العربية في الغرب
تاريخ النشر: 16/12/12 | 12:16
امتدّت الإمبراطورية العربية في القرن السابع للميلاد من المحيط الهندي شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن بحر العرب جنوبا، الى تركيا والقوقاز شمالا. هذه اللغة العربية التي كانت لهجة قبيلة بدوية، قريش، غدت في القرن الثامن لغةَ العلم والثقافة لامبراطورية مترامية الأطراف. وفي هذا القرن أصبحت العربية اللغة المسيطرة في شمال إفريقيا بدلا من اللاتينية ويحلول القرنين الحادي عشر والثاني عشر انتشرت حضارة العرب عبر إسبانيا. ويروى أن جون، مطران أشبيلية، بدأ بنقل العهد القديم إلى العربية عام ٧٢٤. وقد احتلت مدينة طليطلة في الأندلس مكانة مرموقة في فن الترجمة، إذ أقيم فيها ما يشبه "بيت الحكمة" في بغداد أيام الخليفة المأمون. ومما يجدر ذكره أنه لم يكن في العالم فيما بين القرنين الثامن والسادس عشر الميلاديين إلا لغتان للعلم والفلسفة هما العربية في الشرق، واللاتينية في الغرب. والعربية هي لغة الصلاة لدى المسلمين في العالم عربا وغير عرب، ولغة الصلاة بالنسبة للعرب المسيحيين في العالم العربي. وقد أثرت العربية على لغات كثيرة في الأندلس واندونيسيا والباكستان وبورما والهند الصينية وأفغانستان وإيران.
وكان الحكّام المسيحيون أمثال الفونسو السابع (Alphonse VII, 1105-1157) يدعمون حركة ترجمة العلوم من العربية إلى اللاتينية في مواضيعَ كثيرة مثل، الرياضيات والفلك والطبّ والكيمياء والفيزياء والفلسفة والعلوم الطبيعية. وهكذا أثّرت العربية على الإسبانية نتيجة للاحتكاك الطويل بينهما، وهناك الآلاف من المفردات والعبارات العربية التي دخلت الإسبانية مثل " ojalá" أي "ان شاء الله"، "usted" أي "استاذ" الفارسية الأصل، ”alacena” أي "خزانة المطبخ"، ”alarde” أي "العَرض"، ”alberca” أي "البِركة"، ويلاحظ أن قسما كبيرا من هذه الكلمات العربية الدخيلة في الإسبانية والبرتغالية تبدأ بالمقطع al وهي أل التعريف العربية (أنظر مثلا: Glossaire des mots espagnols et portugais dérivés de l’arabe par R. Dozy et R.W. H. Engelmann, une volume de XII + 426 pages) . ومن المعروف أن صلات متينة ربطت الحضارتين العربية والأوروبية عبر الصليبيين والتجارة وكانت الإنجليزية الوسطى قد اقترضت معظم الكلمات العربية عن طريق الفرنسية إذ أنها كانت لغة المثقفين في إنجلترا.
حكَم العرب اسبانيا ٧٨١ عاما من ٧١١ إلى ١٤٩٢ وكانت الإسبانية العامل الأول والمباشر في نقل التأثير العربي إلى اللغات الأوروبية والأمريكية فهناك مثلاً حوالي ٢٠٠ كلمة عربية في لغة الهنود الحمر في أمريكا، ويُشار إلى أن الإسبانية استعارت من العربية الأسماء والصفات بالآلاف ولكنها لم تقترض الأفعال. بدأت دراسة اللغة العربية في القرون الوسطى في أوروبا لأهداف تبشيرية، ففي عام ١١٤١ دعا Peter the Venerable إلى ترجمة القرآن، أما Ramon Lull ١٢٣٥-١٣١٥؟ فكان مؤسس مدرسة للغة العربية ولغات أخرى، وذهب إلى أن تعلّم العربية هو أفضل وسيلة لمخاطبة العرب، واقترح إنشاء كراسي لتدريس العربية في الجامعات. أما Guillume Postel ١٥١٠-١٥٨١ فقد ساهم في دراسة الساميات وكذلك تلميذه الفذ Joseph Scaliger ١٥٤٠-١٦٠٩. كما ولجأ الدارسون إلى معرفة العربية في نهاية القرن السادس عشر بغية تعلم الطبْ وفق مدرسة الرئيس ابن سينا وبعد ذلك كمادة مساعدة في فهم لغة العهد القديم، اللغة العبرية بشكل أفضل. ومن كتب قواعد اللغة العربية الأولى التي كتبت في أوروپا يمكن الإشارة إلى كتاب پوستل (Guillaume Postel) باريس ١٥٣٨، الكَلا (Pedro de Alcalà) حوالي ١٦٠٠ وإيرپينيوس (Thomas Erpenius) ليدن ١٦١٣. وفي القرون الوسطى اعتبر الشرقي عدوا قاسيا ولكنه انسان كالغربي homo islamicus ويعتبر وليام بِدْويل (William Bedwell، ١٥٦١-١٦٣٢) أبا الدراسات العربية في إنجلترا وكان معاصرا لشكسبير وكان تلميذه إدوارد پوكوك (Edward Pococke، ١٦٠٤-١٦٩١) أول من درَس العربية في أكسفورد حيث حضور المحاضرات كان إلزاميا ليس كما هي الحال عليه الآن في العديد من الجامعات الغربية. اعتمدت دراسة اللغة العربية في أوروبا في بدايتها على دراسات العرب النحوية القديمة، فمن كتب القواعد العربية في أوروبا يمكن الاشارة إلى Postel ١٥٣٨، Erpenius ١٦١٣، التي استندت الى كتب مدرسية متأخرة. ويبدو ان أول من استعمل كتبا قديمة كان المستشرق الفرنسي سلڤستر دي ساسي ١٨١٠، C.P. Caspari ١٨٤٨ الذي اعتمد على الزمخشري، D. Vernier ١٨٩١-١٨٩٢، استعمل سيبويه، M. S: Howell ١٨٨٠-١٩١١ نبش كل المصادر العربية. وفي المعجميات كانت البداية عام ١٦١٣ من قبل Raphelengius و Giggeius عام ١٦٣٢ اعتمادا على القاموس للفيروزابادي، ثم Golius ١٦٥٣ الذي اعتمد على الصحاح للجوهري. ما دور العربية وأهميتها بالنسبة لغير العرب ولغير المسلمين؟ أخذ الغرب عن العرب الأرقام العربية وتُعرف في العالم الغربي بالأرقام العربية (Arabic numerals) في حين أن ما يستعمله العرب في المشرق العربي في يومنا هذا هو في الأساس أرقام هندية غبارية. ويشار إلى أنّ ترتيب الأرقام ما زال عربيا صرفا إذ ان خانة الآحاد على اليمين فالعشرات فالمئات فالألوف الخ. ولو لم تكن من أصل عربي لجاءت الآحاد في ناحية اليسار الخ. يبدو أن بدرو دي ألفونسو، يهودي إسباني، كان طبيب ملك إنجلترا هنري الأول كان قد كتب أول كتاب عن النبي محمد في القرن الثاني عشر. أما روبرت كيتون الإنجليزي فقد ترجم القرآن في نفس القرن إلى اللغة الإنجليزية وفي نفس الوقت ترجم كتاب "الشفاء" لابن سينا. كانت فترة في أوروبا حيث عنت اللفظة "فيلسوف" "المسلم". توماس فون إروب الهولندي ألّف أوّل كتاب قواعد للغة العربية. كما أقيم أول كرسي للعربية في باريس في الكوليدج دي فرانس عام ١٥٣٩م للاستاذ پوستل. وفي أكسفورد شغل ادوارد پوكوك كرسي اللغة العربية عام ١٦٣٨م. أما في هولندا فلا بد من ذكر باحثين هما Thomas van Erpe أو Erpenius ١٥٨٤-١٦٢٤ الذي نشر للمرة الاولى قواعد اللغة العربية وتلميذه Francis van Ravelingen/Raphelengius ١٥٩٦-١٦٦٧ الذي بدأ بتدريس العربية في لايدن منذ عام ١٦٣٨. أما A. Galland فنشر ترجمته الإنجليزية لألف ليلة وليلة ١٧٠٤-١٧١٧، و George