مقوّمات المرحلة ودور التجمع الوطني الديموقراطي فيها

تاريخ النشر: 09/04/15 | 19:00

شخّصت في مقالي الأخير دوائر العمل الثلاث للقائمة المشتركة وهي النائب الفرد، ألأحزاب المركبة، والكتلة البرلمانية المشتركة، والتي سيكون للتفاعل وللضبط والتنسيق فيما بينها نصيب كبير في تحديد نسبة نجاح أو فشل القائمة المشتركة.
ألأحزاب المركبة للقائمة المشتركة تقوم بذلك لأول مرة، ولديها بدون شك تخوّفات وشكوك وانتقادات عديدة، وربما تدرس في هذه الأيام بدايات التجربة وتضع التصورات لكيفية تأثيرها وتأثّرها بالعمل الوحدوي المشترك.
ليس سرا أن التجمع الوطني الديموقراطي كان لاعبا مركزيا وعاملا حاسما بقيام هذه الوحدة، لأنه رأى فيها هدفا استراتيجيا يحقق من خلالها ركنا مركزيا من مشروعه السياسي في تنظيم عرب الداخل. وقد قدم التجمع في سبيل التوصل للإتفاق لتأسيس القائمة الواحدة تنازلات هامة، واضعا الحد في ساعات المفاوضات الأخيرة الحاسمة لاحتمال القائمتين، الذي ظل البعض يناور لفرضه حتى الدقيقة الأخيرة. وهذه التنازلات تحسب له لا عليه، وتعطيه رصيدا أكبر في المسؤولية عن إنجاح التحالف. بلا شك نحن نلج مرحلة جديدة على الحركة الوطنية برمّتها، وعلى التجمع بشكل خاص أن يعيد النظر في مهام وتحديات المرحلة، ويعيد صياغتها بناء على أولويات يضعها وفقًا لطبيعة المرحلة.
علاقتنا باسرائيل، ومؤشّر البوصلة الوحيد..
المهمة الأولى التي يواجهها التجمع هي صيانة الوحدة وتحصينها بناء على البرنامج السياسي المتفق عليه، والحفاظ بدأب على السقف السياسي للعمل المشترك لمنع أية إنزلاقات نحو أسرلة مكشوفة أو متوارية يفرضها العمل البرلماني نفسه، والتواجد في ملعب العملية السياسية في السياق الاسرائيلي، حيث نحن متواجدون اليوم وبقوة كثالث اكبر كتلة في البرلمان.
نحن نضطلع بمهمة حفظ البوصلة السياسية للمشتركة، وتوطيد قاعدة فولاذية لكي تقف عليها كل مركبات المشتركة، ننطلق منها في التجمّع بأنّ وجود المشتركة في البرلمان هو وجود نضالي معادٍ ومتحدٍّ للصهيونية، وللعنصرية ولجوهر الدولة اليهودية، وهذا ما علينا ان نثبّت عليه خطاب القائمة المشتركة. تفاصيل العمل البرلماني قد تغرق المشتركة في ما قد يتراكم لعملية اندماج زاحف يسعى لتحقيق إنجازات صغيرة ثانوية، ولكنها هي –التفاصيل- نفسها قادرة أن تكون ترجمة لمشروع عرب الداخل كشعب أصلاني يرى في المواطنة وسيلة لاستعادة الوطن من خلال تحقيق المساواة الكاملة في “دولة لكل المواطنين”، وفي بناء المؤسسات القومية الجامعة كأساس للإدارة الذاتية لشؤونها.
هنا لا مناص من أن يلعب التجمع دور الحريص المتشدد من جهة للحفاظ ولتطوير الوحدة، ومن جهة أخرى لكي لا تضل الطريق، إذ لا فائدة من وحدة تأخذنا في هاوية الأسرلة والتهميش الذاتي. اننا ننشد وحدة الأصلانيين أبناء الأرض والوطن الفخورين والشموخين الذين لا يقايضون حقوقهم المدنية بكرامتهم وانتمائهم وتمسكهم بوطنهم، وهذا يعني التمسك بالبرنامج السياسي مع سقف واضح وشامخ للخطاب، لا يتغير لا من حيث المضمون ولا من حيث المفردات، سواء قيل بالعربية أو بالعبرية من على منصة الكنيست، أو من خلال القنوات الاسرائيلية، أو في مظاهرات يوم الأرض!
في بناء المجتمع الفلسطيني في الداخل
