شعب يعدم بدم بارد وقضاء يتلعثم
تاريخ النشر: 26/03/15 | 16:30في إسرائيل، يُعدم بها الفلسطينيون بدمٍ باردٍ، ويُعتدى على مُقدّساتِهٍم وَمساجدهِم وكنائسِهِم في كلّ زمانٍ ومكان، ومن لا يَحرِقُه “المستوطنون المتطرّفون” يقتله رجال الشرطة! لتُصبحَ الشّرطةُ من خلفِهِ، والحرقُ من أمامِهِ فلا مفرَّ أو مهربَ إلا أن تبتلعهُ الأرضُ أو أن ينعمَ بالتّنفسِ خارجَ حدود الدّولةِ!، هذا هو لسان حال اهل الشهداء خير حمدان وسامي الزيادنة وسامي الجعار وغيرهم العشرات ممن طالهم رصاص الشرطة فأرداهم قتلى،
انه الواقع الذي ارسل رؤوف حمدان ابن كفركنّا والد الشّهيد خير الدّين الّذي أُعدمَ على يدِ رجالِ الشّرطةِ بدمٍ باردٍ، ليبحث عن إنصافه في المحافل الدولية والانتقال إلى الشَّقِّ الثّاني من العالم، لعلّ قضيّة الإعداماتِ الميدانيَّةِ بِحقّ الفلسطينيين، تحرّك إنسانيّتهم…
رحلةُ البحثِ عن العدالةِ المفقودةِ!
هذا ما قامَ به وفدٌ من الدّاخل الفلسطينيّ في الأسبوع الماضي حيثُ شاركَ في مؤتمرٍ لمجلسِ حُقوقِ الإنسان التّابع للأممِ المُتّحدةِ في “جنيف” بسويسرا، حيثُ كُرِّسَ المُؤتمر لمناقشةِ العنفِ والاعتداءات ضدَّ الأقلّيّاتِ العِرقيّةِ داخلَ الدّولِ المُختلفةِ. وقد تضمَّنَ الوفدُ مُحامين من مُؤسّسة ميزان لحقوقِ الإنسان – النّاصرة المُمثّل بالمحامين فراس دلّاشة – رئيس المؤسّسة –، المحامي مصطفى سهيل – مدير المؤسّسة، المحامي عمر خمايسي، المحامي أحمد أمارة، مركّز عدالة الممثّل بالأستاذ صلاح محسن، الناشطة الحقوقيّة ناديا يوسف، ووالد الشّهيد خير الدّين حمدان وعمّ الشّهيد السّيّد رافع أمارة من كفركنا.
نُعزِّزُ موقفَنَا على صَعيدٍ عالميٍّ
أَخذتْ لجْنَةُ الحُرّيّاتِ على عاتِقِها طَرْحَ قضايا الشّهداءِ في المَحافِلِ الدّوليّةِ، والسّؤال: هل هذا بديلٌ للقضاءِ الإسرائيليِّ؟ عن هذا أجابَ الشَّيخ رائد صلاح رئيسُ لجنَةِ الحُرّيّاتِ، بالقولِ:” مِنَ الواضِحِ أنّ القُضاةَ في دائِرَةِ القضاءِ الإسرائيليِّ كثيرًا ما يَتَأثّرونَ بالرّأيِ العامِّ الإسرائيليِّ، ولذلكَ نَحْنُ لا نَطْمَع بأن نُحقِّقَ عدالةَ مَوقِفِنَا على هذا الصَّعيدِ وَلكن لا نُقاطِع بِالمُطلَقِ بلْ نُحاول أن نُعزِّزَ مَوقِفَنا على صَعِيدٍ عالمِيٍّ من خِلالِ التّوجّهِ إلي المَحافِلِ الدّوليّةِ وهذا ما سارت إليه لجنةُ الحُرّيّاتِ بالتّعاونِ مع مؤسسة ميزان ومركز عدالة ووالد الشّهيد خير الدّين حمدان والإخوة طاقم المُحاميينَ المتطوّعينَ مِن كفركنّا واللجنةِ الشّبيّةِ في كفركنّا، كلّ هذهِ المجموعة سارت بهذا الاتّجاه، والحمدُ لله ربّ العالمين خَطَوْنا خُطوةً هامّةً إلى الأمامِ”.