Sale ١٦٩٧-١٧٣٧ نشر عام ١٧٣٤ ترجمة القرآن إلى الإنجليزية مشفوعة بمقدمة وملاحظات وافية. وكان J.J. Reiske ١٧١٦-١٧٧٤، الباحث الألماني الفذ في زمانه في الأدب والتاريخ العربيين، قد قاسى من الظلم من الأستاذين الشهيرين Michaels و Schutens لأنهما أرادا أن يبقيا الدراسات العربية في نطاق "الفيلولوجيا المقدسة والتفاسير التوراتية". ومن جهة أخرى، كان Volney الفرنسي الذي عرف اللغات الشرقية وزار الشرق العربي وكتب عنه في مؤلفين "رحلة إلى سوريا ومصر" عام ١٧٨٧ و"وصف مصر" عام ١٨٠٩-١٨٢٢ قد نادى بضرورة تعلم اللهجات العامية وانتقد الباحثين والمستشرقين الذين عرفوا الكثير عن النحويين العرب في العصور الوسطى إلا أنهم في الوقت ذاته لم يقدروا أن يتعاملوا مع العرب الأحياء بالعربية
. وفي القرن العشرين قال مكسيم رودنسون "فإن عصر هيمنة الفيلولوجيا في الاستشراق قد ولّت"، وفي ألمانيا قال Herder الألماني ١٧٤٤-١٨٠٣ بأن العرب "معلمو أوروبا" أما شاعر ألمانيا يوهان وولف چانچ فون چيته (Johann Wolfgang von Goethe, 1794-1832) فقد مجّد النبي العربي، محمدا، في أشعاره. وڤولتير، الفيلسوف الفرنسي، (François-Marie Arouet, 1694-1778) قد كتب كتابا عن محمد عام ١٧٤٢ وغدت باريس قبلة المهتمين بلغات الشرق الأوسط وحضاراته منذ العام ١٧٩٥ الذي فيه افتتحت مدرسة اللغات الشرقية الحية. وكان الاستاذ Simon Ockley في أكسفورد قد كتب في بداية القرن الثامن عشر مادحا الشرق المسلم الذي فاق الغرب علما ومعرفة. وكذلك فعل Edward Gibbon ١٧٣٧-١٧٩٤. بعبارة أخرى، في القرن الثامن عشر نُظر إلى الشرق الإسلامي نظرة الإخوة والتفهم، وظهرت في إنجلترا ففرنسا لفظة Orientalist أي "المستشرق"، وعقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام ١٨٧٣ وقبل ذلك بأكثرَ من قرن وبالتحديد في عام ١٧٨٤ أسست في الهند أول جمعية استشراقية. ومن المبشرين الذين كانوا في الشرق واستفادوا وأفادوا نذكر: James Bruce, Carsten Niebuhr, H. Maundrell, R. pocock, J. de la Roque, N. Savary, Thomas Shaw. وفي القرن التاسع عشر يظهر التفوق الغربي، الاستعمار والاكزوتية والتخصص، الشرق المسلم ما زال عدوا لكنه مهزوم. الأراضي الشرقية شاهدة على ماض عظيم. ويقول المستشرق الايطالي چويدي "موضوع دراسة اللغة العربية من أصعب الموضوعات وقلّما أتيح لعالم غربي أن يجيد فيه الإجادة كلّها. ما أصعبَ لغةَ العرب وما أغناها". إن بعض المختصين الغربيين باللغة العربية كما قال عباس محمود العقاد منذ عقود وما زالوا للأسف الشديد جاهلين بهذه اللغة لأنهم عاجزون عن الإحساس بها أو الاستيلاء على روحها عبر القواعد (العقاد، حقائق الاسلام وأباطيل خصومه. ط، ٢ القاهرة ١٩٦٢، ص. ١٧٨-١٧٩). ويقول الاستاذ اللغوي ابراهيم مصطفى عن العربية: "وهي من أسهل اللغات ان لم اقل إنها اسهلها … وقد يكون ذلك عجيبا لأن الأحاديث التقليدية تصف اللغة العربية بالصعوبة … ولكن العجبَ يرجع إلى جماعة من المستشرقين أرادوا أن يتعلموا العربية وهي غريبة عنهم أو هم غريبون عنها فأشاعوا عنها هذه الغربة… نعم إنها غير