قراءة في ديوان “531 وجع” للشاعر د. زياد محاميد
تاريخ النشر: 02/04/15 | 9:02*نسمع صدى القرى المهجرة في القصائد*شاعر وطني وانساني مبدع يحسب على مدرسة شعراء المقاومة الجدد*صور شعرية حية مرسومة بالإحساس والصدق والبساطة*ثقافة واسعة في مركزها لغتنا العربية وبلاغتها الجميلة*اشعار تزرع الأمل وتمتع الروح وتستفز الدماغ للتفكير وتعيد للغة وللقصيدة النثرية هيبتها.
كان الشاعر والطبيب الفحماوي د. زياد محاميد قد أهداني ديوانه “531 وجع ” والذي أهداه الى القرى الفلسطينية المهجرة عام 1948 مشكورا.
القصائد تحاكي عدد من قرانا المهجرة منها اللجون وأم الزينات والكرمل ويافا والعراقيب والبطيمات وطبريا والطنطورة وإجزم والدامون. وقصائد رثائية لمناضلين مثل ابراهيم الحصري ونلسون مانديلا واحمد فؤاد نجم وعن الارض واللاجئين وفلسطين وغزليتان.
كتاب الديوان مزدان بأرقام وشكل هندسي وبمفاتيح العودة وعلم فلسطين وشهادة ميلاد فلسطينية دليل على مضامين القصائد.
لفت انتباهي إختيار الشاعر لإسم الديوان، وهو إسم رقمي هندسي اعتبره سابقة أدبية اذ لم يسبقه لهذا التحديث احد، حيث اختار رقما وشكلا هندسيا وكلمة وليس جملة تقليدية او اسم تقليدي.. وهو “531” وجع، وهو عدد القرى الفلسطينية المهجرة بالقوة والنار والحرب عام 1948على يد العصابات الصهيونية. وأقرن الرقم “531” بكلمه وجع، تعبيرا عن الألم الذي اوجع ولا يزال يوجع الفلسطينيين الذين اقتلعوا من جذورهم على ايدي العصابات العسكرية الصهيونية.
وأبدع الشاعر الذي اختار الغرافيكا بنفسة حين ادخل التعبير “وجع ” في بسط شكل هندسي وحسابي..هو الكسر الحسابي المعروف وفي المقام وضع الرقم 531..ووضع المجمل في شكل للجذر ال 48 ليرمز ان “الوجع” يتوزع على القرى جميعها ووضع الكسر في شكل رياضي اكثر تعقيدا وهو الجذر…وهو شكل يوحي للبندقية-الكلاشنكوف تلميحا له للمقاومة المسلحة التي انطلقت لاستعادة الارض المحتلة…ولكن الجذر ليس تربيعيا ولا تكعيبيا..انما هو الجذر ال 48..ليعبر الشاعر بصدق ان جذر الوجع والألم والتهجير هو نكبة ال 48..وقد رسم المفتاح “مفتاح الدار الفلسطيني “معلقا على خط الجذر ليذكرنا بالعودة..وان المفتاح لا يزال في الجيب وينتقل من الاجداد للاحفاد.وهم مرتبطون لا ينفصلون أي الوجع وال 531 قريه وال 48 والجذر والبندقية والمفتاح.. انها لوحه غرافيكية زخمه في محتواها واضحة في رسالتها. انها لوحه ابداعيه وطنيه ثوريه حداثيه شموليه قلما نجد مثلها.
وكون مخترعي علم الحساب والجبر هم العرب فهو يلمح الى تاريخ مجيد لأصالة القدرة والمجد العلمي العربي والى الى قوه العرب العلمية عبلا التاريخ والتي تلاشت واختفت.
هذا التعبير الحسابي الفني الابداعي فيه رسائل ومقولات وافكار كثيره، استغل الشاعر معرفته العلمية بالرياضيات والحساب وتاريخ العلوم وتاريخ النكبة ليحول الكم العلمي الى اداه ابداعيه تخدم شرح المأساة والنكبة التي تتجلى في وجود شعب مهجر ووجود 531 قرية مهجرة بقي منها اثار البيوت والمساجد والبيادر وحجارة الجدران….وان جذر النكبة والمأساة هو في العدوان الصهيوني على فلسطين عام 1948.