الشّرطَةُ بَينَ الأمْسِ واليومِ!
وَفي سُؤالِنا عن مُمارساتِ الشّرطةِ تجاه المواطنينَ العرب وسيرها نَحْوَ التّصعيدِ، قال الشّيخ رائد صلاح: ” في تَصَوّري “لا يَنْتَطِح فيها عَنزان” كما يقالُ في المَثَلِ العَرَبِيِّ الفصيحِ، من يُتابِع سُلوكيّاتِ الشّرطةِ الإسرائيليَّةِ يجدُ أنّها بدأتْ في حالَةِ تصعيدٍ ضِدَّ جَماهيرِنَا في الدّاخِلِ حيثُ كانَ الأمرُ فِيْمَا مَضى يَقِفُ عِندَ حُدودِ اعتقالاتٍ عَشوائِيَّةِ أو ضَرْبٍ عشوائِيٍّ أمّا الآن وكما هُوَ واضِحٌ للأسفِ فَقَد باتَ هُنالكَ تَنفِيْذُ حُكمِ الإعدامِ الميدانِيِّ ضِدَّ شَبابِنَا وهذا ما وَقَعَ على الشَّهيدِ خير الدّين حمدان والشّهيدِ سامي الجعّار والشّهيد سامي الزّيادنة.
هلْ سَيلْجمُ تَدْويل قضيةِ الشّهداءِ مُمارساتِ رِجالِ الشّرطَةِ؟!
عنْ إذا كانت المَحافلُ الدّوليَّةُ سَتلجِمُ مُمارساتِ الشّرطةِ، أجابَ فضيلةُ الشّيخ صلاح: ” نَحْنُ نَطْمَعُ في مُواصَلَةِ رَفْعِ قَضايانا على مُستوى دُولِيٍّ وعلى مُستوى هيئةِ حقوقِ الإنسانِ التّابعة للأممِ المُتّحدةِ، وَعلى مُستوى المؤتَمَرِ السّنويِّ الذي شارَكَ به الإخوةُ قبلَ أيّامٍ، حَقيقةً نَحْنُ نطمعُ أوّلا بأن نُوَضِّحَ حقيقَةَ العُنصريَّةِ الإسرائيليّةِ وَنَجتَهِدُ أنْ نُؤكِّدَ أنَّ هذه العُنصريّة تَتَناقَضُ مَع المواثِيقِ الّتي وَقَّعَتْ عليها المؤسّسةُ الإسرائيليّةُ وَالّتي تَتَعَلَّقُ بِحُقوقِ الإنسانِ، وَفِي نفسَ الوَقْتِ نُحاوِلُ أن نُؤكِّدُ أنّ هذهِ التّجاوزات تَزْدَادُ، وَيَعْنِي ذلكَ أنَّ هُنالكَ حاجَة مُلِحَّة لِمُساءلَةِ المؤسّسةِ الإسرائيليّةِ مِن قِبَلِ الهيئاتِ الدّوليّةِ، نَحْنُ نَطْمَعُ بعدَ ذلكَ بإنزالِ العُقوباتِ الّتي تَتَناسَبُ مَع بَشاعَةِ الجرائِمِ الّتي قامتْ بِها بَعضُ عَناصِرِ الشُّرطَةِ الإسرائيليَّةِ.
هل يُعتبرُ الضّغطُ الدّوليّ مُجديًا؟!
هذا ما عبّرتْ عنهُ المؤسّسات الحقوقيّة مثل ميزان وعدالة ومؤسّسات أخرى، في المحافلِ الدّوليّةِ، وطرحها لقضايا شعبنا المُتشعّبة والمُختلفة، حيث أكّدَ الاستاذ صلاح محسن من مركز عدالة قائلا : جزء من هُويّة مؤسّساتِ حقوقِ الإنسانِ هو كتابة تقاريرٍ للأممِ المتّحدةِ وهيئاتها المختلفةِ عن وضع الفلسطينيين في الدّاخل، وهو ما نقومُ به بشكلٍ دائمٍ منذ 15 عامًا، حيثُ نُقدّم تقارير للجان الأمم المتّحدة الّتي تُراجعُ التّجاوزات الإسرائيليّة ومدى التزام إسرائيل في المعاهداتِ الدّوليّةِ الّتي وقّعتْ عليها. إضافة إلى تقديمِ تقاريرٍ للجانِ الأمم المتّحدة في شؤونِ الحُقوقِ السّياسيّةِ والمدنيّة، لا نكتفي بالتقارير بل نذهب إلى الأممِ المُتّحدةِ للمشاركة في جلساتٍ مُختلفةٍ لِنُسْمِعَ صَوتَنا ولنُشكِّلَ ضغطًا على بعثاتِ الدّولِ المُختلفةِ كي تدعَمَ قضايانا وتشارك في مساءلةِ إسرائيل حول انتهاكِ حقوقِ الإنسان الفلسطينيّ في الدّاخل.