يسيرة على المستشرقين لا من طبيعتها هي ولكن من طبيعتهم هم". في اللغة الانجليزية حوالي ألف كلمة تتحدّر من أصول عربية وآلاف أخرى مشتقة منها. (المستشرق الانجليزي Walt Taylor). معظم هذه الكلمات اصبحت غير مستعملة أو نادرة. يُقدّر عدد الكلمات المستعملة إذن بـ ٢٥٠ كلمة. إلا ان معجم اكسفورد الوجيز يضم ٤٠٥ كلمات. من هذه الكلمات: Arsenal -دار الصناعة Assassin -الحشاشون عام ١٢٥٩ Carat – القيراط عام ١٥٥٢ Candy – القند عام ١٤٢٠ Admiral -أمير البحر عام ١٢٠٥ Alchemy -الكيمياء عام ١٣٦٢ Alcohol -الكحول عام ١٥٤٣ Algebra -الجبر عام ١٤٥١ Allah – الله عام ١٦١٠ كما يقول تايلور ويبدو انها اقدم من ذلك بكثير. Almanac – المناخ عام ١٣٩١ Chess – شطرنج عام ١٤٠٦ Cheque – صك عام ١٣١٤ Coffee – القهوة عام ١٥٩٨ Cipher – الصفر عام ١٣٩٩ Elixir – الاكسير عام ١٢٦٦ Dragoman – ترجمان حوالي ١٣٠٠ Gazelle – غزال عام ١٥٨٢ Jasmine – ياسمين عام ١٥٦٢ Jar – جرّة عام ١٥٩٢ Lute -العود عام ١٣٦١ Mosque مسجد عام ١٤٠٠ Sugar -سكر عام ١٢٨٩ Sofa – صفة عام ١٦٢٥ Tariff -تعريفة عام ١٥٩١ Arrak – عرق عام ١٦٠٢ Baksheesh -بخشيش عام ١٦٢٥ Khamseen – خمسين عام ١٦٨٥ Algorism – الخوارزمي عام ١٢٣٠ Soda -صداع عام ١٥٤٠ Guitar – قيثارة عام ١٢٦١ cable – حبل عام ١٢٠٥ Amulet – حمالة عام ١٤٤٧ Influenza – أنف العنزة Alborak - البراق عام ١٦٣٥
وفي إحدى مسرحيات شكسبير (١٥٦٤-١٦١٦) كلمة ذات سبعة وعشرين حرفا وهي اطول كلمة في الانجليزية وهي: Honor ifica bilit udini tatib us وهناك من يقول، ولا أظنه جادّاً في ذلك، إن هذه الكلمة الافعوانية عربية المنبت مؤلفة من ست كلمات هي: انظري في قلبي لتوديني (و) تعطي بوسة. ومنذ منتصف القرن العشرين فصاعدا تكاد كل جامعة معروفة في بلاد العالم قاطبة تدرّس اللغة العربية وآدابها والإسلام. وفي نفس الفترة نادى المستشرق الانجليزي المعروف H.A.R. Gibb بالتعلم عن العرب للعمل معهم على أساس تبادلي. ولا بد من الإشارة إلى أن العربية أصبحت لغة رسمية في مجلس الأمن بالإضافة إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية في ١٩٨٢/١٢/٢٠ وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ ١٩٨٣/١/١. وبعد حوادث الحادي عشر من أيلول-سبتمبر ٢٠٠١ ازداد الإقبال على تعلم اللغة العربية في أمريكا وأصبح الاهتمام بالمسلمين والإسلام موضوع الساعة في وسائل الإعلام المختلفة من مكتوبة ومذاعة ويشاهد المتابع في العديد من الأحيان أساتذة للغة العربية والإسلام في الغرب يتكلمون عن الأحداث الإرهابية وعلاقة ذلك بمنظمات إسلامية متطرفة، والحق يجب أن يقال إن العديد من أولائك المتحدثين لا يكادون ينطقون ببضع جمل سليمة في العربية الأدبية الحديثة ناهيك عن أية لهجة عربية معاصرة. أولائك الأساتذة "الفطاحل" والباحثون في العربية والإسلام والمترجمون من العربية المكتوبة إلى لغاتهم يفقهون القراءة فقط، قراءة ما كتبه الأقدمون ولا يفهمون ما يقوله الأحياء القاطنون بين ظهرانيهم ولا يُفهمونهم!.
بقلم:ا.د. حسيب شحادة , جامعة هلسنكي