دراسة لديوان “ألكترا”
تاريخ النشر: 10/04/15 | 14:47مقدمة: الشَّاعرة ُ والأديبة ُ والناقدة ُ ” نجاح نجم ” من سكان مدينةِ “الناصرة “، تكتبُ الشِّعرَ والخواطرَ الأدبيَّة والقصَّة َ والمقالة َ الصَّحفيَّة والنقديَّة والدراسات والأبحاث على أنواعِهَا منذ أكثر من عشرين سنة.. وهي خريجة ُ جامعةِ حيفا – حاصلة ٌ على اللقب الأول ) b.a ) في اللغةِ العربيَّة وآدابها…عملت في سلكِ التعليم لفتراتٍ متقطعة… وفي مجال الصحافة أيضا.. نشرت بعضا من إنتاجها الأدبي والشِّعري في العديدِ من الصحفِ والمجلات المحليَّة، ولكنها لا تسعى وراءَ الأضواءِ وكانت مقلة، نوعا ما، في مجال النشر رغم الكمِّ الكبير من إنتاجها الأدبي والشعري المتواصل. وكما أنهُ لم يكتب عنها أيُّ كاتبٍ وناقدٍ محلِّي ولم يتناولوا أدبَها ويلقوا عليهِ الأضواء. وديوانها هذا الذي بين أيدينا هو أوَّلُ إصدار لها ( صدرَ أواخر عام (2001 ).
مدخل:الشَّاعرة ُ والأديبة ُ”نجاح نجم” من الشاعراتِ والكاتباتِ المُبدعات محليًّا،ويشرِّفني أن أكونَ أوَّلَ شخص يكتبُ عنها وعن أدبها، وأكون الرائدَ والطليعيَّ في إزاحةِ الستار وتركيز الأضواء على جوانب عديدةٍ هامَّةٍ من محطاتِها الإبداعيَّة…إبداعات إنسانة ساهمت بشكل فعليٍّ في تطوير وتقدُّم الحركةِ الأدبيَّة محليًّا.. وعملت على بناءِ وتكامل النسيج الأدبي والثقافي الإبداعي المحلي.
ولنرجع لديوانِها “ألكترا ” فهو باكرة إنتاجها المطبوع – كما ذكرتُ أعلاه – ويقعُ هذا الديوان في 96 صفحة من الحجم المتوسط، تحليه صورة على الغلاف، وقصائد هذا الديوان من ناحيةٍ شكليَّةٍ على نمطِ الشعر الحديثِ الحرِّ ولكن توجدُ فيهِ موسيقى داخليَّة أخَّاذة.. وتلتزمُ نجاحُ أحيانا وفي مقاطع عديدة في هذه القصائد بالقوافي فهي متمكنة ٌ جدا من اللغةِ العربيَّةِ وقواعدِها وصرفها ونحوها، وتعرفُ جيِّدًا كيف تحيكُ وتسبكُ الكلمات الجميلة وتنسجُهَا بشكل متناغم مموسق يكونُ لها انعكاسها الإيجابي الذوقي ويكونُ لها عذوبتها وإيقاعُهَا الجميل وسحرُها على النفوس والقلوب والمشاعر.