وحول ما إذا كانتِ المؤسّسات الحقوقيّة من الداخل الفلسطيني تلمِسُ تَعاطفًا مع قضايا شعبِنا في الدّاخل الفلسطينيّ قال الاستاذ محسن: ” هنالكَ عشراتُ التّقارير من الأممِ المتَّحدةِ الّتي تُدينُ سياسات إسرائيل تجاهَ المواطنينَ العرب نَحْنُ نعتقدُ أنّ هنالكَ أثرا تَراكميّا لهذهِ التّقارير ولهذه الشّكاوى، فقد ساهم الضّغطُ الدّوليُّ في إيقافِ بعض المشاريع والسّياسات، إلى جانبِ النّضالاتِ الأخرى، كالنّضالِ الشّعبيِّ والقانونِيِّ. فالهدف أن تشعر إسرائيل أنّها لا تعمل في الظلام! بل ان تشعرَ أنّها مراقبة دومًا.
خرقُ إسرائيل لالتزاماتها!
وَعن رَدِّ البعثةِ الإسرائيليّة على هذا الحِراك الحقوقيّ، أضافَ محسن:” إسرائيل تستثمرُ جُهودًا جبّارةً للردِّ على توجهاتِنا المختلفةِ في الأممِ المُتّحدةِ وهي تأخُذُ بجدّيّةٍ كبيرةٍ كلّ ما نقوم بهِ، ونحنُ نعلم أنّها تستثمرُ الكثيرَ من أجلِ مُحاولةِ الرّدِّ على ادّعاءاتنا. فإسرائيل تعملُ في عدّةِ مجالات لصدِّ توجّهاتنا، فهي تُعِدُّ تقاريرً تُحاولُ من خلالها تفسيرَ ادعاءاتنا كالاعتراف بالتّمييزِ أحيانًا وأنّ الدّولةَ بصددِ إصلاحِهِ! وأحيانًا تقولُ للدولِ الأخرى أنّ الفلسطينيين في الدّاخل هم شأنٌ إسرائيليّ داخليّ وأنّه لا يجوز للدولِ الأخرى التّدخّلَ في هذا الشّأنِ ولكنّنا نُحاول أن نُثبتَ أنَّ الموضوعَ هو خَرقٌ إسرائيل للقوانين والمواثيق الدولية التي وقعَّتْ عليها.
الدّمعة التي أبكتِ الحُضورَ
“عِنّا رجال بنشد فيها الظّهر، الله يقوّيهن ويكثّر من أمثالهن”.. بهذهِ الكلماتِ البسيطةِ افتَتَحَ عبد الرّؤوف حمدان، والد الشّهيد خير الدّين حديثه في زيارتِهِ الأخيرةِ لمقرِّ الأممِ المتّحدةِ في “جنيف” بسويسرا، مشيرًا الى أنّ لجنة الحرّيّات برئاسةِ الشّيخِ رائد صلاح، والمؤسّسات الحقوقيّة ميزان وعدالة، والوفد المشارك، كانوا سببَ مشاركَتِهِ في المؤتمر، وأكّدوا للمؤسّسة الإسرائيليّة أنّه ” ما بضيع حقّ وراءه مطالب”!
ذاكرًا أنّ الجهودَ الّتي بُذلتْ من المؤسّساتِ الحُقوقيّةِ ولجنةِ الحريّات لإيصال قضيَّةِ الشّهداءِ وابْنِهِ الشّهيد خير الدّين للمحافِلِ الدّوليّةِ تفوقُ كلَّ التّوقّعات، وقد لاقتْ تعاطفًا كبيرًا من قبلِ الحضورِ، وأحرجَتِ الشّرطة الإسرائيليّة والمؤسّسة الحاكمة.
