مع قصيدة "ايوب المعلولي" للشاعر مفلح طبعوني
تاريخ النشر: 09/12/12 | 10:51“ايوب المعلولي” هي قصيدة للشاعر النصراوي/ الفلسطيني مفلح طبعوني، صاحب ديواني “قصائد معتقة” و”عطايا العناق” ، الذي عرفته الساحة الادبية في هذه البلاد شاعراً وطنياً وسياسياً ملتزماً بعذابات الطبقة العاملة المسحوقة والمقهورة، والقضايا الوطنية والقومية ، والهموم السياسية والانسانية. وهو يأتينا بين حين وآخر بقصيدة دافئة وانسيابية صادرة من اغوار القلب والجرح ، ذات احساس مرهف ، وتشد القارئ بعاطفتها الرقيقة والجياشة . وقصيدته “ايوب المعلولي” مرثاة للشاعر عدوان علي الصالح، الذي انتحر احتجاجاً على حياة البؤس والعذاب وعلى المجتمع الظالم القاسي، الذي لم يفهم احاسياسه وافقده متعة ولذة وطيب العيش . انها قصيدة مترعة بالعاطفة النبيلة والافكار والمعاني الحزينة والروح الانسانية المتمردة ، وبالحسرة والتفجع على فقدان هذا الشاعر المرهف، الذي حاصره اليأس والاحباط والاكتئاب النفسي ، فعانى طويلاً من اضطرابات نفسية وعصبية قادته الى موته التراجيدي – وهو كما قال عنه مفلح ونعته بـ “الصالح في هذا الزمن غير الصالح ، الذي يتفاعل مع ندى الارض ودم الزيتون”.
وهذه القصيدة ذات ايقاع موسيقي ، وتتبدى فيها المشاعر الصادقة والصور المشحونة بعمق الانفعال بالحدث الأليم والمشهد المأساوي الحزين، وبالصدق الفني الذي يعتبر شرطاً اساسياً وضرورياً في العمل الشعري الابداعي.
ولا يخفي مفلح طبعوني ثورته ونقمته على واقع الحال ، الذي تعيشه امته وشعبه في ظل انظمة سياسية قمعية وفاسدة في هذا الزمن الاخرس، الذي اضحى فيه الصمت افضل تعبير عن هذا الوضع ، فيصف هذا الزمن بأوصاف مدهشة قائلاً:
هذا زمن اخرس ، رغم تعالي الأصوات
فيه وارتفاع الصراخ الى ما فوق الفوق
فالصمت فيه الاحسن
هذا زمن البهائم والخيانات ، زمن الفضائيات
فالصمت فيه الارقى
هذا زمن التكالب على الوفاء لدول
البلاد ودويلات الشقاء
ويضمن مفلح قصيدته اقوالاً من التراث العربي القديم لابي العلاء المعري ومنصور التميمي وتميم بن مقبل ، وهذا التضمين يجئ كمعادل موضوعي لحالته الشعورية والنفسية وانسيابه لتداعي المعاني ، التي يصاحبها التوهج العاطفي لتحقيق البنية الايقاعية للقصيدة.
لقد غمرنا مفلح طبعوني وهز افئدتنا وجوارحنا بمشاعره الفياضة وروحه المتوثبة وكلماته المنسابة الممزوجة بالحزن والشجن والاسى والغضب والثورة على الواقع الاجتماعي القهري المزيف والمدجن ، وتمكن واجاد في اقتناص اللفتات اللامعة وتطويع الاساليب الفنية لخدمة تجربته الانسانية .
وقد تلمسنا في هذه القصيدة وغيرها من قصائد، انفاسش اعر متوهج بكبرياء الشعر استطاع اثبات حضوره ونجوميته في مشهدنا الشعري والادبي والثقافي.