هنا يستحق الشاعر الاشارة اليه كسباق في دمج العلم بالتاريخ والفن والغرافيكا ليخرج منها شكلا معبرا وبصدق متكامل عن القضية التي يخدمها وهي قضية اقتلاع شعبه من ارضة في اطار حرب ضروس ادت الى نكبة الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال منكوبا ومحروما من حقه بدوله مستقله على ترابه الفلسطيني الوطني. وهنا اشهد له بسعة معلوماته وثقافته وقدرته على الاستفادة من دمج العلوم سوية لإيصال رسالته الشعرية بإتقان وبداع مذهل للقاريء.
يقع الديوان في 154 صفحة، فيه 27 قصيدة شعرية من نوع شعر التفعيلة الحر. وقد وجدت الموسيقى المنسابة والايقاع الشعري الناعم والقافية الجميلة في كل القصائد. كما تتميز الكتابة بلغة سلسة بسيطة بعيدة عن التعقيدات المعنوية والكلمات النادرة والصعبة فهو يقلد نزار قباني وبدر شاكر السياب وتوفيق زياد في الإبحار في ” السهل الممتنع “فيكون شعره ممتعا لذيذا مفهوما سلاعان ما تدخل الروح فيفرحها.
كتب قصائد عن القرى المهجره وعددها 25 كما كتب عن غزه ويافا وام الفحم والأرض وفلسطين. وععد قليل من القصائد العزلية.
في الديوان 5 قصائد نشرت للشاعر في ديوان سابق وقد كنت قد كتبت عنها، فلن اتطرق اليها هنا.
في مقدمة الديوان: يكتب الشاعر نفسة مقدمة جاء فيها (نقتبس البعض) انه يكتب لكل شهيد وفلسطيني شرد وهجر واقتلع من ارضه..يكتب للقرى المهجرة شعرا قاصدا ان يعطي جرعة جديدة من طاقة الحب والوفاء للأرض والشعب. يكتب في امل ان يبقى المفتاح وكوشان الارض في جيب الفلسطيني رمزا وبرهانا لوجوده في الزمان والمكان. في التاريخ وفي الجغرافيا رغم الديموغرافيا المتغيرة.
شاعرنا يتألم كثيرا، لكنه يعطي الامل في الخلاص والحرية وهذا بحد ذاته شعور وطني نبيل يدعم صمود الشعب الفلسطيني اينما تواجد.
اغلبية القصائد عن الوطن ولكنها لا تخلو من الغزل والرثاء والمدح وغير ذلك حيث ان اللقصائد قيلت بمناسبات عديدة ومختلفة ونشرت في الصحف والمواقع وتم جمعها في ديوان واحد سماه الشاعر 531 وجع.
اعتقد ان ما يميز الشاعر د. زياد محاميد هو تعدد محاوره الشعرية.. ووجدت هنا ان محوران هما المسيطران في هذا الديوان.
وجدت ان التركيز في هذه المقالة النقدية يجب ان يكون في محورين: الأول محور لوعة النكبة الفلسطينية والثاني محور اللوعة العشقية وحب المرأة – المرأة الحبيبة والام والأخت والرفيقة والشريكة في الكفاح…وربما الحبيبة فلسطين التي يرمز اليها بشخصيات عديدة اهمها الحبيبة.
يمكن القول ان محورا ثالثا يبدو انه قائم في هذا الديوان، قمته في القصيدة الثائرة وهي قصيدة رثائية للشاعر المصري الرائع احمد فؤاد نجم والثائر نلسون مانديلا، وهي قصيدة رائعة في تفاصيلها وتعابيرها تمزج الكفاح الشعبي والحياتي والمسلح من اجل الحرية في رساله واحدة.لكن المحور الانساني والاممي اقل بروزا في هذا الديوان، ربما لشده الالم والوجع النابع من النكبة، ليسطر على عواطف الشاعر فتغيب قليلا ملامح المحور الإنساني الأممي هنا، لكن هذا موضوع واسع لن نخوض فيه الان.
