سطّر يا قلم .."التطبيع الثقافي"
تاريخ النشر: 22/12/12 | 5:44الثقافة هي الشيء الوحيد الذي يحقق التواصل بين البشر ، لكن هنالك فرق بين التطبيع الثقافي وبين رصد أو متابعة الإنتاج الثقافي والأدبي للآخر، فالاطلاع على ثقافة الآخر أمر يثري المطلّع ، حتى وإن كانت هذه الثقافة لدولة معادية . أما التطبيع الثقافي فيشمل التبادل والتفاعل الثقافي الحي والمباشر، من خلال المؤتمرات والمشاريع الثقافية المشتركة والمحافل الثقافية والأدبية، الأمر الذي يؤدي بالتالي الى القبول بالطرف الآخر وليس مجرّد الاطلاع على ثقافته لمجرّد المعرفة.
الإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يعيش وحيداً ومنقطعاً عن العالم ، وإذا حدث وقرر شخص ما ، أو شعب ما، أن يعيش منعزلاً عن العالم بقرار ذاتي متخذاً ثقافة المقاطعة نهجاً ، فهو الخاسر لأنه فرض على ذاته التقوقع والحصار الإرادي ، وهذا ما حصل للصين عندما قررت اتباع سياسة العزلة.
ولدينا ، في العالم العربي ، نلاحظ التخبطات في تحديد مفهوم المقاطعة للثقافة الاسرائيلية ، وهنالك خلط بين ترجمة الأدب وتداوله ، وعملية إنشاء مؤسسات ثقافية أو تنفيذ مشاريع ثقافية. فالاطلاع على ثقافة الآخر أمر هام جدا , ويفضل تعلم لغته أيضاً .
ووصل هوس المقاطعة الى حد مقاطعة الفنانين والأدباء العرب المقيمين في اسرائيل من قبل اخوانهم العرب في الدول العربية، والأنكى من هذا أنه يتم التعاون العلني والخفي من قبل مؤسسات اعلامية وتجارية من الدول العربية مع مؤسسات رسمية اسرائيلية وفي الوقت ذاته يرفضون التعامل مع مؤسسات عربية في اسرائيل بحجة التطبيع ، هذا الأمر الذي تحوّل الى قميص عثمان يلوّحون به كلما شعروا بالحرج.
وقد شاءت الظروف أن أتعرض لمواقف غريبة عندما حاولت اختراق حاجز “التطبيع” الذي يمنعنا من التواصل مع ذاتنا ، مع جزء هام وحيوي من ثقافتنا وأدبنا. فقد زرت ستوديوهات المحطة التلفزيونية العربية ال M.B.C عندما كانت لا تزال في مدينة لندن ، وتسنى لي أن ألتقي مع مدير البرامج في المحطة آنذاك وقد كان عراقياً ، فعرضت عليه الحلقة التجريبية لمسلسل درامي باللغة العربية ، فما كان منه إلا أن اعتذر من ناحية مبدأية عن امكانية انتاج أو شراء هذا المسلسل من قبل ال M.B.C بحجة التطبيع. فصرخت عندها بعد أن لم أتمكّن من السيطرة على أعصابي :” كفاكم مزاودات ، فقل لي بربّك كيف تحاورون وزراء اسرائيليين وتهيئون لهم المنابر ليدلون بآرائهم ، أما نحن العرب فتفرضون علينا المقاطعة المزعومة”.
حاولت الأمر ذاته مع ادارات محطات تلفزيونية عربية أخرى ، إلا أن الاجابات لم تختلف عن سابقاتها ، رغم أنه ولسخرية القدر احدى المحطات والتي كان مركزها في مدينة عمان لم تخجل من اعلان التزامها بسياسة التطبيع ، وفي الوقت ذاته أبلغتنا أنها تجبي رسوم المشتركين الذين يشاهدون المحطة في داخل اسرائيل بواسطة شركة اسرائيلية، عندها اكتشفت بأن التطبيع يندرج على المصروفات فقط في هذه الشركة ، أما عندما يتم الحديث عن الدخل ، فيتم شطب مصطلح “المقاطعة” من قاموس هذه الشركة.