تعالجُ الشاعرة ُ في هذه القصائد مواضيعَ عديدة وهامَّة، منها: الوطنيَّة والسِّياسيَّة والوجدانيَّة والإجتماعيَّة والفلسفيَّة…وتركِّزُ بشكلٍ خاصّ على موضوع المرأةِ ( المرأة الشرقيَّة العربيَّة) المهضوم حقها في هذا العصر. وسأتناولُ، بدوري، بعضَ القصائد من هذا الديوان مع الدراسةِ والتحليل وسأبدأ بقصيدة ” ألكترا ” حيث وضعت عنوانَ الديوان على اسم هذه القصيدة… وهي طويلة ٌ جدًّا تقعُ في 21 صفحة نشرت أجزاءً منها في صحيفةِ كل العرب.. تتطرَّقُ الشَّاعرةُ فيها إلى عدَّة مواضيع إنسانيَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة…ولكنَّ الموضوعَ الرئيسي الذي يدورُ معظمُ الحديث عليه هو ” قضيَّة المرأة ” التي هُضِمَ حقُّها في مجتمعنا العربي والشَّرقي. وتوظفُ ” نجاح” في هذه القصيدةِ الجنسَ أحيانا لتصل إلى أهدافٍ عديدة. تقولُ في مطلع القصيدةِ:
( ” أسكبْ كوبَ الحليب العاشر // للمرَّةِ التاسعة والتسعين //
أسكُبْهُ بداخلي… //
أسكُب كوبَ الحليب الأبيض // إلى باطن.. // تجويف عميق //
وتقول: ( ” أسكب.. الكأسَ // المُدَمَّى..// لستُ داودَ أنا //
أملكُ تسعًا وتسعينَ نعجة ً.. // وأشتهي واحدة ً أخرى.. //
بيدِ مملوك.. // غريب //
أحِبُّ سليمانَ الملك… // ولستُ بلقسيا… // ولا ملكة َ سبأ //
أسكبُ الكوبَ الأوَّل.. // أسكب الكوبَ الأخير.. // فطرة ُ الخلق الأولى // خلقني لوحًا أبيض.. // مُهمَّشا.. //
طباشير فكرتي الأخيرة // خلقتها أنا… //
من ذاكرةِ.. // عدمي الأخير ! //
وتقولُ: ( ” أسكبُ حليبَ أمِّي الكريهَ..//
سندريلا كنتُ في بيت خالتي //
رقما منَ الأرقام.. // أحصاهَا أبي.. //
في بطن جُبٍّ وضعَني إخوتي // و في قعر خابيةٍ..//
هندمُوا بزَّتي // نياشين الفحولة المفترسه… //
قلّدتُ فساتيني// أوسمة شرف..// حاصرت عنق سلاسل ثقيلهْ//..إلخ.
إنَّ المعاني والأهدافَ في هذه القصيدةِ تقريبا واضحة ٌ ومفهومة ٌ للإنسان المُطلع والمثقف، فهي تخاطبُ الرَّجلَ الشَّرقيَّ المُتزَمِّتَ هنا بكلِّ صراحةٍ…وتستعملُ وتوظفُ كلمة َ الحليب رمزا للجنس وللذكورةِ والخصوبةِ والتلقيح…فهذا الحليبُ المخصبُ هو مُدَمَّى لأنهُ لا يخرجُ وينبثقُ عن المَحبَّةِ والإنسجام العاطفي والروحي والفكري… لأنَّ الرجلَ الشَّرقي يُعاملُ المرأة َ أو الزوجة بالأحرى ( معظم الشَّرقيِّين) كأنها دمية ٌ ومتاعٌ للذةِ والمتعةِ لا أكثر وأدَاة ٌ للإنجاب ولقضاءِ الوَطر..فبعدَ أن يقضي الرجلُ الشرقيُّ وَطرَهُ وشهوَتهُ من المرأةِ ينتهي كلُّ شيىءٍ وكأنهُ لا يعرفها (مثلما العلاقة بين الحيوانات والبهائم – حسب رأيها).. وتقولُ: إنها تحبُّ سليمانَ الملك.. أي أنها تحبُّ الرجلَ الحكيمَ المتَّزن والمتسربل بالوعي والذكاءِ والفطنةِ ويكونُ كاملَ الأوصافِ، ولكنها ليست بلقيسا لتأتي وتخضع وتسجد لهُ، بل هي على تواضُعِهَا امرأة وفتاة ٌ شرقيَّة ٌ لها كيانها وقيمتها ( تتحدَّثُ على لسان كلّ امرأةٍ وفتاة شرقيَّة ) ويوجدُ لها كرامة ٌ وعزَّة ُ نفس وكيان وشخصيَّة ٌ مستقلة وقويَّة وليست رخيصة ً فيجبُ أن تُعاملَ من قبل الرَّجل بالطريقةِ الإنسانيَّةِ والحضاريَّة والمعقولة، وليسَ بالعنفِ ولا تعاقب جسديًّا وروحيًّا لأتفهِ الأسبابِ وكأنها خادمة أو جارية. وهي بدورها ( الشَّاعرة / المرأة ) قد خلقها الباري لوحًا وصفحة ً بيضاء لا تعرفُ الحقدَ والكراهية َ… ولكنَّ جورَ وظلمَ المجتمع والرَّجل بشكل خاص يجعلها تحقدُ أحيانا وتحسبُ لكلِّ شيىء حسابَهُ، وتنظرُ لأمور عديدةٍ في الحياةِ والوجود بمنظار سوداويٍّ، ويجعلها تضعُ النقاط َ على الحروفِ في كلِّ خطوةٍ وفي كلِّ تجربةٍ وموقفٍ يُوَاجهُهَا، وذلك في قولِها:
( ” قطرة ُ الخلق الأولى // خلقني لوحًا أبيضَ // مُهمَّشًا //
طباشير فكرتي الأخيرة // خلقتُهَا أنا // من ذاكرةِ عدمي الأخيرْ //).