المحور الاول يبدأ في قصيدة “سجل فحماوي أنا ” وكلمة فحماوي نسبة لمدينة ام الفحم مسقط راس الشاعر. ولكن حسب رايي هذا العنوان لا ينطبق على مضمون القصيدة حيث لا يذكر الشاعر هذا البلد ولو مرة واحدة انما يدور مضمون القصيدة حول الارض والوطن وربما استوحى كلمة “سجل ” من الشاعر محمود درويش، الذي قال ” سجل انا عربي” وعن بلدة ربما استوحاها من الشاعر سميح القاسم او توفيق زياد اللذان كتبا عن الرامة والناصرة –مسقطا راسهما.
مضمون القصيدة كما قلنا هو عن الوطن، وهنا الشاعر يسترسل بلوعة النكبة فيقول:
لي روابي الارض..والجذور لي..ولي المجد والفجر القادم..حرية حمراء اكاليلها شمس وزينتها ورد..”
بهذا الحس الوطني والكلمات والألفاظ الجميلة يعطينا الشاعر الامل، وهو طبعا ككل شاعر لا يخلو من النزعة الانسانية والتي هي اصلا بشكل فلسفي هي الوطنية بحد ذاتها ولا تناقض بينهما. طالما لا تصل وتلامس درجة العنصرية وهذا بعيد جدا عن شاعرنا لأنه معروف كشيوعي بالمبدأ.
نزعه شاعرنا الانسانية يعبر عنها ببضع الكلمات السهلة والمعبرة والتي تقول كل شيء فيقول
“”أحب الحياة والناس كلهم
لكني لا اهادن انا
ولا اساوم الاعادي ”
الشاعر لا يخاف المحتل…ولا يروعه السلاح ربما تلميح للاعتداء البوليسي على الفحماويين ابان زيارة العنصري مارزل… فهنا يقول:
” فرصاصكم لن يقتل الا الخوف فينا..”
والقنابل لا تفجر الا البراكين فينا”
وينهي ببيان يدل على الجرأة والتحدي..فيقول:
“ودولتكم خرافة وخيال..
تنهار حين يزحف الرجال..”
” قصيدة لاجئون انهم عائدون” حين عاد اللاجئون من حدود الجولان ودخلوا ارض فلسطين عام 2010
يصف ابناء الوطن المنكوب بحملهم موتهم في كف وحلمهم في الكف الاخر..وربما هذا مستوحى من قصيدة سميح القاسم ” منتصب القامة امشي”.
في قصيدة ” مدي يدك يا قدس لأقبلها”..
يطلق الشاعر العنان لخياله الوسع والساحر ليرسم لنا بمجالاته اللغوية صور فنية رائعة تجعل القاري يهيم معه وكما هو يشخص المحسوس فيقول: اتيك من حول السور العتيق
اشم عبق التاريخ في كل طريق…
في الازقه العتيقة
احادث شيخا يبيع كعكا وجريدة
وابنه الصغر كعكا بزعتر
معا يحملان الدواء للام المريضه..
وفي طريق الالام تتألم ارملة..
وجع ابنها المعتقل..
تبيع قمحا وسمسما وطحين
تجمع النقود لمحام يريح ابنها المطارد السجين…
الشاعر يستمر بنفس الاسلوب الرومانسي والفكرة في قصيدة “رحماك يا وطن الحزن والالم ” يقول ابياتا جميلة وبليغه ومعبرة، فهو يستنجد بالخليفة الأموي العربي معاوية بين بي سفيان فيقول:
“يا معاوية..قم من ضريحك
لا فرسان عندنا
بل مخمورون سكرون يشخرون في القوارير”
وبخياله الساخر يشخص المحسوس لمرة ثانية فيقول:
“وطن الاغتيال المباح
فهل لديك
بعد سبعه قرون من جديد..
