كلمة لتكريم الشاعر ابراهيم مالك "الاشجار تموت واقفة"
تاريخ النشر: 21/12/12 | 14:31“القيت هذه الكلمة في حفل تكريم الشاعر والمفكر الكبير ابراهيم مالك يوم 21.12.2012 والذي بادرت اليه مشكورة الفنانة سهاد ذيب، ابنة قرية عرعرة“
أيتها السيدات، أيها السادة, أسعد الله مساءكم بكل خير، عرفت أبا مالك قبل عقود، دون أن يعرفني، حيث كنت أقرأ مقالاته في أدبيات الحزب الشيوعي، الاتحاد، الغد، والجديد، فشكل بذلك عاملا رئيسيا في تشكيل هويتي الفكرية. وعرفته شخصيا قبل شهور، حيث دعينا الى افتتاح معرض فني في جمعية البير، لأكتشف ان بيننا رابط قوي، فابو مالك ربطته صداقة متينة مع ابن عمي وأخي، صديقي ورفيقي المرحوم أحمد مصالحة.
تصادف بعد أيام الذكرى السنوية لرحيل الشاعر الفلسطيني معين بسيسو – ومنه أخذت عنوان هذه الكلمة/ الرسالة التي اوجهها للشاعر الكبير، أبي مالك.
الاشجار تموت واقفة، قال الرفيق. قلت: أما الشعراء، فلا يموتون.
والشعراء لا يقرضون الشعر, بل الشعر يقرضهم . وعمر الشاعر لا يقل، بل يزيد. مع كل قصيدة، بيت وشطر، يزيد.
فكلما كتبت قصيدة أو بيت شعر, نشأت حياة على حساب الموت، عنوة، تذكرنا بآلام الولادة.
وكلما قرأت قصيدة أو بيت شعر، عادت حياة، وان كان قد ولى الجسد.
لا تقل لا، لا! لا تعاند. أعرف ذهنك المصبوغ بالقاني، وأعرف انك ان لم تشأ قولا، خرست.
وانك ان شئت قولا، نطقت، مهما دفعت، مهما دفعت.
والشعر والسحر يا صديقي توأمان، سياميان. مجالان واسعان لمخيال الأنوسة، شاسعان.
فمن ثني الحديد بموجة فكرية، الى رفع الثقيل بعكس صوب الجاذبية. من وقفة على الاطلال تبكينا
الى قبلة على شفة الحبيب تنشينا، ومن رفع الشعار الى طريق الخير، يهدينا ، الى وصف الكؤوس وصحبها
في سهرة ليلية، وقينة تعزف الأوتار ساهمة، كأنها على قلوبنا ضربت، لتسعدنا وتشقينا.
هذا مجالك يا ابن امي، فانتخب، هذا مجالك. وهذا البحر، زرقته وموجته، أمامك. فانظر، الى أي عمق تغوص، او أية موجة عالية ستركب، وتأخذنا معك.
واكتب لتغضبنا واكتب لتفرحنا، أما نحن، فبما تبقى فينا من طفولة، فسوف نغضب وسوف نفرح, سوف نحيا
وسوف نقرأ ما كتبت، لنحييك فينا
اقرأ المزيد:
عزيزي الدكتور حسام مصالحة ، أشكرك من صميم قلبي على كلِّ كلمة كتبت ، سبق ونشرت مؤخرا في موقعنا العزيز ” بقجة ” نصًا من قصيدة ، عنوانها ” حدَّثني صاحب ” وقد أردتُ من خلاله التأكيد على أمرين يُشْغِلان تفكيري ، ألاول أن الشعر ( الشعر الحقيقي ، وهو القليل الباقي ) لايموت ولا يشيخ طالما بقيت حياة إنسانية ، أما الأمر الثاني أن الشعراء ، قلت عنهم أنهم المغنون ، يموتون ليولد أخرون . فالموت ، كما أفهمه بحكم التجربة الحياتية وبحكم المعرفة الفكرية ، هو شرط الحياة ، فالحياة الإنسانبة شرطاها هما الولادة المفرحة والموت الموجع بسبب الفراق . وموت الشاعر واقفا هو رمز ودلالة حرصه على التمسك بكرامة الحياة حتى النفس الأخير ، قبيل نومه الأبدي . وما أجمل حياة المرء حين تظلُّ تتجدَّدُ حقا من خلال أناه الآخرين .
حدَّثَني صاحب
حَدَّثني صاحِبٌ كانَ بَعْضَ ذاتي
تَقَمَّصَني فَصِرْتُ بَعْضَهُ
وكانَ عازِفَ ربابَةٍ ، قالَ :
يا أنا ! وَكانَ يُخاطِبُ ذاتَهُ ،
الشِّعْرُ لا يَشيخُ ولا يَموت
قالَ :
يَموتُ الْمُغَنّي لِيولَدَ آخرونَ كثيرون
فَتَتَجَدَّدُ حياة وَيَعْذُبُ غِناء
يَسِحُّ ندىً ويسْقُطُ رَذاذ
وَتَتَفَتَّحُ كوًى جديدة ويعْمُرُ الْمَدى نور
وتقَعُ قِصَّةُ عِشْق ،
فَيُسامِرُ العاشِقونَ قَمَر
وَتَطيبُ لَيالِ ويَعْذُبُ الغِناء من جديد .
أصْغَيْتُ لَهُ ولي ، فارْتَعَشَ حِسّي
وغابَ عَقْلي يَبْحُثُ عَنْ سُحُبٍ
عَلَّ فيها مَطَرٌ
في قَطَراتِهِ سِرُّ تَجَدُّدِ الْحَياة .
عزيزي ابو مالك
شكرا لك على حضورك، على صبرك وعلى ردك.
لعلني أشاركك همك الفكري فيما بين الحياة والموت من تلازم. فهما ضدان اجنمعا ليعرف أحدهما بنقيضه، ولا ارى كيف يمكن غير ذلك. الا اذا اعتبرنا – وهذا ما يعتقده البعض- بأن الحياة ما هي الا حالة، من حالات تنظيم المادة، وهو مما يمكن قبوله عقليا بشكل كبير حتى نصطدم بظاهرتي الوعي والروح. وهذا حوار، نقاش، سجال قد يعيدنا الى أوليات الفكر الانساني، المعاصر منذ بضعة آلاف من السنين، ليس أكثر.
أما بخصوص لا موتية الشعر الحقيقي كما كتبت فهذا ما ذهبت اليه أنا أيضا، وقد أكون قد قصرت في ايضاح ذلك ولذا استميحك عذرا. أما بخصوص موت المغني، وهو ما لا نتفق عليه، فكيف نفسر موته في حين لا زال شعره (أو قل روحه) حي؟ هذا ما رميت أنا اليه وقد رأيت لا موتية الشاعر من ديمومة شعره، وقد أكون على خطأ.
أما بخصوص الموت كشرط للتجدد فهنا ايضا قد نكون ننظر الى نفس الموقع من زاويتين مختلفتين، فنحن نتبدل ونتغير في كل لحظة، وبرؤياك نموت ونحيا في كل حين، او كما ذهب احد الحكماء قبلنا الى عدم امكانية الاستحمام في نفس النهر مرتين. فالنهر تتبدل مياهه دون فناء أو بقاء، وهذا ايضا من باب تلازم الاضداد.
فهل ترى غير ذلك؟
[…] الفنان جمال حسن, د. محمود ابو فنه, الكاتب مفيد صيداوي, د. حسام مصالحة واحمد مصاروة. كما وألقيت قصائد شعرية على شرف الأديب […]