“بدّي حقّي”!
وعن نَصِّ الرّسالةِ الّتي ألقاها في المؤتمر الدّوليِّ قال: ” شكّلتْ قضيّةُ الشّهيدِ خير الدّين صَدمةً قويّةً لكلّ الحضورِ وهذا ما لمستُهُ من خلال خِطابي والفيديو الذي نشرَ، وأذكرُ جيدًا عندما ذرفَتْ عيني الدَّمعَ، بكى بعضُ الحضورِ تأثّرًا بالموقفِ”.
وجاءَ في نصِّ الرِّسالةِ:” أنا الماثِل أمامكم اليوم، عبد الرؤوف حمدان أمارة من قرية كفركنّا في منطقةِ الجليلِ، مواطنٌ عربيٌّ فلسطينيٌّ في دولة إسرائيل، عمري اليوم 52 سنةً. كنتُ أعملُ في أعمالِ البناءِ والحجرِ منذ كانَ عُمري 18 سنةً، بنيتُ نفسي، وكوّنتُ عائلتي من خلالِ العملِ الشّاقِّ، وبعدَ حوالي ثلاثين عامًا من العملِ، أصبحتْ لديَّ عائلة مكوّنةً من زوجةٍ وأربعِ بناتٍ وأربعةٍ أبناءٍ.
من بينِ أبنائي كان لي ابنٌ اسمهُ خير الدّين الذي كان من المفروضِ أن يحتفلَ بميلادِهِ الثالثَ والعشرينَ في تاريخِ 3- 29 الجاري. امتازَ خيرُ الدّين بموهبةِ الرّسمِ، كان فنّانًا أيضا في بنايةِ الأحجارِ والنّقوشِ عليْها.
لخير الدّين كانت أحلام عديدة، كان حلمهُ أنْ يُصبحَ رسّامًا شهيرًا، كان يحلم أن يبنيَ بيتَهُ وأنْ يَتَزَوَّجَ ويكوّنُ عائلةً، وقد بدأَ بتحقيقِ جزءٍ من أحلامِهِ حين بدأ ببناءِ بيتِهِ الذي خطَّطَ أن يحميَهُ هو وزوجته من قسوة الحياة.
كان ابني يَبني ويحلمُ، وكنّا نحلم مَعَهُ، وهكذا نَما حلمُنا الكبير.ولكنَّ! رصاصَ الشّرطةِ الإسرائيليّةِ قَتَلَ هذا الحلمَ! كان ذلك يوم 8-11-2014، عندما قامَ أفرادُ الشّرطةِ الإسرائيليّةِ بإطلاقِ الرّصاصِ على ابني وإعدامِه في الشّارع العامّ.
لم يكن ابني خير الدّين في يومٍ من الأيّامِ من الّذينَ ارتكبُوا مخالفاتٍ قانونيّةً، وسوابقَ جِنائيّةً، ومع ذلكَ قتلهُ أفرادُ الشّرطةِ، برصاصِ الغَدْرِ، في الوقتِ الّذي لم يكنْ يُشكّلُ أيَّ خطرٍ عليهم، ولم يكنْ هنالكَ أيّ سببٍ لإطلاقِ النّارِ. “واري دان” سأل وزيرُ الشّرطةِ، هلْ هكذا كانتِ الشّرطةُ ستتصرّفُ لو كان ابني يهوديًّا من تل أبيب؟! وختمَ قائلا” بدّي حقّي، وحقّ ابني”..
لماذا لمْ يشاهدْ والدُ الشّهيدِ خير الدّين فيديو إعدام ابنه؟!
ويضيفُ والدُ الشّهيدِ في حديثهِ مع مراسلِنا أنّه حتّى هذهِ اللحظةِ لم يشاهدِ الفيديو الّذي يوثّقُ لحظةَ إعدامِ ابنه خير الدّين، وهذا ما فاجأَ الحضورَ خلالَ مؤتمرِ مَجلسِ حُقوقِ الإنسانِ، عندما تجَنَّبَ مشاهدةَ فيلمِ الإعدام الميدانِيِّ” الّذي أعدَّتْهُ مؤسّسة الأندلس عن الشّهيدِ خير الدّينِ حمدان، مُشيرًا الى أنّه لم يشاهدْ لحظةَ إعدامِ ابنهِ خوفًا من ردَّةِ فعلِهِ، وما يحملُ الفيديو من مشاهِدَ قاسيَةٍ من قِبَلِ رِجالِ الشُّرْطَةِ.
شكرًا
ثَمَّنَ والدُ الشّهيدِ الجهودَ المُباركةَ الّتي تقومُ بها لجنةُ الحرّيّاتِ برئاسةِ الشَّيخِ رائد صلاح، مؤسّسة ميزان ومركز عدالة وطاقم المحامين: الدكتور المحامي أحمد محمّد فيّاض أمارة و المحامي عمر شحادة خمايسي من مؤسسة ميزان، مدير مؤسّسة ميزان المحامي مصطفى سهيل، رئيس مؤسّسة ميزان المحامي فراس دلّاشة، والمحامي صلاح محسن من مؤسّسة عدالة، والنّاشطة في عدالة المحاميّة نادية يوسف ولطاقم المحامين الّذين تعبوا أيضًا وهم: المحامي خالد وليد أمارة، والمحامي سامر عصام أمارة.
شكوى للمقرّر الخاصّ
وفي نفسِ السّياق أشارَ الدّكتور المحامي أحمد أمارة بأنّه كان قد قدّم الشّكوى قُدّمتْ بشكلٍ مُشتركة كٍ للمقرّر الخاصّ بالقتلِ خارجَ القضاءِ وكذلك للمقرّرة الخاصّة لشؤون الأقلّيّات، بتوكيل من العائلة ومن لجنة الحريات. وكان قد تم تقديم الشكوى بأسم كل من عائلة الشهيد، مؤسسة الميزان وجمعية عدالة بشراكة ودعم من طاقم محامي المؤسستين. وهي شكوى مشتركة لهذينِ الجسمينِ، هذا وكان قد تم تقديم الشكوى منذُ شهرينِ، وقد تَمثَّلَتْ الزيارةُ الأخيرةُ بمتابعة هذه الشكوى وبعقد جلسات خاصة بشأنها وبشأن حالات القتل الاخرى التي تمت بعد تاريخ تقديم الشكوى.
وأضافَ الدّكتور أمارة قائلًا: ” كان من المهم أنْ يتواجدَ والدُ الشَّهيدِ برفقتِنَا بهدفِ الرَّبْطِ بين المعلوماتِ والحقائقِ الّتي قُدّمَتْ والشَّخصيّة الماثلة أمامَ مجلس حقوق الإنسان، علمًا أنّ هنالكَ الآف القضايا التي تصلهم، وفي هذه الزّيارة صادفتِ الدّورة الـ 28 لمجلسِ حُقوقِ الإنسان الّتي عرضت فيها المقرّرة الخاصّة لشؤون الأقلّيّات كانت تُعِدُّ تقريرًا خاصًّا سنويًّا لها. كان من المهمِ لنا بشكل موازٍ لطرحِ التّقريرِ، التّركيز على قضيَّةِ عنف الشّرطةِ والتّمييز ضدَّ المجموعاتِ المقهورةِ بغض النّظر إنْ كانت أقلّيّةً أو تُشكّل الأغلبيّة. واعتمادًا على التّقريرِ الذي طُرِحَ حدَّدْنا جلسةً وقمْنا بترتيبها مع جمعيّاتٍ أمريكيّة بالأساس، الّتي تختَصُّ بكلِّ القضايا المُشابهة بشأن عنف الشرطة ضد المجموعات المضطهدة. حاولنا أنْ نستغلَّ الفُرصةَ وأنْ نُوصِلَ القضيَّةَ لمستوى عالمِيٍّ، بحيثُ تركَّزَتِ الجلسةُ بالأساس على قضايا شعبِنا الفلسطينيِّ، والسّودِ في الولاياتِ المُتَّحِدَةِ.