تقع علينا مهمة استثمار تجربة الوحدة كرافعة لبناء المؤسسات الوطنية الجامعة وخاصة وبشكل فوري لجنة المتابعة العليا. هناك خطر حقيقي بأن تتحول المشتركة بفعل النجاح الذي تحقق والإجماع الوطني الكبير وشبه الشامل الذي حققته، وكذلك بواقع وجودها كرأس الحربة أمام المجتمع الإسرائيلي، إلى عنوان المجتمع الفلسطيني وممثلته الأعلى، وفي هذا تناقض كبير مع سعينا إلى بناء المؤسسات الوطنية الجمعية خارج الحيز الإسرائيلي، بل وفي مواجهته. التوقعات الكبيرة التي بلغت أوجها عند الناس من المشتركة، مع صورة نمطية سيئة جدا في الرأي العام العربي للجنة المتابعة، هي أيضا عامل يضغط بهذا الاتجاه السيّء. هذا يعني أننا نبدأ من نقطة صعبة جدّا، وهذا يعني أن التحدي أمام التجمع الوطني وأمام سائر مركّبات المتابعة لإعادة البناء جذريا ولتغيير الصورة النمطية للمتابعة كبير وصعب، ولكنه ممكن من خلال الانطلاق لبناء برنامج عمل لها، ولبناء مؤسسات جديدة مثل الصندوق القومي وغيره. التجمع مؤهل هنا للعب دور مماثل للّذي لعبه في إقامة المشتركة، ومهمة التجمع الحرص على تلافي خطر تهميش المتابعة لصالح إبراز المشتركة، من خلال استغلال أجواء الوحدة وتأثيراتها الايجابية في عملية سريعة لإعادة بناء المتابعة. ألمطلوب تحرك فوري لوضع خطة إنعاش قصيرة المدى ومكثفة تشمل انتخاب رئيس أو رئاسة مؤقتة مع بناء ميزانية حد أدنى لتشغيل طاقم صغير، وللصرف على فعاليات المتابعة، ومن الممكن أن يتأتى ذلك من خلال التنسيق والاتفاق بين مركبات المتابعة الرئيسية في اجتماع سريع لاطلاق المبادرة.
نحو تعديل البرنامج الوطني الفلسطيني..
المرحلة القادمة هي حاسمة أيضا بما يتعلق بمصير وواقع القضية الفلسطينية. من الواضح أنه وفي ظل أي حكومة إسرائيلية قادمة بقيادة نتانياهو لن يحدث أي تغيير في سياسة “إدارة الصراع” التي انتهجها منذ عودته لرئاسة الحكومة عام 2009، وهذا يعني بالضرورة استمرار الاحتلال في الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس من ناحية، وحصار قطاع غزة وتكريس فصل الضفة عن القطاع، مستثمرا حتى النهاية لصالح إسرائيل الانقسام الكارثي على الساحة الفلسطينية. ما يجعلنا نقدّر أن المرحلة ستكون حاسمة هو أن حل الدولتين سيجري دفنه فعليّا على أرض الواقع بمسؤولية إسرائيلية كاملة. وكذلك سيجري تشييعه رسميا على المستوى الدولي، ووجود حكومة يمين ضيقة ستسرّع من هذه العملية. ما الذي سيفضي إليه الحال بعد دفن وتشييع حل الدولتين من ناحية، وترسيخ وتكريس حالة إسرائيل كدولة أبرتهايد من ناحية أخرى؟ هنا علينا، وأقصد التجمع والحركة الوطنية والمشتركة والمجتمع الفلسطيني في الداخل بشكل عام، عقد مؤتمر وطني شامل لتدارس إطلاق مبادرة حل الدولة الواحدة. هذا الجزء من الشعب الفلسطيني الذي يعيش في ظروف المواطنة الاسرائيلية، هو ألأقدر والأكثر مصلحة في تطوير البرنامج الوطني الفلسطيني العام بهذا الاتجاه. للتجمع مهمة تاريخية باجتراح الطريق الذي سيفضي لهذا البرنامج، بالايقاع والوتيرة التي تتلائم مع قراءة وطنية واعية للتطورات السياسية في الساحة الإسرائيلية والفلسطينية والعالمية.
أمام التجمع مهام أخرى كبرى، وفرص تتيحها أجواء الوحدة الجديدة في البناء التنظيمي والفكري، وإحداث التغييرات الداخلية للتجدد والتوسع وزيادة التأثير، خاصة بين الطلاب والشباب. يستعد التجمع للاحتفال بمرور 20 عاما على تأسيسه كما يستعد لعقد مؤتمره السابع في خريف هذه السنة، وهذه كلها محطات هامة لإعادة تجديد الطاقات والتفكير النقدي الإبداعي في مشروع التجمع السياسي والاجتماعي، كما كان منذ انطلاقته قبل عقدين من الزمن.
النائب د. باسل غطاس

unnamed

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة