحرب ينبع من قناعة لديها بأنها فوق القانون الدولي، وأنها تمتلك حصانة تحميها من المحاسبة والمساءلة، وهو شعور يغذيه تخاذل البعض عن إدانة ووقف انتهاكاتها وجرائمها، ومواقف وسطية تساوي بين الضحية والجلاد.
لقد حانت اللحظة كي يقول العالم بوضوح:
كفى للعدوان والاستيطان والاحتلال.
ولهذا نحن هنا الآن
السيدات والسادة
لم نأتِ إلى هنا ساعين إلى نزع الشرعية عن دولة قائمة بالفعل منذ عقود هي إسرائيل، بل لتأكيد شرعية دولة يجب أن تقام سريعاً هي فلسطين، ولم نأت هنا كي نضيف تعقيدات لعملية السلام التي قذفت بها الممارسات الإسرائيلية إلى غرفة العناية المركزة، بل لإطلاق فرصة جدية أخيرة لتحقيق السلام، ولا يستهدف مسعانا الإجهاز على ما تبقى من مفاوضات فقدت جدواها ومصداقيتها، بل هو محاولة لبث روح جديدة في احتمالاتها ووضع أساس متين لها، استناداً إلى مرجعيات القرارات الدولية، إذا أريد لها أن تنجح.
السيدات والسادة
باسم منظمة التحرير الفلسطينية أقول: لن نملّ ولن نكلّ ولن يفتُرَ تصميمنا على مواصلة السعي لتحقيق السلام العادل.
ولكن وقبل كل شيء وبعد كل شيء، أُؤكد أن شعبنا لن يتنازل عن حقوقه الوطنية الثابتة كما حددتها قرارات هيئات الأمم المتحدة، وشعبنا متمسك بحقه في الدفاع عن نفسه أمام الاعتداءات والاحتلال وسيواصل المقاومة الشعبية السلمية، وملحمة الصمود والبناء فوق أرضه، وسينهي الانقسام ويعزز وحدته الوطنية، ولن نقبل إلا باستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس فوق جميع الأراضي التي احتلت عام 1967 لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل، وحل قضية اللاجئين على أساس القرار 194، حسب منطوق المبادرة العربية للسلام.
غير أننا نُكرر هنا التحذير مرة أخرى: إن نافذة الفرص تضيق، والوقت ينفد سريعاً، وحبل الصبر يقصر، والآمال تذوي، إن الأرواح البريئة التي أزهقتها القنابل الإسرائيلية لأكثر من مائة وثمانية وستين شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء وبينهم 12 فرداً من عائلة واحدة هي عائلة الدلو في غزة، لهي تذكير مؤلم وجارح للعالم بأن الاحتلال العنصري الاستيطاني يجعل حل الدولتين وإمكانية السلام خياراً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.
إنه وقت العمل ولحظة التقدم إلى الأمام.
ولـهــــذا نــــــــحن هـنا اليـــــــوم.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
إن العالم مُطالب اليوم بأن يُجيب على سؤال محدد كررناه دائماً:
هل هناك شعب فائض عن الحاجة في منطقتنا؟
أم أن هناك دولة ناقصة ينبغي المسارعة والتعجيل بتجسيدها فوق أرضها هي فلسطين؟
إن العالم مطالب اليوم بأن يُسجل نقلة هامة في مسيرة تصحيح الظلم التاريخي غير المسبوق الذي أُلحق بالشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948.
إن كل صوت يُؤيد مسعانا اليوم هو صوت نوعي وشُجاع، وكل دولة تمنح التأييد اليوم لطلب فلسطين نيل مكانة دولة غير عضو تثبت بذلك دعمها المبدئي والأخلاقي للحرية وحقوق الشعوب والقانون الدولي والسلام.
إن تأييدكم اليوم لمسعانا سيبعث رسالة مبشرة لملايين الفلسطينيين على أرض فلسطين وفي مخيمات اللاجئين في الوطن والشتات وللأسرى مناضلي الحرية في السجون الإسرائيلية بأن العدالة ممكنة، وأن الأمل مبرر، وأن شعوب العالم لا تقبل باستمرار الاحتلال.
ولـهــــذا نــــــــحن هـنا اليـــــــوم
إن تأييدكم لمسعانا اليوم سيكون سبباً للأمل لدى شعب محاصر باحتلال استيطاني عنصري، وبتقاعس يصل إلى حد التواطؤ عن لجم العدوانية الإسرائيلية، وبحالة شلل يراد فرضها على إرادة المجتمع الدولي، فتأييدكم سيؤكد لشعبنا أنه ليس وحيداً، وأن رهانه على التمسك بالشرعية الدولية لم ولن يكون رهاناً خاسراً.
ونحن في مسعانا اليوم كي تنال فلسطين مكانة دولة غير عضو في الأمم المتحدة، نُجدد التأكيد أن فلسطين ستتمسك على الدوام باحترام ميثاق وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني وتكريس
المساواة وضمان الحريات العامة وسيادة القانون وتعزيز الديمقراطية والتعددية وصيانة وتدعيم حقوق المرأة.
وكما وعدنا اصدقاءنا وإخواننا، فإننا سنستمر في التشاور معهم إن صادقت هيئتكم الموقرة على طلب رفع مكانة فلسطين، وسنتصرف بمسؤولية وإيجابية في خطواتنا القادمة، وسنعمل على تعزيز التعاون مع دول وشعوب العالم من أجل السلام العادل.
السيدات والسادة
قبل 65 عاماً وفي مثل هذا اليوم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 الذي قضى بتقسيم أرض فلسطين التاريخية، وكان ذلك بمثابة شهادة ميلاد لدولة إسرائيل.
بعد 65 عاماً وفي نفس اليوم الذي أقرته هيئتكم الموقرة يوماً للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، فإن الجمعية العامة تقف أمام واجب أخلاقي لا يقبل القيام بأدائه تردداً، وأمام استحقاق تاريخي لم يعد الوفاء به يحتمل تأجيلاً، وأمام متطلب عملي لإنقاذ فرص السلام، لا يتقبل طابعه الملح إنتظاراً.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة اليوم بإصدار شهادة ميلاد دولة فلسطين.
ولهذا السبب بشكل خاص نحن هنا اليوم
وشـــــــــــكراً.