سوى سجون ومدرعات وجدران كهرباء واسمنت وحديد ”
ويستمر شاعرنا على نفس النهج والفكرة والاسلوب فيلجأ الى بعض الرموز التاريخية، ويبكي على الاطلال، لكنه يعطىنا الأمل ويستعمل شجرة البلوط (في قريه البطيمات )القوية ككناية بالوطن ويصف قوتها بانها باسقة، اما حنينها فيصفه بانها “تتمايل بين شوق وجنين” وتبكي بحزن بانتظار الفاتحين لتنعم بالحرية ويؤد في شعره ان فجر الحرية قادم فيقول:
وستطلع شمس حريتنا
وسيطلع النهار وسيطلع النهار
وبمجازاته اللغوية وإيحاءاته، يصور لنا انه في قلب جذع شجرة البلوط:
” تعلو صدى الأبجدية العبرية المهشمة الشرذمة المكسرة المبعثرة”..
وبهذا يقول الشاعر لنا ان ا المحتل عاش بين العرب ضعيف وسيبقى ضعيفا كذلك وعليه فان الخلاص من الاحتلال قادم لا محاله-“من قصيدة عن شجرة بلوط في قرية مهجرة” “البطيمات” في الروحة.
الشاعر يدعم قوله ان النهار سيطلع ويبزغ فجر الحرية بالاستعداد وليس فقط بالشعار: بقوله
“والذين على الجمر والحجر
والرشاش قابضون
بالعودة حالمون ” من قصيدة “فلسطين ”
الشعب بانتظار العودة، حتى الازهار والسنابل كنايه عن ارض الوطن تحاكيه منتظره الخلاص فيقول:
تحاكيني ازهار البراري
وتحاورني السنابل
حين تبتهل الباري..
ان هي مالت لجوانب الطريق…
وجميل هو بيت الشعر المعبر عن الأمل حين يقول:
حبلت حبات التراب بالسيوف المسلولة (قصيدة الطنطورة رعشه اشتياق) ص 146
وعن هذا الامل يخصص الشاعر قصيدة كاملة هي ” انشودة الامل ” ص 32 وحتى لا يكن اي التباس بالأمل الذي يريد ان يزرعه فينا يقولها بصراحه وبشفافية واضحه جدا:
“لنا الامل فينا الامل كل الامل لوطن حبيب في القلب والمقل من كنعان لعدنان لغسان لزياد فدرويش وطوقان””
وهو يضعها موقفا سياسيا لتكون رد على انشودة التكفا الرسمية للدولة الإسرائيلية والتي يرفضها الشاعر كرمز من رموز الدوله الصهيونية.
والقصيدة تستحق التأمل، لما فيها من ارتباطات روحانيه برموز الوطن المكانية “كنعان ” وجليل ومثلث ونقب.. ورموز ثقافيه مثل طوقان وزياد ودرويش” ولنا فيها من تحدي اذ يجمع الشاعر بعبقرية رمزية المكان والعلم الثقافي لينتج وحدة وطنيه زمنيه – مكانيه متواصلة عبر التاريخ تأكيدا لشرعيه ملكيه الوطن للفلسطينيين لا غيرهم.
المحور الثاني: محور اللوعة العشقية:
في قصيدة “عائد كأني فارس العشق الاخير” ص 119 ابيات شعريه رقيقه متدفقه بقوه ولهيب نابع من اعماق شاعر حساس ووجدان انسان يتميز برومانسيه عاليه. وطبيعي ان نفهم ان الشاعر يكتب لفلسطين او لزوجته التي كتب لها وعنها في قصائد اخرى..فالعودة للعائلة هي الخليه الاولى للبقاء والعودة والحس بالحريه. هنا ميتافورا –استعارة – قوية وحادة تضع الشاعر د. زياد محاميد في صفوف الشعراء الكبار فيكتب:
عائد اليك من غسق العمر، ،
ومحاصر بالياسمين
وكأني متعبد في محراب عينيك
اذا…الق براسك على صدري
حيث يتوقد الحنين..”
