ب.فاروق مواسي:من سيرتي الذاتية- مسابقة القرآن
تاريخ النشر: 06/04/15 | 9:19
في آذار سنة سبع وستين وتسعمائة وألف أعلنت الإذاعة الإسرائيلية عن مسابقه في حفظ القرآن الكريم تحمست لها في مؤتنف شبابي لأسباب لغوية محضة، وقررت المشاركة فيها. ويبدو أن غرض القائمين على المسابقة لم يكن نزيهًا تمامًا، فقد تزامنت إذاعتها قُبيل حزيران سبع وستين، فأقبل الناس على البرنامج، واستمع إليه كذلك أهلنا في الضفة والقطاع- ممن ستحتل إسرائيل أراضيهم بعد أقل من ثلاثة أشهر، فأخذت الإذاعة تعيد بثّ المسابقة مرة تلو المرة، ولسان حالها يزدهي بالحرية الدينية المتاحة للعرب الذين بقوا في ديارهم عام ثمانية وأربعين، فلا تخشوا يا عرب السبع والستين!!!
وزار بيتك بعد الاحتلال بعض الأقرباء وغير الأقرباء ممن جمع بينكم الاحتلال، وسألوا عن هذا الفتى “رجل القرآن الكريم”، وكنت كأنك في عرس آخر فيه جلالة ومهابة، لم تكن قد نعمت بهما يوم عرسك. (قيل لك إن المسابقة كانت أصلا لاختيار قاض للمحكمة الشرعية، ولكن طابعها تغير عندما وصلت إليك، ولم تهتم ولم تغتم).
سأعود بك إلى مسابقة القرآن الكريم وكيف بدأت:
رشحت نفسك للمسابقة الإذاعية التي أشرف عليها الإذاعي أبو جرير، فقد تم تسجيلك متأخرًا بناء على رغبة مشتركة لك ولوالدك.
أما أنت فكانت رغبتك أن تخوض بحر اللغة العربية، فلا فهم لغوي حقيقي دون تدبر آيات القرآن وبلاغته، وأما والدك فكانت بغيته تشجيعك على العودة لله- على طريقته هو، فقد أغراك بأنه سيضاعف الجائزة المالية، وتكون الجائزة من حظك جائزتين.
تقدم للمنافسة نحو خمسين متسابقًا، منهم الإمام في المسجد، ومنهم الفقيه المتعبد، ومنهم من لا ينثني عن ترديد الآيات التي يصعب حفظها- ليل نهار-، و عجبت لبعض الأسماء المشاركة، مما لا يحسن بك الإفصاح عنها.
في الامتحان الشفهي للتصفية الأولى ورد لك السؤال:
اذكر ثلاث آيات تبدأ بقوله تعالى” الله لا إله إلا هو…”؟
كنت تحفظ آيتين هما آية الكرسي، والآية الثانية من آل عمران، فارتأيت أن تحسن التخلص أولا، فتبدأ بما هو ليس متوقعًا، فأخذت تجمع بين أجزاء آيات، ولم تتلجلج، فإذا الأمر يمر بسلام، بسبب جهل هؤلاء الكرام، ولم يعترض أي من أعضاء اللجنة خشية من اتهامه هو بأنه لا يحفظ، وإذا بك تفوز في التصفية.
في مسجد الجزار كانت المسابقة النهائية، وقد دعي إليها مئات الضيوف من عِلية القَوْمين، وانطلقت الأسئلة تترى، والإجابات على إثرها، وبدأ المشاركون يقصّرون في السباق الواحد تلو الآخر حتى بقي اثنان: أنت وأبو فاروق من قرية مجاورة لبلدتك.
أغراك أبو فاروق بأن تحظى بالجائزتين معًا- وأقسم- عليك أن تفسح له مجالا بالفوز، فهو يخشى ألسنة أهل بلده ولذع سخريتهم فهو مدير المدرسة، وهو متدين وفي عمر متقدم، و لن ينسى لك صنيعك.
قلت له وأنت تنظر إلى والدك ونخبة من أصحابه، وقد حضروا لسماعك:
“وماذا نقول لأبي فاروق الآخر الذي يبتسم من بعيد مزهوًّا؟”
****
وأعلن عنك أنك “نجم الشهر” و”حافظ القرآن” و”رجل القرآن الكريم”، ولم يتسنَّ لك ذلك لولا هذا الحفظ الذي خَصصت له وقتـًا طويلاً، وكنت تقف في ذلك على كل شكل لحرف، مما يدعوك أحيانًا لأن تتساءل عن إعراب هذه الكلمة أو معنى تلك، والتساؤل هو بداية البحث- كما هو معروف-.
* * *
أقواس من سيرتي الذاتية. ط2. طولكرم: مطبعة ابن خلدون- 2011، ص 206- 207.