مقدمة لديوان الزجل “زهرة من بساتين الخيال”
تاريخ النشر: 31/03/15 | 8:10الشَّاعرُ الزجلي “رفيق شباط” إبن قرية المغار الجليليََّة – من رُوَّادِ الشِّعر الزَّجلي محليًّا. كلُّ مَن يَطَّلِعُ على إنتاجهَ الشِّعري سيعتبرهُ مباشرة ً في طليعةِ شعراءِ الزَّجل المحليِّين.
بدأ “رفيق ” يكتبُ الشِّعرَ منذ نعومةِ أضفارهِ وعملَ على تنميةِ موهبتِهِ وتوسيع آفاقِهِ الإبداعيَّةِ بالمطالعةِ والدراسةِ المستمرَّةِ إلى أن سَمَا بموهبتِهِ وتألَّقَ مستوًى وفنًّا وإبداعًا.
إشتركَ في العديدِ من الأمسياتِ والندواتِ الشِّعريَّةِ والزَّجليَّةِ (التي كانت تقامُ للشعر العامي والفصيح) مع شعراء وزجَّالين محليِّين ولبنانيِّين، وكانَ صوتهُ يصدحُ دائما بأجملِ الكلماتِ وأعذبِ الأنغام والالحان، فقد مَنحَهُ اللهُ الموهبة َ الشعريَّة المميَّزة وحلاوة الصَّوت والأداءِ كعمالقةِ فرسان الزَّجل اللبنانيِّين المعروفين.
للشَّاعر الزَّجلي المُبدِع ” رفيق شباط ” رصيدٌ وكمٌّ كبيرٌ من القصائد الزّجليَّةِ الإبداعيَّةِ المتراكمةِ قد يكفي لطباعةِ عشرات الدواوين الضَّخمة….وأمَّا هذه المجموعة التي كلَّفني بكتابةِ مقدِّمتِهَا فهي المجموعة الأولى التي يُصدِرُهَا حتى الآن بعد تشجيع دَؤُوبٍ متواصل منِّي ومن بعض الأصدقاء والمعارف.
يضمُّ هذا الديوانُ (زهرة من بساتين الخيال) قصائدَ عديدة ومتنوِّعة تتمحورُ في مواضيع مختلفة متفرِّقة: كالغزل والوصف، المراثي، المديح، الفخر والإجتماعيَّات والحكمة والفلسفة والوجدانيَّات…وغيرها.
وشاعرُنا بدورهِ كتبَ على جميع الأوزان الشعريَّة الزجليَّة المعروفة مثل: (المعنَّى، الشّروقي، القرَّادي..).. وغيرها.. إلخ.
إنَّ جميعَ شعرهِ ((المجموعة التي بين أيدينا وغيرها من رصيدهِ المتراكم الذي ينتظرُ الصُّدورَ والخروجَ للنور)) مستواهُ عالي جدًّا وراقي، يحملُ روحَ وأريجَ الإبتكار والتجديد والحداثة في الأسلوب والمعاني المُستحدثة… وغنيٌّ بالصُّور الشِّعريَّة الجميلة المُشِعَّة والتشبيهات والإستعارات الرائعة المبتكرة فيعيدُ إلى أذهاننا روائعَ وإبداعات عمالقة الزَّجل اللبنانيِّين مثل: ” زغلول الدَّامور، طليع حمدان، زين شعيب وموسى زغيب… وغيرهم)). وشعرُهُ لا يقلُّ مستوًى وإبداعًا عن إبداعِهم وتوَهُّجًا وتألُّقا وفنًّا وابتكارًا عن فنِّهِم وابتكارهم، وخاصَّة ً في موضوع الوصف. وهم قد حققوا شهرة ً عربيَّة ً وعالميَّة ً منقطعة َ النظير…وأمَّا شاعرنا ” رفيق شباط ” فقد يكونُ اسمُهُ مجهولا للكثيرين من القرَّاءِ والشُّعراءِ المحليِّين وسيفاجئون باسمِهِ بعدَ صدور ديوانهِ هذا… والسَّبَبُ يرجعُ لكونهِ لا يسعى ويتلهَّفُ ويركضُ وراءَ الشُّهرةِ والمكسب المادِّي، وكانَ دائما يكتفي بكتابةِ ونظم قصائدهِ الزَّجليَّة وتخزينها، ولم ينشر مدى أكثر من ثلاثين سنة (فترة مسيرته الشعريَّة) سوى بضع قصائد في بعض المجلاتِ والجرائد المحليَّةِ، ولم يرسخْ اسمهُ في أذهان وذاكرةِ القرَّاء.. وبقي بعيدًا عن الأضواءِ والشهرة التي هُوَ أهلٌ لها… وبالمقابل نحنُ نرى الكثيرين من الشُّويعرين والوصوليِّين والدخيلين على محراب الشِّعر والادب (من شعراء الفصحى والشعر العامِّي والزجلي) قد نالوا شهرة ً واسعة ً وهم بعيدون كلَّ البُعدِ عن الأدب والإبداع، وذلك يحدثُ ويتمُّ بفضل الأطر والأجهزةِ الإعلاميَة الصَّفراء وأقطابها ومسوخها والمُطبِّلينَ والمُرَوِّجين لأولئك الدَّخيلين والمُتطفلين لإشهارهم وللإعلاءِ من شأنِهم.
لقد آنَ الأوانُ لإنتاج وإبداع الشَّاعر “رفيق شباط” أن يرى النورَ، ولقصائِدِهِ أن تسطعَ كالشَّمس ولتجَلجلَ كالرَّعدِ في سماءِ التَّألُّق والإبداع، وليذكي شاعرُنا المَشاعرَ والنفوسَ ويُلهبهَا شغفا وحماسًا وانتشاءً على المَدى الواسع كما كانَ يُلهبُ المشاعرَ ويأسر القلوبَ ويسحَرُ الألبابَ في بعض الأمسياتِ الشعريَّة التي اشتركَ فيها.
سأختار بعضَ النماذج الشعريَّة من هذا الديوان وسأبدأ بقصيدةٍ بعنوان: “للشَّاعر حاتم جوعيه” وهي قصيدة مديح أهداها الصديقُ رفيق شباط لي:
(لو ما كان حاتم للجُودْ هالجُود بيبخَسْ قوتو
ولو ما كان حاتم موجُودْ الشعر ابيخل ببيتوا
قصيد
إفرحي يَنجُوم كافيكِ عويلْ في إلِك في أرضنا زميلْ ومثل ما إنت عطاءاتك ضيّ عِنَّا شاعر بيروي السَّلسبيلْ
وعليك لافت وجدانو الحَيْ وبكتابو خَلاَّلِْ موقع جليل
وأتى لِليلِك وبتحنان البَيْ وصار يهلِّلو بالنوم الطويل
وحط البدر في مركز الخيْ وما رضي هالخَي عن خيُّو بديلْ
وطلّ الوحي وفي اجمل الزَّيّ و قلُّو يَحَاتم إسمَعْ يا خليلْ
للسَّمك من دون ما تعطف المَيْ ابيبقى أمر حياتو مُستحيلْ
والحبق من دون ما يعطف الفيْ بيصوم عنها هالهواء العليلْ
ولولا ما الهَوَا من تله الى حي ما بتحمل جَنا أشجار النخيل
والجرح الصَرَخ بالقلب أيْ ابن سينا مَخَلاَّ حاملو عليلْ
والجليل لو ما عشق ترابو الرَّيْ ما طلع عترَابُو عاشق جليل*1
الأدب لو ما دمع محبرة ميْ تيتَّم ونادى جبران الخليلْ
ومقل ما خلقْ للكرَم بن طيْ خلق عنَّا للشِّعر حاتم
لولاه الشِّعر كان ببيتو بخيلْ
ويقول في قصيدة أخرى مهداة للشَّاعرة والأديبة نعيمة عماشة:
(” كل ما ميخائيل نعيمِهْ يمرق بالضيقة والغيمِهْ
يتبدَّدْ عنُّو كلُّ الهَمّ لو بقرا لِكِ يا نعيمِهْ
قصيد
ميخائيل نعيمه تيروق دمُّو عميقرا إلك ويزول هَمُّو
وكل ما مرّ الغيم والإعصار وصار الحرف يجمَد على ثمُّو
من وهج حرفك وصدا الأفكار بيجي الأمل راكض تايضمُّو
وقالوا عنُّو بي الأدب والشُّعَّار وبخوض فكرو زرع الأدب نمُّوا
وأنا اسمعت الحكي وصرت محتار وسهام شكِّي باليقين أمّوا
تا اعرف بي الأدب والأشعار ومين ما أوَّل كنز الفكر لمُّوا
اسمعت جاوبوا من حولي كثار واسم ميخائيل الكل سَمُّوا
وأنا قلت بعكس الحكي الصار بالرغم ما ابن نعيمه هاج يَمُّو
ميخائيل نعيمه سمتوا الأقدار إبن خَيِّ الأدب والأدب عَمُّو
بَسْ مِشْ هوِّي الأوَّل بها الكار لأنُّو ان ثبت ميخائيل عاسْمُو
نعيمه قبلو وللأدب إمُّو
وسأختار مقاطع من قصيدة أخرى له نظمها بمناسبةِ عيد المرأة العالمي وعيد الأم:
(” لو ما لآدم الله هاديلو حوَّا كان اتخرسَن هديلو
وبقي هالعالم عمرو نهار ومعو آدم ضيَّع دليلو
ومن يومها ما عمينجح اختيار حتى نصّ الحمل حوَّا تشيلو
وبالجاهليِّه ما اتحقق إنتصار تعَبلى ضوَّت لعنتر سبيلو
والخنسا من بعد ما خيها انهارْ وقلبها الصَّخرة سمعت عويلو
ما بكى الدهر يا للّي عا صخر جارْ إلا عاجفن خنسا اللِّي بكيلو
والعالم لو خلَّف رجال كبار بتظل المَرَة أول مدماك جيلو
ولها عيدين بالدني قمار قمر بيضوِّي عا زميلو
غيد الأم يا الكلّو وقارْ وعيد المره هالعلقم حليلو
ومش صدفه عميلتقو بآذار بين الزَّنابق العَمْيمِيلُو “)
وسأكتفي بهذا القدر من إستعراض نماذج شعرية للشاعر رفيق شباط.
وكلمة ٌ اخيرة ٌ: إنَّ وسَطنا العربي المحلِّي والسَّاحة َ الأدبيَّة المحليَّة يفتقران كثيرًا إلى هذا اللون من الشِّعر (الشِّعر الزَّجلي والشعر العامي)، فالذين يكتبونَ على هذه الألوان، حاليًّا، قد لا يتجاوزُ عددُهُم أصابعَ اليد، وأغلبُهُم ينقصُهُم الإبداعُ والتألُّق وروحَ الإبتكار، وشعرُهم دون المستوى..ويكتبونَ شعرًا معظمهُ مكسورًا (بلا وزن).. أو بالأحرى فالأوزانُ، في أغلب الأحيان، غير سليمة عندهم، والمعاني والصُّور الشِّعريَّة عندهم مقتبسة..على عكس شاعرنا “رفيق شباط ” فشعرهُ قمَّة ٌ في الإبداع وفي النضوج والتكامل الفنِّي وفي التجديدِ والإبتكار والأتيان بالصُّور والمعاني الجديدة الرَّائعة التي لم يتطرَّقُ إليها شاعرٌ قبلهُ. وكما أنَّ جميعَ شعرهِ موزونٌ مئة بالمئة، فلا نجدُ عندَهُ أيَّ خطإ أو كسر في الوزن الشعري ولا أيَّ اقتباس في المعاني والصُّور الشِّعريَّة عن شعراءٍ غيره، فهو متبحِّرٌ وَمُتعمِّقٌ في هذا المجال. والجديرُ بالذكر إنَّ الأوزانَ في الشِّعر الزَّجلي يختلفُ معظمُها عن الشِّعر الفصيح…وهو بدورهِ كتبَ عليها جميعا وقد تفنَّنَ وأبدعَ وتألَّقَ كثيرًا في هذا المِضمار.
وأخيرًا: نُهَنِّىءُ الشَّاعرَ والصَّديقَ ” رفيق شباط” على صدور ديوانه هذا ونتمنَّى لهُ المزيدَ من العطاءِ والأنتاج الشِّعري المتواصل والمزيدَ من الإصداراتِ الشِّعريَّة.
(بقلم: حاتم جوعيه – المغار – الجليل)
………………………………………………………………………………..
*1 إشارة إلى ديوان عاشق من الجليل للشَّاعر حاتم جوعيه – كاتب هذه المقالة – (مقدمة الديوان الزجلي للشاعر رفيق شباط).