الميتافورا هنا بين فلسطين الوطن الغائب والمرآه الحبيبة يبدأ بكلمه العودة…يمر بالحصار…والتعلق بها وينتهي بالحنين. هنا ابداع شعري وبلاغي وميتافورا حادة جميله.
ويسترسل…بمجازات وصور شعرية تتحدى المستحيل اذ يقول:
“تمددي في روحي شعاعا ملتهبا في الشروق
كالنار حين تأكل الثلج والجليد
فانا عائد بك يا عمري..عائد لعمري الجديد”
النار لا تاكل الثلج بل الثلج يطفئها.لكن عبقرية الشاعر قلبت الحالة الفيزيائيه لحالة رومانسية جميلة يرضي بها احساس حبيبته…فهل يقصد الشاعر ان فلسطين تأكل محتلها؟؟؟ وتحيى من جديد……في كلتا الحالتين الوطنية او الغزلية ..الصورة الشعرية ابداعية راقية.
القصيدة جميله جدا وفيها ايحاءات واستعارات وكنايات ومجازات لغويه ترسم لوحات فنيه رائعة. كما انها قصيدة متماسكة وبها لحمه عضوية تجعلها موضوعية من العنوان حتى اخر بيت فيها..وحبذا لو شاعرنا يكتب بالغزل اكثر فهو مبدع بهذا المجال.
ربما طبيعة مجتمعنا المحافظه في ام الفحم تجعله لا يكتب الغزل كثيرا رغم انه شيوعيا عقائديا كما اعرفه.
في قصيدة “المسك ” يستمر الشاعر بنفس اسلوبه الرومانسي الرومانطيقي وخياله الواسع الساحر ليرسم لنا صورا تجعل القاريء يهيم معه ليستمتع بوصف المسك الذي يعتبره الشاعر اوكسجين الحب – كما الأوكسجين للحياة..وهذا يذكرني بشاعرة حبأت العطر لمن تحبه في قاع الخزانة لكنها المته بمراوغتها بسبب فقدانها حرية الحب بسبب التقاليد القاسية لمجتمعنا المحافظ اما شاعرنا فهو ذكر يتمتع بالحرية اكثر من الانثى ولو انها خافته..يقول شاعرنا عن المسك:
لا حاجة لي ان اتنفس، هو اوكسجيني
هو دوار الدم في شراييني
هو يقتلني حينا وحينا يحييني
ويسترسل بأبيات تخاطب حبيبته:
“تحت غيمة مسك.. ترفعها كفاك
ارى شلالات نار تتدفق
ونيزكين مشتعلين يهويان من عينيك.
ينتشران كاغصان صنوبرة
تحرس قلبك المتسارع هبوطا نحو قدميك
والدافيء كلهب شوق عروسين
تحت غيمه مسك تحملها كفيك
تفتح حواسي كحبق البراري
كفرح الثوار لحظه سقوط القصر والاسوار
فما ان يهرب الغروب خجلا منا
اجهز لك المساء..وافرش الليل
ليسترخي الفجر بيننا
الى صبحنا الذي لا ينام ولا يغفو” -صفحة 114
والان ننتقل الى البلاغة والصور الشعرية في الديوان:
شاعرنا د. زياد محاميد نجح في توظيف محاسن اللغة العربية من جناس وطباق وكنايات واستعارات ومجازات لغوية بإبداع.
في الجناس والطباق لا بد ان نذكر بعض الأبيات:
في الجناس:وطن الجراح والاغتيال المباح -ص 68
لا اقتلاع ولا تقليع ولا تركيع- ص 54
وهل بكيت لصوت الجياع في عشوائيات الفقر والضياع- ص 110
في الطباق:
ممتدة تدور ولا تدور -ص 139
اه على وطن بلا وطن – ص 145
كوني ما تكوني- ص 132
الشاعر يستعمل التناص خصوصا من النص القراني وهذا برز في عدة مواقع…نذكر منها
” ونشكر الله رب العالمين
على ما اوتينا من صبر ويقين
فنحن قوم من الصابرين
ونمضي بحياتنا اليومية عاجزين” ص 125
ص 142
كنت للشعب مشيرا ونظيرا –
شاعرنا “يتلاعب” بالكلمات لكنه احيانا يخفف ليصير في البيت الشعري تعقيد لغويا ولفظيا مثل ”
“اجتمعوا وتجمعوا وتجامعوا وتزاوجوا وتوجعوا وجمعوا وصلوا الجمعات جماعات جماعات…. في وصف حي في القرية المهجرة -ص83
او قوله:
البحر وحده يذكر يتذكر يستذكر ص 142 – عن مجزرة الطنطورة.
