القيادة البلديه.. والقيادة الأيدولوجية!

تاريخ النشر: 08/12/12 | 1:08

التحامل على نوابنا بهذا الزخم ليس مجديا وليس منصفا لأننا نحمّل المسؤولية لمن لا قدرة لهم أصلاً على تغيير الواقع, ولأن ما يقومون به من مساهمة تشريعية من اجل تحسين ظروفنا لا يحظى بتغطية اعلامية منصفة. اذا اردنا محاربة الآفات الاجتماعية ونطوّر بلدنا علينا ان نؤهل كوادر من القيادات المحلية التي ترتكز على ناشطين اجتماعيين ومدراء يتحلون بروح الانتماء الى البلد

هنالك تحامل من الحائط الى الحائط على أعضائنا في البرلمان الاسرائيلي من قبل اوساط واسعة في المجتمع- مواطنين ومحللين وصحفيين وباحثين وحتى المؤسسة الحاكمة. يُتهم نوابنا بأنهم منشغلون في الصراع العربي الاسرائيلي على حساب معالجة قضايا المواطنين وعجزهم في المساهمة بتطوير البلدان العربية ودرء الأخطار المحدقة بها. هنالك أيضا ادعاء بأن آليات النضال الحالية المرتكزة على الاحتجاج التي يستعملها نوابنا غير قادرة على احقاق المساواة الفعلية او تحصيل أي نتائج ملموسة على ارض الواقع.

لا أظن ان التحامل على نوابنا بهذه الصورة وبهذه الحدّة وبهذا الزخم مجديا او منصفا لأننا نحمّل المسؤولية لمن لا قدرة لهم أصلاً على تغيير الواقع. كيف نحمّل المسؤولية لمن لا يملك الصلاحية؟ كيف نتّهمُ لاعبي كرة القدم الجالسين على دكة الاحتياط بعدم تسديد الأهداف؟! قد يستطيع نوابنا التأثير على أحوالنا بشكل ايجابي لو قاموا بالاشتراك في الائتلاف الحكومي واشتراط دخولهم بتقديم معونات للبلدان العربية كما تفعل باقي الأحزاب, لكن هذا أمر مرفوض على أغلبية المواطنين العرب لأسباب غنية عن التعريف. أضف الى ذلك, حتى لو قام نوابنا بتمرير قوانين من شأنها ان تساهم في المساعدات التي تقدم للسلطات المحلية العربية او في تحسين شروط الأحقية لمخصصات التأمين القومي او غيرها من الامور التي تخص العرب فأنها لا تحظى بأية تغطية اعلامية. اذا كان الحال على ذلك فلماذا نتهم نوابنا بالتقصير وبعدم تلبية مطالبنا؟ انا أقترح ان نخفف من حدة اتهام نوابنا بسوء حالنا وان ندين “المتهم الحقيقي” وهو حكومة اسرائيل التي تملك الصلاحيات وترصد الميزانيات وتنصب السياسات من اجل افقارنا وتهميشنا وخنقنا في رقع سكنية مكتظة وتحويل بلداتنا لثكنات سكنية اشبه بمخيمات اللاجئين.

السؤال الاكبر هو “وماذا يفيد الاتهام؟” وهل على “الاتهام وحده يحيا الانسان”؟ لندع نوابنا يقارعون السلطة ويفضحون سياستها وأعمالها ويتصدّون لتفوهات اليمين العنصرية ولنقنع انفسنا أن ما يقوم به نوابنا هو عمل قومي هام من أجل الحفاظ على الهوية القومية وأن لا ننضم الى جوقة المحرضين عليهم من قبل المؤسسة الحاكمة ووسائل الاعلام المجندة وقطعان المستوطنين التي تريد سلخنا عن هذه الارض. عندما تتماثل الادعاءات التي يُطلقها اليمين تجاه نوابنا مع ادعاءاتنا كمواطنين فهذا ناقوس خطر يوجٍب التوقف عنده واعادة النظر لترتيب الاوراق من جديد. لا يُعقل ان تلتقي “مصالحنا” مع مصالح غريمنا.