يوجدُ في هذه الجمل والتعابير معاني فلسفيَّة عميقة، وتستعملُ الشَّاعرة ُ بعضَ الرموز والتوظيفات الدلاليَّة الجديدة التي لم يستعملها أحدٌ من قبلها إطلاقا. فهي أوَّلُ شاعرةٍ عربيَّةٍ تقولُ: ( طباشير فكرتي الأخيرة !) أو عبارة ” ذاكرة عدمي الأخير “… والمقصودُ هنا ( فحوى كلامها ): إنها جاءت إلى هذا الوجودِ صفحة ً بيضاء بريئة…ولكنَّ أيديلوجيتها وأفكارَها ومبادئها المتمسكة بها هي بنفسِها خلقتها وأوجدتهَا من ذاكرةِ عدمِها الأخير… والمقصودُ بعدمِهَا الأخير أي ظلم المجتمع والرجل الشرقي لها ( للمرأة ) فهو العدمُ بحدِّ ذاته. وهذه الذاكرة العدميَّة المُمْحِلة ُجعلتها،بدورها، تخلقُ لها ذاكرة ً جديدة ً وتتخذ ُ لها نهجًا وفكرًا جديدا تقدُّميًّا رائدًا في هذا المجتمع الذكوري… تتخذ ُ نهجًا يرفضُ التبعيَّة َ والتراجعَ والإنصياعَ والإنغلاقَ وترفضُ القيودَ الصَّارمة َ التي يفرضُها المجتمعُ على المرأةِ العربيَّةِ والشرقيَّة دونَ مُبَرِّرِ. فهي مع التقدُّم الحضاري ومع حُرِّيَّةِ المرأةِ وتحقيق شخصيَّتها وكيانها واستقلاليَّتها الفكريَّة. وتقصدُ الشَّاعرة ُ بجملة: ( أسكب حبيب أمِّي الكريهَ)…أي أنها تحاولُ أن تمحو وتزيلَ من شخصَّيتِهَا وذاكرتِهَا كلَّ فكرةٍ انهزاميَّة ورجعيَّةٍ حملتها عن أمِّها وعن النساء والعجائز عن واقع وموقع المرأةِ الشرقيَّة في نظرهن، وكلّ شعور وإحساس بالنقص..أي أنَّ المرأة َ هي مجرَّد ُ أداةٍ للجنس وللتناسل وللولادةِ ومتاع ٌ للرجل، فعليها أن تخدمَهُ وتلبِّي وتحققَ كلََّ رغباتهِ ونزواتهِ، ولا يحقُّ لها أن تتعلَّمَ وتحققَ مصيرَها وكيانهَا ويكونَ لها رأيٌ في الحياة… فالشاعرة ُ ” نجاح نجم ” هي ضدُّ كلِّ هذه الأفكار المُتخلِّفةِ المتوارثة، ولهذا هيَ سكبت حليبَ أمِّها الكريه. أي أفكار أمَِّهَا والأمهات الرَّجعيَّات فكريًّا اللواتي لديهنَّ عقدُ النقص ويعتقدنَ أنهنَّ ضلعٌ قاصر والرجل أفضل منهنَّ بكثير ويمتازُ ويتفوقُ عليهنَّ في كلِّ المجالات.