او
فو فو هالفسفور
فو فو تفو عل الرجعية
فو تفو عل النايمين بالقصور..يتدفو بالتنور واحنا انام بلا نور.. (واصفا غزة بلا كهرباء )
شاعرنا يستعمل مصطلحات انكليزيه في اشعاره متل الافيوليتسيا (التطور ) الارخيولوغيا (الاثار) الايميغراتسيا (الهجرة) السي اي اي …هو يرمز للغة المحتل وقاموسه…صحيح ان هذا الاسلوب معروف، لكنه يفقد الشعر قيما معنويه هامه وقد ينفر منه القراء.
ملاحظات نقديه هامه:
في الديوان تعابير غير مفهومه انصح عدم استعمالها مستقبلا لتمتع القاري بكل المعاني.مثل
في ص 60: “لا يتسع المسجد للبكاء
ولا تتسع الكنسيه لدعاء السماء..”
صحيح انها تعابير قويه عن الظلم الا انها قد تعطي معاني طائفية وتشرذم الشعب حيث يوجد فرق بمشاعر طائفتين من الشعب الواحد.، رغم معرفتي بالشاعر كداعيه للوحدة الوطنية ومحارب للطائفيى.. كنت افضل لو دمج البيتين في واحد مثلا ” لا يتسعان معا “.وفي صفحه 70 يكتب ” يضربونا بقضيب كالعبيد..” هنا اشعر بإحباط ويأس بعكس نزعه الشاعر الداعية للأمل والشموخ والعزة القومية.
“افرش لنا مسكنا رطبا بمائك
فيه نخلل امالنا الخاوية ” ص 72…وهنا تناقض حاد مع الامل، فهذا الكلام يحوي بداخله احباط ويأس كبيران لا ينسجم مع انتماء الشاعر للمدرسة التحريضية ومدرسة شعراء المقاومة.
شاعرنا يتمتع بقدرات شعرية عالية وحبذا لو اختار للنشر القصائد البليغة حيث ليس كل ما يقال ينشر.
خلاصة:
الديوان ممتع بتخصصه للقرى المهجرة فهذ نوع من الرسالة الوطنية التخليدية للوطن المنكوب.
نجح الشاعر في تعميق وعينا بقرانا ونكبتنا بوصفه الشعري الجميل والدقيق لتفاصيل التهجير والنكبة والمقاومة، وهو ينجح في وضع نفسه في صف شعراء المقاومة الجدد مكملي طريق محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم ومعين بسيسو.
للشاعر قدرات شعرية كبيره ولغويه وهو قادر على اختراع صور شعريه قويه مركبة رغم انه طبيبا وليس لغويا.
الشاعر يحافظ على التزامه الوطني والتحرري والثوري في كل قصائده باستثناء لحظات احباط وياس نامل ان تبقى قليله او تزول.
الشاعر سباق في إختيار نموذج جديد للعنوان -العنوان لديوانه حيث مزج التعبير الرقمي 351 وهو عدد القرى المهجرة والشكلي “الجذر التربيعي” والعددي ال 48 ليرمز لأحداث عام 1948 كجذر النكبة والمأساة التي حلت بشعبنا.
نجح الشاعر في ايصال رسالته الوطنية المحددة للقرى المهجرة والعودة بالشعر الجميل الحر المفهوم بغالبيته.