اذا كانت حكومات اسرائيل متنصلة لحقوقنا المشروعة ولا تبغي سد الفجوات القائمة بين العرب واليهود, ونوابنا عاجزون عن احقاق المساواة لرفضهم المشاركة في أي ائتلاف حكومي, وسلطاتنا المحلية تقبع في ديون وعجوزات مالية لا اول لها ولا آخر, إذا من أين ستأتي نصرتنا؟ وهل ان نستسلم لليأس واللامبالاة ونتنازل عن حقوقنا؟ اذا اردنا محاربة الآفات الاجتماعية السائدة في بلداننا العربية كالعنف والفوضى والتعدي على الصالح العام واذا اردنا تحسين الخدمات البلدية علينا ان نبني كوادر من القيادات المحلية التي تتحلى بروح الانتماء الى البلد وتقوم بمشاريع ونشاطات تعود بالنفع على البلد. واذا كانت روح الانتماء معدومة او ضعيفة فمطلوب من مبادرينا وناشطينا احياؤها ومن ثم تسخيرها من اجل رفع مستوى المعنويات وتفجير الطاقات الكامنة في البلد.

هنالك مساران يستطيع “قادتنا المحليين” سلوكهما من أجل تحقيق اهدافنا والنهوض بالبلد, الاول هو اقامة أطر عمل تعنى بمجالات الحياة المختلفة التي تقوم بأعمال ونشاطات بالاعتماد على الروح التطوعية وعلى اموال مجندة ورسوم انتساب ومشاريع داعمة وغيرها. المسار الثاني, هو تطوير القدرات القيادية لدى مدرائنا في السلطات المحلية والمدارس الرسمية والمراكز الجماهيرية والعيادات الصحية وباقي المؤسسات الجماهيرية المتواجدة في كل بلد. كل “مدير مدرسة” و”مدير عيادة” و “رئيس قسم” في السلطة المحلية يجب ان يرى بنفسه قائدا. صدقوني لو قام هؤلاء بالتصرف “كقادة مجتمع” او “كمرسلي جمهور” وليس كموظفي سلطة الذين لا هم لهم غير قبض المعاش ونفش الريش لكانت احوالنا احسن بكثير مما عليها اليوم.

ان القيمة الوحيدة التي يمكن ان تدفع بناشطينا الاجتماعيين بأخذ دور فعال في مجتمعهم وان يقوم “مدراؤنا” بتقلد قبعة القادة هي روح الانتماء الى البلد التي ينبغي ان يتبناها كل واحد منهم ويعمل على نشرها والالتزام بها. حسب رأيي المتواضع, لن تتطور قيمة الانتماء الى البلد اذا استمرينا بانتخاب ممثلينا في السلطات المحلية حسب معايير غير موضوعية. كلنا نعرف ان “الديموقراطية التوافقية” بين الشرائح الانتخابية المبنية على العائلية والطائفية والمصالح الشخصية هي الطريقة التي يستعملها رؤساؤنا من اجل الوصول الى دفة الحكم, وهذا يقطّع اوصال روح الانتماء الى البلد لسببين الاول هو إضعاف الشرعية لرؤسائنا ومنتخبينا وإبعاد أي احتمال لإلتفاف المواطنين حول السلطة المحلية او الاستجابة لقوانينها وتعليماتها او دفع الضريبة التي تفرضها. بدون ديمقراطية حقيقية تعتمد على النزاهة وعلى اختيار المرشحين حسب سيرتهم الذاتية والاجتماعية والوطنية وقدرتهم على نصب البرامج الانتخابية واستعدادهم للمحاسبة لن يكون هنالك أي شعور بالانتماء.

بدون انتماء للبلد المستمد من الانتماء الى الوطن سنظل قابعين في اماكننا تاركين المجال للآفات الاجتماعية تنهش بلحمنا وتقوّض مجتمعنا. من المفرح والمحزن بنفس الوقت ان تكون تقوية روح الانتماء غير منوطة بسياسة الحكومة ولا بالميزانيات ولا بالوضع الاقتصادي بل تتعلق بكل واحد منا وبقراره الشخصي هل يتبنى هذه القيمة ام لا؟

بقلم:د. رفيق حاج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة