المقامة الفاروقية
تاريخ النشر: 03/04/15 | 18:56حدثنا نواف بن الحسن المصمصي، الواقف كالمرصاد، لكل ما يقال وكل ما يعاد، عن القعدان جمال، المتمسك بالحكم والأمثال، عن أحمد بن منير الذي يعرف عن الأدب والأدباء الكثير والكثير، قال: إن أبا السيد المشغول بالأضداد، الذي لا يعبأ لا بالجموع ولا بالأفراد، بل يركض سيفًا فوق جواد، يكتب من قلب ثائر، أو يبدع من ذهن فائر، لا غامض لا ماكر، يتجلى كالمنطاد، في لغة لا أجمل لا أعمق، لغة تدعى بالضاد، في البحر الهائج لا يغرق، لكن يغتاظ من الحساد قالوا: فلنكتشف الأبعاد!
هذا الفاروق إذا ألهب، يختال كما الطاووس إذا يقرأ شعرًا أو يكتب، فالمبدأ مربوط بالنقد الدفين، والويل لكل المشعورين، وتلامذة الكتاب، إن يغضب أو يشعر بالتقصير، وتهان كرامته، أو ما عرفوا فيمة أشعاره او قيمته العلمية، ومواقفه من كل سؤال وقضية.
في آخر هذي الدنيا أو من أولها أو منتصف الدرب الصاعد، والزمن المتباعد، يقفز أحمد بن منير الساخر وسط الحلبة، ويقيم الدنيا فلا تقعد، ويثير الموج ولا يجمد، ورمال البحر وكل رياح المنتفعين، وعواصف درب المهووسين، ورقاب المصروعين، لكن الوقت قصير، والنفَس في الصدر قصير، تعود الأحداث كما بدأت، والأمواج إذا صدئت، ورياح الشرق إذا دفئت، وكلام الليل بأقلامه، وحديث الروح بأحلامه.
ويعود النواف يقول، والقوم مع المعنى موصول: استل الفاروق من الغمد الذهبي البراق، وهو الإنسان الصافي الرقراق، كمياه النبع، والدافئ والمشتاق، ومع الكتّاب يحاورهم، ومع الشعراء يناقشهم، ما معنى أن جموع الناس، تحب الطلعة والمقياس، والجسم الممتشق المياس؟
ويجيء أبو الياس، إذ يقرأ شعرًا في أرطاس، عن هذا الحساس:
أنت يا حامل الأرجوان
وخطايا الحروف
أنت يا مفعمًا بالدليل
تقرأ المستحيل
في ثنايا الحروف
في صراخ الحلم
تختبئ في التقاء السطور
بين حب الجسد
واشتياق في العناق الطويل
تحترق في أتون النغم
أنت ما أنت كم تستجير
في الكساء البديل
تقتفي دائما ثائرًا
كل موج حميم
انتظر قبل أن تمسك الأمنيات
في بحار الكلام
وأغاني السلام
فلما غاب عنا في دهاليز الأفكار وزواريب الكلمات الموزونة، والمعاني التي كانت في بطون الكتب مدفونة، يتدفأ بقصائده المقفاة، ويقتات من دراساته وكتاباته التي من الأخطاء معفاة، قيل عنه الكثير وما قيل شيئًا.
..
واختفى ظله المنير
أو من صدى العاشقات
لا يهاب المصير
إنما لم يزل حوله
كل شيء مثير.
إدمون شحادة