وفي الختام أعتقد أننا أمام قامة أدبية – شعرية فلسطينية شامخة تتلخص بكونها ظاهرة إبداعية نادرة، جوهرها يكمن في شاعر حساس ملتزم وطنيا وإنسانيا يخضع كم هائل من المعلومات اللغوية والثقافة الواسعة، ويتقن ربطها في صور شعرية بهيجة للعين والعقل والقلب فتزرع الأمل والمتعة في احساس القارئ وتحفز التأمل والتفكير في وعيه.
شاعرنا يكتب ليس بهدف الكتابة فقط ومتعتها بل يكتب لتحقيق رسالة وطنية انسانية وفلسفية تحرر شعبنا وتضعه في مصاف الشعوب المتحضرة.
اشكر الشاعر والطبيب د زياد محاميد على عمله حيث نسمع صدى القرى المهجرة في القصائد من شاعر وطني وانساني مبدع يحسب على مدرسة شعراء المقاومة الجدد قدم لنا صور شعرية حية مرسومة بالإحساس والصدق والبساطة مع ثقافة واسعة في مركزها لغتنا العربية وبلاغتها الجميلة اشعارك تزرع الأمل وتمتع الروح وتستفز الدماغ للتفكير، قصائدك تعيد للغة وللقصيدة النثرية هيبتها.
اتمنى للشاعر د. زياد محاميد مزيدا من العطاء الإبداعي داعيا له بالتوفيق وفي النجاح بالحفاظ على مستوى عال من الاداء الأدبي تلبية لرساله الأديب والشاعر الملتزم بقضايا الشعب وهموم الناس.
بقلم المحامي رفيق جبارين
نقد وقراءه جميله ومفهومه وراقي ورائع ولفته رائعه من المحامي رفيق جبارين هذا ان دل دل فقط على علمه ومعرفته بالشعر واللادب وفهمه لمضامين القصائد في ديوان د.زياد 531 ..د.زياد طبيب وشاعر انساني وطني وعلم نرجوا له المزيد من التألق والمزيد من الابداع….
بروين عزب محاميد
لشاعر د زياد محاميد بإصداره هذه المجموعه يرد على بن غوريون ردا سياسيا وثقافيا وتاريخيا واضحا حيث الذي قال ” سياتي يوما على شيوخهم فيموتون وصغارهم سينسون “..قاصدا ان ينسى الشعب الفلسطيني جذوره وأرضه ووطنه ونكبتة وحقه بالدولة والوطن…..هذا الديوان الشعري ، وبالذات بهذا الاسم هو رد على الصهيوني بن غوريون ..اننا لن ننسى ..حتى لو مات معمرينا…فنحن نكتب لهم ..نصف لهم ..نخاطبهم لسانا ونثرا وشعرا لنحافظ على الذاكرة والحقيقة والتاريخ والجغرافيا .
اننا نبني الذاكرة الجماعيه لقرانا بالبحث والعلم والنص النثري والشفوي وبالنص الشعري …هنا تكمن قيمه الديوان العليا وأهميته السياسية والتثقيفية والتوعوية، اضافه لكونه تحفه شعرية تطيب لها الأذان وتستمتع بها القلوب.
(351 وجع “)..هو الديوان الرابع للشاعر د زياد محاميد ..وفي جميع اشعاره واصداراته كان شاعرا ملتزما وطنيا حتى النخاع، وكان للوطن والقضية والحرية ولفلسطين المكان الأول في قصائدة.
*المحرر الثقافي *موقع زمن نت*
18.02.2014
ام الفحم *قلب فلسطين *
المحامي رفيق جبارين ناقد ادبي من الصف الاول ومناضل كل الاحترام لك ود زياد يستحق كل كلمه في هذا المقال
هذا الديوان من اجمل ما قرأت لشاعرنا الراقي صاحب الحس المرهف والاحساس الصادق ، المُتٓيم بالارض والوطن…
جميل ان نتعرف على قرانا وتاريخنا من خلال هذا الديوان
سلمت دكتور وسلم هذا الفكر والقلب والقلم
لك منا اصدق تحية