وتوظفُ الشَّاعرة ُ شخصيَّة َ ” سندريلا “، وسندريلا هي فتاة ٌ جميلة ٌ جدًّا وضعَ اللهُ فيها كلَّ ما هو جميل – من: ذكاء وجمال وآداب ( حسب الأسطورة ) ولكنها ظُلِمَت من قبل خالتِهاَ ( زوجة أبيها )… وفي النهايةِ تحققُ سندريلا كيانها وتستردُّ حُرِّيَّتها وتتزوَّجُ من الأمير… وهكذا هي الشَّاعرة ُ فهي سندريلا هذا العصر- كما ترى نفسها – لا ينقصُها شيىءٌ.. ولكن من حيث كونها فتاة (أنثى ) في مجتمع عربيٍّ مُحافظ فهذا المجتمعُ مُجرَّدُ حجر عثرة أمامَ حرِّيَتها وتقدُّمها وانطلاقها العلمي والأدبي وفي صددِ تحقيق المصير والكيان.. ولكنها لم تيأسْ، فتابعت المشوارَ بإصرار وحققت ذاتهَا وانتصرت مثل سندريلا في نهايةِ المطاف. وفي هذه القصيدة ِ الطويلةِ نجدُ الكثيرَ من التشبيهاتِ والإستعاراتِ الجديدةِ التي لم يستعملها شاعرٌ عربيٌّ من قبل، مثل:
1 – دلتا جروحي. 2- هشيمُ أنوثتي يقاتلُ مخرزًا. وتقصدُ بالجملةِ الثانيةِ أي أنَّ المرأة َمثل الكف الذي يلاطمُ المخرز، والمخرزُ هو الرجلُ والمجتمع الشرقي.. وإنَّهُ لتشبيه ٌ جميلٌ وناجح. وأمَّا عندما تتحدَّثُ عن الأنوثةِ المتأجِّجَةِ المُشتعلةِ فتعَبِّرُ بهذه الكلمات:
( ” تشعلُ أنوثتي حرائقَ روما // روما بمعبدِ ألوهِيَّتِهَا الجميل //
… أي انَّ الأنوثة َ المكبوتة َ قد تتفاقمُ وتنفجرُ وتحرقُ كلَّ شيىءٍ أمامَها… فالإنعكاساتُ والهَزَّاتُ الإجتماعيَّة والسياسيَّة هذه هي الحرائق. وكثيراتٌ هُنَّ النساء اللواتي لعبنَ أدوارًا هامَّة ً في المجتمع والتاريخ، ومنهنَّ من غيَّرَ مجرى التاريخ. ومدينة ُ روما هي رمزٌ لتاريخ وحضارةٍ عريقةٍ وعاصمة لأمبراطوريَّة حكمت وفرضت هيمنتهَا على الكثير من الشعوب فترة طويلة… وتقولُ الشَّاعرة ُ:
عيونُ أبي شلال قهوة.. // لم أتناسَخْ من هَوام // وجود هلامي //…..إلى غير ذلك من الكلماتِ وللتشبيهاتِ الجديدة. ولننتقل إلى قصيدة أخرة بعنوان:( “حائط من الإسمنت والحديد “- صفحة 34 – 35 ) وهي مهداة ٌ إلى روح الشهيد “أسيل عاصلة ” فتقولُ فيها:
( ” نحنُ الضياءُ والحقُّ والصدقُ لنا
السَّمسُ لنا // وهمُ الظلامُ يا ” أسيل ”
بتنا ليالي مظلمة ً وبلا شموع وبلا أصيلْ //
قرنا وقرنْ.. // الآنَ حينَ رأوا الشَّمعة َ الأولى تضاءْ //
ثارَ الغضبُ، غضببٌ تأجَّجَ في الصُّدورْ.. // ماذا تريدْ //
حُكامُنا.. صُنَّاعُنا.. ملوكُنا..سلاطيننا..// ظلامُنا // مصَّاصُو دمائنا.. //
ماذا أرادُوا // ماذا أرادُوا كي نريدْ // ماذا أرادُوا.. //
أسَوائِمُ بلا هويّة ولا انتماءْ // هُوَ ما أخرجَ أحبابَنا إلى الشَّوارعْ //
صارخينَ.. // الطفلُ مات.. // يا حبيبْ.. //
صرخة ٌ وحيدة ٌ صاعقة ٌ // الطفلُ ماتْ… //
” ومحمَّدُ الدُّرَّة ” شهيد… // للّه درُّكَ من شهيدْ //
يا محمَّد.. يا خاتمَ الأنبياء… // يا حبيبْ // ” ).. إلخ.
هذه القصيدة ُ جميلة ٌ وغنيَّة ٌ بمضامينها ومعانيها المُتمَاوجَةِ… وتشعُّ بموسيقاها الداخليَّة وبنبرتها الحماسيَّة المتأجِّجة التي تحرِّكُ المشاعرَ وتهزُّ الضمائرَ.
كتبت ” نجاحُ ” هذه القصيدة َُ في أحداثِ الإنتفاضةِ الثانية – ( في هبَّةِ أكتوبر عام 2000 ) حيث سقط َ يومَها عدَّة ُ شهداء من عربِ الداخل ومن بينهم ” أسيل عاصله ” من قريةِ عرابة البطوف – الذي ترثيه ِ في هذه القصيدةِ، وكما تعرضُ وتشرحُ بإسهابٍ الوضعَ المحلي والعربي وموقفَ الشَّعب الفلسطيني الشُّجاع داخل الخطين الأحمر والأخضر ( فلسطينيي الضفة والقطاع وفلسطينيي الداخل عرب ال 48 ) وأنهم على حَقٍّ ويناضلون لأجل الحقوق ولا يخافون بطشَ المعتدي الظالم مهما كانَ يملكُ من آلاتِ ومعدَّاتِ وتراسنات القتل والإبادةِ الحديثة والتيكنيلوجيَّة المتطوِّرة، فتقولُ الشَّاعرة ُ:
( ” نحنُ الضياءُ والصِّدقُ والحقُّ لنا “)… وهذا صحيحٌ بالتأكيد فالشَّمسُ والحُرِّيَّة ُ لنا والحقُّ… ولكنهم ( المعتدون ) همُ الظلام.
وتذكرُ كيفَ أنَّ الشَّرقَ والعالم العربي رزحُوا ورضخُوا سنينا وقرونا طويلة ً تحتَ نير الظلم والإستعمار…وحينما بدؤُوا يستفيقون ويستيقضون من الظلمةِ ويرونَ الفجرَ والنجومَ والحريَّة َ ثارَغضبَ الناقمونَ وأصحاب المطامع والمآرب الإستعماريَّة وأرادوا أن يطفئوا شمعة َ الفكر والإنطلاقةِ التقدميَّة والعلميَّة للشعب العربي. وتنتقدُ الشَّاعرة ُ بعنفٍ، في هذه القصيدة، الأنظمة َ العربيَّة َ الرَّجعيَّة، فهم مَصَّاصُو دماءِ الشَّعب ولا يريدونَ الفجرَ والحريَّة َ لهُ…لا يريدونَ للشعبِ الفلسطيني أن يأخذ َ وينالَ حقوقه… أو بالأحرى لا يساندونهُ ويساعدونهُ ويدعمونهُ في محنتهِ ومآسيهِ وفي كفاحهِ الدَّؤُوب غير المتكافىء، لأجل الحريَّةِ والعدالة ِ والسلام. والشَّعبُ الفلسطيني المكلومُ والمظلومُ دائما عزيزٌ وأبيُّ النفس، فهوَ كالعنقاءِ يُبعَثُ من بين الرَّمادِ، ودائما يتجدَّدُ نشاطا وفكرا ثوريًّا ونظالا وكفاحًا.. وهذا الشَّعبُ لا يرضى ولا يقبلُ أن يكونَ بدون هويَّةٍ وانتماء،بل هو الذي بهرَ جميعَ شعوب الأرض في حُبِّهِ للوطن وفي الشَّهادةِ والفداء لأجل الحريَّةِ والكرامةِ والدفاع عن الحقِّ المهضوم. فلأجل الحريَّةِ والحقّ خرجَ الشَّعبُ الفلسطيني والأطفالُ والأحبابُ إلى الشَّوارع في مظاهراتٍ عارمةٍ رغمَ الأطواق الأمنيَّةِ والقواتِ العسكريَّة الكبيرة المُدجََّجة بالسلاح لتحولَ وتمنعَ الشَّعبَ الفلسطيني من التعبيرعن واقعهِ المؤلم ورفضهِ لهذا الواقع. وتذكرُ في هذه القصيدةِ الشَّهيد “محمد الدُّرَّة ” الذي أصبحَ رمزًا للإنتفاضةِ الثانيةِ وكيف كانَ الفلسطينيُّون يهتفون في المظاهرات باسمهِ فتقولُ:
( ” الطفلُ مات… // ومحمَّدُ الدُّرَّة شهيد // للهِ درّكَ من شهيدْ.. //
وتذكرُ أيضا الشهيد ” أسيل عاصله ” في العديدِ من مقاطع القصيدةِ.
وبإختصار القصيدة جميلة وحماسيَّة وتجسِّدُ الواقعَ والفترة َ التاريخيَّة وهي ( إنتفاضة الأقصى عام 2000 ) وتجسِّدُ الواقع العربي والفلسطيني وتذكرُ أسماءَ بعضَ الذين استشهدوا في هَبَّةِ أكتوبر. وللشَّاعرةِ العديدُ من القصائد الوطنيَّة في هذا الديوان. ولننتقل إلى قصيدةٍ أخرى من الديوان (القصيدة الأخيرة ) وهي بعنوان:(” إعترافات – شعر غنائي “) والقصيدة غنائيَّة – ذاتيَّة ووجدانيَّة تترعُها الشَّاعرة ُ وتضمِّخُها بصورٍ جديدةٍ وبرُؤيةٍ متطوِّرةٍ وبحليةٍ قشيبة تختلفُ كليًّا عن النهج التقليدي المألوف ( العمودي أو شعر التفعيلة وحتى النثري) وتستعملُ فيها الكثيرَمن الرُّموز والتوظيقات الجديدة. وتتحدَّثُ في القصيدةِ بشكل عام عن المرأةِ ودورها في المجتمع وعن موضوع الحبِّ والعشق وما هي نظرة ُ المجتمع الإجماليَّة للمرأةِ…وخاصَّة المرأة والفتاة التي تحبُّ وتعشقُ، وموقف المجتمع من هذا الموضوع ومنها. و” نجاح” تدافعُ عن موقفِ المرأةِ والفتاةِ، وتذكرُ أنَّ الكثيرات من النساءِ يُحبُّونَ في حياتِهم ( وهذا حقهنّ)..ولكن لا يجرؤُونَ على إظهار حُبِِّهنَّ بسببِ نظرةِ المجتمع السَّلبيًّة وموقفهِ ضدَّهنَّ. فالمجتمعُ الشرقي ( حتى الآن ) أجواؤُهُ تشبهُ فترة َ محاكم التفتيش، ولكنَّ المرأة َ ليست قالبا من الثلج لا تحسُّ، بل هي مثل الرَّجل لها جسدُهَا ولها عواطف ومشاعر متأجِّجة فتحبُّ وتعشقُ وتشتهي وَتُثارُ، ولكنَّهَا دائما تخفي مشاعرهَا وتكبتُ وتدفنُ أحاسيسَها في داخلِها خوفا من عقاب المجتمع الصَّارم لها..وأمَّا الرَّجلُ فمسموحٌ لهُ أن يفعلَ ما يشاء، فتقولُ في القصيدةِ ( صفحة 93 ):
( ” يسألني هل أحببتُ ؟ // عن أيِّ حُبٍّ يسألون / وَلادة ُ تحتلُّنِي
( ” أعلنتُ حُبِّيَ مَرَّة ً // مَرَّة ً… // وتلوَ المَرَّهْ… // ” ).
وتوظفُ هنا شخصيَّة ” وَلاَّدَة ” ابنةِ الخليفة المستكفي الأندلسيَّة التي أحبَّت عدَّة مرَّات ووقعَ في غرامِها الشَّاعرُ الكبير ” إبن زيدون “… وتقولُ أيضا:
( ” يسألُني هل أحببتُ ؟ // محاكمُ التفتيش تسألُ غانيه //
قطعة صفيحٍ بارد… // كأسُ خمرٍ فارغة //
يسألني هل أحببتُ // من قالَ يومًا // إنَّني قطبٌ شماليٌّ تجمَّدْ //
أعجازُ نخل ٍ خاويهْ // ” ).
المعاني هنا واضحة ٌ جدًّا في القصيدةِ، فالشَّاعرة ُ أو المرأة ُ العربيَّة بشكل عام هي ليست القطبَ الشَّمالي المتجمِّد ولا جذعَ نخل يابس لا حياة فيهِ..بل هي إنسانة ٌ لها مشاعِرُهَا ولواعِجُهَا الجيَّاشة وَتُثار وتتأجَّجُ عاطفيًّا وجنسيًّا مثلَ الرجل. وتقولُ الشاعرة ُ في القصيدةِ:
( ” يسألني هل أحببتُ… // ومن هو حُبِّي الأخير //
شمسٌ حزينة ٌ مشاعري // قمرٌ يختبىءُ بجوانحي //
حبَّاتُ رملٍ ساخنة //
وتقولُ:(” يسألني هل أحببتُ // ومن هوَ حبِّي الأخير //
عروسة ُ الثلج أنا // صحراءُ هذا الشَّرق ِ قلبي // )… إلخ.
وهي بدورِهَا ( الشاعرة ) تجيبُ الذي يسألها ويستفسرُ: هل أحببت يوما أم لا.. ومن هو حُبُّها الأخير ؟… فتقولُ: إنَّ مشاعرَها جريئة وواضحة ٌ مثل الشَّمس ( والتشبيه هنا جديد ) فمشاعرها حارَّة ٌ ودافئة ولا تستطيعُ أن تخفيها لأنها تستطع كالشَّمس. وبجوانِحِهَا قد اختبأ القمر – رمز للجمال والرومانسيَّة والحب والعشق. وهي نموذجٌ حيٌّ ومرآة ٌ للمحبَّةِ الصادقةِ الحقيقيَّةِ وللإخلاص والوداعةِ والرومانسيَّة الحالمة… وهي أيضا حبَّاتُ رمل ساخنة ( حذفت هنا أداة التشبيه).. أي مثل حبات الرمل الساخنة عند الهجير ( الحَرُّ الشديد ساعات الظهر ) فإنها متأجِّجَة ٌ وملتهبة بالأنوثةِ والعواطف. وهي عروسٌ رائعة ُالجمال غنيَّة ٌ بالعواطفِ والاحاسيس البرئيئةِ والمشاعر المرهفةِ والمبادىء والمُثل..ولكنَّ المجتمعَ وكلَّ من حولها مثلُ الجليد لا يحسُّ ولا يشعرُ وَمُتجَرِّدٌ من العواطفِ والشُّعور ويفكِّرُ فقط في الأمور المادّيَّة.. فهي عروسٌ بين الجليد، وهي أيضًا صحراءُ هذا الشَّرق… صحراءٌ في رَحَابَةِ واتساع صدرها وصمتِها ومتاهاتِها وألغازها وفي سخونتِها وحَرِّها، وهي صحراءٌ قاحلة ٌ بحاجةٍ لمطر…وتحتاجُ لإنسان يفهمُهَا وَيُدركُ كُنهَهَا وحقيقتَها وقيمتهَا وَيُحِبُّهَا وَيُحَوِّلُ صحراءَ حياتِها ( صحرائِها ) إلى جنائن وورود… وهكذا هي المرأة ُالشَّرقيَّة في معظم الأحيان وكلُّ امرأةٍ في هذا الوجود بحاجةٍ لرجل.
وأخيرا سأكتفي بهذا القدر من إستعراض وتحليل القصائد.
وفي النهايةِ نهنِّىءُ الشاعرة َ والاديبة المبدعة ” نجاح نجم ” على إصدار هذا الديوان ونتمنَّى لها المزيدَ من الإصدارات القريبة – الشعريَّة والنثريَّة.
بقلم: حاتم جوعيه