وَتابَعَ الدّكتور أمارة: ” حضَرَ الجلسة 7 متحدّثين، وهي شراكة عملٍ بين عائلة الشّهيدِ، ومؤسّسة ميزان وعدالة، بالتّنسيقِ مع لجنةِ الحرّيّاتِ، عندما اِنطلقْنا بموضوعِ المرافعةِ الدّوليَّةِ كان من خلال الاجتماعاتِ الّتي كانت مع لجنةِ الحُرّيّاتِ والشَّيْخِ رائد صلاح، وأنا شخصيًّا أخذتُ على مسؤوليّتي أن أُقدّمَ الشّكوى باسمِ العائلةِ وباسمِ المؤسّساتِ الحقوقيّةِ.
وعنْ مُداخلتِهِ في الجلسَةِ أشارَ الدّكتور أمارة أنّها كانتْ عبارةً عن عمليّةِ تحليلٍ واسع وجماعِيٍ لقضايا لا تتعلّق فقط بالقتلِ، بل تمَّ ربطُ قضيَّةِ مَقْتَلِ الشَّهيْدِ خير الدّينِ وسامي الجعّار وسامي الزيادنة، وقتلِ السُّودِ بالولاياتِ المتّحدةِ، وربطها بشكلٍ على مستوى أوسع.
وزادَ أمارة أنّنا نتعاملُ مع منظومةٍ سياسيّةٍ وقانونيّةٍ، الّتي تُحاولُ أن تبنيَ منظومةَ السّيّدِ والعبدِ، بمعنى آخر أنَّ اليهودَ هم الأسياد والعرب هم العبيد إضافة إلى التّمييز العنصريّ في الولاياتِ المتّحدةِ بين البيضِ والسّودِ. ولتحافِظَ هذه المنظومةُ على علاقةِ الأسيادِ تَخلقُ دائِمًا ممارساتٍ سياسيّةً واجتماعيّةً وقانونيَّةً لتبقيْها في الأعلى، وتبحث بالوقت ذاته عن تبرير تلك الممارسات وعرض نفسها كمؤسسة ديمقراطية. ولفهم أفضل لتلك الممارسات لا بد من العودة للسياق التاريخي لاستعمار فلسطين وللعبودية ضد السود، والنظر لحالات القتل والتمييز كاستمرارية لتلك الانتهاكات التاريخية. ولذا من المهم، على الرغم من محدودية العمل القانوني الدولي والسياسة حول تطبيقه تجاه إسرائيل، بأن نستمر بفضح تلك الممارسات وتوثيقها وزيادة الضغط على المؤسسة الإسرائيلية باتخاذ قرارها بشأن تقديم الجناة للمحاكمة.
لا نُعَوِّل كثيرًا على القَضاءِ الإسرائيلِيِّ!
وَحَوْلَ سُؤالنا، تَخْتَصُّ ميزان في ملفَّاتِ قَتْلِ وإعْدامِ الشَّبابِ العَرَبيِّ على يَدِ أفرادِ الشُّرطةِ وَمُلاحَقَتِهم أمامَ المَحاكِمِ، هَلْ القَضاءُ الإسرائيليّ ما زالَ العُنوان فِي إنْصافِ قَضايانا؟
أَشارَ المُحامي عمر خمايسي من مؤسّسة ميزان وأحد القائمينَ على الحِرَاكِ الدُّولِيِّ لِقَضَايا الدّاخِلِ الفلسطينيِّ: ” عِنْدَما نَطْرَحُ قَضايا تَخُصُّ شَعْبَنا أَمَامَ القَضاءِ الإسرائيليِّ يَكونُ الأمرُ منْ بابِ الأخذِ بالأسْبابِ، لِكَي لا نَقِف مَكتُوفِي الأيدي متفرّجِيْنَ، إذ نَخْتارُ مَسارَ مُقارَعَةِ الظُّلْمِ وَالمطالَبَة بِحُقوقِنا وَنَسْعَى لِفَضْحِ زِيْفِ اِدعائِهم بالعَدْلِ وَالمُساواةِ، نَعَم لا نُعُوّل الكثيرَ على القَضَاءِ الإسرائيليِّ، حيثُ نَلْمَس فِي المَحاكِمِ أنَّ هُناكَ قُضاةٌ يَتَأثّرونَ بالرّأيِ العامِّ والأجواءِ السّائِدَةِ في البلادِ مِن عُنصريّةٍ ضِدَّ العَرَبِ وَالتَّحريض بِقَتْلِهِم، بَلْ فِي بَعْضِ الأحيانِ نَشْعُرُ بِالعِدائِيَّةِ غير المُبَرَّرَةِ خلالَ الإجراءاتِ القانونيَّةِ سواءً مِنَ النِّيابَةِ العامَّةِ أو القُضاةِ أَنْفُسِهِم، مع أنَّ الأَصْلَ أن يكونَ الجميعُ بجانِبِ الحَقِّ وَمَع المَظلومِ.
وأضافَ خمايسي أنَّه ” على هذا الأساسِ أقْدَمْنَا هذه المرّة كمؤسّساتٍ حُقوقيّةٍ بِتَوكيلٍ من لجنَةِ الحُرّيّاتِ على خُطوةِ عَقْدِ مُؤتَمَرٍ في داخِل مجلِسِ حُقوقِ الإنسانِ بحضورِ والدِ الشّهيدِ لِنَعْكِسَ قَضايانا بِشَكْلٍ حَيٍّ وَمُباشِرٍ أَمامَهُم مُتَخَطِّينَ التّقاريرَ المكتوبَةَ عَنِ انْتِهاكاتِ حُقوقِنا على يَدِ المؤسّسة الإسرائيليّةِ بِأذرُعِها المُختلفَةِ وَما أكثرُها مِنْ تَقَاريرٍ قُدِّمَتْ بهذا الشّأنِ، وَبِالفِعْلِ لَمَسْنَا هُنَاكَ تَوجُّهٌ إيجابيٌّ وَتَعاطفُ قَدِ يَدْفَع إلى التّغيير”.
الحِراكُ الدُّوَلِيُّ خُطْوَةٌ إلى الأمامِ!
وَحَوْلَ سُؤالنا هلِ الحراكُ الدّوليُّ العُنوانَ؟ أجابَ خمايسي” إنّ مجردَ الحِراكِ فِي المَحافِلِ الدّوليّةِ يَنْقُلنا خُطوةً إلى الأمام، وهذا أمرٌ ايجابيٌّ فِيْهِ مَنَافِع تعودُ بالفائدةِ لجِمِيْعِ قَضَايا مُجْتَمَعِنَا، نَعِي جيدًا أن ليس هذا سَقْفُ مطالبِنِا بل خُطوةً أخرى تَحتاجُ إلى استمراريّةٍ وَنِضالٍ فِي مُلاحَقَةِ الظّلمِ، الأمرُ الّذي يَحتاجُ إلى جُهدٍ كبيرٍ وتضحيَةٍ.
لَمَسْنَا أنَّ هُنالكَ حاجَةً ماسَّةً لإقامَةِ مؤتمراتٍ داخلَ مجلسِ حقوقِ الإنسانِ تَخُصُّ قَضايا الدّاخِلِ الفلسطينيِّ وهذا ما أوصى بهِ العديدُ مِمّن التقيناهم هناكَ مِن ناشطينَ حُقوقيين مِن مُختلفِ أنحاءِ العالمِ، ومع ذلك لا بُدَّ مِن التّأكيدِ على أهمّيّةِ الالتفافِ الجماهيريِّ حولَ قضايانا سواءً الفرديّة أو الجماعيّة، لأنّهُ لا يموتُ حقٌّ وراءَهُ مُطالِبٌ.
وَخَتَمَ المُحامِي عمر خمايسي: ” مَنْ لا يَشْكُرِ النّاسَ لا يَشْكُر اللهَ، لا بُدَّ من شُكرِ جُنودِ الخَفاءِ وَهُم كُثر، سَهِرُوا الليلَ والنَّهارَ مِنَ اللحظةِ الأولى لاستشهادِ خير الدّين حمدان حَتّى الليلةَ الأخيرةَ لِمُغادرتِنا البلاد فِي سَبيلِ طَرْحِ قَضِيَّتِنا في المَحافِلِ الدّوليّةِ فَلَهُم نَقُولُ جَزاكم الله سبحانه وتعالى خيرًا وَبِكُم تُسْهَلُ الصِّعَاب”.
بلال خمايسي